التسميات

الموسيقى الصامتة

Our sponsors

‏إظهار الرسائل ذات التسميات الحج. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الحج. إظهار كافة الرسائل

23‏/12‏/2014

آداب السفر للحج وغيره، وآداب الحاج العائد




آداب السفر للحج وغيره، وآداب الحاج العائد

       وفيه مبحثان:
      المبحث الأول - آداب السفر للحج وغيره:
      1- المشاورة: يستحب أن يشاور من يثق بدينه وخبرته وعلمه في حجه، وعلى المستشار أن يبذل له النصيحة، فإن المستشار مؤتمن والدين النصيحة.
      2- الاستخارة: ينبغي إذا عزم على الحج أو غيره أن يستخير الله تعالى، فيصلي ركعتين من غير الفريضة، ثم يقول بعدها:
      "اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن - ذهابي إلى الحج في هذا العام- خير في ديني ودنياني ومعاشي وعاقبة أمري وعاجله وآجله، فاقدره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه. اللهم وإن كنت تعلم أنه شر لي في ديني ودنياي ومعاشي وعاقبة أمري وعاجله وآجله، فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به".
      ويستحب أن يقرأ في هذه الصلاة بعد الفاتحة في الركعة الأولى "الكافرون" وفي الثانية "الإخلاص". ثم ليمض بعد الاستخارة لما ينشرح إليه صدره.
      3- التوبة ورد المظالم والديون: إذا عزم على السفر تاب من جميع المعاصي ورد المظالم إلى أهلها، وقضى ما أمكنه من ديونه، ورد الودائع، وطلب المسامحة ممن كان يعامله أو يصاحبه، وكتب وصيته وأشهد عليها، ووكل من يقضي عنه ديونه مالم يتمكن من وفائها، وترك لأهله ما يحتاجونه من نفقة.
      4- إرضاء الوالدين والزوج: يجتهد في إرضاء والديه وكل من يبره، وتسترضي المرأة زوجها وأقاربها، ويستحب للزوج أن يحج مع امرأته.
      5- كون النفقة حلالاً: ليحرص على أن تكون نفقته حلالاً خالصة من الشبهة.
      فقد ذهب الجمهور إلى أنَّ من حجَّ بمالٍ فيه شبهة أو بمال مغصوب صح حجه، لكنه ليس حجاً مبروراً.
      وقال أحمد: لا يجزيه الحج بمال حرام.
      6- الاستكثار من الزاد الطيب والنفقة: يستحب الاستكثار منهما ليواسي منه المحتاجين، ولقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} [البقرة: 267] والمراد بالطيب هنا: الجيد، وبالخبيث: الرديء.
      7- ترك المماحكة في الشراء: يستحب ذلك بسبب الحج وكل ما يتقرب به إلى الله تعالى.
      8- عدم المشاركة في الزاد والراحلة والنفقة: يستحب ذلك إيثاراً للسلامة من المنازعات.
      9- تحصيل مركوب قوي مريح: يستحب ذلك، والركوب في الحج أفضل من المشي وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حج راكباً، وكانت راحلته زاملته. والزاملة: البعير الذي يُحمل عليه الطعام والمتاع.
      10- تعلم كيفية الحج: لابد إذا أراد الحج أن يتعلم كيفيته، وهذا فرض عين، إذ لا تصح العبادة ممن لا يعرفها ويستحب أن يستصحب معه كتاباً واضحاً في مناسك الحج، وأن يديم مطالعته، ويكررها في جميع طريقه لتصير محققة عنده.
      11- اصطحاب الرفيق: ينبغي أن يطلب له رفيقاً موافقاً، راغباً في الخير، كارهاً للشر، إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه. ويحرص على رضا رفيقه في جميع طريقه، ويتحمل كل واحد صاحبه، ويرى لصاحبه عليه فضلاً وحرمة، ولا يرى ذلك لنفسه، ويصبر على ما وقع منه أحياناً من جفاء ونحوه. وقد كره الرسول صلى الله عليه وسلم الوحدة في السفر، وقال: "الراكب شيطان، والراكبان شيطانان والثلاثة ركب" رواه أبو داود والترمذي وإذا ترافق ثلاثة أو أكثر أمروا على أنفسهم أفضلهم وأجودهم رأياً، لحديث "إذا كانوا ثلاثة فليؤمروا أحدهم" رواه أبو داود.
      12- التفرغ للعبادة والإخلاص: يستحب أن يتفرغ للعبادة، خالياً عن التجارة، لأنها تشغل القلب، فإن اتجر مع ذلك صح حجه، لقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198]، ويريد بعمله وجه الله تعالى، لقوله سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5]. وقوله عليه السلام: "إنما الأعمال بالنيات".
      13- كون السفر يوم الخميس والتبكير: يستحب أن يكون سفره يوم الخميس، إذ قلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر إلا يوم الخميس، فإن فاته فيوم الاثنين، إذ فيه هاجر الرسول من مكة. ويستحب أن يبكر لحديث صخر الغامدي: "اللهم بارك لأمتي في بكورها" رواه أبو داود والترمذي.
      14- صلاة سنة السفر: يستحب إذا أراد الخروج من منزله أن يصلي ركعتين، يقرأ في الأولى بعد الفاتحة "الكافرون" وفي الثانية: "الإخلاص"، ثم يدعو بحضور قلب وإخلاص بما تيسر من أمور الدنيا والآخرة، ويسأل الله تعالى الإعانة والتوفيق في سفره وغيره من أموره، فإذا نهض من جلوسه، قال ما رواه أنس:
      "اللهم إليك توجهت، وبك اعتصمت، اللهم اكفني ما أهمني وما لم أهتم به، اللهم زودني التقوى، واغفر لي ذنبي".
      15- الوداع: يستحب أن يودع أهله وجيرانه وأصدقاءه وأن يودعوه ويستسمحهم، ويقول كل واحد منهم لصاحبه: "أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك، زودك الله التقوى، وغفر ذنبك، ويسر لك الخير حيث كنت".
      16- الدعاء عند الخروج من البيت: السنة إذا أراد الخروج من بيته أن يقول ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أعوذ بك من أن أَضِلَّ أو أُضَلَّ، أو أَزِلَّ أو أُزَلَّ، أو أَظلِمَ أو أُظلَمَ، أو أَجْهَلَ أو يُجهَلَ عليَّ" وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا خرج الرجل من بيته، فقال: بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، يقال: هديت وكفيت ووقيت".
      ويستحب له أن يتصدق بشيء عند خروجه وكذا بين يدي كل حاجة يريدها.
      17- الدعاء عند الركوب: يستحب إذا أراد الركوب أن يقول: "بسم الله" وإذا استوى على دابته قال: "الحمد لله، سبحان الذي سخر لنا هذا، وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون".
      ثم يقول: "الحمد لله" ثلاث مرات "الله أكبر" ثلاث مرات.
      ثم يقول: "سبحانك، اللهم إني ظلمت نفسي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت" للحديث الصحيح في ذلك.
      ويستحب أن يضم إليه: "اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما تحب وترضى، اللهم هوَّن علينا سفرنا وأطوعنا بُعْده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل والمال. اللهم إنا نعوذ بك من وَعْثاء السفر وكآبة المنقلب، وسوء المنظر في الأهل والمال والولد".
      18- السفر بالليل والرفق بالدابة: يستحب إكثار السفر في الليل، لحديث أنس: "عليكم الدُّلْجة، فإن الأرض تطوى بالليل" رواه أبو داود.
      19- التقشف والرفق في السفر : أن يتجنب الشبع المفرط والزينة والترفه والتبسط في ألوان الأطعمة، فإن الحاج أشعث أغبر، عن ابن عمر قال: "قام رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من الحاج ؟ قال: الشَعِث التفِل" رواه الترمذي وابن ماجه.
      وينبغي أن يستعمل الرفق وحسن الخلق مع الناس، ويتجنب المخاصمة والمخاشنة ومزاحمة الناس في الطريق وموارد الماء إذا أمكنه ذلك.
      ويصون لسانه من الشتم والغيبة وجميع الألفاظ القبيحة، للحديث: "من حج فلم يرفث، ولم يفسق، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه".
      20- عدم اصطحاب الكلب أو الجرس: يكره أن يستصحب كلباً أو جرساً، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن العير التي فيها الجرس لا تصحبها الملائكة"رواه أبو داود وقوله: "لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب أو جرس" رواه مسلم "الجرس مزمار الشيطان" رواه أبو داود.
      21- التكبير والتسبيح: السنة التكبير عند العلو، والتسبيح عند الهبوط في واد ونحوه، بدون رفع الصوت.
      22- الدعاء عند رؤية بلد: يستحب إذا أشرف على قرية أو منزل يقول: "اللهم إني أسألك خيرها وخير أهلها وخير ما فيها، وأعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها".
      23- الدعاء عند نزول منزل: السنة إذا نزل منزلاً أن يقول: "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق" لحديث خولة بنت حكيم فيما رواه مسلم: "من نزل منزلاً ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء، حتى يرتحل من منزله ذلك".
      ويستحب أن يُسَبِّحَ في حال حطه الرحل، لقول أنس: "كنا إذا نزلنا سبحنا حتى نحط الرحال".
      ويكره النزول في قارعة الطريق، لحديث أبي هريرة: "لا تعرسوا على الطريق فإنها مأوى الهوام بالليل".
      24- الدعاء عند دخول الليل: السنة إذا جن عليه الليل أن يقول ما رواه أبو داود عن ابن عمر قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر، فأقبل الليل، قال: يا أرض، ربي وربك الله، أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك وشر ما خلق فيك، وشر ما يدب عليك، أعوذ بالله من أسد وأَسْود، والحية والعقرب، ومن ساكن البلد، ومن والد وما ولد".
      25- الدعاء عند الخوف: إذا خاف قوماً أو إنساناً أو غيره، قال ما رواه أبو موسى الأشعري: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خاف قوماً، قال: اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم" رواه أبو داود والنسائي.
      ويستحب أن يكثر من دعاء الكرب هنا وفي كل موطن وهو: "لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض، ورب العرش الكريم" رواه البخاري ومسلم.
      وكان صلى الله عليه وسلم إذا كربه أمر قال: "يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث" رواه الترمذي.
      26- الدعاء في السفر: يستحب الإكثار من الدعاء في جميع سفره لنفسه ولوالديه وأحبائه وولاة المسلمين وسائر المسلمين بمهمات أمور الآخرة والدنيا، لقوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث دعوات مستجابات، لاشك فيهن: دعوة المظلوم ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده" رواه أبو داود والترمذي.
      27- التزام الطهارة والصلاة: يستحب له المداومة على الطهارة والنوم على الطهارة، والمحافظة على الصلاة في أوقاتها المشروعة، وله عند الشافعية أن يقصر ويجمع، وله ترك الجمع والقصر، وله عند الشافعية فعل أحدهما وترك الآخر، لكن الأفضل أن يقصر وألا يجمع خروجاً من الخلاف، لأن أبا حنيفة رحمه الله يوجب القصر ويمنع الجمع، إلا في عرفات والمزدلفة.   
      وتسن السنن الراتبة مع الفرائض في السفر، كما تسن في الحضر.

