الفصل الأول في ضبط اللسان
بيان
عظيم خطر اللسان وفضيلة الصمت
الآفة
الأولى: الكلام فيما لا يعنيك
الآفة
الثانية: فضول الكلام
الآفة
الثالثة: الخوض في الباطل
الآفة
الرابعة: المراء والجدال
الآفة
الخامسة: الخصومة
الآفة
السادسة: التقعُّر في الكلام
الآفة
السابعة: الفحش والسب وبذاءة اللسان
الآفة
الثامنة: اللعن
الآفةٍ
التاسعة: الغناء والشعر
الآفة
العاشرة: المزاح
الآفة
الحادية عشرة: السخرية والاستهزاء
الآفة
الثانية عشرة: إفشاء السر
الآفة
الثالثة عشر: الوعد الكاذب
الآفة
الرابعة عشر: الكذب في القول واليمين
بيان
ما رخص فيه من الكذب
الآفة
الخامسة عشر: الغيبة
بيان
أن الغيبة لا تقتصر على اللسان
بيان
الأسباب الباعثة على الغيبة
بيان
العلاج الذي يمنع اللسان عن الغيبة
بيان
تحريم الغيبة بالقلب
بيان
الأعذار المرخصة في الغيبة
بيان
كفارة الغيبة
الآفة
السادسة عشر: النميمة
الآفة
السابعة عشر: ذو اللسانين
الآفة
الثامنة عشر: المدح
الآفة
التاسعة عشر: الغفلة عن دقائق الخطأ
الآفة
العشرون: الخوض الجاهل في العلوم والسؤال
المتعنّت
تمهيد
من الكلام قبيح وأقبح،
وفاحش وأفحش، ومنه الحسن والأحسن، والله عز وجل ندبنا إلى الكلمة الأحسن. قال
تعالى:
{وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ
يَنزَغُ بَيْنَهُمْ} [الإسراء: 53]. وتذييل الأمر بقوله تعالى {إِنَّ الشَّيْطَانَ
يَنزَغُ بَيْنَهُمْ} [الإسراء: 53] يكاد يكون تعليلاً لهذا الأمر، ممّا
يفيد: أنّه حيث ما نزل كلامنا عن هذا المستوى الرفيع فذلك يعطي الشيطان فرصة النزغ
بيننا، فتأمّل هذا وانظر حال أكثر الخلق إذ يبقى كلامهم دائراً بين القبيح والأقبح
والفاحش والأفحش والمباح ونادراً من يرتقي منهم إلى دائرة الحسن مع أنّ الكلام
الحسن يمكن أن ينزغ الشيطان بين أهله ما لم يرتقوا إلى الكلام الأحسن، فما أصعبه من
مقام.
بيان عظيم خطر اللسان وفضيلة الصمت
اعلم أن خطر اللسان عظيم ولا نجاة من خطره إلا بالصمت، فلذلك مدح الشارع
الصمت وحث عليه فقال صلى الله عليه وسلم: "من صمت نجا" [أخرجه الترمذي بسند فيه ضعف
وقال غريب وهو عند الطبراني بسند جيد] وقال: (لقمان) "الصمت حكم وقليل فاعله" أي
حكمة وحزم. وروى عبد الله بن سفيان عن أبيه قال: قلت يا رسول الله أخبرني عن
الإِسلام بأمر لا أسأل عنه أحداً بعدك قال: "قل أمنت بالله ثم استقم" قال: قلت فما
أتقي؟ فأومأ بيده إلى لسانه [أخرجه الترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه] وقال عقبة بن
عامر قلت يا رسول الله ما النجاة؟ قال: "أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على
خطيئتك" [أخرجه الترمذي وقال حسن]. وقال سهل بن سعد الساعدي: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "من يتكفل لي بما بين لحييه ورجليه أتكفل له بالجنة". [أخرجه
البخاري].
وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة
فقال: "تقوى الله وحسن الخلق" وسئل عن أكثر ما يدخل النار فقال: "الأجوفان: الفم
والفرج" فيحتمل أن يكون المراد بالفم آفات اللسان لأنه محله، ويحتمل أن يكون المراد
به البطن لأنه منفذه، فقد قال معاذ بن جبل: قلت يا رسول الله أنؤاخذ بما نقول؟
فقال: "ثكلتك أمك يا ابن جبل وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد
ألسنتهم" [أخرجه الترمذي وصححه وابن ماجه والحاكم وقال صحيح على شرط
الشيخين].
