التسميات

الموسيقى الصامتة

Our sponsors

‏إظهار الرسائل ذات التسميات الإيمان باليوم الآخر. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الإيمان باليوم الآخر. إظهار كافة الرسائل

06‏/12‏/2014

الجنة والنار



الجنة والنار:
      أ- الجنة: وهي دار نعيم قد أعدَّها الله للمؤمنين في الآخرة وهي جزاء لهم بما كانوا يعملون من الأعمال الصالحة.
      قال الله تعالى: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين} [آل عمران: 133].
      وقال الله تعالى: {وأمَّا من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى* فإن الجنة هي المأوى(2)} [النازعات:40-41].
      وقد بينَّ الله سبحانه وتعالى تفصيلاً في القرآن الكريم عن الجنة ونعيمها وأنهارها وأشجارها وثمارها وطعامها وشرابها وثيابها، وحُلَلْها ومساكنها وغرفها وحورها ... وليعلم أن نعيم الجنة لا يشبه نعيم الدنيا قال الله تعالى: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرَّة أعين(3) جزاءً بما كانوا يعملون} [السجدة: 17].
      وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال تعالى: أعددت لعبادي الصالحين، مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر". رواه البخاري ومسلم.
         قال الله تعالى في وصف الجنة وأهلها: {والسابقون السابقون* أولئك المقربون * في جنات النعيم * ثلة(4) من الأولين * وقليل من الآخرين * على سرر موضونة(5) * متكئين عليها متقابلين* يطوف عليهم ولدان مخلدون(6) * بأكواب(7) وأباريق(8) وكأس(9) من معين(10) * لا يصدعون(11) عنها ولا ينزفون(12) * وفاكهة مما يتخيرون * ولحم طير مما يشتهون * وحور عين(13) * كأمثال اللؤلؤ
(1) الغُرَّة : بياض في جبهة الفرس والتحجيل : بياض في يديها ورجليها. وسمي النور الذي يكون على مواضع الوضوء يوم القيامة غرَّة وتحجيلاً وهذا تشبيه بغرة الفرس وتحجيله.
(2) هي المرجع والمُقام.
(3) موجبات المسرة والفرح.
(4) أمة من الناس كثيرة.
(5) منسوجة من الذهب بإحكام.
(6) مُبَقَّوْن على هيئة الولدان في البهاء.
(7) أقداح لاعرى لها ولا خراطيم.
(8) أوان لها عرى وخراطيم.
(9) قدح فيه خمر.
(10) خمر جارية من العيون.
(11) لا يصيبهم صداع بشربها.
(12) لا تذهب عقولهم بسببها.
(13) نساء بيض واسعات الأعين حسانها.
المكنون(1)* جزاءً بما كانوا يعملون* لا يسمعون فيها لغواً(2) ولا تأثيماً(3) * إلا قيلاً سلاماً سلاماً* وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين* في سدر(4) مخضود(5) * وطلح(6) منضود(7) * وظل ممدود(8) * وماء مسكوب(9) * وفاكهة كثيرة* لا مقطوعة ولا ممنوعة* وفرشٍ مرفوعة(10) * إنا أنشأنهن إنشاءً* فجعلنهن أبكاراً* عرباً(11) أتراباً(12) * لإصحاب اليمين* ثلة من الأولين* وثلة من الآخرين} [الواقعة: 10-40]
      وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تبارك وتعالى يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة؟ فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك، فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك، قالوا: يا ربِّ، وأي شيءٍ أفضل من ذلك؟ فيقول: أحِلُّ عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبداً". رواه البخاري.
ب- النار: وهي دار عذاب قد أعدَّها الله للكافرين والمستكبرين عن طاعة الله وعبادته.
      قال الله تعالى: {فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أُعِدَّت للكافرين} [البقرة: 24].
      وقال الله تعالى: {واتقوا النار التي أُعدَّت للكافرين} [آل عمران: 131].
      وقال الله تعالى: {وأمَّا من طغى وآثر الحياة الدنيا* فإن الجحيم هي المأوى(13)}.
      وقد وصف الله تبارك وتعالى الله وقود النار ونيرانها المتأججة ووصف طعامها وشرابها ووصف عذابها بما يدخل الرعب في قلوب المجرمين وقلب كل متكبر جبارٍ أثيم.
      وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم أهون أهل النار عذاباً فقال: "إن أهون أهل النار عذاباً يوم القيامة لَرَجلٌ توضع في أخمص(14) قدميه كجمرةٌ(15) يغلي منها دماغه". رواه البخاري


