التسميات

الموسيقى الصامتة

Our sponsors

‏إظهار الرسائل ذات التسميات قصص. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات قصص. إظهار كافة الرسائل

08‏/03‏/2015

أبي ليتك أنت الميت

أبي ليتك أنت الميت 






طفل صغير في الصف الثالث الابتدائي
كان المدرس يحثهم وبقوة على
طاعة الله وعلى أداء صلاة الفجر
وكانت النتيجة أن تأثر هذا الغلام الصغير بهذه الدعوة من مدرسه واستجاب لأداء صلاة الجماعة في المسجد
ولكن الفجر
صعبة بالنسبة له
فقرر أن يصلي الفجر في المسجد
ولكن من الذي يوقظه؟
أمه؟ لا
والده؟ لا
ماذا يصنع يا ترى؟
قرر قراراً خطيراً ، قراراً صارماً
قرر أن يسهر الليل ولا ينام
وفعلاً سهر الليل إلى أن أذن الفجر وخرج إلى المسجد مسرعاً يُريد أن يصلي !
ولكن عندما فتح الباب وإذا بالشارع موحش مظلم ليس هناك أحد يتحرك
لقد خاف ، لقد ارتاع
ماذا يصنع؟
ماذا يفعل يا ترى؟
وفي هذه اللحظة...وإذا به يسمع مشياً خفيفاً
من هذا القادم !
إنه رجلٌ يمشي رويداً رويداً
وإذا بعصاه تطرق الأرض
وأقدامه لا تكاد أن تمس الأرض !
فنظر إليه وإذا به جد زميله
فقرر أن يمشي خلفه دون أن يشعر به
وفعلاً بدأ يمشي خلفه إلى أن وصل للمسجد
فصلى ثم عاد مع هذا الكبير في السن دون أن يشعر به ، وقد ترك الباب ولم يُغلقه ودخل ونام .
ثم استيقظ للمدرسة وكأن شيئاً لم يحدث .
استمر على هذا المنوال فترة من الزمن
أهله لم يستغربوا منه إلا قضية كثرة نومه في النهار ولا يعلمون ماهو السبب !
والسبب هو سهره في الليل ....!
وفي أحد الأيام علم هذا الطفل الصغير
أن هذا الجد قد تـُوفي ....!
مات هذا الرجل الكبير في السن ...
صرخ الصغير وبكى ...!
ما الذي حصل ؟
لماذا تبكي يا بُني إنه رجلٌ غريب عنك ، إنه ليس أباك ولا أمك ولا أخاك فلماذا تبكي؟
فعندما حاول والده أن يعرف السبب
قال لوالده : يا أبي ليتك أنت الميت ...!؟
أعوذ بالله
أيُعقل أن يتمنى الابن أن يموت أباه ولا يموت ذلك الرجل ...!!
قال الطفل : نعم
ببراءة الأطفال قال : يا أبي ليتك
أنت الميت لأنك لا توقظني لصلاة الفجر ، أما هذا الرجل فقد كنت أستأنس به وأمشي خلفه دون أن يشعر إلى صلاة الفجر ذهاباً وإيابا .ً
وقص القصة على والده ..!
كاد الأب أن تخنقه العبرات وربما بكى ...!
تأثر جداً وحدث في حياة هذا الأب تغيّرٌ قويٌّ بفعل سلوك هذا الابن ، بل بفعل سلوك هذا المعلم .
الله أكبر
انظروا إلى ثمرة هذا المعلم ماذا أثمرت؟
أثمرت أسرة صالحةً وأنتجت منهجاً صالحاً
فمن منا يصلي الفجر في المسجد ؟؟
القصة طويلة ولكنها تسحتق القراءة
إذا أعجبك محتواها فلا تحرم غيرك من قراءتها لعلّ الله يهدي بها ضالّاً أو يوقظ بها غافلاً ولاتنسوني من الدعاء

02‏/12‏/2014

نخلة على الجدول

نخلة على الجدول
( يفتح الله ! ) …
-((
عشرون جنيها يا رجل، تحل منها ما عليك من دين،  وتصلح بها حالك. وغدا العيد، وأنت لم تشتر بعد كبش الاضحية ! واقسم أنني لو لم أرد مساعدتك، فان هذه النخلة لا تساوي عشره جنيهات ).
وتمايل حمار حسين التاجر في وقفته. ولم يكن صاحبه قد ترجل عنه، فان لم يرد ان يظهر لشيخ محجوب تلهفه على شراء النخلة ذات النبات الخمس، التي يسميها السودانيون في الشمال (الاساسق)، وقد قامت وسطها النخلة الأم، ممشوقة متغطرسة، تتلاعب بغدائرها النسمات الباردة التي هبت من الشمال تحمل قطرات من مياه النيل. ورأى الحمار الأبيض البدين حمارة أنثى ترعى من بعيد بين سيقان الذرة. فنهق نهيقا أجهش ممتدا، تم رفع رجله الخلفية اليسرى ووضعها، ورفع رجله الأمامية اليمنى ووقف في حافة حافره، وتشاغل بخصل من نبات (السعدة) الريانة التي نمت على حافة الجدول وكأنه قد تبرم بهذه المساومة التي لم يكن ورائها طائل. والحق أن حسين التاجر، بثيابه البيضاء الفضفاضة، وعباءته السوداء التي اشتراها في زيارة له للخرطوم، وعمامته من (الكرب) نمرة واحدة، وحدائه الأحمر التي لم تخرج أيدي صناع _(المراكيب ) في الفاشر أجود منه، وحماره الأبيض البدين اللامع ، والسرج الأحمر المذهن، والفروة البنية التي تدلت وكادت تمس الأرض ، كانت صورة مجسمة للكبرياء والغطرسة.
 
ولكن شيخ محجوب لم يحر جوابا، وكان يبدوا في وقفته تلك كل المشدود، يرنو إلى أفق بعيد متناء. ورويدا رويدا خفتت في أدنه ضوضاء (أهل الخير) الذين جاؤوا ليتوسطوا بين التاجر وشيخ محجوب، وخفت صوت الساقية الحزين المتصل.
ولف ضباب الذكريات معالم الأشياء الممتدة أمام ناضري شيخ محجوب. الناس والبهائم وغابة النخيل الكثة المتلاصقة، وأحواض الذرى الناضجة التي لم تحصد بعد، والأحواض الجرداء العارية قطعت منها الذرة، وسرحت على بقاياها قطعان الضأن والماعز. كل ذلك تحول إلى أشباح يتراقص في وسطها جريد نخل محجوب. وفي اقل من لمحة الطرف استعرض الرجل حاضره. أجل، غدا عيد الأضحى حينما يخرج الناس مع شروق الشمس في ثيابهم النظيفة البيضاء الجديدة، ويصلون مجتمعين على مقربة من ضريح الشيخ صالح. وإذ يعودون إلى بيوتهم تنضح وجوههم بالبشر والسعادة، وتسيل دماء الأضاحي، ويقبل الأضياف ويخرجون، ويتردد في الحي صدى ضحكاتهم  أما هو ... أما بيته ...؟ انه لا يملك توبا نظيفا يخرج به إلى الصلاة، وليس عند زوجته غير " ثوب زراق" اشتراه لها  قبل شهرين نال منه البلى  وتراكمت عليه الأوساخ. أما ابنته خديجة فقد كادت تفتت قلبه ببكائها من اجل ثوب جديد تعرضه على والدتها وتعيد به مع صاحباتها. ومن أين له جنيهات ثلاثة يشتري بها خروفا يضحي به؟
 