الآثار: كان أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه يضع حصاة في فيه يمنع بها
نفسه عن الكلام، وكان يشير إلى لسانه ويقول: هذا الذي أوردني الموارد وقال عبد الله
بن مسعود: والله الذي لا إله إلا هو ما شيء أحوج إلى طول سجن من لسان. وقال طاوس:
لساني سبع إن أرسلته أكلني. وقال وهب بن منبه في حكمة آل داود: حق على العاقل أن
يكون عارفاً بزمانه حافظاً للسانه مقبلاً على شأنه. وقال الحسن: ما عقل دينه من لم
يحفظ لسانه.
الآفة الأولى: الكلام فيما لا يعنيك
اعلم أن أحسن أحوالك أن تحفظ ألفاظك من جميع الآفات التي ذكرناها من
الغيبة والنميمة والكذب والمراء والجدال وغيرها، وتتكلم فيما هو مباح لا ضرر عليك
فيه ولا على مسلم أصلاً إلا أنك إذا تكلمت بما أنت مستغن عنه ولا حاجة بك إليه فإنك
تكون مضيعاً به زمانك ومحاسباً على عمل لسانك وتستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير،
لأنك لو صرفت زمان الكلام إلى الفكر ربما كان ينفتح لك من نفحات رحمة الله عند
الفكر ما يعظم جدواه، ولو هللت الله سبحانه وذكرته وسبحته لكان خيراً لك فكم من
كلمة تبني بها قصراً في الجنة؟ ومن قدر على أن يأخذ كنزاً من الكنوز فأخذ مكانه
مدرة لا ينتفع بها كان خاسراً خسراناً مبيناً.
وقال عمر رضي الله عنه لا تتعرض لما لا يعنيك واعتزل عدوك واحذر صديقك
من القوم إلا الأمين. ولا أمين إلا من خشي الله تعالى، ولا تصحب الفاجر فتتعلم من
فجوره ولا تطلعه على سرك، واستشر في أمرك الذين يخشون الله
تعالى.
الآفة الثانية: فضول الكلام
وهو أيضاً مذموم، وهذا يتناول الخوض فيما لا يعني والزيادة على قدر
الحاجة فيما يعني، فإنّ من يعنيه أمر يمكنه أن يذكره بكلام مختصر، ويمكنه أن يجسمه
ويقرره ويكرره. ومهما تأدّى مقصوده بكلمة واحدة فذكر كلمتين فالثانية فضول - أي فضل
عن الحاجة - وهو أيضاً مذموم.
الآفة الثالثة: الخوض في الباطل
وهو الكلام في المعاصي كحكاية أحوال النساء ومجالس الخمر ومقامات الفساق
وتنعم الأغنياء وتجبر الملوك ومراسمهم المذمومة وأحوالهم المكروهة، فإن كل ذلك مما
لا يحل الخوض فيه وهو مذموم.
الآفة الرابعة: المراء والجدال
قال صلى الله عليه وسلم: "من ترك المراء وهو محق بني له بيت في أعلى
الجنة ومن ترك المراء وهو مبطل بني له بيت في ربض الجنة" وقال أيضاً: "ما ضل قوم
بعد أن هداهم الله تعالى إلا أوتوا الجدال". [أخرجه الترمذي من حديث أبي أمامة
وصححه وزاد "بعد هدي كانوا عليه"].
الآفة الخامسة: الخصومة
وهي أيضاً مذمومة وهي وراء الجدال والمراء، فالمراء طعن في كلام الغير
بإظهار خلل فيه من غير أن يرتبط به غرض سوى تحقير الغير. وإظهار مزية الكياسة
والجدال عبارة عن أمر يتعلق بإظهار المذاهب وتقريرها. والخصومة لجاج في الكلام
ليستوفى به مال أو حق مقصود، وذلك تارة يكون ابتداء وتارة يكون اعتراضاً. والمراء
لا يكون إلا باعتراض على كلام سبق.
فقد قالت عائشة رضي الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن
أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم". [أخرجه البخاري].
الآفة السادسة: التقعُّر في الكلام
التقعر في الكلام بالتشدق وتكلف السجع والفصاحة والتصنع فيه بالتشبيبات
والمقدّمات وما جرت به عادة المتفاصحين المدّعين للخطابة. وكل ذلك من التصنع
المذموم ومن التكلف الممقوت الذي قال صلى الله عليه وسلم: "إن أبغضكم إلي وأبعدكم
مني مجلساً الثرثارون المتفيهقون المتشدقون في الكلام" [أخرجه أحمد بلفظ:" إن
أبغضكم إلى الله..." الترمذي وحسنه]. وقال صلى الله عليه وسلم: "ألا هلك المتنطعون
- ثلاث مرات -". [أخرجه مسلم].