(1) المصون في أصدافه مما يُغَيِّره.
(2) كلاماً لا خير فيه أو باطلاً.
(3) ولا نسبة إلى الإثم أو ما يوجبه.
(4) في شجر النَّبْق يتنعمون به.
(5) مقطوع شوكه.
(6) شجر الموز أو مثله.
(7) نُضِّدَ بالحمل من أسفله إلى أعلاه.
(8) دائم لا يتقلص أو ممتد منبسط.
(9) مصبوب يجري في غير أخاديد.
(10) على الأسرة.
(11) متحبِّبات إلى أزواجهن.
(12) مستويات في السن.
(13) المرجع والمقام.
(14) المتجافي عن الأرض من الرجل عند المشي.
(15) قطعة من النار ملتهبة.
      قال الله تعالى في وصف النار وأهلها: {إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم ناراً، كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزاً حكيماً} [النساء: 56].
      وقال تعالى: {إن المجرمين في ضلال وسُعر(1)* يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مسَّ سقر} [القمر: 47 - 48].
      وقال تعالى: {وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال* في سموم(2) وحميم(3) * وظلٍ من يحموم(4) * لا بارد ولا كريم(5) * إنهم كانوا قبل ذلك مترفين(6) * وكانوا يصرون على الحنث(7) العظيم* وكانوا يقولون إئذا متنا وكنا تراباً وعظاماً إءنا لمبعوثون* أو أباؤنا الأولون* قل إن الأولين والآخرين* لمجموعون إلى ميقاتِ يوم معلوم* ثم إنكم ايها الضالون المكذبون* لآكلون من شجر من زقوم(8) * فمالئون منها البطون* فشاربون عليه من الحميم* فشاربون شرب الهيم(9) * هذا نزلهم(10) يوم الدين(11)} [الواقعة: 41 - 56].
      وقال تعالى: {وجوه يومئذٍ خاشعة(12)* عاملة(13) ناصبة(14) تصلى ناراً حامية(15) * تسقى من عين آنية(16) * ليس لهم طعام إلا من ضريع(17) * لا يسمن ولا يغنى من جوع(18)} [الغاشية: 2-7].
      ج- الخلود في كل من الجنة والنار:
      إن نعيم الجنة باقٍ خالد لا نهاية، وعذاب جهنم باقٍ لا نهاية له.
      قال الله تعالى في الخلود الأبدي لأهل الجنة: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم
(1) نيران مسعرة.
(2) ريح شديدة الحرارة تدخل المسام.
(3) ماء بالغ غاية الحرارة.
(4) دخان شديد السواد أو نار.
(5) لا نافع من أذى الحر.
(6) مُنَعمِينَ متبعين أهواء انفسهم.
(7) الذنب العظيم وهو الشرك.
(8) شجر كريه الرائحة في النار.
(9) الإبل العطاش التي لا تروى.
(10) ما أُعِدَّ لهم من الجزاء.
(11) يوم القيامة.
(12) ذليلة خاضعة من الخزي.
(13) تجرُّ السلاسل والأغلال في النار.
(14) تعبة مما تلاقيه فيها من العذاب.
(15) تدخل ناراً تناهى حرُّها.
(16) بلغت غايتها في الحرارة.
(17) شيء في النار كالشوك مُر منتن.
(18) لا يدفع عنهم جوعاً.
جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلاً ظليلاً} [النساء: 57].
      وقال تعالى: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً وعد الله حقاً ومن أصدق من الله قيلاً} [النساء: 122].
      وقال الله تعالى في الخلود الأبدي لأهل النار الكافرين: {كذلك يريهم الله أعمالهم حسراتٍ عليهم وما هم بخارجين من النار} [البقرة: 167].
      وقال تعالى: {إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقاً* إلا طريق جهنم خالدين فيها أبداً وكان ذلك على الله يسيراً} [النساء:168-169].
      وقال تعالى: {إن الله لعن الكافرين وأعدَّ لهم سعيراً* خالدين فيها أبداً لا يجدون ولياً ولا نصيراً} [الأحزاب: 64 - 65].
      وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خلود أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار: "إذا صار أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار، جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار ثم يذبح(1)، ثم ينادي منادٍ: يا أهل الجنة لا موتَ، ويا أهل النار لا موتَ، فيزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرحهم ويزداد أهل النار حزناً إلى حزنهم". رواه البخاري.
      وقال صلى الله عليه وسلم: "من يدخل الجنة ينعم ولا يبأس، ويخلد ولا يموت". رواه مسلم
      وقال صلى الله عليه وسلم: "ينادي منادٍ: يا أهل الجنة إن لكم أن تصيحوا فلا تسقموا أبداً، وأن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وأن تحيوا فلا تموتوا أبداً".
      تنبيه أول: عصاة المؤمنين الذين في النار يُعذَّبون ثم يخرجون فيدخلون الجنة.
      قال الله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء:48].
      وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، يقول الله من كان في قلبه مثقال حبة من خردلٍ من إيمان فأخرجوه، فيخرجون قد امتُحِشوا(2) وعادوا حُمَمَاً(3)، فَيُلْقَون في نهر الحياة، فينبتون كما تنبت الحِبَّة(4) في حَميل السَّيْل(5) أو قال: حَمِيَّةِ السَّيْل(6) - وقال النبي صلىالله عليه وسلم - ألم تروا أنها تخرج صفراء ملتوية". رواه البخاري.
      تنبيه ثانٍ: إن أهل الكتاب من اليهود والنصارى كفار ويعذبون في النار ويخلدونَ فيها.
(1) يجسد على شكل كبش، ثم يجاء به، ويذبح وفي هذا إشارة إلى الخلود والدوام.
(2) قد احترقوا.
(3) فحماً.
(4) بذر النبت.
(5) غثاؤه وهو ما جاء من طين وغيره، فإذا كان فيه حبة واستقرت على شط الوادي تنبت بسرعة.
(6) معظم جريه واشتداده.

قال الله تعالى: {إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية(1)} [البينة: 6].