وتمتم شيح محجوب في صوت لا يكاد يسمع، شيئ يشبه التوسل والابتهال: (يفتح الله) وزم شفتيه في عصبية، وعاد بعقله خمسة وعشرون عاما إلى الوراء. إلا ما أعجبه تقلبات هذا الزمن لقد كان يومئذ شابا قويا أعزب لم يبلغ الثلاثين بعد، يعمل في ساقية أبيه مقابل كسوته وشرابه. فلم يكن يحتاج إلى المال، ولم يكن له قيمة. وفي ذات صباح مشرق من أصباح الصيف، مر بابن عمه إسماعيل، وكان الأخير منهمكا بقلع الشتل ليغرسه في أماكن أخرى من ارض الساقية. ووقع نضر محجوب على شتلة صغيرة رماها إسماعيل بعيدا، على إنها خالية من (الأضراس) لا تصلح. فالتقطها محجوب ونفض عنها التراب، وقال لابن عمه ضاحكا: باكر تشوف ذي تبقى تمرة زي العجب *. وتبسم إسماعيل في سخرية، واستغرق في عمله. وعلى حافة الجدول وقريبا من الساقية، شق محجوب حفرة صغيرة ووضع فيها (النخيلة) وواراها التراب وفتح لها الماء بعد ا ن تلا آيات من القرآن وردد في شيء من الخشوع. (بسم الله ، ما شاء الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله)، مثلما يفعل أبوه كلما غرس شتلة أو حصد نبتا. ولم ينس أن يصب في الحفرة قليلا من ماء الإبريق الذي يتوضأ بها أبوه تيمنا وتبركا.
وانتزع محجوب غصة صعدت في حلقه، تم مرر أصابع يديه النحيلة المعروقة بين شعيرات لحيته المتفرقة. إلا ما كان أبرك ذلك العام! بعد ستة أشهر فقط من غرس (النخيلة) تزوج ابنة عمه، ولم يكن يملك من مال الدنيا شروى نقير. ولا هو يدري إلى الآن كيف تمت المعجزة. انه لم يكن يضن أبدا انه سيتزوج في يوم من الأيام، وهو الذي عاش أيام صباه منبوذا محتقرا من أهله مجفوا من الحسان، يتهمه كل احد بالغباء والخيبة. وطالما ترنم وهو يخوض الماء في لذعة البرد، عاري الرأس عاري الصدر:
(
الدنيا بتهينك والزمان يرويك
                             
وقل المال يفرقك من بناة واديك
 
غير انه تزوج، ولبس حريرة العرس، وتمسح بالدلكة، ووضع على رأسه الضريرة، وأحاطت به الصبايا يهجزن بالأغاني. ولكم شعر بالعظمة والكبرياء وقتها. كل ذلك بعد غرس النخلة بستة أشهر وفي العام التالي ولدت زوجته بنتا اسماها آمنة تيمنا بمقدمها، ووفاء لذكرى جدته التي كانت تعطف عليه من بين أهله جميعا، وحينما وصل به تيار الذكريات لمولد آمنة، ترقرق في عينيه الدمع. اين الان آمنة؟ انها زوجة لابن أخته، الذي حملها إلى أقاصي الصعيد في الجيزة، وقد كانت تبره وتعطف عليه.
 
ليت حسن كان مثلها عطوفا بارا . حسن! وعض الرجل على شفته السفلى بعنف حتى كاد يغرس أسنانه في لحمها المتهدل. حسين ابنه الوحيد، سافر قبل خمسة أعوام إلى مصر، ومن وقتها لم يرسل لهم حتى خطابا واحدا يطمئنهم فيه عن صحته. لقد حاول الرجل جاهدا أن ينساه، ويمحوه من ذاكرته، ويعده من الأموات. وكانت زوجته تبكي كلما ردد محجوب في صوت حزين متهدج بيت الدوبيت الذي كان له خير سلوى، كلما جاشت بنفسه الذكرى، وكلما تمثل ابنه طفلا صغيرا حلوا يبول في حجره، تم صبيا يساعده في أعمال الساقية، تم شابا يافعا يشب عن الطوق، ويهجر الأهل والدار، وينسى حقوق الأبوة ، ولا يسأل عن الأحياء ولا الأموات. أجل والله-( الزول ا ناباك خليه واقتنع منه، وكم لله دفن الجنى وفات منه).
 
وكأن القدر أراد أن ينسيهم كل شيء  يربطهم بحسن، فرمى آخر ما في جعبته من سهامه قاسية مسمومة ضل يسددها مند عامين، تباعا ودون توقف. وأصاب السهم الأخير النعجة ( البرقاء) التي رباها حسن، وجمع لها الحشيش وأشركها طعامه وانامها فراشه. ماتت وما عادت تثغو في بكرة الصباح حين كان حسن يقفز نشيطا خفيفا من فراشه فيطعمها ويسقيها ويأخذها معه إلى الساقية، ترعى وتمرح وتتلف الزرع ريثما يفرغ هو من عمله.ماتت، وكذلك اجتاح المحل والقحط كل القطيع الذي رباه شيخ محجوب.
 
تم رفرف طائف من السعادة على الوجه الخشن المجعد، وجه محجوب . وغابة المرارة التي أحدتها ذكر حسن عندما تذكر الرجل قطيع الغنم الذي رباه في ذات العام شهد مولد آمنة. قطيع كامل من نعجة واحدة اشتراها بما تجمع عنده من تمن حيضان البصل. كان يعاملها كما يعامل أبناءه، يحلب لبنها بنفسه ويكوم القش من مراحها ويفك لها صغارها ويلبت الساعة والساعتين يداعبها وينظف وبرها، وتغمره السعادة وهو يشاهدها تناغي صغارها وتشرب الماء المخلوط بالدريش، وتتناطح فيما بينها. كان يطلق عليها الأسماء كما يسمي الناس أطفالهم، يعرف كل واحدة منها بسيماها ذات الذيل الأبيض، وذات القبعة السوداء على أم الظهر كسرج الذابة والخروف ذو القرون المكسورة، والخروف ذو القرون الملتوية. وبعد عامين من زواجه اشترى عجلة صغيرة عجفاء والاهاسبر بألم والحبوب حتى بقرة جميلة كحية العين لما غرة في جبينها تجر الساقية وتدر اللبن.  وفي أتناء ذلك أثمرت نخلة الجدول، أول شيء يمتلكه في حياته. وسارة الحياة رغدا كأنما استجاب الله دعاءه يوم شق في الأرض على حافة الجدول وغرس النخلة. لقد استغنى عن أبيه وبنى لنفسه بيتا يؤويه  مع عائلته وصار ثريا يعد المالك مثل أي تاجر،يجلس في السوق منتصبا تملأه الثقة أمام كوم الذرة، يكيل منه للمشترين وينتهر زملاءه غير هباب ولا مكترث. وصار يلبس النظيف ويأكل الطيب، وينام على الفلاش اللين ويتدثر في برد الشتاء ببطانية ثقيلة من الصوف انفق فيها جنيهين. وحينما كان الناس يتبرعون في الأعراس بخمسة قروش كان هو يتبرع بعشرة، وبزجاجة مليئة بسمن الضأن النقي،وكيلة من أجود أنواع التمر (القنديل) حتى يلقب بالظريف بعد أن كان يلقب بالغبي.ولولا تعلقه بزوجته لتزوج بنتا بكرا يتهافت عليها خيرة شباب البلدة.
 