الآفة السابعة: الفحش والسب وبذاءة اللسان
وهو مذموم ومنهي عنه ومصدره الخبث واللؤم قال صلى الله عليه وسلم:
"إياكم والفحش فإن الله تعالى لا يحب الفحش ولا التفحش" [أخرجه النسائي في الكبرى
والحاكم وصححه ورواه ابن حبان] ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن تُسبّ قتلى
بدر من المشركين فقال: "لا تسبوا هؤلاء فإنه لا يخلص إليهم شيء مما تقولون ولا
تؤذون الأحياء ألا إن البذاء لؤم" [أخرجه ابن أبي الدنيا مرسلاً ورجاله ثقات]. وقال
صلى الله عليه وسلم: ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء. [أخرجه
الترمذي بإسناد صحيح].
الآفة الثامنة: اللعن
إما لحيوان أو جماد أو إنسان وكل ذلك مذموم. قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "المؤمن ليس بلعان". [أخرجه الترمذي وحسّنه] وقال صلى الله عليه وسلم:
"لا تلاعنوا بلعنة الله ولا بغضبه ولا بجهنم. [أخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح]. وقال
حذيفة: ما تلاعن قوم قط إلا حق عليهم القول وقال عمران بن حصين: بينما رسول الله
صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره إذا امرأة من الأنصار على ناقة لها فضجرت منها
فلعنتها فقال صلى الله عليه وسلم: "خذوا ما عليها وأعروها فإنها ملعونة". [أخرجه
مسلم].
والصفات المقتضية للعن ثلاثة: الكفر، والبدعة، والفسق. وللعن في كل
واحدة ثلاث حالات.
الأولى: اللعن بالوصف الأعم كقولك لعنة الله على الكافرين والمبتدعين
والفسقة.
الثانية: اللعن بأوصاف أخص منه كقولك لعنة الله على اليهود والنصارى والمجوس وعلى
القدرية والخوارج، أو على الزنا والظلمة وآكلي الربا، وكل ذلك
جائز.
الثالثة: اللعن للشخص المعين وهذا فيه خطر كقولك: زيد لعنه الله، وهو كافر أو
فاسق أو مبتدع، والتفصيل فيه أن كل شخص ثبتت لعنته شرعاً فتجوز لعنته كقولك. فرعون
لعنه الله، وأبو جهل لعنه الله، لأنه قد ثبت أن هؤلاء ماتوا على الكفر وعرف ذلك
شرعاً. وأما شخص بعينه في زماننا كقولك زيد لعنه الله، وهو يهودي مثلاً فهذا فيه
خطر فإنه ربّما يسلم فيموت مقرباًعند الله فكيف يحكم بِكَوْنه
ملعوناً؟.
الآفةٍ التاسعة: الغناء والشعر
أما الشعر فكلامٌ حسنه حسن وقبيحه قبيح إلا أن التجرّد له مذموم. قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً حتى يريه خير له من أن
يمتلئ شعراً". [أخرجه مسلم]. وهذا محمول على الشعر البذيء الفاسد، لأن النبي صلى
الله عليه وسلم يقول: "إن من الشعر لحكمة".
الآفة العاشرة: المزاح
وأصله مذموم منهي عنه إلا قدراً يسيراً يستثنى منه قال صلى الله عليه
وسلم: "لا تمار أخاك ولا تمازحه" [أخرجه الترمذي] فإن قلت: المماراة فيها إيذاء
لأنّ فيها تكذيباً للأخ الصديق أو تجهيلاً له وأما المزاح فمطايبة وفيه انبساط وطيب
قلب فلم ينهى عنه؟ فاعلم أنّ المنهيّ عنه الإِفراط فيه أو المداومة عليه. أما
المداومة فلأنه اشتغال باللعب والهزل فيه واللعب مباح ولكن المواظبة عليه مذمومة،
وأما الإِفراط فيه فإنه يورث كثرة الضحك وكثرة الضحك تميت القلب وتورث الضغينة في
بعض الأحوال، وتسقط المهابة والوقار.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ الرجل ليتكلم بالكلمة يضحك
بها جلساءه يهوي بها في النار من الثريا" وقال عمر رضي الله عنه: من كثر ضحكه قلت
هيبته، ومن مزح استخف به، ومن قل ورعه مات قلبه. ولأنّ الضحك يدل على الغفلة عن
الآخرة قال صلى الله عليه وسلم: "لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً".