انتظار رسول الله أمته الواردين على الحوض




الحوض:

      أ- الحوض مكرمة خصَّ الله تعالى بها محمداً صلى الله عليه وسلم:
      وفي سورة الكوثر، إشاره إلى ذلك:
      قال الله تعالى: {إنا أعطيناك الكوثر* فصل لربك وانحر* إن شانئك(5) هو الأبتر(6)} [الكوثر: 1 - 3].
      عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في الكوثر: هو الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه.
      قال أبو بشير: قلت لسعيد بن جبير: فإن ناساً يزعمون أنه نهر في الجنة؟ فقال سعيد: النهر الذي في الجنة هو من الخير الذي أعطاه الله إياه. رواه البخاري.
      وعن أنس رضي الله عنهما قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه ضاحكاً، فقيل له: ما أضحكك يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "نزلت عليّ سورة آنفاً(7)، فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر حتى ختمها، قال: أتدرون ما الكوثر؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال إنه نهر وعدنيه ربي عزَّ وجلَّ، عليه خير كثير، وهو حوض تَرِد عليه أمتي يوم القيامة: آنيته عدد نجوم السماء فيُختلج العبد منهم، فأقول: ربِّ إنه من أمتي، فيقول: ما تدري ما أحدث بعدك". رواه البخاري ومسلم.

(1) أجاد حفظه.
(2) من أهل النار.
(3) ماء الوضوء.
(4) الذي هو من أهل الجنة وهو الرجل الصالح.
(5) فبعضك.
(6) المقطوع الخير.
(7) الآن.

      وذلك النهر هو في الجنة يسمَّى كوثراً ويمتد فيه إلى الموقف فيسمَّى الحوض ترد عليه أمة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.
      ب- سعة الحوض وكثرة آنيته وحلاوة مائة وبياض لونه:
      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حوضي مسيرة شهر وزواياه سواء، وماؤه أبيض من الورِق(1) وريحه أطيب من المسك، وكيزانه(2) كنجوم السماء فمن شرب منه فلا يظمأ بعده أبداً". رواه مسلم.
      عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله ما آنية الحوض؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لآَنيتُه أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها، إلا في الليلة المظلمة المصحية، آنية الجنة من شرب منها لم يظمأ، آخر ما عليه يشخب(3) ميزابان من الجنة من شرب منه رواه مسلم.
لم يظمأ، عرضه مثل طوله ما بين عَمَّان(4) إلى أيْلة(5) ماؤه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل".
      ج- انتظار رسول الله أمته الواردين على الحوض:
      عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً وصلى على شهداء أحدٍ صلاته على الميت ثم انصرف إلى المنبر فقال: "إني فَرَط(6) لكم وأنا شهيد عليكم وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن، وإني قد أعطيت خزائن الأرض أو مفاتيح الأرض وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم أن تتنافسوا فيها". رواه البخاري ومسلم.
      د- استقبال الرسول صلى الله عليه وسلم أمته على الحوض ومعرفته لهم بسيماهم من بين الأمم:
      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن حوضي لأبعدُ من أيْلة من عدن(7)، والذي نفسي بيده إني لأذود عنه(8) الرجال(9) كما يذود(10) الرجل الإبل القريبة، قالوا: يا رسول وتعرفنا؟ قال:
__________________________
(1) الفضة.
(2) كوؤسه.
(3) يجري.
(4) مدينة في عراق الشام على الساحل البحر متوسطة بين مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودمشق. وهذا للإعلام بسعة الحوض.
(5) بلدة بالبلقاء في الشام.
(6) الفارط: وهو الذي يتقدم الواردين ليصلح لهم الحياض والدلاء. والمعنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظر أمته الواردين عليه المتبعين له، وذلك ليستقبلهم ويسقيهم.
(7) وهذا تقدير لسعة الحوض.
(8) أمنع عن الحوض.
(9) من غير أمته.
(10) كما يمنع.

نعم، ترِدون عليَّ غراً مُحجَّلين(1) من آثار الوضوء ليست لأحدٍ غيركم". رواه مسلم.

الشفاعة يوم القيامة



الشفاعة:
إن الشفاعة يوم القيامة لا يتقدم إليها أحدٌ إلا بإذنه تعالى قال الله تعالى: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} [البقرة: 255].
(1) الأنبياء عليهم السلام.
(2) حديدة يختطف بها.
(3) منطقة في الحجاز.
(4) نبات ذو شوك.
(6) مخموش ممزق.
(7) يلقى بعضهم فوق بعض في جهنم.
(8) قسم بالله.