      المبحث الثاني - آداب رجوع الحاج من سفره:
      للحاج وكل مسافر عند عودته إلى بلده آداب أهمها ما يأتي:
      1- السنة أن يقول ما ثبت في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى
الله عليه وسلمكان إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة، وكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات، ثم يقول : "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون، عابدون ساجدون، لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده" رواه البخاري.
      2- السنة إذا قرب من وطنه أن يبعث قدامه من يخبر أهله، كيلا يقدم عليهم بغتة.
      3- يحسن أن يقول إذا أشرف على بلده : "اللهم إني أسألك خيرها، وخير أهلها، وخير ما فيها، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها" واستحب بعضهم أن يقول : "اللهم اجعل لنا بها قراراً أو رزقاً حسناً، اللهم ارزقنا جناها، وأعذنا من وباها، وحببنا إلى أهلها، وحبب صالحي أهلها إلينا" رواه ابن السني في الأذكار.
      4- إذا قدم، فلا يطرق أهله في الليل، بل يدخل البلدة غدوة، وإلا ففي آخر النهار، روى مسلم عن أنس "أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يطرق أهله ليلاً، وكان يأتيهم غدوة أو عشية".
      5- إذا وصل منزله، فالسنة أن يبتدئ بالمسجد، فيصلي فيه ركعتين، وإذا دخل منزله صلى أيضاً ركعتين، ودعا وشكر الله تعالى.
      6- يستحب لمن يسلم على الحاج أن يقول: "قبل الله حجك، وغفر ذنبك، وأخلف نفقتك" لقوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اغفر للحاج، ولمن استغفر له الحاج".
      تنبيه هام: هذا وإن قيام العوام بذبح الشاة بين رجلي الحاج يؤدي إلى تحريم أكلها، إذا إن الذبح بنية تعظيم فلان يحرم أكلها ولو ذكر اسم الله عليها، أما مظاهر الاستقبال الزائدة فهو رياء ينافي الإخلاص في العبادة.
      7- يستحب أن يقول إذا دخل بيته ما كان يقوله النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن عباس: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رجع من سفره، فدخل على أهله، قال: توباً توباً، لربنا أوباً، لا يغادر حوباً" توباً: أي نسألك توبة كاملة، ولا يغادر حوباً أي لا يترك إثماً.

      8- ينبغي أن يكون رجوعه خيراً مما كان، فهذا من علامات قبول الحج، وأن يكون خيره مستمراً في ازدياد.