[متفق عليه].
فإِن قلت: قد نقل المزاح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فكيف
ينهي عنه؟ فأقول: إن قدرت على ما قدر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه
وهو أن تمزح ولا تقول إلا حقاً ولا تؤذي قلباً ولا تُفرط فيه وتقتصر عليه أحياناً
على الندور فلا حرج عليك فيه.
الآفة الحادية عشرة: السخرية والاستهزاء
وهذا محرم مهما كان مؤذياً كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا
نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ} [الحجرات: 11]
ومعنى السخرية الاستهانة والتحقير والتنبيه على العيوب والنقائص على وجه يضحك
منه.
وقال ابن عباس في قوله تعالى: {يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا
الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا} [الكهف:
49] إن الصغيرة التبسم بالاستهزاء بالمؤمن، والكبيرة القهقهة بذلك. وهذا إشارة إلى
أن الضحك على الناس من جملة الذنوب. قال معاذ بن جبل: قال النبي صلى الله عليه
وسلم: "من عيّر أخاه بذنب قد تاب منه لم يمت حتى يعمله" [أخرجه الترمذي وقال حسن
غريب]. وكل هذا يرجع إلى استحقار الغير والضحك عليه استهانة واستصغاراً له. وعليه
نبه قوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ} [الحجرات: 11] أي
لا تستحقره استصغاراً فلعلَّه خير منك.
الآفة الثانية عشر: إفشاء السر
وهو منهي عنه لما فيه من الإِيذاء والتهاون بحق المعارف والأصدقاء. قال
النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا حدّث الرجل الحديث ثم التفت فهي أمانة". [أخرجه أبو
داود والترمذي وحسنه] وقال الحسن: إن من الخيانة أن تحدّث بسر
أخيك.
الآفة الثالثة عشرة: الوعد الكاذب
فإن اللسان يسبق إلى الوعد، ثم النفس ربما لا تسمح بالوفاء فيصير الوعد
خلفاً وذلك من أمارات النفاق قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وقد أثنى الله تعالى على نبيه إسماعيل
عليه السلام في كتابه العزيز فقال {إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} [مريم:
54] ولما حضرت عبد الله بن عمر الوفاة قال: إنه كان خطب إلى ابنتي رجل من قريش وقد
كان إليه مني شبه الوعد، فوالله لا ألقى الله بثلث النفاق! أشهدكم أني قد زوجته
ابنتي. وقيل لإِبراهيم: الرجل يواعد الرجل الميعاد فلا يجيء، قال: ينتظره إلى أن
يدخل وقت الصلاة التي تجيء.
الآفة الرابعة عشر: الكذب في القول واليمين
وهو من قبائح الذنوب وفواحش العيوب. قال إسماعيل بن واسط: سمعت أبا بكر
الصديق رضي الله عنه يخطب بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قام فينا
رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامي هذا عام أوّل - ثم بكى - قال "إياكم والكذب
فإنه مع الفجور وهما في النار". [أخرجه ابن ماجه والنسائي في اليوم والليلة وإسناده
حسن]. وقال الحسن: كان يقال إن من النفاق اختلاف السر والعلانية، والقول والعمل،
والمدخل والمخرج، وإن الأصل الذي بني عليه النفاق الكذب. وقال عليه السلام "كبرت
خيانة أن تحدث أخاك حديثاً هو لك به مصدق وأنت له به كاذب" [رواه أحمد والطبراني
بإسناد جيد] وقال ابن مسعود: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم "لا يزال العبد
يكذب ويتحرّى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً". [متفق عليه].
بيان ما رخص فيه من الكذب
أعلم أن الكذب ليس حراماً لعينه بل لما فيه من الضرر على المخاطب أو على
غيره، فإن أقل درجاته أن يعتقد المخبر الشيء على خلاف ما هو عليه فيكون جاهلاً وقد
يتعلق به ضرر غيره.