      وقال تعالى: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} [الأنبياء: 28].
      - أنواع الشفاعة:
      أ- الشفاعة العظمى: هي من خصائص الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم، وتكون أول الشفاعات، وهي تعمُّ جميع أهل الموقف على مختلف أديانهم، وبها يتخلصون من أهوال الموقف(1) وكرباته بعد اشتدادها وطولها، ثم ينفضُّ أمرهم إلى العرض والحساب والميزان.
      فالشفاعة العظمى هي المقام المحمود:
      قال الله تعالى: {ومن الليل فتهجد(2) به نافلة(3) لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً(4)} [الإسراء: 79].
      وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الناس يصيرون يوم القيامة(5) جُثى كل أمة تتبع نبيها، يقولون: يا فلان اشفع لنا، حتى تنتهي الشفاعة إليَّ، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود". رواه البخاري.
      عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في دعوةٍ، فرفع إليه الذراع، وكانت تعجبه فنهس منها نهسةً، وقال: "أنا سيِّد ولد آدم يوم القيامة، هل تدرون ممَّ ذلك؟ يجمع الله الأولين والآخرين على صعيد واحد، فيبصرهم الناظر، ويسمعهم الداعي، وتدنو منهم الشمس، فيبلغ الناس من الغمِّ والكرب مالا يُطيقون ولا يحتملون فيقول الناس: ألا ترون إلى ما أتنم فيه ألا ترون إلى ما بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس لبعض: أبوكم آدم، فيأتونه، فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، وأسكنك الجنة، ألا تشفع لنا إلى ربك؟ ألا ترى ما نحن فيه، فيقول: إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيتُ، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح، فيأتون نوحاً، فيقولون: يا نوح أنت أوَّل الرسل إلى أهل الأرض، وقد سمَّاك الله عبداً شكوراً، ألا ترى إلى ما نحن فيه، ألا ترى إلى ما بلغنا؟ ألا تشفع لنا عند ربك؟ فيقول: إنَّ ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه قد كان لي دعوة دعوتُ بها على قومي، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى إبراهيم، فيأتون إبراهيم فيقولون: أنت نبيّ الله وخليله من أهل الأرض، اشفع لنا عند ربك، أما ترى ما نحن فيه؟
(1) أهل المحشر.
(2) الصلاة ليلاً بعد الاستيقاظ.
(3) فريضة زائدة خاصة بك.
(4) مقام الشفاعة العظمى.
(5) يجلسون على ركبتيهم.


فيقول لهم: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده
ترى ما نحن فيه؟ فيقول لهم: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني كنتُ كذبت ثلاث كذباتٍ، فذكرها، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى، فيأتون موسى، فيقولون: أنت رسول الله فضلك الله برسالاته وبكلامه على الناس، اشفع لنا إلى ربك، أما ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قتلت نفساً لم أومَرْ بقتلها، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى عيسى، فيأتون عيسى، فيقولون: يا عيسى أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، وكلَّمتَ الناس في المهد، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟ فيقول عيسى: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فيأتون محمداً صلى الله عليه وسلم، فيقولون: يا محمد أنتَ رسول الله، وخاتم الأنبياء، وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ اشفع لنا إلى ربك، قال: فأستأذن على ربي فيؤذن لي، فإذا أنا رأيته، وقعت له ساجداً فيدعني ما شاء الله. فيلهمني الله محامد لا أقدر عليها الآن، فأحمده بتلك المحامد، ثم يقال: يا محمد ارفع رأسك، وسلْ تعط واشفع تشفَّع، فارفع رأسي، فأقول: يا ربّ أمتي أمتي، فيقال: يا محمد أدخِل الى الجنة من أمتك مَن لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب، قال صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده إنَّ بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهَجَر، أو كما بين مكة وبصرى". رواه البخاري ومسلم والترمذي
      وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يجمع الله الناس يوم القيامة، فيهتمُّون لذلك، وفي رواية: فيلهمون لذلك، فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا، قال: فيأتون آدم فيقولون: أنتَ آدم أبو الخلق، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، اشفع لنا عند ربك حتى يُريحنا من مكاننا هذا، ليقول: لستُ هناكم، فيذكر خطيئته التي أصاب، فيستحيي ربَّه منها، ولكن ائتوا إبراهيم الذي اتَّخذه الله خليلاً، فيأتون إبراهيم، فيقول: لستُ هناكم، وذكر خطيئته التي أصاب، فيستحي ربَّه منها، ولكن ائتوا موسى الذي كلمَّه الله تعالى، وأعطاه التوراة، قال: فيأتون موسى، فيقول لست هناكم، ويذكر خطيئته التي أصاب، فيستحي ربَّه منها، ولكن ائتوا عيسى روح الله وكلمته، فيأتون عيسى روح الله وكلمته، فيقول: لستُ هناكم، ولكن ائتوا محمداً صلى الله عليه وسلم عبداً غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيأتونني ، فأستأذن على ربي، فيؤذن لي، فإذا أنا رأيته وقعتُ له ساجداً فيدعني ما شاء الله، فيقال: يا محمد ارفع، قل يُسمع، سل تعطه، اشفع تشفَّع، قال: فأرفع رأسي، فأحمد ربي بتحميد يعلمنيه ربي، ثم أشفع فيحدّ لي حداً، فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة، قال الرواي: فلا أدري في الثالثة أو في الرابعة فأقول: يا ربّ ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن، أي وجب عليه الخلود". رواه البخاري ومسلم.
      ب- شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوم يدخلون الجنة بغير حساب:
      ويدلُّ على ذلك ما تقدم في آخر حديث أبي هريرة رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم: "فأرفع رأسي، فأقول: يا ربِّ أمتي أمتي. فيقال: يا محمد أدخِل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب".
      ج- شفاعة رسول الله لعصاة المؤمنين:
      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لكّل بني دعوة مستجابة، فتعجّل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله من مات لا يشرك بالله شيئاً". رواه مسلم.
      وقال عليه الصلاة والسلام: "يخرج قوم من النار بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم فيدخلون الجنة يُسَمَّون الجهنميين". رواه البخاري.
      وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قلت: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه". رواه البخاري.
      د- شفاعة الأنبياء والملائكة والصديقين والعلماء والشهداء والصالحين:
      ورد في الحديث الطويل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فيقول الله تعالى: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين ...." رواه البخاري ومسلم.
      وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء". رواه ابن ماجه.
      وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أمتي من يشفع للفئام(1)، ومنهم من يشفع للقبيلة، ومنهم من يشفع للعصبة، ومنهم من يشفع للرجل حتى يدخلوا الجنة". رواه الترمذي وأحمد.