كل هذا عفا على أثار الزمن. لقد مات الزرع، ويبس الضرع، وعم القحط  فاغرق الرخاء، فحبا الشيب فطفى على الشباب، وكان النيل يفيض بين ضفتيه زاخرا موارى، يسقي الأرض ويخرج ما في بطنها من  الخير، فما عاد يفيض إلا بحساب ومقدار، أتراها الخزانات التي أقاموها عليه فحجزت الماء؟أم تراها نبوءة الشيخ  ود دوليب تحققت؟ لقد أندر الناس في يوم من الأيام انه سيأتي عليهم يوم، يصير فيه اللبن كثير تافه مثل الماء، وتصير كيلة الذرى بقرشين ويصبح تمن النعجة ريالين. ولكن الناس كدأبهم أبدا سيضيقون بهذا الخير، وسينهمكون في الغي وينسون الله؟ فيأخذهم الله في ذنوبهم. وفكر شيخ محجوب برهة، وحدة نفسه بأنه لم يرتكب كثيرا من المعاصي. صحيح انه كان يشرب الخمر أحيانا ويرقص في الأعراس ويخالس الحسان النظر على غفلة من أم حسن. ولكنه لم يؤخر فرضا ولم يهتك عرضا ولم يفعل شيئا من هذه المعاصي التي يقول عليها فقهاء القرية أنها كبائر وتغضب الله. لابد انه الكبر الذي فت في عضده وأرخى من مفاصله فما عاد يحتمل لدغة البرد ولا قائظ الحر. ولم يكن حريصا على ما عنده من خير، فبدده أول بأول .وفي غمرة أتعابه ومرير شيخوخته هجره ابنه حسن، وهو أحوج ما يكون إلى ساعده الفتي. وهكذا ضل محجوب يكابد الفاقة وحده،فاستدان ورهن وباع. وليس عنده اليوم من مال الدنيا إلا بقرة واحدة وعنزتان وهذه النخلة التي ضل جاهدا استبقاءها.
 
وقطع عليه ذكرياته نهيق حمار التاجر، وصوت صاحب الحمار وهو يقول له: يا رجل ساكت زي الأبله مالك؟ ما تدينا كلمة واحدة خلينا نمشي؟ وكان رمضان قد جاء من طرف الساقية، وقل لمحجوب ان عشرين جنيها تمن معقول، خاصة وهو أحوج ما يكون إلى المال. وفكر الرجل برهة مترددا بين الرفض والقبول. عشرون جنيها يقدر ان يحل منها دينه،ويشتري ضحية العي، ويكسوا نفسه واهل بيت. ولكن ريحا قوية هبت تتلاعب بجريد النخلة، فاخذ يوشوش ويتعارك ويتلاطم كغريق يطلب النجاة. وبدت النخلة لمحجوب في وقفتها تلك رائعة وأجمل من أي شيء في الوجود. وهفا قلبه لابنه في مصر. ترى هل يحن لنداء الرحم؟ هل تؤثر في قلبه الدعوات التي أرسلها محجوب في هجأة الليل، وأحس الرجل بفيض من الأمل يملا كيانه ويطغى على إحساسه، وترقرق في عينيه دمع حبسه جاهدا، وتمتم (يفتح الله. أنا تمرتي ما ببعها). وردد الرجل في نفسه (يفتح الله)، وقاده ذلك إلى التفكير في سورة الفتح من القرآن الكريم- (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) –الفاتحة- الفرج،.وأحس لأول مرة بان في كلمة (يفتح الله)شيئا اكتر من كلمة تنهي بها المبايعة، وتفل الباب في وجه من يريد الشراء. إنها مفتاح لمن أعسره الضيق وأمضه البؤس واتقلت كاهله أعباء الحياة. وما كان أحوج محجوب إلى الفتح والفرج حينئذ  وجدب التاجر عنان حماره في صلف، ثم همز بطن الحمار بكب رجله، وقال في صوت بارد كوقعة الصوت_يفتح الله، يفتح الله،باكر تجي تدور الدين).
وقبل أن يغادر أبصر محجوب ابنته الصغيرة تهرول نحوه مضطربة فرحة. فتحرك في قلبه أمل بدأ عسيرا مستحيل أبعده عنه. ولم ينتظر الطفلة ريثما تصل، بل أسرع نحوها يسألها عن الخبر:(  شنو، مالك؟) وحاولت الصبية أن تفض إليه النبأ بصوت متكسر التغ:( الناس..دالو ودست البناة من مسر..... وداب لنا معاه دواب من حسن اخوي).
 
جواب من حسن وانطلق الرجل كالمجنون لا يفكر ولا يعي بنبض قلبه معربدا- بين جنبيه. يطغى الأمل بين حناياه مرة على اليأس تارة فيغرق الأمل. وابنته الصغيرة تمسك بطرف ثوبه المتسخ، وتسرع جاهدة لكي تمشي معه، وهي أثناء ذلك تتباكى محتجة على خطوات أبيها المسرعة.
وفي بيت _ناس ست البنات) انتظر محجوب بين صفوف المستقبلين. في غمرة اضطرابه ولم يفت عينه المستطلعة رجال يعرفهم جاؤوا يسألون عن أبنائهم وأقاربهم ونسوة يعرفهن جئن يسألن عن أزواجهن وأبنائهن، كلهم آمال مثل أماله، تجاذب اليأس ويغالبها اليأس. ولم  تخطئ عينيه الشاب الدي عاد من مصر، ودست البنات يرتدي ملابس نضيف ككل عائد من السفر ، ويكلم لهجة غريبة على شيخ محجوب، بادي الثقة بادي الكبرياء. وأخيرا لمح الشاب شيخ محجوب بين المستقبلين فدلف نحوه مبتسما. وشعر الرجل بالضيق والحرج. إذ تحولت كل الأبصار نحوه. ولم يعي شيخ محجوب من كلامه يحدثه إلا(حسن مبسوطقال له تعفي عني.اسل له ثلاثين جنيه وطرد ملابس) وفي الطريق إلى بيته تحسس الرجل رزمة المال التي صرها جيدا في طرف ثوبه، تم غرس أصابعه في الطرد السمين تحت إبطه ، وانحدر طرفه في عل إلى غابة النخل الكثيفة، ممشوقة متغطرسة جميلة تتلاعب بجريدها نسمات الشمال وخيل إليه أن سعف النخلة يرتجف مسبحا: (يفتح الله ، يفتح الله)