والذي يدل على الاستثناء ما روي عن أم كلثوم قالت: ما سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يرخص في شيء من الكذب إلا في ثلاث: الرجل يقول القول يريد به
الإِصلاح، والرجل يقول القول في الحرب، والرجل يحدث امرأته والمرأة تحدث زوجها
[أخرجه مسلم] وقالت أيضاً: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس بكذاب من أصلح
بين اثنين فقال خيراً أو نمى خيراً" [متفق عليه] وقالت أسماء بنت يزيد: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "كل الكذب يكتب على ابن آدم إلا رجل كذب بين مسلمين ليصلح
بينهما". [أخرجه أحمد بزيادة فيه وهو عند الترمذي مختصراً
وحسنه].
الآفة الخامسة عشر: الغيبة
والنظر فيها طويل فلنذكر أولاً مذمة الغيبة وما ورد فيها من شواهد
الشرع، وقد نص الله سبحانه على ذمها في كتابه وشبه صاحبها بآكل لحم الميتة، فقال
تعالى: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ
لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات: 12] وقال عليه الصلاة
والسلام: "كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه" [أخرجه مسلم] والغيبة تتناول
العرض وقد جمع الله بينه وبين المال والدم، وقال أبو برزة: قال عليه الصلاة
والسلام: "لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تناجشوا ولا تدابروا ولا يغتب بعضكم بعضاً
وكونوا عباد الله إخواناً" [متفق عليه].
وقال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مررت ليلة أسري بي على
أقوام يخمشون وجوههم بأظافيرهم فقلت يا جبريل من هؤلاء؟ قال هؤلاء الذين يغتابون
الناس ويقعون في أعراضهم". [أخرجه أبو داود]. وقال البراء: خطبنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم حتى أسمع العواتق في بيوتهن فقال: "يا معشر من آمن بلسانه ولم يؤمن
بقلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه تتبع الله
عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه في جوف بيته". [أخرجه أبو
داود].
وقال ابن عباس: إذا أردت أن تذكر عيوب صاحبك فاذكر عيوبك. وقال أبو
هريرة: يبصر أحدكم القذى في عين أخيه ولا يبصر الجذع في عين
نفسه.
بيان أن الغيبة لا تقتصر على اللسان
اعلم أن الذكر باللسان إنما حرم لأن فيه تفهيم الغير نقصان أخيك وتعريفه
بما يكرهه، فالتعريض به كالتصريح والفعل فيه كالقول، والإِشارة والإِيماء والغمز
والهمز والكتابة والحركة وكل ما يفهم فهو داخل في الغيبة وهو
حرام.
بيان الأسباب الباعثة على الغيبة
اعلم أن البواعث على الغيبة كثيرة ولكن يجمعها أحد عشر سبباً: ثمانية
منها تطّرد في حق العامة، وثلاثة تختص بأهل الدين والخاصة.
أما الثمانية:
فالأول أن يشفي الغيظ.
الثاني: موافقة الأقران ومجاملة الرفقاء ومساعدتهم على
الكلام.
الثالث: أن يستشعر من إنسان أنه سيقصده ويطّول لسانه عليه أو يقبح حاله عند
محتشم، أو يشهد عليه بشهادة فيبادره قبل أن يقبّح هو حاله ويطعن فيه ليسقط أثر
شهادته، أو يبتدئ بذكر ما فيه صادقاً ليكذب عليه بعده فيروّج كذبه بالصدق الأول
ويستشهد ويقول: ما من عادتي الكذب، فإني أخبرتكم بكذا وكذا من أحواله فكان كما
قلت.
الرابع: أن ينسب إلى شيء فيريد أن يتبرأ منه فيذكر الذي فعله، وكان من حقه أن
يبرئ نفسه ولا يذكر الذي فعل فلا ينسب غيره إليه، أو يذكر غيره بأنه كان مشاركاً له
في الفعل ليمهد بذلك عذر نفسه في فعله.
الخامس: إرادة التصنع والمباهاة، وهو أن يرفع نفسه بتنقيص غيره فيقول فلان جاهل
وفهمه ركيك وكلامه ضعيف.
السادس: الحسد وهو أنه ربما يحسد من يثني الناس عليه ويحبونه ويكرمونه، فيريد
زوال تلك النعمة عنه فلا يجد سبيلاً إليه إلا بالقدح فيه، فيريد أن يسقط ماء وجهه
عند الناس حتى يكفوا عن كرامته والثناء عليه لأنه يثقل عليه أن يسمع كلام الناس
وثناءهم عليه وإكرامهم له، وهذا هو عين الحسد.
السابع: اللعب والهزل والمطايبة وتمضية الوقت بالضحك، فيذكر عيوب غيره بما يضحك
الناس على سبيل المحاكاة ومنشؤه التكبر والعجب.