22‏/12‏/2014

مميزات وفضائل الحرم المكي والمدني





مميزات وفضائل الحرم المكي والمدني

مميزات وفضائل الحرم المكي:
      أولاً - بناء الكعبة ومزيتها وفضيلة المسجد الحرام:
      بنيت الكعبة المشرفة خمس مرات: بناء الملائكة أو آدم، أو شيث بن آدم، وبناء إبراهيم على القواعد الأولى، وبناء قريش في الجاهلية بحضور الرسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، وبناء ابن الزبير، حين احترقت، وبناء الحجاج بن يوسف. وهذا البناء هو الموجود اليوم.
      وقد تم توسيع المسجد الحرام في عهد عمر بل إن عمر أول من بناه، ثم في عهد عثمان، ثم في عهد الوليد بن عبد الملك، ثم في عهد المهدي، واستقر الأمر على ذلك، إلى أن تم توسيعه الأخير في عهد السعوديين، قال الشافعي : أحب أن تترك الكعبة على حالها، فلا تهدم، لأن هدمها يذهب حرمتها ويصير كالتلاعب بها. وقد كساها النبي صلى الله عليه وسلم ثياباً يمانية، ثم كساها أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية وابن الزبير ومن بعدهم.
      وكان الوليد بن عبد الملك أول من ذهَّب البيت في الإسلام. ويجوز تزيين الكعبة بالذهب والحرير ما لم ينسب إلى الإسراف. ويجوز تطييب الكعبة ويحرم أخذ شيء منه للتبرك وغيره، ومن أخذه لزمه رده إليها، فإن أراد التبرك أتى بطيب من عنده فمسحها به، ثم أخذه.
      والبيت الحرام : أول بيت من بيوت الله وجد على ظهر الأرض ليعبد الناس فيه ربهم، أولية شرف وزمان، لقوله سبحانه: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 96-97] فأول دلائله وعلائمه الظاهرة: مقام إبراهيم، وثانيها أنه يجب تعظيمه بنسبته إلى الله، حتى إنه كان اللاجئ إليه عند العرب يصير آمناً مادام فيه، وقد أقر الله تعالى هذه المزية في قوله : {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا} [القصص: 57] {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} [العنكبوت: 67] لذا يكره عند مالك والشافعي حمل السلاح في مكة لغير ضرورة أو حاجة، فإن كانت حاجة جاز، ثبت في صحيح مسلم عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لا يحل أن يحمل السلاح بمكة".
      وتضاعف في الحرم لحسنات، قال تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25] وثواب الصلاة فيه يعدل مائة ألف صلاة، قال صلى الله عليه وسلم : "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة". وفي لفظ عند أحمد من حديث ابن عمر : "وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة" وروى الطبراني عن أبي الدرداء : "الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصلاة في مسجدي بألف صلاة، والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة" وهذا يدل على أفضلية هذه المساجد الثلاثة : المسجد الحرام ثم المسجد النبوي ثم المسجد الأقصى، والمسجد الحرام أفضل المساجد على الإطلاق، ويقصد بالذات للعبادة فيه، لقوله صلى الله عليه وسلم : "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى".
      ويطلق المسجد الحرام غالباً ويراد به هذا المسجد، وقد يراد به الحرم، وقد يراد به مكة، كما في قوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] وقد ازدادت أهميته يجعله من أهم أماكن شعائر الحج في أيام معلومات.

      ثانياً - المجاورة بمكة وفضيلتها:
      إن حرم مكة كالمسجد الحرام في مضاعف ثواب الصلاة بل وسائر أنواع الطاعات.
      قال صلى الله عليه وسلم : "رمضان بمكة أفضل من ألف رمضان بغير مكة" رواه البخاري وقال أيضاً : "من حج من مكة ماشياً، حتى يرجع إليها أيضاً : "من حج من مكة ماشياً، حتى يرجع إليها كتب له بكل خطوة سبعمائة حسنة من حسنات الحرم، وحسنات الحرم بمائة ألف حسنة" رواه الحاكم.
      وقال جماعة من العلماء منهم ابن عباس وابن مسعود ومجاهد وأحمد بن حنبل : تضاعف السيئات بمكة كما تضاعف الحسنات. وقال بعض المتأخرين : القائل بالمضاعفة : أراد مضاعفة مقدارها أي غلظها لا كميتها في العدد، فإن السيئة جزاؤها سيئة، لكن السيئات تتفاوت، فالسيئة في حرم الله أكبر وأعظم منها في طرف من أطراف البلاد.
      ويعاقب فيها على الهم بالسيئات وإن لم يفعلها، قال تعالى : {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} وهذا مستثنى من قاعدة الهم بالسيئة وعدم فعلها، تعظيماً لحرمة الحرم.

      أما المجاورة بمكة:
      فذهب مالك وأبو حنيفة إلى كراهتها، خوفاً من التقصير في حرمتها، والتبرم وإعتياد المكان والأنس به، وذلك يجر إلى قلة المهابة والتعظيم، ولتهييج الشوق بالمفارقة لتنبعث داعية العود، وخوفاً من ركوب الخطايا والذنوب بها، فإن ذلك محظور، والراجح عند الحنفية في قول وهو عدم كراهة المجاورة بمكة أو بالمدينة، واختار بعضهم أن المجاورة بالمدينة أفضل منها بمكة.
      وذهب الشافعية والحنابلة إلى استحباب المجاورة لمن لم يخف الوقوع في محظور بمكة أو المدينة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن مكة: "إنك لأحب البقاع إلى الله عز وجل، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت" رواه الترمذي.
      قال أحمد: والمقام بالمدينة أحب إلي من المقام بمكة لمن قوي عليه، لأنها مهاجر المسلمين وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يصبر أحد على لأوائها وشدتها إلا كنت له شهيداً وشفيعاً يوم القيامة".

      ثالثاً - هل مكة أفضل أم المدينة ؟
      انعقد الإجماع على أن أفضل بقع الأرض على الإطلاق المكان الذي ضم جسده صلى الله عليه وسلم، وعلى أن مكة والمدينة أفضل بقاع الأرض بعده.
      واختلفوا في أيهما أفضل مكة أم المدينة ؟ فقال مالك تبعاً لعمر وغيره من الصحابة المدنيين بتفضيل المدينة، لأنها موطن الهجرة، ومستقر الصحابة، ومثوى الرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما ورد في فضلها من الأحاديث الصحيحة، منها : "إنها طيبة - يعني المدينة - وإنها تنفي الخَبَث كما تنفي النار خبث الفضة" رواه مسلم.
      وذهب أكثر العلماء إلى تفضيل مكة، للحديث السابق عن مكة: "والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت" رواه الترمذي.
      وأوجه تفضيل مكة على المدينة، منها:
      1- وجوب قصدها للحج والعمرة، وهما واجبان لا يقع مثلهما بالمدينة.
      2- أن الله تعالى حرمها يوم خلق السموات والأرض.
      3- أن الله جعلها حرماً آمناً في الجاهلية والإسلام.
      4- لا يدخلها أحد إلا بحج أو عمرة وجوباً أو ندباً.