من يوميات موظفة مغربية




من يوميات موظفة مغربية
آمنة عزقور

بعد حمام مغربي ساخن ، نام الأبناء الثلاثة . حاول أكبرهم أن يختلق من القصص و الحكايات ما يمكن أن يحتجز به الأم إلى جانبه أطول فرصة ممكنة قبل النوم ، ولم يكن ذلك لينطلي على الأم ، ولكنها جارته في الحديث وأنصتت إلى حكاياته الجميلة وهي نصف ممددة إلى جانبه تمسح بيدها على شعره إلى أن نام .  
غطت كل واحد منهم ببطانيتين دافئتين من النوع الإسباني الفاخر ... بطاطين ما زالت تدفع أقساطها للمرأة التي اعتادت أن تشتري منها هي وزميلاتها في العمل كل شيء بالقسط المريح هروبا من الدفع الكاش .
كانت ليلة باردة شديدة البرودة من ليالي شهر يناير في تلك المدينة الساحلية الصغيرة ذات الرطوبة العالية . والتي كان الشتاء فيها من نوع خاص .
نام الأبناء ، ولفت الأم لفتها الأخيرة في البيت ...نشفت أواني العشاء المغسولة ووضعت كل ماعون منها في المكان المخصص له ... أعادت ترتيب مساند غرفة الجلوس ذات الفراش البلدي ، جمعت ما كان متناثرا هنا وهناك من ألعاب الأطفال في سلة الألعاب ... كنست سجاد غرفة الجلوس كنسا سريعا بالمكنسة الكهربائية التي كان صوتها نفاذا في سكون ذلك الليل لتشفط ما كان متناثرا حول المائدة من فتات الخبز ... أطفأت شاشة التلفزيون التي كانت على قناة الجزيرة ، والتي تركها الزوج مفتوحة كعادته قبل دخوله إلى النوم ...ثم دخلت إلى الحمام لتأخذ هي الأخرى حماما مغربيا ساخنا تغسل به كل تعب الاسبوع... وخصوصا تعب يوما  السبت و  الأحد اللذان كانا بالنسبة لها يوما المهام المؤجلة وليسا يوما عطلة .
لبست ملابسها الثقيلة ، ولفت شعرها بمنذيلي رأس من نوع ( حياتي ) ثم عادت إلى الحمام تنظفه وتنشفه وتفتح نافذته لتطرد البخار الذي كان منتشرا في المكان ... أحكمت إغلاق باب البيت بالمفتاح ... أطفأت كل الأنوار ما عدا نور الطرقة المقابل لغرفة الأطفال لأنها كانت تخاف من الظلام تماما مثل أبنائها ... ثم دخلت مسرعة إلى فراشها تلف نفسها بالبطاطين في تلك الليلة من ليالي شتاء المغرب الجميلة ... ضبطت منبه الهاتف المحمول على الساعة السادسة صباحا لاستقبال يوم الإثنين ... ولم تمض خمس دقائق حتى دب الدفء في سائر جسدها وأغمضت عينيها وغطت في نوم عميييييييييييق .........
كان البيت غارقا في السكون , وإلى هنا كان كل شيء عاديا كأي ليلة من ليالي الأحد ... إلى أن صرخت الأم صرخة أفاق عليها الزوج مذعورا !!!!!!!!!!!!!
•       آش كاين ؟؟؟؟ مالك !!!؟؟؟؟؟
•       فاااااااااااااااااار !!!!!!!!!
•       فينا هو ؟؟؟؟؟
•       أنا ناعسة حتى لقيتو كيمشي فوق راسي !!!!!!!!
•       فين هو دابا ؟؟؟؟
•   هرب ولد الحرام !!!!!!ثم تداركت ( ولد الحرام من فعلو ) وكأنها تذكرت مدى الجرم الذي اقترفته في حق هذا الفأر حينما نعتته بذلك !! فربما يكون من عائلة فئران متأصلة التزاوج فيها لا يتم إلا بعدل وشهود وإشهار ووليمة كمن يقدسون التزاوج من بني البشر !!!!!!!
وأشارت إلى زوجها كي يتتبعه
•   را هو ... شدو ... شدو .. مشى دخل الصالون ...ناري ميمتي دخل ليا الصالون ... آجا ما يخرجو !!!!؟؟؟؟
•       صافي خليه ... غدا نشدو ... نعسي وغدا يحن الله .
•       آويلي قالاك نعسي ؟؟؟!!! قلت لك دخل ليا الصالون !!!!
 كان الصالون البلدي مكانا مقدسا لا يدخله أحد في البيت سوى الزوار من الدرجة الأولى ... وقد يظل بالشهور لا تطأه قدم ... حتى الأبناء كانت يدهم العابثة تمتد إلى كل ركن في البيت إلا الصالون لم يكونوا يجرؤون على وصوله ... كانوا يعرفون جيدا ما وضعته أمهم حوله من خطوط اجتازها صديقنا الفأر بكل جرأة وخيلاء وبرود .
قام الزوج متذمرا : الواحد ما يعرفش يرتاح في هاذ الدار ... وفي يده عدة الحرب التي نوى مرغما وفي وقت لم يختره ، وبنفسية متأذية أن يخوضها مع هذا الفأر اللعين : المكنسة والمساحة ( الكراطة ) يحاول أن يحاصره في أي زاوية من زوايا الصالون ليجهز عليه ... لكن هذا الفأر اللعين كان مقاتلا ذكيا مرنا وذا لياقة بدنية عالية يفتقدها الزوج الذي أصبح يتصبب عرقا حتى قبل بداية الجولة الأولى من المعركة !!!!!!!!
•   صاااااااااافي ما بقاش عندك السوفل آوليدي !!!!!!!وا فار آصاحبي خلاك حالتك حالة ؟؟؟؟!!!! وافين الرياضة ؟؟؟؟؟
•       واش انت كيحساب لك الفار ساهل تشديه ؟؟؟؟ وشديه انت آ لالا ولا فيك غير الهضرة ؟؟؟؟
وتوالت الأشواط بدون نتيجة ... لكن هذه الأشواط لم تكن إلا لتزيد مشادات الزوج والزوجة اشتعالا . كان الزوج يريد أن يؤجل المعركة إلى اليوم التالي ، وكانت هي مصممة على أن يتم إخراج ذلك الفأر في تلك الليلة من البيت . كانت تعلم أن مكوث الفأر مدة طويلة سيخلق لها من الأعمال المنزلية ما لن تستطيع القيام به خلال الأسبوع ؛فمواعيد عملها داخل البيت وخارج البيت لم تكن لصالحها، بالإضافة إلى أن الجو ممطر ولا يساعد على مثل تلك الأعمال المنزلية المفاجئة ... ثم إنها كانت من قريب فقط قد استأجرت بمبلغ لا يستهان به رجلين من ( الموقف ) ليخرجا لها محتويات الصالون الثقيلة من مضارب ( الصوف ) والسدادر  وينفضا لها غبار الزربية الرباطية اليدوية الثقيلة ... وهي غير مستعدة لأن تترك الفأر يرتع في الصالون ليجهز على الطلامط ويملأ تحت السدادر بمخلفاته .
 •       ويلي ويلي صالون خالعك !!!!
•   نعم خالعني . انت إلي بغيتي الفراش البلدي . أنا قلت لك من الأول أنا ما عندي صحة للبلدي . قلت لك من الأول أنا باغية صالون عصري خفيف .