(1) الجماعات بالقبائل.

      وقال صلى الله عليه وسلم: "من قرأ القرآن فاستظهره(1)، فأحلَّ حلاله وحرم حرامه أدخله الله الجنة، وشفعه في عشرة من أهل بيته قد وجبت لهم النار". رواه الترمذي وابن ماجه.
      وقال صلى الله عليه وسلم: "يُصَفُّ أهل النار فيمر بهم أهل الجنة، فيقول الرجل(2): يا فلان أما تعرفني؟ أنا الذي سقيتك شربة، وقال بعضهم: أنا الذي وهبت لك وَضوءاً(3) فيشفع له(4) فيدخله الله الجنة". رواه ابن ماجه.
      تنبيه: لا يُشفع للكافرين الذين مصيرهم النار خالدين فيها أبداً.

      قال الله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء:116

مشهد الصراط يوم القيامة







الصراط:
      أ- معنى الصراط:
      وهو الجسر الذي ينصب على نار جهنم يوم القيامة، فيجتاز عليه الناس على اختلاف مذاهبهم وأضرابهم وتفاوت درجاتهم، فمنهم من يمرَّ كطرف العين، ومنهم كالبرق، ومنهم كالريح، ومنهم كالطير ومنهم كأجاويد الخيل والركاب ومنهم من يبدو له أن الصراط أدق من السيف، ومنهم من يقع من فوقه ثم يهوي في النار أعاذنا الله من ذلك.
      قال الله تعالى: {ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأتىّ يبصرون} [يس: 66].

      ب- صفة الصراط :
      قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم : "بلغني أن الجسر(1) أدق من الشعر وأحدُّ من السيف". رواه مسلم.
      وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت يا رسول الله هل يذكر الحبيب حبيبه يوم القيامة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة أما عند ثلاث فلا، أما عند الميزان حتى يثقل أو يخف فلا، وأمَّا عند تطاير الكتب فإما أن يعطى بيمينه أو يعطى بشماله، وحين يخرج عنق النار فينطوي عليهم، ويقول ذلك العنق وُكِّلت بثلاثة:
      وكِّلت بمن ادعى مع الله إلهاً آخر، ووكلت بمن لا يؤمن بيوم الحساب، ووكلت بكل جبار عنيد. قال: فينطوي عليهم(2) ويرمى بهم في غمرات النار.
      قال: ولجهنم جسر أدق من الشعر وأحد من السيف عليه كلاليب(3) وحسك(4) يأخذون من شاء الله تعالى، والناس عليه كالطرف(5) وكالبرق وكالريح وكأجاويد الخيل والركاب. والملائكة يقولون: ربِّ سلِّم سلِّم فناج مُسلَّم، ومخدوش مُسلَّم ومكوَّر(6) في النار على وجهه". رواه أحمد.
      ج- أحوال الناس في جوازهم الصراط:
      أشار الله تعالى إلى الصراط وإلى صعوبة هذا الموقف العظيم.
      }وإن منكم إلا واردها(7) كان على ربك حتماً مقضياً ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين جثياً(8)} [مريم: 71 - 72].
      - والذي يمر على الصراط المستقيم اصناف:
      1- منهم يُسلَّم فلا يخدش، ولا يصيبه أيُّ مكروه، وهم المؤمنون حقاً الصادقون.
      2- ومنهم من يخدش ويناله مكروه من النار ثمَّ بعد ذلك يخلص الذين يمرون على الصراط وهم آمنون مطمئنون، لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
      3- ومنهم من يلفُّ ويلقى، فيسقط في جهنم.