      رابعاً- آداب دخول مكة:
      يستحب لمن دخل مكة ما يأتي:
      1- ينبغي لمن أحرم بحج أو عمرة من الميقات أو غيره أن يتوجه إلى مكة، ومنها يكون خروجه إلى عرفات.
      2- إذا بلغ الحرم المكي دعا، فقال : "اللهم هذا حرمك وأمنك، فحرمني على النار، وآمني من عذابك يوم تبعث عبادك، واجعلني من أوليائك وأهل طاعتك". هذا ويستحضر من الخشوع والخضوع في قلبه وجسده ما أمكنه.
      3- إذا بلغ مكة اغتسل بذي طوي(1) بنية غسل دخول مكة، فإن جاء من طريق آخر اغتسل في غيرها. وهذا الغسل مستحب لكل أحد حتى الحائض والنفساء والصبي.
      4- السنة أن يدخل مكة من ثنية كَداء(2)، وإذا خرج راجعاً إلى بلده خرج من ثنية كُدا(3).
      5- الأصح عند الشافعية أن يدخل مكة ماشياً لا راكباً.
      6- يدخلها الإنسان ليلاً أو نهارً، فقد دخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاراً في الحج، وليلاً في عمرة له، والأفضل في الأصح عند الشافعية دخولها نهاراً.
      7- ينبغي أن يتحفظ في دخوله في إيذاء الناس في الزحمة، ويتلطف بمن يزاحمه، ويلحظ بقلبه جلالة البقعة التي هو فيها والتي يتجه إليها.
      8- ينبغي لمن يأتي من غير الحرم ألا يدخل مكة إلا محرماً بحج أو عمرة. والأصح عند الشافعية أن دخولها محرماً مستحب، وواجب عند غيرهم.
      9- يستحب إذا وقع بصره على البيت أن يرفع يديه، فقد جاء أنه يستجاب دعاء المسلم عند رؤية الكعبة، ويقول:
" اللهم زد هذا البيت تشريفاً وتعظيماً وتكريماً ومهابة، وزد من شرفه وعظمه ممن حجه أو اعتمره تشريفاً وتكريماً وتعظيماً وبراً " ويضيف إليه :" اللهم أنت السلام، ومنك السلام، فحينا ربنا
بالسلام ".
      ويدعو بما أحب من مهمات الآخرة والدنيا، وأهمها سؤال المغفرة. وينبغي أن يستحضر عند رؤية الكعبة ما أمكنه من الخشوع والتذلل والخضوع، فهذه عادة الصالحين والعارفين.
      ويقول قبالة البيت:" اللهم البيت بيتك، والحرم حرمك، والأمن أمنك، وهذا مقام العائذ بك من النار ".
      10- يستحب ألا يعرج أول دخوله على استئجار منزل أو تغيير ثياب وغير ذلك إلا الطواف الذي هو طواف القدوم وهو سنة عند الجمهور واجب عند المالكية. ويترك بعض الرفقة عند متاعهم ورواحلهم حتى يطوفوا، ثم يرجعوا إلى رواحلهم ومتاعهم واستئجار المنزل.
      ويستحب للمرأة الجميلة أو الشريفة ألا تبرز للرجال، وتؤخر الطواف ودخول المسجد إلى الليل.
      ويستحب الدخول إلى البيت الحرام من باب بني شبية، ويقدم رجله اليمنى في الدخول، ويقول: " أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، بسم الله، والحمد لله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك ".
_____________________
(1) في أسفل مكة.
(2) بأعلى مكة ينحدر منها إلى المقابرة.
(3) بأسفل مكة بقرب جبل قعيقعان وإلى صوب ذي طوي.
     
      وإذا خرج قدم رجله اليسرى، وقال هذا، إلا أنه يقول:" وافتح لي أبواب فضلك " وهذا الذكر والدعاء مستحب في كل مسجد.
      11- إذا دخل المسجد ينبغي ألا يشتغل بصلاة تحية المسجد، ولا غيرها، بل يقصد الحجر الأسود، ويبدأ بطواف القدوم، وهو تحية المسجد الحرام، والطواف مستحب لكل داخل محرماً كان أو غير محرم، إلا لأداء الصلاة المكتوبة أو قضائها، أو فوات الجماعة فيها، أو فوات الوتر أو السنة الفجر وغيرها من السنن الراتبة، فيقدم كل ذلك على الطواف ثم يطوف.
      ولو دخل وقد منع الناس من الطواف صلى تحية المسجد.
      12- يستحب لمن حج أن يدخل البيت، ويصلي فيه ركعتين، كما النبي صلى الله عليه وسلم. ولا يدخل البيت بنعليه ولا خفيه، ولا يدخل حِجْر اسماعيل؛ لأنه من البيت، ولا يدخل الكعبة بسلاح.
      وثياب الكعبة إذا نزعت يتصدق بها، ولا يأخذ من طيب البيت شيئاً، ولا يخرج من تراب الحرام، ولا يدخل فيه من الحل، ولا يخرج من حجارة مكة وترابها إلى الحل.
      13- يستحب لمن دخل مكة حاجاً أو معتمراً أن يختم القرآن فيها قبل رجوعه.
      14- يندب عند المالكية طواف الوداع، ويجب عند الأئمة الآخرين.

      خامساً- خصائص الحرم المكي ومحظوراته :
      للحرم المكي أحكام خاصة، أهمها ما يأتي:
      1ً- ينبغي ألا يدخله أحد إلا بإحرام، وهو مستحب عند الشافعية، واجب عند غيرهم.
      2ً- يحرم صيد الحرم بالإجماع على الحلال والمحرم إلا المؤذيات المبتدئة بالأذى غالباً، وهو مضمون بإتلافه.
      3ً- يحرم قطع شجر الحرم ونباته الرطب الذي ينبت بنفسه ولا يستنبته الناس كالشيح والشوك والعوسج، إلا ما فيه ضرورة كالاذْخر( نبات طيب الرائحة )، ويلحق به كما أبان المالكية ستة: السَّنَا (المعروف بالسنامكي ) للحاجة إليه في التداوي، والهَشّ (قطع ورق الشجر بالمِحْجَن ) (1)، والعَصَا، والسواك، وقطع الشجر للبناء والسكنى بموضعه، وقطعه لإصلاح الحوائط والبساتين. لقوله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة:" إن هذا البلد حرَّمه الله يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يُعْضَد(2) شوكة، ولا يُنَفَّر صيده، ولا يَلْتقط لقطته إلا من عرَّفها، ولا يُخْتَلى خلاه(3)، فقال العباس: يا رسول الله، إلا الإذخِر، فإنه لقَيْنهم وبيوتهم، فقال: إلا الإذخر" رواه البخاري ومسلم. ويجب عند الجمهور ضمانه خلافاً للمالكية.
      ولا يحرم قطع ما أنبته الآدمي من الشجر كالجوز واللوز والنخل ونحوه كشجر الأراك، والرمان والخس والبطيخ والحنطة، ولا بأس بقطع اليابس من الشجر والحشيش لأنه قد مات، وليس له أخذ ورق الشجر، ويباح أخذ الكمأة من الحرم لأنها ليست من جنس النبات، بل هي من ودائع الأرض، وكذا الفقع، لأنه لا أصل له، فأشبه الثمرة. ولا شيء بقتل غراب وحدأة وفأرة وحية وكلب عقور وبعوض ونمل وبرغوث وقراد وسلحفاة وماليس بصيد، على الخلاف والتفصيل السابق.
وأما صيد وَج ( واد بالطائف ) وشجرة : فحرام لا يضمن عند الشافعية، لحديث :" ألا إن صيد وج وعضاهه- يعني شجره - حرام محرم " رواه البيهقي. وهو مباح حلال عند الحنابلة؛ لأن الأصل الإباحة، والحديث ضعفه أحمد، لكن لا يضمن قطعاً عند الشافعية.
      4ً- يمنع إخراج تراب الحرم وأحجاره، والمعتمد عند أكثر الشافعية كراهة ذلك،. وقال الحنفية : لا بأس بإخراج الأحجار وترابه.
      5ً- يمنع عند الجمهور كل كافر من دخول الحرم، مقيماً كان أو ماراً. وأجازه أبو حنيفة ما لم يستوطنه.
      6ً- لا تحل لقطة مكة وحرمها لمتملك، وإنما تحل لمنشد يحفظها ويعرفها بخلاف سائر البلاد، للحديث المتقدم:" ولا تلتقط لقطته إلا من عرفها".
      7ً- تغلظ الدية على القاتل الذي قتل في حرم مكة، لقوله تعالى:
{وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} [البقرة: 191] لأن للحرم تأثيراً في إثبات الأمن. وتغلظ وإن كان القتل خطأ، سواء أكان القاتل والمقتول معاً في الحرم، أم أحدهما دون الآخر.
      وقدر التغليظ عند أحمد : هو الزيادة في العدد أي بمقدار الدية وثلث الدية.
      وعند الشافعي : التغليظ جاء في أسنان الإبل، لا الزيادة في العدد.
      ولا تغلظ الدية بالقتل في حرم المدينة، في الأصح عند الشافعية.
      ويجوز عند الجمهور خلافاً لجماعة، قتال البغاة في حرم مكة على بغيهم إذا لم يمكن ردهم عن البغي إلا بالقتال؛ لأن قتال البغاة من حقوق الله تعالى التي لا يجوز إضاعتها، فحفظها في الحرم أولى من إضاعتها.
_______________________
(1) العصا المعوجة، أمَّا ضبط العصا على الشجر ليقع ورقه فهو حرام.
(2) الحشيش الرطب.
(3) يقطع.
      وتقام الحدود والقصاص في الحرم عند المالكية والشافعية، لقوله تعالى:
{وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل ابن خَطَل لما وجد متعلقاً بأستار الكعبة، وأمر النبي بقتل الفواسق الخمس في الحل والحرم؛ لأنها مؤذيات طبعاً.
      وروي عن أحمد وأبي حنيفة أن من وجب عليه الحد أو القصاص آمن مادام في الحرم، لقوله تعالى:{ ومن دخله كان آمناً } ولقوله صلى الله عليه وسلم:" لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً".
      8ً- تحريم دفن المشرك فيه ونبشه منه.
      9ً- تخصيص ذبح دماء الجزاءات في الحج والهدايا في الحرم.
      10ً- لا دم على المتمتع والقارن إذا كان من أهل الحرم.
      11ً- لا يكره عند الشافعية صلاة النفل التي لا سبب لها في وقت من الأوقات في الحرم، سواء في مكة وسائر الحرم.
      12ً- إذا نذر قصده، لزمه عند الشافعية الذهاب إليه بحج أو عمرة، بخلاف غيره من المساجد، فإنه لا يجب الذهاب إليه إذا نذره، إلا مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى، فإنهما يتعينان أيضاً، للحديث السابق:" لا تشد الرحال.. ".
      13ً- إذا نذر النحر وحده بمكة، لزمه عند الشافعية النحر بها، وتفرقة اللحم على مساكين الحرم، ولو نذر ذلك في بلد آخر، لم ينعقد نذره في أصح الوجهين.
      14ً- يحرم عند الشافعية استقبال الكعبة واستدبارها بالبول والغائط في الصحراء.
      15ً- مضاعفة الأجر في الصلوات وسائر الطاعات بالمسجد الحرام.
      16ً- يستحب لأهل مكة أن يصلوا العيد في المسجد الحرام، والأفضل لغيرهم الصلاة في المصلى، إذا كان المسجد عند الشافعية ضيّفاً، فإن كان واسعاً فالمسجد أفضل من المصلى.
      17ً- لا يجوز إحرام المقيم في الحرم بالحج خارجه.