•       انت ماقادرة لا على العصري ولا على البلدي !!!!!!!!!!
•   أنا آسيدي ما قادرة على والو ... انت إلي قادر... وخرج ليا غير الفار الله يرحم لك الوالدين !!!!!
كانت مثل هذه العبارات المستفزة التي تقلل من شأنها وتبخس مجهودها وتحقره تجعلها تغلي غليانا من الداخل ... غليانا من شأنه أن يهيج كل البراكين الخامدة في داخلها . لكنها كانت تحاول أن تتمالك أعصابها مراعاة لحماتها التي كانت ضيفة شبه مقيمة في البيت .
صحا الابن المشاكس على صرخات الأب والأم كلما أوشكا أن يمسكا بالفأر فخرج من غرفته وانضم إلى المعركة .
•   شفتي آماما ؟؟؟ قلت ليك نربيوا قطة ... إنت إلي ما بغيتيش ... كن هي دابة صيدت لينا الفار !!!!
كان يحاول أن يبرز محاسن القطة التي طالما حاول أن يقنع والدته بتربيتها لكنها كانت دائما ترفض .
•   ما قدرت عليكم حتى نتوما ما بقى ليا غير قطة ندخلها للدار حتى هي !!!! انت براسك راك قطيط !!!
كان المشهد مثيرا بالنسبة للولد ... وكأنه يتابع مغامرة من مغامرات تجيري الشهيرة ، ولم يكن ينقص المشهد سوى القط الذي يشغل دور طوم ... تفتحت عيناه جيدا وذهب عنها أي أثر للنعاس وجلس في زاوية من الصالون يرقب أحداث المباراة ويصفق ويهتف عند كل مبادرة للفوز كانت تنجم عن والده أو والدته ولو أنه كان يخفي بداخله تعاطفا طفوليا كبيرا مع هذا الفأر رغبة منه في الانضمام إلى عالم الكبار.. ولو علم هذا المسكين ما يدور في هذا العالم ما تمنى أن يخرج من جمال وطهر وبراءة طفولته أبدا ..
استمرت المباراة ، وأفاقت الجدة أيضا وانضمت إلى الفريق ، وأصبح الأربعة ضد هذا الفأر اللعين كل يحاول أن يمسك به من جهته ... وكانت الجدة لا تكف عن التعليق كلما سمعت عبارة من كنتها تحس أنها تسيىء إلى ابنها ... وكانت الكنة تتساءل رغم كل ما تكنه لحماتها من حب واحترام عما لا يجعلها تفكر في تقسيم مدة الإقامة بالتساوي بين كل أبنائها !!!! كانت تحس بالإختناق وتحتاج إلى شيء من الأوكسجين ...
واستمرت الحرب إلى آذان الفجر ... والفأر ما زال يصول ويجول في ساحة المباراة .
•       والله إلى اتعديتي علينا في هاذ الليلة آمادام !!!
•       سير آوليدي تنعس الله يرضي عليك راك غدا عندك الخدمة
•       حتى أنا راه عندي الخدمة آخالتي ومازالة فايقة
وتجاهلت الحماة الرد ووجهت خطابها لابنها مرة ثانية
•       سير آوليدي تنعس لك شوية واخة غير شي ساعتين قبل ما تمشي للخدمة .
•   خالتي انت خايفة على ولدك باغياه يرتاح ... وأنا مسكينة ما بقيتش فيك الصالون يالله كيف مخرجاه !!!
لم ترد عليها الحماة ، ووجهت خطابها لابنها مرة ثالثة :
•       سير آ وليدي تنعس الله يرضي عليك .
كان أسلوب الحماة أسلوبا مستفزا لكنها لم تستطع أن تتمادى في الرد ... هي امرأة كبيرة ومهما حدث منها عليها بالتيقار !!!
•   صافي آخويا بغيتي تنعس سير تنعس ... مالي أنا على هاذ الشي كامل ؟؟؟!!!!سير انعس آخويا ... انت بوحدك إلي خدام ... وحتى أنا غدا شهادة طبية فحالي فحال الموظفات ... ونجلس نقابل الفار ...
ودخل الزوج فعلا ليكمل نومه ... ...ولم تمض دقائق حتى كان شخيره يدوي في أرجاء البيت ...  وجلست هي وحدها في الصالون وهو مقلوب رأسا على عقب ساخطة ناقمة على اليوم الذي دخلت فيه الجامعة واليوم الذي استلمت فيه الوظيفة واليوم الذي تزوجت فيه ...وانتهى بها الأمر إلى البكاء. وبينما هي كذلك إذ بفأر أسمن من الأول وأكثر برودا يمر بسرعة البرق عابرا إلى السداري المقابل، فما كان منها حين رأته إلا أن زادت في البكاء ... بكت كثيييييييييييييرا ... كان بالداخل الكثير مما لا يغسله سوى البكاء ... ثم هدأت بعد ذلك ...المشكل لم يكن مشكل صالون فقط ولكنه مشكل الأطفال الثلاثة الذين تمتد يدهم العابثة إلى كل ركن في البيت، وما تحمله هذه الفئران من أمراض هي أدرى بها بصفتها قد درست علم أحياء . ثم أي شيء قد استفاده هذا الرجل من تخصصه في الأحياء إن لم يكن وجود فأر في البيت يقظ مضجعه .!!!!!!!!!!
مغاغاة الابن الرضيع تنبعث من غرفة النوم ... لم يصح كعادته يصرخ مستعجلا رضعته رأفة منه بأمه .. بل آثر أن يصحو بهدوء . كان يدفع عنه بطانيته الصغيرة برجليه يريد أن يتحرر منها ... رياضة صباحية جميلة ... حاولت أن تتجاهل مغاغاته ومناداته ...لن تذهب إليه إلا بعد أن يبدأ في الصراخ طلبا في الرضعة لكنها لم تصمد طويلا،ٍ فتلك المغاغاة الجميلة جذبتها رغم أنفها إلى سريره وجعلتها تتناوله بين ذراعيها وترد عليه بأجمل تعابير الحب وتضمه إلى صدرها بكل حنان محيطة إياه بالقبلات  الرقيقة ...
غيرت حفاظته  ونظفته نظافة الصباح وعطرته ...وأخذته بين ذراعيها ترضعه ... أجمل لحظة يمكن أن تجمع أما بوليدها ... لحظة تضيع معها كل هموم الحياة ...
تمعنت جيدا في ملامح ابنها ... كان يشبه والده ... ونظرت إلى زوجها وهو نائم وابتسمت ... ولم تره سوى طفلا مدللا يكاد لا يختلف عن أبنائه الثلاثة في شيء ... نظرت إليه بكل حب ... أحست بالذنب لأنها حرمته من النوم ... ألم يكن من الممكن تأجيل تلك الحرب مع الفأر ؟؟؟
عاد الابن بعد أن أكمل رضعته إلى النوم ... وضعته في سريره بلطف...وارتدت جلبابها وذهبت هي إلى دكان الحي لتحضر خبز الصباح بدلا من زوجها في سبيل أن ينعم بثلاثين دقيقة زائدة من النوم ... إنه زوجها ... تحبه وإن لم يمسك بالفأر !!!!