الثامن: السخرية والاستهزاء استحقاراً له فإن ذلك قد يجري في الحضور ويجري أيضاً
في الغيبة ومنشئه التكبر واستصغار المستهزأ به.
وأما الأسباب الثلاثة التي هي في الخاصة فهي أغمضها وأدقها، لأنها شرور
خبأها الشيطان في معرض الخيرات وفيها خير ولكن شاب الشيطان بها
الشر.
الأول: أن تنبعث من الدين داعية التعجب في إنكار المنكر والخطأ في الدين، فيقول
ما أعجب ما رأيت من فلان! فإنه قد يكون به صادقاً ويكون تعجبه من المنكر، ولكن كان
حقه أن يتعجب ولا يذكر اسمه فيسهل الشيطان عليه ذكر اسمه في إظهار تعجبه، فصار به
مغتاباً وآثماً من حيث لا يدري.
الثاني: الرحمة وهو أن يغتم بسبب ما يبتلى به فيقول: مسكين فلان قد غمني أمره
وما ابتلي به، فيكون صادقاً في دعوى الاغتمام ويلهيه الغمّ عن الحذر من ذكر اسمه
فيذكره فيصير به مغتاباً فيكون غمه ورحمته خيراً، وكذا تعجبه ولكن ساقه الشيطان إلى
شر من حيث لا يدري، والترحم والاغتمام ممكن دون ذكر اسمه فيهيجه الشيطان على ذكر
اسمه ليبطل به ثواب اغتمامه وترحمه.
الثالث: الغضب لله تعالى فإنه قد يغضب على منكر قارفه إنسان إذا رآه أو سمعه
فيظهر غضبه ويذكر اسمه، وكان الواجب أن يظهر غضبه عليه بالأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر ولا يظهره على غيره،أو يستر اسمه ولا يذكره بالسوء، فهذه الثلاثة مما يغمض
دركها على العلماء فضلاً عن العوام، فإنهم يظنون أن التعجب والرحمة والغضب إذا كان
لله تعالى، كان عذراً في ذكر الاسم وهو خطأ.
بيان العلاج الذي يمنع اللسان عن الغيبة
اعلم أن مساوئ الأخلاق كلها إنما تعالج بمعجون العلم والعمل، وإنما علاج
كل علة مضادة سببها، فلنفحص عن سببها. وعلاج كف اللسان عن الغيبة على وجهين: أحدهما
على الجملة، والآخر على التفصيل.
أمّا على الجملة: فهو أن يعلم تعرضه لسخط الله تعالى بغيبته بهذه الأخبار التي رويناها
وأن يعلم أنها محبطة لحسناته يوم القيامة، فإنها تنقل حسناته يوم القيامة إلى من
اغتابه بدلاً عما استباحه من عرضه، فإن لم تكن له حسنات نقل إليه من سيئات خصمه،
وهو مع ذلك متعرض لمقت الله عز وجل ومشبه عنده بآكل الميتة، بل العبد يدخل النار
بأن تترجح كفة سيئاته على كفة حسناته وربما تنقل إليه سيئة واحدة ممن اغتابه فيحصل
بها الرجحان ويدخل بها النار وإنما أقل الدرجات أن تنقص من ثواب أعماله وذلك بعد
المخاصمة والمطالبة والسؤال والجواب والحساب.
أما التفصيل فهو أن ينظر في السبب الباعث له على الغيبة فإن علاج العلة بقطع سببها
وقد قدمنا الأسباب: أما الغضب فيعالجه وهو أن يقول: إني إذا أمضيت غضبي عليه فلعل
الله تعالى يمضي غضبه علي بسبب الغيبة إذ نهاني عنها فاجترأت على نهيه واستخففت
بزجره.
وقال صلى الله عليه وسلم: "من كظم غيظاً وهو يقدر على أن يمضيه دعاه
الله تعالى يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره في أي الحور شاء". [أخرجه أبو
داود والترمذي وحسنه وابن ماجه].
بيان تحريم الغيبة بالقلب
اعلم أن سوء الظن حرام مثل سوء القول، فكما يحرم عليك أن تحدث غيرك
بلسانك بمساوئ الغير فليس لك أن تحدث نفسك وتسيء الظن بأخيك، ولست أعنى به إلا عقد
القلب وحكمه على غيره بالسوء، فأما الخواطر وحديث النفس فهو معفو عنه بل الشك أيضاً
معفو عنه، ولكن المنهيّ عنه أن يظن، والظن عبارة عما تركن إليه النفس ويميل إليه
القلب. فقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا
كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات:
12].