      مميزات وفضائل الحرم المدني:
      سادساً- فضل المسجد النبوي:
      بنى الرسول صلى الله عليه وسلم مع الصحابة هذا المسجد بمساحة 70 x60 ذراعاً، ثم وسعه عمر، وعثمان، وعبد الملك بن مروان وابنه الوليد، وتم توسيعه الأخير على يد الملك عبد العزيز آل سعود، وضم إليه مساحة كبرى من جهة الغرب مصلى أثناء الحج.
      والصلاة في هذا المسجد تربو على الصلاة في غيره بألف صلاة، لحديث أبي هريرة المتقدم في الصحيحين: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام" وهذا التفضيل يعم الفرض والنفل كمكة.
      وقال العلماء: وهذا فيما يرجع إلى الثواب، فثواب صلاة فيه يزيد على ألف صلاة فيما سواه، ولا يتعدى ذلك إلى الإجزاء، حتى لو كان عليه صلاتان، فصلى في مسجد المدينة صلاة لم تجزئه عنهما، وهذا لا خلاف فيه.
      وذهب بعض العلماء إلى أن هذه الفضيلة مختصة بنفس مسجده صلى الله عليه وسلم الذي كان في زمانه، دون ما زيد فيه بعده، لقوله: "في مسجدي هذا" وذهب البعض الآخر إلى أنه لو وُسِّع ثبت له هذه الفضيلة، كما في مسجد مكة إذا وسع، فإن تلك الفضيلة ثابتة له، قال ابن عمر: "زاد عمر بن الخطاب في المسجد، قال: ولو زدنا فيه حتى بلغ الجبانة(1)، كان مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم".
      وفي حديث يبين فضل الصلاة في هذا المسجد: "من صلى في مسجدي أربعين صلاة لا تفوته صلاة كتبت له براءة من النار، ونجاة يوم القيامة" رواه الطبراني ولو نذر الذهاب إلى المسجد النبوي أو إلى الأقصى، فالأصح عند الشافعية أنه يستحب له الذهاب ولا يجب، ويتحقق النذر باعتكاف ساعة في الأصح، والأفضل صلاة ركعتين فيه.
      سابعاً - خصائص الحرم المدني:
      حرم المدينة: ما بين لابيتها، واللابة: الحرة: وهي أرض فيها حجارة سود، ويمتاز هذا الحرم بأحكام منها ما يأتي.
      1- تحريم صيد المدينة وشجرها على الحلال والمحرم كمكة عند الجمهور، خلافاً لأبي حنيفة، للحديث: "إن إبراهيم حرم مكة، وإني حرمت المدينة، ما بين لابتيها لا يقطع عضاهها(2)، ولا يصاد صيدها" رواه مسلم وإذا فعل استغفر الله ولا شيء عليه، ولا يضمن القيمة عند الجمهور ولأنه ليس محلاً للنسك، لكن مكة يضمن صيدها وشجرها.
      2- يستحب عند الشافعية والحنابلة المجاورة بالمدينة، لما يحصل في ذلك من نيل الدرجات ومزيد الكرامات، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من صبر على لأواء المدينة وشدتها، كنت له شهيداً وشفيعاً يوم القيامة" رواه مسلم.
      والراجح عند الحنفية كما بينا: أنه لا تكره المجاورة بالمدينة، وكذا بمكة لمن يثق بنفسه.
      3- يستحب عند الشافعية الصيام بالمدينة والصدقة على سكانها وبرهم، فهم جيران رسول الله صلى الله عليه وسلم، خاصة أهل المدينة.
______________________
(1) مقبرة المدينة.
(2) شجرة عظيم له شوك.
      4- يختص أهل المدينة بمزيد الشفاعة والإكرام، زائداً على غيرهم من الأمم، لحديث الصحيحين المتقدم عن أبي هريرة:" من صبر على لأْواء المدينة..".
      5- إذا عاين حيطان المدينة صلى على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال:" اللهم هذا حرم نبيك فاجعله وقاية لي من النار، وأماناً من العذاب وسوء الحساب".