حكاية تجسد واقع الشعوب العربية



من روائع القصص العالمية (حكاية تجسد واقع الشعوب العربية)

للكاتب الروسي الكبير: أنطون تشيكوف .

ترجمة : حصة العمار

****** 

طلبتُ قبل أيام من مربية أولادي ( جوليا فاسيليفنا ) موافاتي بغرفة الكتب ..

** تفضلي بالجلوس ( جوليا فاسيليفنا ).. قلتُ لها .. كيما نسوّي مستحقاتك ..! ويبدو أنك تلبسين رداء الرسمية والتعفف 

إذ أنك لم تطلبيها رسميا مني رغم حاجتك الماسة للمال ..! حسنا كنا قد اتفقنا على مبلغ ثلاثين روبلا في الشهر ...

* بل أربعين ! ( قالت باستحياء )

** كلا . اتفقنا كان على ثلاثين دوّنت ملاحظة بذلك .. أدفع إلى المربيات ثلاثين روبلا عادةً ... 

لقد عملت هنا مدة شهرين لذا ..

* شهران وخمسة أيام ..!! قالت مصححة 

** بل عملت لمدة شهرين بالتمام والكمال ( قلت بإصرار ).. لقد دونت ملاحظة بذلك .. وهذا يعني أنك تستحقين ستين روبلا ..يُخصم منها أجر تسعة أيام .. تعرفين تماما أنك لم تعملي شيئا ل (كوليا ) أيام الآحد .. وكنت تكتفين بالخروج به للنزهة ... هناك أيضا ثلاث إجازات .
. . . ولم تعقب .. اكتفت المسكينة بالنظر إلى حاشية فستانها فيما كست محياها حمرة شديدة .. وما نبست ببنت شفة ..!! 

** ثلاث إجازات فلنخصم من ذلك إذاً اثنتي عشر روبلا .. كما أن ( كوليا ) قد مرض فاستغرق ذلك ثلاث أيام لم يتلق عبرها أي درس .. شغلت أبان ذلك بـ ( تانيا ) فقط .. هناك ثلاثة أيام شعرت فيها بآلآم في أسنانك فأعفتك زوجتي من العمل بعد الظهر .... اثنا عشر وسبع يساوي تسعة عشر .. واطرحي ذلك فيتبقى لك ... أمم .. واحد وأربعون روبلا .. أصحيح ذلك ..؟ 

واحمرت العين اليسرى لجوليا ثم .. غرقت بالدمع فيما تشنج ذقنها وارتعش ..وسعلت بشدة ثم مسحت أنفها ..إلا أنها لم تنبس بحرف ..!! 

**قبيل ليلة رأس السنة كسرت كوب شاي وصحنة ,, يُخصم من ذلك روبلان رغم أن تكلفة الكوب هي في الواقع أكثر من ذلك إذ أنه كان ضمن تركةٍ قيّمة .. لا يهم .. ليست تلك هي أولى ما منيت به من خسائر ..بعد ذلك ونتيجة لإهمالك صعد ( كوليا ) شجرة فتمزق معطفه ..يُخصم من المجموع عشرة روبلات .. كما وأن الخادم قد سرقت بسبب لا مبالاتك حذاء ( فانيا ) ينبغي أن تفتحي عينيك جيدا ..أن تتوخي الحذر والحيطة ..!! فنحن ندفع لك ثمن ذلك ..حسنا نطرح من كل ذلك خمسة روبلات يوم العاشر من يناير ..

* لم يحدث ذلك ( همست جوليا فاسيليفنا ) 

** بلى ..! دونت ملاحظة بذلك ( قلتُ بإصرار)

* حسنا وإذاً .. !! أجابت بنبرات كسيرة 

** فإذا ما خصمنا سبعة وعشرين من واحد وأربعين فسيتبقى لك أربعة وعشرين روبلا ..!

عندها غرقت بالدموع كلتا عينيها فيما ظر العرق على أنفها الصغير الجميل .. يا للبنية المسكينة ..!! ..

* لم أحصل على مال سوى مرة واحدة ..!! ( قالت بصوت راعش متهدج النبرات ).. وكان ذلك من زوجتك .. لم يتجاوز ما استلمته ثلاث روبلات .. لا أكثر يا سيدي ..

** حقا..؟ أرأيت.. ؟ لم أدوّن ملاحظة بذلك .. سأخصم من الأربعة عشرة روبلا ثلاثة .. فيتبقى لك أحد عشر روبلا ..! ودفع إليها بالمبلغ فتناولته بأصابع مرتجفة ثم دسته في جيبها .. 

* شكرا ..! ( قالت هامسة ) .

**ولماذا هذا ال(شكرا ) . سألتُها .

* للمبلغ الذي دفعته لي . 

** لكنك تعرفين أني قد غششتك .. أني قد سرقتك .. ونهبت مالك فلماذا شكرتني ؟!

* في أماكن أخرى لم يكونوا ليدفعوا لي شيئا البتة ..

** لم يمنحوك على الإطلاق شيئا ..؟ زال العجب إذا ..لقد دبّرت هذا المقلب كي ألقنك درسا في المحافظة على حقوقك ، سأعطيك الآن حقوقك كاملة ..ثمانون روبلا ..لقد وضعتها في هذا الظرف مسبقا..لكن ( تساءلت مشدوها ) : أيعقل هذا ؟!!

أن يتسم إنسان بكل ذلك الضعف والاستسلام ..؟؟!!

لماذا لم تعترضي ؟!

لم كل ذلك الصمت الرهيب ..؟؟!!

أيعقل أن يوجد في هذا العالم النابض بالظلم والأحقاد والشراسة إنسان بلا أنياب أو مخالب ؟!؟!؟!؟!

إنسان في سذاجتك وخضوعك ؟!؟!

وابتسمت في ذل وانكسار .. فقرأت في ملامحها .. ذلك ممكن .. 

واعتذرت لها مجددا عما سببت لهل ها من ألم وإحراج .. إذ أن الدرس كان قاسيا حقا قبل أن أسلمها الظرف الذي يحوي أجرها كاملا ثمانون روبلا تناولتها بين مصدقة ومكذبة .. وتلعثمت وهي تكرر الشكر .. المرة تلو المرة ..ثم غادرت المكان وأنا أتأملها وسيل من جراحات الإنسان المعذب في أرجاء غابة الظلم ..ينداح في أوردتي ..وهمست لنفسي : 

** حقا ما أسهل سحق الضعفاء في هذا العالم ..!!

كما في الاحلام





كما في الاحلام

أرجوك دعني، لقد تأخرت...هي
وهل أنا ممسك بأطراف ثيابك، اذهبي...واتركيني ...أموت وحيدا...هو
"وبعدين"...هل هذه كلمات يودع بها من يحب ...حبيبته...هي
لا أطيقُ غيابكِ...وحضوركِ اختناق ...هو
عن أي اختناق تتحدث...؟ تبتسم وتخفي وجهها بالتفاتة إلى حيث لا يستطيع أن يرى وجهها
يسود الصمت لثواني
دعني أذهب...هي
أذهبي...
أترك يدي... هي
أنتِ التي تمسكين بي....
تتناول محفظة صغيرة من على الطاولة، تتفقد هاتفها الخلوي...تطلق صفرة ولعنة صغيرة...لقد تأخرت
نعم تأخرتِ بالحضور...هو
كنت هنا قبلًــك
بل أنا كنت قبلـكِ...بكل أحاسيسي....هو
عندما وصلت لم أر من أحاسيسكَ شيئاً...
ربما لم تريها، ولكني متأكد تماما انكِ شعرتِ بها...أنا كنت...ثم ...أحــ  ...سيـ  .... وأخذ صوته يخبو ويخبو إلى أن اختفى...هو
ما عاد صوته يصل إليها...تغصُّ الكلماتُ في حلقه شيئا فشيئا...تصبح المشاعر أكبر من حدود جسده، يتحول إلى معبد...يمسك بيدها بكل قوّة، أرجوكِ لا ترحلي ... تبزغ من عينيه دمعة بحجم فجر يشرق على كوكب المريخ...
تلوّح له مبتعدة...
ويعود ليتلفع بلحافٍ سميك جدا... يخفي جسده، لكن بالتأكيد لن يخفي نبض قلبه...هو أو هي
وضع صورتها على ذات الطاولة...هو وهي
وعاد لينام لعلّه يحلُم بها من جديد.
     قصي النسور