بيان الأعذار المرخصة في الغيبة
اعلم أن المرخص في ذكر مساوئ الغير هو غرض صحيح في الشرع لا يمكن التوصل
إليه إلا به فيدفع ذلك إثم الغيبة وهي ستة أمور:
الأول: التظلم فإن من ذكر قاضياً بالظلم والخيانة وأخذ الرشوة كان مغتاباً
عاصياً إن لم يكن مظلوماً أما المظلوم من جهة القاضي فله أن يتظلم إلى السلطان
وينسبه إلى الظلم إذ لا يمكنه استيفاء حقه إلا به قال صلى الله عليه وسلم: "إن
لصاحب الحق مقالاً" [متفق عليه] وقال عليه الصلاة والسلام: "مطل الغنّي ظلم" [متفق
عليه] وقال عليه الصلاة والسلام: "ليّ الواجد يحل عقوبته وعرضه" [الليّ:
المطل].
الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر ورد العاصي إلى منهج الصلاح، كما روي أن عمر
رضي الله عنه مر على عثمان وقيل على طلحة - رضي الله عنه فسلم عليه فلم يرد السلام،
فذهب إلى أبي بكر رضي الله عنه فذكر له ذلك، فجاء أبو بكر إليه ليصلح ذلك ولم يكن
ذلك غيبة عندهم، وكذلك لما بلغ عمر رضي الله عنه أن أبا جندل قد عاقر الخمر بالشام
كتب إليه (بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر
الذنب وقابل التوب شديد العقاب). الآية فتاب، ولم ير ذلك عمر ممن أبلغه غيبة، إذ
كان قصده أن ينكر عليه ذلك فينفعه نصحه ما لا ينفعه نصح غيره، وإنما إباحة هذا
بالقصد الصحيح فإن لم يكن ذلك هو المقصود كان حراماً.
الثالث: الاستفتاء كأن يقول للمفتي، ظلمني أبي أو زوجتي أو أخي فكيف طريقي في
الخلاص؟ والأسلم التعريض بأن يقول: ما قولك في رجل ظلمه أبوه أو أخوه أو زوجته؟
ولكن التعيين مباح بهذا القدر لما روي عن هند بنت عتبة أنها قالت للنبي صلى الله
عليه وسلم: "إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني أنا وولدي أفآخذ من غير
علمه فقال: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" [متفق عليه] فذكرت الشح والظلم لها
ولولدها ولم يزجرها صلى الله عليه وسلم إذ كان قصدها
الاستفتاء.
الرابع: تحذير المسلم من الشر، فإذا رأيت فقيها يتردد إلى مبتدع أو فاسق وخفت أن
تتعدى إليه بدعته وفسقه فلك أن تكشف له بدعته وفسقه، مهما كان الباعث لك الخوف عليه
من سراية البدعة والفسق لا غيره.
الخامس: أن يكون الإِنسان معروفاً بلقب يعرب عن عيبه كالأعرج والأعمش، فلا إثم
على من يقول روى أبو الزناد عن الأعرج، وسلمان عن الأعمش، وما يجري مجراه فقد فعل
العلماء ذلك لضرورة التعريف.
السادس: أن يكون مجاهراً بالفسق كالمخنث وصاحب الماخور والمجاهر بشرب الخمر
ومصادرة الناس، وكان ممن يتظاهر به بحيث لا يستنكف، من أن يذكر له ولا يكره أن يذكر
به، فإذا ذكرت فيه ما يتظاهر به فلا إثم عليك، وقال عمر رضي الله عنه: ليس لفاجر
حرمة وأراد به المجاهر بفسقه دون المستتر إذ المستتر لا بد من مراعاة حرمته، وقال
الصلت بن طريف: قلت للحسن: الرجل الفاسق المعلن بفجوره ذكري له بما فيه غيبة له؟
قال: لا ولا كرامة. وقال الحسن، ثلاثة لا غيبة لهم، صاحب الهوى والفاسق المعلن
بفسقه والإِمام الجائر فهؤلاء الثلاثة يجمعهم أنهم يتظاهرون به وربما يتفاخرون به،
فكيف يكرهون ذلك وهم يقصدون إظهاره؟ نعم لو ذكره بغير ما يتظاهر به
أثم.