     ثامناً- زيارة المسجد النبوي وقبر النبي صلى الله عليه وسلم:
      يستحب زيارة المسجد النبوي، لأنه كما في الحديث الصحيح أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال، وزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه ؛ لأن موضع قبره عليه الصلاة والسلام أفضل بقاع الأرض. وآداب الزيارة وأحكامها ما يأتي:
      1- تسن زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقوله عليه السلام: "من زار قبري وجبت له شفاعتي" رواه ابن خزيمة وروى البخاري: "من صلى علي عند قبري، وكل الله به ملكاً يبلغني، وكفي أمر دنياه وآخرته، وكنت له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة".
      فزيارة قبره صلى الله عليه وسلم من أفضل القربات وأنجح المساعي لقوله تعالى:
{وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء: 64]، وتتأكد الزيارة للحاج والمعتمر أكثر من غيره، لأمرين: أحدهما- أن الغالب على الحجيج الورود من آفاق بعيدة، فإذا قربوا من المدنية يقبح تركهم الزيارة. والثاني- لحديث ابن عمر: "من حج، ولم يزرني، فقد جفاني" رواه ابن حبان وحديث" من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي" رواه الدارقطني والبيهقي.
      2- يستحب للزائر أن ينوي مع زيارته صلى الله عليه وسلم التقرب إلى الله تعالى بالمسافرة إلى مسجده صلى الله عليه وسلم والصلاة فيه.
      3- يستحب في أثناء السفر لهذه الزيارة أن يكثر من الصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم في طريقه، خصوصاً إذا رأى أشجار المدينة وحرمها.
      4- يستحب أن يغتسل قبل دخوله ويلبس أنظف ثيابه.
      5- يستحضر في قلبه حينئذ شرف المدينة وأنها أفضل الدنيا بعد مكة.
      6- ليقل عند باب مسجده صلى الله عليه وسلم ما قدمناه عند المسجد الحرام وكل المساجد، ويقدم رجله اليمنى في الدخول، واليسرى في الخروج.
      ثم يقصد الروضة الكريمة (1): وهي ما بين المنبر والقبر، فيصلي تحية المسجد، بجنب المنبر،
(1) ما بين المنبر ومقام النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يصلي فيه حتى توفي، أربعة عشر ذراعاً وشبر وما بين المنبر والقبر ثلاثة وخمسون ذراعاً وشبر.
وتكون الدائرة التي في قبلة المسجد بين عينيه، فذلك موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
      7- إذا صلى التحية في الروضة أو غيرها من المسجد، شكر الله تعالى على هذه النعمة، ويسأله إتمام ما قصده وقبول زيارته، ثم يأتي القبر الكريم، فيستدبر القبلة، ويستقبل جدار القبر، ويبعد من رأس القبر نحو أربعة أذرع، ويقف ناظراً إلى أسفل، خاشعاً، فارغ القلب من علائق الدنيا، مستحضراً في قلبه جلالة موقفه صلى الله عليه وسلم، ثم يسلم ولا يرفع صوته، فيقول:
      " السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا نبي الله، السلام عليك يا خيرة الله، السلام عليك يا خير خلق الله، السلام عليك يا حبيب الله، السلام عليك يا نذير، السلام عليك يا بشير، السلام عليك يا طُهْر، السلام عليك يا طاهر، السلام عليك يا نبي الرحمة، السلام عليك يا نبي الأمة، السلام عليك يا أبا القاسم، السلام عليك يا رسول رب العالمين، السلام عليك يا سيد المرسلين وخاتم النبيين، السلام عليك يا خير الخلائق أجمعين، السلام عليك يا قائد الغر المحجلين، السلام عليك وعلى سائر الأنبياء وجميع عباد الله الصالحين.
      جزاك الله يا رسول الله عنا أفضل ما جزى نبياً ورسولاً عن أمته، وصلى الله عليك كلما ذكرك ذاكر، وغفل عن ذكرك غافل، أفضل وأكمل وأطيب ما صلى على أحد من الخلق أجمعين.
      أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنك عبده ورسوله وخيرته من خلقه. وأشهد أنك قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وجاهدت في الله حق جهاده.
      اللهم وآته الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، وآته نهاية ما ينبغي أن يسأله السائلون.
      اللهم صل على محمد عبدك ورسولك النبي الأمي، وعلى آل محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد النبي الأمي، وعلى آل محمد وأزواجه وذريته، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد".
      ومن أراد الاختصار، قال :" السلام عليك يا رسول الله صلى الله عليك وسلم".
      ثم يتأخر نحو يمينه إلى الشرق قدر ذراع، فيسلم على أبي بكر رضي الله عنه، فيقول :" السلام عليك يا أبا بكر صفي رسول الله، وثانيه في الغار، جزاك الله عن أمة نبيه صلى الله عليه وسلم خيراً".
      ثم يتأخر نحو اليمين قدر ذراع، فيسلم على عمر رضي الله عنه، فيقول :" السلام عليك يا عمر، أعز الله بك الإسلام، جزاك الله عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خيراً".
      ثم يرجع قدر نصف ذراع فيقول :" السلام عليكما يا ضجيعي رسول الله ورفيقيه ووزيريه ومشيريه والمعاونين له على القيام في الدين، القائمين بعده بمصالح المسلمين، جزاكما الله أحسن الجزاء".
      ثم يعود إلى رأس قبر النبي صلى الله عليه وسلم، في زاوية الحجرة المسورة، ويستقبل القبلة، ويحمد الله تعالى ويمجده، ويدعو لنفسه بما أهمه وما أحبه، ولوالديه، ولمن شاء من أقاربه، وأشياخه إخوانه وسائر المسلمين، ويبتدئ بقوله : اللهم إنك قلت وقولك الحق :{ ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله، واستغفر لهم الرسول، لوجدوا الله تواباً رحيماً} وقد جئناك سامعين قولك، طائعين أمرك، مستشفين بنبيك، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
      ثم يأتي الروضة، فيكثر فيها من الدعاء، والصلاة، فقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال :" ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي" ويقف عند المنبر ويدعو.
      ثم يأتي اسطوانة أبي لبابة التي ربط نفسه بها حتى تاب الله عليه، وهي بين القبر والمنبر، فيصلي ركعتين ويتوب إلى الله ويدعو بما شاء. ثم يأتي الأسطوانة الحنانة التي فيها بقية الجذع الذي حن إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين تركه، وخطب على المنبر، حتى نزل، فاحتضنه، فسكن.
      8- لا يجوز أن يطاف بقبر النبي صلى الله عليه وسلم، ويكره مسحه باليد وتقبيله، بل الأدب أن يبعد عنه كما يبعد منه لو حضر في حياته صلى الله عليه وسلم.
      9- ينبغي له مدة إقامته بالمدينة أن يصلي الصلوات كلها بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينبغي له أن ينوي الاعتكاف فيه، كما ينويه في المسجد الحرام. وإذا أراد وداع المدينة صلى ركعتين وقال: " اللهم لا تجعله آخر العهد بحرم رسولك، وسهل لي العود إلى الحرمين سهلة، وارزقني العفو والعافية في الآخرة والدنيا، وردنا إليه سالمين غانمين".

      10- كره مالك رحمة الله لأهل المدينة كلما دخل أحدهم المسجد وخرج الوقوف بالقبر، قال: وإنما ذلك للغرباء، أو لمن قدم من أهل المدينة من سفر أو خرج إلى سفر أن يقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فيصلي عليه ويدعو له ولأبي بكر وعمر رضي الله عنهما.