أجـمل غريــق فـي العـالـم

 


مترجمة إلــى العربيـة تحـت عنـوان : ""أجـمل غريــق فـي العـالـم""


ظنّه الأطفال لمّا رأوه ، أول مرة ، أنه سفينة من سفن الأعداء. كان مثلَ رعنٍ أسود في البحرِ يقترب منهم شيئا فشيئا. لاحظ الصبيةُ أنه لا يحمل راية ولا صاريًا فظنوا حينئذٍ أنه حوتٌ كبير، ولكن حين وصل إلى ترابِ الشاطيء وحوّلوا عنه طحالبَ السرجسِ و أليافَ المدوز و الأسماكَ التّي كانت تغطيهِ تبيّن لهم أنّه غريق.
شرعَ الصبيةُ يلعبون بتلك الجثة يوارونها في الترابِ حينًا ويخرجونها حينًا حتّى إذا مرّ عليهم رجلٌ ورأى ما يفعلون نَهَرهم وسعى إلي القريةِ ينبه أهلها بما حدث.
أحسّ الرجالُ الذين حملوا الميّتَ إلى أول بيتٍ في القرية أنه أثقل من الموتى الآخرين ، أحسّوا كأنهم يحملون جثّةَ حصانٍ وقالوا في ذات أنفسهم :
 “ربما نتج ذلك عن بقاء الغريق فترة طويلة تحت البحرِ فدخل الماءُ حتى نخاع عظامه.”
عندما طرح الرجالُ الجثةَ على الأرضِ وجدوا أنّها أطولُ من قامة كلّ الرجال ، كان رأس الميتِ ملتصقًا بجدار الغرفة فيما اقتربت قدماه من الجدارِ المقابلِ ، وتساءل أحد الرجال عمّا لو كان ذلك ناتجًا عن أن بعض الغرقى تطول قاماتُهم بعد الموت.
كان الميتُ يحمل رائحةَ البحر ، وكانت تغطيه طبقةٌ من الطين و الأسماك. لم يكن من الضرورة تنظيف الوجه ليعرف الرجال أن الغريق ليس من قريتِهم ، فقريتهم صغيرة لا تحوي سوى عشرين من البيوت الخشبية الصغيرة ، و كانت القرية نادرةَ التربة مما جعل النسوة يخشين أن تحمل الريحُ الأطفال ومنع ذلك الرجالَ من زرع ِ الأزهار ، أمّا الموتى فكانوا نادرين لم يجد لهم الأحياءُ مكانًا لدفنهم فكانوا يلقون بهم من أعلى الجرف..
كان بحرُهم لطيفًا ، هادئًا و كريمًا يأكلون منه. لم يكن رجالُ القرية بكثيرين حيث كانت القوارب السبعةُ التي في حوزتهم تكفي لحملهم جميعًا ، لذلك كفى أن ينظروا إلى أنفسهم ليعلموا أنه لا ينقص منهم أحد..
في مساءِ ذلك اليوم لم يخرج الرجال للصيدِ في البحر. ذهبوا جميعًا يبحثون في القرى القريبة عن المفقودين فيما بقتِ النسوة في القريةِ للعناية بالغريق أخذن يمسحن الوحلَ عن جسده بالألياف ويمسحن عن شعره الطحالب البحرية ويقشّرن ما لصق بجلده بالسكاكين..
لاحظت النسوة أن الطحالب التي كانت تغطي الجثة تنتمي إلي فصيلة تعيش في أعماقِ المحيطِ البعيدة ، كانت ملابسه ممزقة وكأنه كان يسبح في متاهةٍ من المرجان. ولاحظت النسوة أيضا أن الغريقَ كان قد قابل مَلَكي الموتِ في فخرٍ و اعتزاز فوجهه لا يحمل وحشةَ غرقى البحرِ ولا بؤس غرقى الأنهار. وعندما انتهت النسوة من تنظيف الميّت وإعداده انقطعت أنفاسهن ، فهن لم يرين من قبل رجلاً في مثل هذا الجمال و الهيبة..
لم تجد نساء القرية للجثة، بسبب الطولِ المفرطِ ، سريرًا ولا طاولة قادرة على حملها أثناء الليل. لم تدخل رِجْلا الميتِ في أكبرِ السراويل و لا جسدُه في أكبرِ القمصان ، ولم تجد النسوة للميّت حذاءً يغطي قدميه بعد أن جربوا أكبر الأحذية.
فقدت النسوة ألبابَهن أمام هذا الجسدِ الهائلِ فشرعن في تفصيل سروالا من قماشِ الأشرعة و كذلك قميصًا من “الأورغندي” الشفاف فذلك يليق بميّتٍ في مثل هذه الهيبة و الجمال..
جلست النسوة حول الغريق في شكلِ دائرةٍ بين أصابع كل واحدةٍ منهن إبرة وأخذت في خياطة الملابس ، كن ينظرن بإعجاب إلى الجثة بين الحين و الحين؛ بدا لهن أنه لم يسبق للريح ِ أن عصفت في مثل هذه الشدة من قبل ولا لبحر “الكاراييبأن كان مضطربًا مثل ذلك المساء. قالت إحداهن ” أن لذلك علاقة بالميّت، وقالت أخرى ” لو عاش هذا الرجل في قريتنا لاشك أنه بنى أكبر البيوت وأكثرهن متانة ، لاشك أنه بنى بيتًا بأبواب واسعة وسقفٍ عالٍ وأرضيةٍ صلبة ولاشك أنه صنع لنفسه سريرًا من الحديد و الفولاذ ، لو كان صيادًا فلاشك أنه يكفيه أن ينادى الأسماك بأسمائها لتأتى إليه. ، لاشك أنه عمل بقوة لحفر بئرٍ ولأخرج من الصخور ماءً ولنجح في إنبات الزهر على الأجراف”..
أخذت كل واحدة منهن تقارنه بزوجها ، كان ذلك فرصة ثمينة للشكوى والقول أن أزواجهن من أكبر المساكين..
دخلت النسوة في متاهات الخيال.
قالت أكبرهن:” للميّت وجه أحد يمكن أن يسمّى إستبان”. كان هذا صحيحًا..كفي للأخريات أن ينظرن إليه لفهم أنه لا يمكن أن يحمل اسمًا آخر ، أمّا الأكثر عنادًا والأكثر شبابا فقد واصلت أوهامها بأن غريقًا ممدّدًا بجانب الأزهار وذا حذاء لامع لايمكن إلا أن يحمل اسمًا رومنطقيًا مثل “لوتارو”.
في الواقع ما قالته أكبرهن كان صحيحًا فلقد كان شكل الميت بلباسه مزريًا حيث كان السروال غير جيد التفصيل فظهر قصيرًا و ضيقًا ، حيث لم تحسن النسوة القياس وكانت الأزرار قد تقطعت وكأن قلب الميت قد عاد للخفقان بقوة..