(1) الصراط.
(2) على الثلاثة المذكورين.
(3) حديدة معطوفة الرأس يعلق فيها ويقال لها الكلاب.
(4) وهو نبت ذو شوك وهذا تشبيه لحدة الآلات المحمولة.
(5) كطرفة عين أي سرعة هائلة.
(6) يُلَّف.
(7) يرِد النار أي يحضرها بالمرور على الصراط المدود عليها.
(8) باركين على ركبهم لشدة الهول.
      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "... ثم يضرب الجسر على جهنم وتحلُّ الشفاعة ويقولون(1): اللهم سلِّم سلِّم، قيل: يا رسول الله وما الجسر؟ فقال صلى الله عليه وسلم: دحضُ مزلَّة، فيه خطاطيف(2) وكلاليب وحسك تكون بنجد(3) فيها شويكة يقال لها السعدان(4) فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاويد الخيل والركاب.
      فناج مُسلَّمٌ ومخدوش(5) مرسل، ومكدوس(6) في نار جهنم. حتى إذا خلص المؤمنون من النار فوالذي نفسي بيده(7) ما منكم من أحدٍ بأشدّ مناشدةً لله تعالى في استقصاء الحقّ من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار.
      يقولون: ربنا كانوا يصومون، ويصلون ويحجون. فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم فَتحرَّم صُورهم على النار، فيُخرجون خلقاً كثيراً، قد أخذت النار إلى نصف ساقية وإلى ركبتيه ...". رواه مسلم.
      د- الحكمة من المرور على الصراط:
      إن من استقام على الصراط المستقيم أي الطريق القويم في الدنيا، خفَّ على صراط الآخرة ونجا، ومن مال عن الاستقامة في الدنيا وأثقل ظهره بالأوزار وعصى، تعثر في أول قدم من الصراط وسقط وهوى.
      فالصراط الذي هو جسر ينصب على نار جهنم، إنما هو تجسيد لمعنى الصراط أي الطريق الذي ألزم الله به عباده في الدنيا.
      فكن يا أخي سالكاً الطريق المستقيم في الدنيا حتى تسلك الصراط بسهولة يوم القيامة، ولا تكن من الذين مالوا عن الاستقامة في الدنيا، فإنهم لا شك ولا ريب سيميلون عن الصراط في الآخرة، وتزلّ أقدامهم.

      اللهم ثبت أقدامنا على الصراط يوم تزل الأقدام

الميزان



الميزان:
      قال الله تعالى: {والوزن يومئذٍ الحقّ فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون* ومّن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون } [ الأعراف: 8-9 ]
      - فإن يوم الوزن حق وثابت الوقوع، وهذا الإظهار الحقِّ، حيث يقام موازين حسية وعندئذٍ تتمثل أعمال الإنسان وأقواله بذاتها أو بواسطة صحائفها، فتوزن فمن كان أمره صالحاً فقد ثقلت موازينه ورجحت مقادير حسناته وكان من الناجين المفلحين، ومن كان أمره غير ذلك فقد خفت موازينه ورجحت مقادير سيئاته فهو من الخاسرين الهالكين.
      }فأما من ثقلت موازينه* فهو في عيشة راضية* وأما من خفت موازينه* فأمه هاوية(1)* وما أدراك ما هيه(2) * نارٌ حامية } [القارعة: 6-11 ].
      وفي هذا تحذير وتخويف للعباد لئلا يسلكوا طريق النار الحامية بل عليهم أن يباعدوا أنفسهم عن فعل المحرمات والمخالفات التي نهى الله عنها.
      - الدقة في الميزان:
      وفي يوم الوزن لا تظلم نفس شيئاً فلا ينقص مالها شيء، ولا يزاد فيما عليها شيء، فكله يوزن، ولو كان مثقال حبة من خردل أي صغيراً جداً جداً، وفي هذا إظهار لعدالة الله سبحانه وتعالى.
(1) مأواه جهنم يهوي فيها.
(2) ما هي والهاء للسكت.
      قال الله تعالى:
      }ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردلٍ أتينا بها وكفى بنا حاسبين} [ الأنبياء: 47 ].
      - ويثقل الميزان الحسنات:
      ومن جملة الحسنات المثقلة للميزان:
      * حسن الخلق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
      "ما من شيء يوضع في الميزان يوم القيامة أثقل من حسن الخلق". رواه أبو داود والترمذي.
      * الإكثار من التسبيح والتحميد:
      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
      "كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان حبيبتان إلى الرحمان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم"
      * شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عزَّ وجلَّ سيخلِّص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق فينشر له تسعة وتسعين سجلاً كل سجلٍّ مدَّ البصر، فيقول الله تعالى له: أتنكر من هذا شيئاً؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا ربِّ. فيقول: أفلك عذر؟ فيقول: لا، يا ربِّ. فيقول الله عزَّ وجلَّ: بلى إن لك عندنا حسنة، فإنه لا ظلم عليك اليوم، فتخرج بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فيقول الله: احضُر وزنك، فيقول: يا ربِّ ما هذه البطاقة مع هذه السجلات ؟ فيقول الله تعالى: إنك لا تُظلم، فتوضع السجلات في كفَّة والبطاقات في كفَّة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة، ولا يثقل مع اسمه تعالى شيء". رواه الترمذي

موقف الشهادات يوم القيامة






 موقف الشهادات:
      لقد دلت الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث الشريفة على أن الشهداء يوم القيامة هم أصناف متعددة، وهذا موقف خطير وشأنه كبير تحق فيه الحقائق وتقوم به الحجة، وفي ذلك اليوم لا ينفع الظالمين معذرتهم لأن الحجة قامت عليهم بشهادة الأشهاد فلا جحود ولا عناد. ومن الأصناف التي تشهد يوم القيامة على الناس:
      - شهادة الرسل على أممهم:
      يشهدون بالإيمان لمن آمن وبالكفر على من كفر.
      قال الله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً} [البقرة: 143].
      وقال تعالى: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً* يومئذٍ يودُّ الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوَّى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثاً} [النساء: 41-42].
      والمعنى أن الكفار يود أحدهم أن يدفن في الأرض وهو لا يكتم الله حديثاً.
      - شهادة الملائكة الكرام الكاتبين على العبد:
      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقال للعبد يوم القيامة كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً، وبالكرام الكاتبين عليك شهوداً فيختم على فيه(1)، ويقال لأركانه انطقي فتنطق بعمله ثم يخلَّى بينه وبين الكلام، فيقول بعداً لكُنَّ وسحقاً، فعنكنَّ كنت أناضلُ" رواه مسلم.