بيان كفارة الغيبة
اعلم أن الواجب على المغتاب أن يندم ويتوب ويتأسف على ما فعله ليخرج به
من حق الله سبحانه، ثم يستحل المغتاب ليحله فيخرج من مظلمته! وينبغي أن يستحله وهو
حزين متأسف نادم على فعله؟ إذ المرائي قد يستحل ليظهر من نفسه الورع وفي الباطن لا
يكون نادماً، فيكون قد قارف معصية أخرى.
الآفة السادسة عشر: النميمة
قال الله تعالى: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم:
11] ثم قال: {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} [القلم: 13] قال عبد الله بن
المبارك: الزنيم ولد الزنى الذي لا يكتم الحديث. والزنيم هو الدعي وقال تعالى:
{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة: 1] قيل الهمزة النمّام. قال
صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة نمّام" [متفق عليه].
الآفة السابعة عشر: ذو اللسانين
كلام ذي اللسانين الذي يتردد بين المتعاديين ويكلم كل واحد منهما بكلام
يوافقه، وقلما يخلو عنه من يشاهد متعاديين وذلك عين النفاق، قال عمار بن ياسر: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان له وجهان في الدنيا كان له لسانان من نار
يوم القيامة" [أخرجه البخاري في كتاب الأدب المفرد وأبو داود بسند حسن] وقال أبو
هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تجدون من شر عباد الله يوم القيامة ذا
الوجهين الذي يأتي هؤلاء بحديث وهؤلاء بحديث". [متفق عليه].
الآفة الثامنة عشر: المدح
وهو منهّي عنه في بعض المواضع. أما الذم فهو الغيبة والوقيعة وقد ذكرنا
حكمهما، والمدح يدخله ست آفات: أربع في المادح، واثنتان في
الممدوح.
فأما المادح، فالأول: أنه قد يفرط فينتهي به إلى
الكذب.
والثانية: أنه قد يدخله الرياء فإنه بالمدح مظهر للحب، وقد لا يكون مضمراً له ولا
معتقداً لجميع ما يقوله فيصير به مرائياً منافقاً.
الثالثة: أنه قد يقول ما لا يتحققه ولا سبيل له إلى الاطلاع عليه، وروي أن رجلاً
مدح رجلاً عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال له عليه الصلاة والسلام: "ويحك قطعت
عنق صاحبك لو سمعها ما أفلح" ثم قال: "إن كان أحدكم لا بد مادحاً أخاه فليقل أحسن
فلان ولا أزكي على الله أحداً حسيبه الله إن كان يرى أنه كذلك". [أصله متفق
عليه].
الرابعة: أنه قد يفرح الممدوح وهو ظالم أو فاسق وذلك غير
جائز.
وأما الممدوح فيضره من وجهين:
أحدهما: أنه يحدث فيه كبراً وإعجاباً وهما مهلكان.
الثاني: هو أنه إذا أثنى عليه بالخير فرح به وفتر ورضي عن نفسه ومن أعجب بنفسه
قلّ تشمره وإنما يتشمّر للعمل من يرى نفسه مقصراً فأما إذا انطلقت الألسن بالثناء
عليه ظن أنه قد أدرك ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: "قطعت عنق صاحبك لو سمعها ما
أفلح".
الآفة التاسعة عشر: الغفلة عن دقائق الخطأ
الغفلة عن دقائق الخطأ في فحوى الكلام، لا سيما فيما يتعلق بالله
وصفاته، ويرتبط بأمور الدين فلا يقدر على تقويم اللفظ في أمور الدين إلا العلماء
الفصحاء، فمن قصر في علم أو فصاحة لم يخل كلامه عن الزلل لكن الله تعالى يعفو عنه
لجهله. مثاله: ما قال حذيفة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يقل أحدكم ما شاء
الله وشئت ولكن ليقل ما شاء الله ثم شئت". [أخرجه أبو داود والنسائي في الكبرى بسند
صحيح].
الآفة العشرون: الخوض الجاهل في العلوم والسؤال
المتعنّت
الفضول خفيف على القلب. والعامي يفرح بالخوض في العلم، إذ الشيطان يخيّل
إليه أنه من العلماء وأهل الفضل، ولا يزال يحبب إليه ذلك حتى يتكلم في العلم بما هو
كفر وهو لا يدري. وكل من يسأل عن علم غامض ولم يبلغ فهمه تلك الدرجة فهو مذموم،
فإنه بالإِضافة إليه عامي. ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "ذروني ما تركتكم فإنما
هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما
أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم". [متفق عليه].