كيفية أداء الحج والعمرة




كيفية أداء الحج والعمرة

      عرفنا أن أداء الحج والعمرة له حالات ثلاثة : الإفراد، التمتع، القران.
      أولاً- كيفية الإفراد: الإفراد أن يحرم بالحج وحده، دون عمرة.
      وكيفيته: أن يغتسل أو يتوضأ قبل الإحرام، والغسل أفضل، ويلبس ثوبين جديدن أو غسيلين إزاراً ورداء، ويتطيب، ويصلي ركعتي الإحرام، في غير وقت الكراهة، ويقول : اللهم إني أريد الحج فيسِّره لي وتقبله مني، ثم يلبي عقب صلاته، ناوياً بتلبيته الحج، ويكثر من التلبية عقيب الصلوات، وفي الصعود والنزول والركوب ولقاء الرفقة، وبالأسحار.
      فإذا لبى ناوياً فقد أحرم، فيمتنع عما نهى الله عنه من الرَّفث والفسوق والجدال، ولا يقتل صيداً ولا يشير إليه، ولا يدل عليه، ولا يلبس مخيطاً ولا خفاً، ولا يغطي رأسه ولا وجهه، ولا يمس طيباً، ولا ينتف أو يقص شعراً ولا ظفراً.
      ولا بأس أن يغتسل بغير صابون، لأنه نوع طيب، وله أن يستظل بالبيت والمظلمة، وأن يشد في وسطه الهِمْيان (وهو ما يجعل فيه الدراهم ويشد على الوسط) ومثله المنطقة.
      فإذا دخل مكة ابتدأ بالمسجد الحرام بعد تأمين أمتعته، داخلاً - كما ذكر الحنفية - من باب السلام خاشعاً متواضعاً، ملاحظاً عظمة البيت وشرفه، فإذا عاين البيت كبر الله تعالى وهلل ثلاثاً ودعا بما أحب، فإنه من أرجى مواضع الإجابة.
      ثم يطوف غير المكي طواف القدوم، لأنه تحية البيت، مبتدئاً بالحجر الأسود، مستقبلاً له، مكبراً مهللاً، رافعاً يديه كرفعهما للصلاة، مستلماً له بباطن كفيه، ثم مقبلاً له إن استطاع من غير أن يؤذي مسلماً، ثم يدور حول الكعبة عن يساره، ويطوف بالبيت سبعة أشواط، من وراء الحطيم (الحِجْر)، ويستلم الحجر والركن اليماني في كل شوط يمر بهما، ويختم الطواف بالاستلام كما ابتدأ به، ثم يصلي عند مقام إبراهيم أو حيث تيسر من المسجد، في وقت مباح غير مكروه.
      وليس على أهل مكة طواف القدوم، وإذا لم يدخل المحرم مكة وتوجه إلى عرفات ووقف بها، سقط عنه طواف القدوم، ولا شيء عليه لتركه.
      ثم يسعى بين الصفا والمروة سبعاً، يصعد على كل منهما، ويستقبل البيت، مكبراً مهللاً، مصلياً على النبي صلى الله عليه وسلم، داعياً الله تعالى بحاجته، ويرمل بين الميلين الأخضرين، مبتدئاً بالصفا، مختتماً بالمروة.
      ثم يقيم بمكة محرماً، يطوف بالبيت كلما بدا له.
      ثم يخرج في سابع ذي الحجة إلى منى، فيبيت فيها، ويصلي فيها خمس صلوات (الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر).
      وفي اليوم الثامن يتوجه إلى عرفات، فيصلي مع الإمام أو منفرداً في مسجد نمرة صلاة الظهر والعصر مقصورتين مجموعتين جمع تقديم، مستمعاً للخطبة بأذان واحد وإقامتين. ويستحب أن يغتسل قبل الوقوف.
      ثم يتوجه إلى الموقف، فيقف بقرب الجبل، وعرفات كلها موقف إلا بطن عُرَنة، وينبغي للإمام أن يقف بعرفة على راحلته، ويدعو، ويعلم الناس المناسك، ويستحب أن يجتهد في الدعاء. ومن أدرك الوقوف بعرفة ما بين زوال الشمس من يوم عرفة إلى طلوع الفجر من يوم النحر، فقد أدرك الحج. ومن مرَّ بعرفة وهو نائم أو مغمى عليه، أو لم يعلم أنها عرفة، أجزأه ذلك عند الحنفية عن الوقوف.
      فإذا غربت الشمس، أفاض الإمام والناس معه على هينتهم على طريق المأزمين، حتى يأتوا المزدلفة، فينزلوا بها. والمستحب أن ينزل بقرب جبل قُزَح وهو المشعر الحرام. ويصلي الإمام بالناس بالمغرب والعشاء جمع تأخير مع قصر العشاء، بأذان واحد، وإقامة واحدة عند الحنفية، ولا يجوز عند أبي حنيفة أن يصلي المغرب في الطريق إلى المزدلفة، وعليه إعادتها مالم يطلع الفجر.
      فإذا طلع الفجر يوم النحر، صلى الإمام بالناس الفجر بغَلَس لأجل الوقوف، ثم وقف بمزدلفة وجوباً عند الحنفية ولو لحظة، ووقته من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ووقف الناس معه، فدعا وكبر وهلل ولبى وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، ويلتقط حصى الرمي سبعين من المزدلفة.
      والمزدلفة كلها موقف إلا بطن مُحَسِّر (وهو وادٍ بين منى ومزدلفة).
      ثم أفاض الإمام والناس معه قبل طلوع الشمس حتى يأتوا منى، فيرمي جمرة العقبة من بطن الوادي بسبع حَصَيات مثل حصى الخذف، ويكبر مع كل حصاة، ولا يقف عندها، لأنه لا رمي بعدها، ويقطع التلبية مع أول حصاة(1)، إن رمى قبل الحلق، فإن حلق قبل الرمي قطع التلبية، لأنها لا تثبت مع التحلل.
      ثم يذبح تطوعاً إن أحب لأنه مفرد، ثم يحلق أو يقصر بمقدار الأنملة، والحلق أفضل من التقصير، فيحل له حينئذ كل شيء إلا النساء، وإلا الصيد والطيب عند المالكية.
      ثم يأتي مكة يوم العيد أو بعده بيوم أو يومين، فيطوف طواف الزيارة (وهو طواف الفرض) سبعة أشواط، ثم يسعى بين الصفا والمروة، إن لم يكن سعى عقيب طواف القدوم، ويرمل الذكر في الأشواط الثلاثة الأولى من الطواف، ويضطبع فيه إن سعى الآن، لأن الرمل والاضطباع مشروعان في كل طواف بعده سعي.
______________________
(1) هذا رأي الجمهور، وقال المالكية : تقطع التلبية بزوال شمس يوم عرفة.
      ويكره تأخير الطواف عن الأيام الثلاثة (وهي يوم العيد ويومان بعده)، فإن أخره عنها، لزمه دم عند أبي حنيفة.
      ثم يعود إلى منى، فيقيم بها لأجل الرمي ووقته ما بعد الزوال من اليوم الثاني من أيام النحر، مبتدئاً برمي الجمرة التي تلي مسجد الخَيْف بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، ويقف عندها ويدعو، لأن بعده رمي، ثم يرمي الجمرة الوسطى، ويقف عندها ويدعو، ثم يرمي جمرة العقبة، ولكنه لا يقف عندها، لأنه ليس بعدها رمي.
      ثم يرمي في اليوم الثالث الجمار الثلاث بعد زوال الشمس، وله أن يتعجل النفر إلى مكة بعدئذ أو يقيم لرمي الجمار الثلاث في اليوم الرابع بعد زوال الشمس. ويجوز عند أبي حنيفة الرمي في هذا اليوم قبل الزوال بعد طلوع الفجر. وينزل بالمُحَصَّب عند نفره إلى مكة.
      وإذا أراد الحاج مغادرة مكة، طاف بالبيت سبعة أشواط لا يرمل فيها طواف الوداع أو الصَّدَر، وهو واجب عند الجمهور غير المالكية إلا على أهل مكة، ثم يعود إلى أهله، لفراغه من أعمال الحج.
      والمرأة والخنثى المشكل في جميع ما سبق كالرجل، غير أنها لا تكشف رأسها، وتكشف وجهها، ولا ترفع صوتها بالتلبية، ولا ترمُل في الطواف، ولا تهرول بين الميلين الأخضرين، ولا تحلق رأسها، ولكن تقصِّر، وتلبس المخيط والخفين. وإذا كانت حائضاً أو نفساء فعلت كل أفعال الحج غير الطواف بالبيت، فإنها تنتظر حتى تطهر.
      وإن حاضت المرأة عند الإحرام اغتسلت وأحرمت، وإن حاضت بعد الوقوف بعرفة وطواف الزيارة، انصرفت من مكة، ولا شيء عليها لترك طواف الصدر.