(1) فمه.
         - شهادة الجوارح والجلود على العبد:
      قال الله تعالى: {يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون} [النور: 24].
      وقال تعالى: {اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون} [يس: 65].
      وقال تعالى : {وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أوَّل مرة وإليه ترجعون} [فصلت: 21].
      - شهادة الأرض على كل عبد:

      عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية {يومئذ تحدث أخبارها} [الزلزلة: 4]. قال: "أتدرون ما أخبارها؟ قالوا الله ورسوله أعلم. قال: فإن أخبارها أن تشهد على كلِّ عبد وأمة بما عمل على ظهرها، تقول عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا، فهذه أخبارها" رواه الترمذي والنسائي وغيرهما

الحساب يوم القيامة





  11- الحساب:
      معنى الحساب: وهو أن يطلع الله عباده قبل أن ينصرفوا من المحشر على كل ما قد صنعوه وفعلوه في حياتهم الدنيا من تصرفات اعتقادية وقوليه وفعليه سواء كانت خيراً أو شرَّاً.
      قال الله تعالى: {إن إلينا إيابهم(1) * ثم إن علينا حسابهم} [الغاشية: 25 - 26].
      والآيات كثيرة في ذكر الحساب وهول هذا اليوم العظيم، وقد مدح الله الذين يستعدون ليوم الحساب ويخافونه، قال الله تعالى: {والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب} [الرعد: 21]. وذم الله الذين نسوا يوم الحساب، ولم يخشوا هذا اليوم قال الله تعالى: {إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب} [ص:26].
      وفي ذلك تحذير من نسيان يوم الحساب، ووعيد لمن نسيه.