بعد منتصف الليل هدأت الريحُ ، وسكت البحرُ ، وساد الصمتُ كل شيء . أتفقت النسوة عندها أن الغريق قد يحمل بالفعل اسم إستبان ، ولم تسُدْ الحسرة أية واحدة منهن: اللاتي ألبسن الميّتَ واللاتي سرحن شعره واللاتي قطعن أظافره وغسلن لحيته. لم تشعر واحدة منهن بالندم عندما تركن الجثة ممدّدة على الأرض ، وعندما ذهبت كل واحدة إلى بيتها فكرن كم كان الغريق مسكينًا وكم ظلت مشكلات كبر حجمه تطارده حتى بعد الموت ، لاشك أنه كان ينحني في كل مرة يدخل فيها عبر الأبواب .. لاشك أنه كان يبقي واقفا عند كل زيارة ، هكذا كالغبي، قبل أن تجد ربة البيت له كرسيا يتحمله…ولاشك أن ربةَ البيتِ كانت تتضرع للربّ في كل مرة ألا يتهشم الكرسي. وكان في كل مرة يرد عليها إستبان في ابتسامةٍ تعكس شعوره بالرضا لبقائه واقفا ..لاشك أنه ملّ من تكرر مثل هذه الأحداث ، ولاشك أيضا أن الناس كانوا يقولون له “ابق وأشرب القهوة معنا” ثم بعد أن يذهب معتذرا يتهامسون: “حمدا لله لقد ذهب هذا الأبله”.
هذا ما فكرت فيه النسوة فيما بعد عطفًا على الغريق..
في الفجر، غطت النسوة وجه الميّت خوفًا عليه من أشعة الشمسِ عندما رأين الضعف على وجهه. لقد رأين الغريق ضعيفًا مثل أزواجهن فسقطت أدمع من أعينهن رأفة ورحمة ، وشرعت أصغرهن في النواح فزاد الإحساس بأن الغريق يشبه إستبان أكثر فأكثر..
وزاد البكاء حتى أصبح الغريق أكبر المساكين على وجه الأرض..
عندما عاد الرجال بعد أن تأكدوا من أن الغريق ليس من القرى المجاورة امتزجت السعادة بالدموع على وجوه النسوة.
قالت النسوة: “الحمد لله ، ليس الميت من القرى المجاورة إذا فهو لنا!”..
أعتقد الرجال أن ذلك مجرد رياء من طرف النسوة ، لقد أنهكهم التعب وكان كل همّهم هو التخلص من هذا الدخيل قبل أن تقسو الشمس وقبل أن تشعل الريح نارها. أعدّ الرجال نقالة من بقايا شراع وبعض الأعشاب التي كانوا قد ثبّتوها بألياف البحر لتتحمّل ثقل الغريق حتى الجرف وأرادوا أن يلفّوا حول رِجلي الجثّة مرساة لتنزل دون عائق إلى الأعماق حيث الأسماك العمياء وحيث يموت الغواصون بالنشوة ، لفوا المرساة حتى لا تتمكن التيارات الضالة من العودة به إلى سطح البحر مثلما حدث مع بعض الموتى الآخرين.
 ولكن كلّما تعجّل الرجال فيما يبغون كلّما وجدت النسوة وسيلة لضياع الوقت حيث تكاثر الزحام حول الجثة ؛ بعض من النسوة يحاول أن يلبس الميّت “الكتفيّةحول كتفه اليمين لجلب الحظ حاول بعضٌ آخر أن يضع بوصلة حول رسغه الأيسر، وبعد صراع لغويّ وجسديّ رهيب بين النسوة شرع الرجال ينهرون ويصرخون :” مالهذه الوشايات والفوضى، ماذا تعلقن؟ ألا تعلمن أن أسماك القرش تنتظر الجثّة بفارغ الصبر؟ ما هذه الفوضى، أليس هذا إلا جثّة؟”..
بعدها رفعت امرأة الغطاء عن وجه الميّت فانقطعت أنفاس الرجال دهشة: “إنه إستبان!” لا داعي لتكرار ذلك لقد تعرفوا عليه. من يكون غيره، هل يظن أحد أن الغريق يمكن أن يكون السير والتر روليك على سبيل المثال؟ لو كان ذلك ممكنا فلاشك أنهم سيتخيلون لكنته الأمريكية وسيتخيلون ببغاء فوق كتفه وبندقية قديمة بين يديه يطلق بها النار على أكلة البشر..
لكن الجثة التي أمامهم غير ذلك، إنها من نوع فريد!
إنه إستبان يمتد أمامهم مثل سمكةِ السردين حافي القدمين مرتديًا سروال طفلٍ رضيع ، ثم هذه الأظافر التي لا تُقطع إلا بسكين. بدا الخجل على وجه الغريق ، ما ذنبه المسكين إذا كان طويلاً وثقيلاً وعلى هذا القدر من الجمال؟ لاشك أنه اختار مكانًا آخر للغرق لو عرف ما كان في انتظاره. قال أحد الرجال: “لو كنت محله لربطت عنقي بمرساة قبل أن اقفز من الجرف.. لا شك أنني سأكون قد خلصتكم من كل هذه المتاعب ومن جثتي المزعجة هذه.”
أعد سكان القرية أكبر جنازة يمكن تخيلها لغريقٍ دون هوية. رجعت بعض النسوة اللاتي كن قد ذهبن لإحضار الزهور من القرى المجاورة برفقة أخريات للتأكد من صحة ما سمعن.
عندما تأكدت نساء القرى المجاورة من شكل الغريق ذهبن لإحضار زهور أخرى ورفيقات أخريات حتى ازدحم المكان بالزهور وبالنساء..
في اللحظات الأخيرة تألّم سكانُ القرية من إرسال الغريق إلي البحر مثل اليتيم فاختاروا له أمًا وأبًا من بين خيرتهم وسرعان ما أعلن آخرون أنهم أخوته وآخرون أنهم أعمامه حتى تحول كل سكّان القرية إلى أقارب، وبينما كان الناس يتنافسون في نقل الجثمان فوق أكتافهم عبر المنحدر العسير المؤدّي إلى الجرف لاحظ سكان القرية ضيق شوارعهم وجفاف أرضهم ودناءة أفكارهم مقارنة بجمالِ هذا الغريق.
ألقى الرجال بالجثة عبر الجرف دون مرساة لكي تعود إليهم كيفما تشاء ومسكوا أنفاسهم في تلك اللحظة التي نزل فيها الميت إلى الأعماق ، أحسوا أنهم فقدوا أحد سكّان قريتهم وعرفوا، منذ تلك اللحظة، أن ثمة أشياء كثيرة لابد أن تتغير في قريتهم..
عرفوا أن بيوتهم تحتاج إلى أبواب عالية وأسقف أكثر صلابة ليتمكن شبح إستبان من التجول في القرية ومن دخول بيوتها دون أن تضرب جبهته أعمدة السقف ودون أن يوشوش أحد قائلاً لقد مات الأبله..
منذ ذلك اليوم قرر سكّان القرية دهن بيوتهم بألوان زاهية احترامًا لذكرى إستبان.. سوف ينهكون ظهورهم في حفر الآبار في الصخور وفي زرع الأزهار عبر الأجراف لكي يستيقظ بحارةُ السفنِ المارةِ في فجرِ السنواتِ القادمةِ علي رائحةِ الحدائق ولكي يضطر القبطان للنزول من أعلى السفينةِ حاملاً اسطرلابه ونجمتَه القطبية و يقول مشيرًا إلي الجبلِ الذي ينشر زهورَه الورديةَ نحو الأفق وفي كلّ لغاتِ العالم:
أنظروا إلى هناك حيث هدوء الريح ِ وحيث ضوء الشمس.
هناك هي قرية إستبان!”.



مشاركة الموضوع

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More