    ثانياً: كيفية التمتع:
      التمتع لغة: الانتفاع.
      وشرعاً عند الحنفية: الجمع بين إحرام العمرة وأفعالها، أو أكثرها، وإحرام الحج وأفعاله، في أشهر الحج، من غير إلمام صحيح بأهله.
      والمتمتع نوعان عند الحنفية : متمتع يسوق الهدي، ومتمتع لا يسوق الهدي. وحكم الأول كالقارن إذا دخل مكة طاف وسعى، ولا يتحلل بعد العمرة، بل يظل محرماً، حتى يحرم بالحج يوم التروية، وينحر الهدي يوم النحر. وإذا أراد المتمتع أن يسوق الهدي، أحرم، وساق هديه.
      وصفة التمتع: أن يبتدئ من الميقات، فيحرم بعمرة، ويدخل مكة، فيطوف للعمرة، ويسعى، ويحلق أو يقصر، ويتحلل من عمرته بما فعل. ويقطع التلبية إذا ابتدأ بالطواف، ويقيم بمكة حلالاً.
      فإذا كان يوم التروية (الثامن من ذي الحجة) أحرم بالحج من المسجد الحرام ندباً، ويشترط أن يحرم من الحرم، لأن المتمتع في معنى المكي، وميقات المكي في الحج: الحرم، كما تقدم في المواقيت. ثم يفعله الحاج المنفرد.
      والأفضل أن يقدم الإحرام قبل يوم التروية، لما فيه من المسارعة وزيادة المشقة.
      وعليه دم المتمتع، فإن لم يجد الدم، صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع : أي فرغ من أداء نسكه، ولو قبل وصوله إلى أهله.
      فإذا حلق يوم النحر، فقد حل من الإحرامين جميعاً، لأن الحلق مُحلِّل في الحج كالسلام في الصلاة، فيتحلل به عنهما.
      وليس لأهل مكة عند الجمهور تمتع ولا قران، وإنما لهم الإفراد خاصة، وقال الحنفية : يكره القران للمكي.
      بطلان التمتع: ويبطل تمتع المتمتع إذا عاد إلى بلده بعد فراغه من العمرة، ولم يكن ساق الهدي، لأنه ألم بأهله بين النسكين إلماماً صحيحاً. أما إذا كان قد ساق الهدي، فلا يكون إلمامه صحيحاً، ولا يبطل تمتعه عند أبي حنيفة لأنه يجب عليه العود إلى الحرم لأجل الحلق، لأنه مقيد بالحرم، والعود يمنع صحة الإلمام.
      أما القارن فلا يبطل قرانه بالعود إلى بلده باتفاق الحنفية. فيكون الفرق بين القران والتمتع عند الحنفية : هو أن التمتع يشترط فيه عدم الإلمام بأهله، والقران لا يشترط فيه عدم الإلمام بأهله.
      متى يكون المحرم بالعمرة قبل أشهر الحج متمتعاً؟
      قال الحنفية: من أحرم بالعمرة قبل أشهر الحج، فطاف لعمرته أقل من أربعة أشواط ثم لم يتمها حتى دخلت أشهر الحج، فتَّممها في أشهره، وأحرم بالحج، كان متمتعاً، لأن الإحرام عندهم شرط لا ركن، فيصح تقديمه على أشهر الحج، وإنما يعتبر أداء الأفعال في أشهر الحج، وقد وجد الأكثر، وللأكثر حكم الكل.
      أما إن كان طاف لعمرته قبل أشهر الحج أربعة أشواط فصاعداً، ثم حج من عامه ذلك، لم يكن متمتعاً، لأنه أدى الأكثر قبل أشهر الحج، فصار كما إذا تحلل منها قبل أشهر الحج.
      والحاصل أن الأكثر له حكم الكل عند الحنفية، فإذا حصل الأكثر قبل أشهر الحج، فكأنها حصلت كلها، والمتمتع: هو الذي يتم العمرة والحج في أشهر الحج.

      ثالثاً: كيفية القران:
      القران لغة: الجمع بين الشيئين مطلقاً.
      وشرعاً : الجمع بين إحرام العمرة والحج في سفر واحد.
      وصفة القران: أن يهل بالعمرة والحج معاً من الميقات، إما حقيقة بنية الأمرين معاً، وإما حكماً عند الحنفية خلافاً لغيرهم : بأن أحرم بالعمرة أولاً، ثم بالحج قبل أن يطوف لها أكثر الطواف، لأن الجمع قد تحقق، لأن الأكثر منها قائم، ويصح العكس عند الجمهور : بأن يحرم بالحج، ثم يدخل العمرة عليه، لكنه مكروه عند الحنفية.
      وإدخال الحج على العمرة عند الجمهور (غير الحنفية) يكون قبل شروع المحرم في الطواف، فإن شرع فيه ولو بخطوة، فلا يجوز إدخال الحج على العمرة.
      ويلحق بالقران عند الحنفية التمتع إذا ساق المتمتع الهدي، فلا يتحلل بعد العمرة، كما هو شأن المتمتع، بل يظل محرماً حتى ينحر الهدي يوم النحر.
      ويقول القارن عقيب صلاة ركعتي الإحرام : "اللهم إني أريد الحج والعمرة، فيسرهما ليه، وتقبَّلهما مني" لبيك اللهم لبيك ... إلخ.
      فإذا دخل القارن مكة، طاف بالبيت سبعة أشواط، يرمل في الثلاث الأُول منها، ويسعى بعدها بين الصفا والمروة. وهذه أفعال العمرة.
      ثم يشرع عند الحنفية بأفعال الحج كالمُفرِد، ويطوف بعد السعي المذكور طواف القدوم، ويطوف طواف الإفاضة للحج، ويسعى أيضاً بين الصفا والمروة كالمفرد، لقوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} وتمامهما أن يأتي بأفعالهما على الكمال، ولم يفرق بين القارن وغيره.
      وقال الجمهور: يكفي للقارن طواف واحد وسعي واحد.
      دم التمتع والقران: اتفق العلماء على أن المتمتع والقارن يلزمهما إذا أحرما بالحج الهدي، لقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّع بالعمرةِ إلى الحَجِّ فما استيسر من الهدي}.
      ودم القران والتمتع: دم شكر فيأكل منه صاحبه عند الحنفية، ولا يأكل منهما عند الشافعية. وإن لم يدخل القارن مكة، وتوجه إلى عرفات، فقد صار عند الحنفية رافضاً لعمرته بالوقوف، وسقط عنه دم القران، وعليه دم لرفضه عمرته، وهو دم جبر لا يجوز أكله منه، ووجب عليه قضاؤها، لأنه بشروعه فيها أوجبها على نفسه، ولم يوجد منه الأداء، فلزمه القضاء.
      ويسقط عند الشافعية دم التمتع إن عاد لإحرام الحج إلى الميقات.

     


مشاركة الموضوع

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More