(4) رجوعهم.
وقد بَيَّنَ الله تعالى أن محاسبة عباده سوف تأتي علىجميع الأعمال العلانية والسرية، والجسمية والقلبية، والبادية الظاهرة والنفسية الخفية.
      قال الله تعالى: {لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدوا(1) ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير} [البقرة: 284].
      فالأعمال القلبية من الحب والبغض والحسد والحقد، والنيات الحسنة والنيات السيئة والهم والعزيمة في الخير والشر، كلُّ أولئك يحاسب به العبد يوم القيامة، فيثاب على خيرها ويعاقب على شرها.
      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة أُقسم عليهن، وأحدثكم حديثاً فاحفظوه: ما نقص مال من صدقة، وما ظُلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله بها عزَّاً، وما تواضع عبد لله إلا رفعه الله تعالى.
      قال وأحدثكم حديثاً فاحفظوه: إنما الدنيا لأربعة فمن: رجل آتاه الله مالاً وعلماً فهو يتقي في مال ربَّه، ويصل فيه رحمه، ويعلم أن لله فيه حقاً، فهو في أعلى المنازل، ورجل آتاه الله العلم ولم يؤته مالاً، يقول: لو أن له مثل فلان(2) لعملت مثله فهو بنيته وأجرهما سواء، ورجل آتاه مالاً ولم يؤته علماً، فهو يخبط في ماله لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه، فهذا في أخبث المنازل، ورجل لم يؤته مالاً ولا علماً يقول لو أن لي مثل فلان(3) لعملت مثله(4) فهو بنيته ووزرهما سواءً" رواه الترمذي وأحمد.
      والهمُّ له اعتباره في الحساب والثواب والعقاب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله كتب الحسنات والسيئات فمن همَّ بها فعملها كتبت له عشر حسنات إلى سبعمائة إلى أضعاف كثيرة، وإن همَّ بسيئة فلم يعملها(5) كتبت له حسنة كاملة، وإن همَّ بها فعملها كتبت له سيئة واحدة". رواه البخاري ومسلم.
      والإرادات العازمة يحاسب عليها الإنسان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار" قيل: يا رسول الله، هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار" قيل: يا رسول الله، هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: "إنه أراد قتل صاحبه(6)". رواه البخاري ومسلم.
(1) تُظهروا.
(2) مثل الذي معه مال الرجل الذي سبقه في الذكر.
(3) صاحب المال الذي لا يتقي فيه ربَّه.
(4) من إرتكاب الشهوات وفعل الحرام وأنواع الفسق.
(5) مخافة من الله.
(6) في رواية كان حريصاً على قتل صاحبة.
      فالمعنى أن القاتل سبقه فلم يحقق المقتول إرادته وهي قتل صاحبه فعلاً.
      وأما الخواطر السريعة والوساوس وحديث النفس السيء الذي لم يوطن الإنسان نفسه عليه، ولم يهمَّ به، ولم يعزم صاحبه على إظهاره إلى الوجود، بل يكرهه ويدفعه عن نفسه فهو معفو عنه.
      قال الله تعالى: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} [البقرة: 286].
      وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى تجاوز لأمتي ما حدَّثت به أنفسها ما لم يعملوا به أو يتكلموا به". رواه البخاري ومسلم.
      وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوه: إنَّا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به! قال: "أوجدتموه؟" قالوا: نعم. قال: "ذلك صريح الإيمان". رواه مسلم.
      فما يصيب الإنسان وساوس سيئة، وهو ينكرها، ولا يرتضيها فهو غير مؤاخذ عليها، بل إن إنكاره لها وتأذيِّه منها، ووجود ألم نفسي بسببها، ففي هذا دليل واضح على محض الإيمان وصراحته.
      - أصناف الناس الذي يُحاسبون:
      أ- صنف يحاسبون حساباً يسيراً وهو أن تعرض على العبد أعماله فيعرَّف بالطاعة والمعصية ثم يثاب على الطاعة ويتجاوز له عن المعصية، فلا شدة فيه على صاحبه ولا مناقشة ولا يطالب بالعذر فيه ولا الحجة عليه فإنه متى طولب بذلك لم يجد عذراً ولا حجة فيفنضح.
      قال الله تعالى: {فأما من أوتي كتابه بيمينه* فسوف يحاسب حساباً يسيراً} [الأنشقاق: 7-8].
      عن عائشة رضي الله عنهما، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نوقش الحساب عُذِّب".
      قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله، أليس قد قال الله عزَّ وجلَّ: {فسوف يحاسب حساباً يسيراً} فقال صلى الله عليه وسلم: "ليس ذاك الحساب إنما ذاك العرض، ومن نوقش يوم القيامة عذِّب". رواه البخاري ومسلم.
      فالمعنى: أن أهل الحساب اليسير لم يحاسبوا مناقشة وتدقيقاً وإنما حسابهم عرض أعمالهم ثم التجاوز عن سيئاتهم.
      عن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ رجلاً سأله: كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله يُدني المؤمن فيضع عليه كنفَه ويستره، فيقول: أتعرف ذنبَ كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول العبد: أعرف ربِّ أعرف ربِّ، حتى إذا قرَّره بذنوبه ورأى نفسه أنه قد هلك قال الله تعالى: سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى كتاب حسناته".
      - وأما الكافر والمنافق فيقول الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين". رواه البخاري.
      ب- صنف يحاسبون حساباً عسيراً:
      وهؤلاء صنف يحاسبهم الله حساباً عسيراً تدقيقاً، ومناقشة، ولابد أن يعذبوا ويهلكوا، وهؤلاء يأخذون كتبهم بشمائلهم أو من وراء ظهورهم أعاذنا الله من ذلك.
      وقال الله تعالى: {وأما من أوتي كتابه بشماله* فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه(1)} [الحاقة:25].
      وقال تعالى: {وأما من أوتي كتابه وراء ظهره * فسوف يدعو ثبوراً(2) * ويصلى سعيراً(3)}[الأنشقاق: 10 - 12].
      وقال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: "من نوقش الحساب عُذِّب". رواه البخاري ومسلم
      ج- صنف يدخلون الجنة بغير حساب:
      فهؤلاء يدخلون الجنة بغير حساب بسبب توكلهم على الله توكلاً عالياً خاصاً، ويدخل بمعيتهم أعدادٌ من الناس كثيرة وهذا لكرامتهم وفضلهم عند الله تعالى.
      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عُرضت عليَّ الأمم فأخذ النبي يمرُّ ومعه الأمة، والنبي يمر معه النفر، والنبي يمر معه العشرة، والنبي يمر معه الخمسة، والنبي يمر وحده، فنظرتُ فإذا سواد كثير(4)، قلت: يا جبريل هؤلاء أمتي؟ فقال: لا، ولكن انظر إلى الأفق، فنظرت فإذا سواد كثير، فقال جبريل هؤلاء أمتك، وهؤلاء سبعون ألفاً قُدَّامَهم لا حساب عليهم ولا عذاب. قلت: ولم؟ قال: كانوا لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون". رواه البخاري.
      وقال صلى الله عليه وسلم: "أعطيتُ سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب، وجوههم كالقمر ليلة البدر، قلوبهم على قلب رجل واحد، فاستزدتُ(5) ربي فزادني مع كل واحد سبعين ألفاً". رواه أحمد.
      ومِن جملة الذين لا حساب لهم:

(1) يقول هذا الكلام بسبب ما سيلاقيه من العذاب الأليم.
(2) يقول يا ثبوراه أي ينادي هلاكاً.
(3) يدخل النار التي هي العذاب الأليم.
(4) أشخاص.
(5) طلب من الله الزيادة.
      الشهداء والعافون عن الناس:
      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا وقف العباد للحساب جاء قوم واضعي سيوفهم على رقابهم تقطر دماً، فازدحموا على باب الجنة، فقيل: من هؤلاء؟ قيل: الشهداء كانوا أحياء يرزقون، ثم نادى منادٍ: ليقم من أجره على الله فليدخل الجنة، ثم نادى الثانية: ليقم من أجره على الله فليدخل الجنة، قيل: ومن ذا الذي أجره على الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: العافون عن الناس، ثم نادى الثالثة : ليقم من أجره على الله فليدخل الجنة. فقام كذا وكذا الفاً فدخلوها بغير حساب". رواه الطبراني بإسناد حسن.
      والعلماء العاملون:
      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله عزَّ وجلَّ للعلماء يوم القيامة: إني لم أجعل علمي وحلمي فيكم إلا وأنا أريد أن أغفر لكم على ما كان فيكم ولا أبالي". رواه الطبراني ورواته ثقات.
   

مشاركة الموضوع

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More