في أنواع الزواج من حيث الإطلاق والتقييد في
صيغته
أنواع الزواج:
المبحث الأول
في الزواج المعلق والمضاف
أ- المعلق: التعليق هو الربط بين جملتين بأن يجعل تحقيق مضمون إحداهما موقوفاً على
تحقيق مضمون الأخرى بأداة من أدوات التعليق كإن وإذا.
والزواج المعلق: هو ما جعل تحقق الإيجاب والقبول أو أحدهما معلقاً على تحقق شيء آخر
كأن يقول رجل لآخر : زوجتك ابنتي إن رضي أخي فيقول الآخر قبلت، أو يقول الرجل
للمرأة زوجيني نفسك فتقول زوجتك نفسي إن رضي أبي.
ففي كل منهما تعليق على شيء آخر فيرتبط وجوده
بوجوده.
وحكم هذا الزواج يختلف تبعاً لوجود الشيء المعلق عليه وعدمه وقت
التعليق:
فإذا كان المعلق عليه معدوماً وقت التعليق لا ينعقد العقد سواء كان ذلك
المعدوم محقق الوجود في المستقبل. مثل إذا جاء الشتاء زوجتك ابنتي، أو لم يكن محقق
الوجود بأن كان يحتمل وجوده وعدمه مثل إن ربحت من تجارتك زوجتك، أو إن نجحت في
الامتحان تزوجتك، فإن الربح والنجاح لا نقطع بوجودهما وكذلك لو كان مستحيل الوجود،
كما لو قال لها : زوجيني نفسك فقالت : إن شربت ماء هذا البحر كله زوجتك نفسي. لأن
عقد الزواج من عقود التمليكات وهي لا تقبل التعليق، ولأن الشارع وضعه ليفيد حكمه في
الحال بدون تأخير، فتعليقه على أمر سيحدث في المستقبل يخرجه عما وضعه الشارع له
ويجعله محلاً للمقامرة واحتمال حصول آثاره أو عدم حصولها، فكان تعليقه منافياً
لوضعه الشرعي.
وإن كان الشرط المعلق عليه متحقق الوجود في الحال، كأن يقول الرجل
للمرأة: إن نجحت في الامتحان تزوجتك وقبلت وكانت ناجحة بالفعل فإن العقد ينعقد في
هذه الحالة ويكون صحيحاً، لأن التعليق هنا صوري فقط وهو تنجيز في الحقيقة لأن الشرط
موجود وقت العقد.
ومثل ذلك لو قالت: زوجتك نفسي إن رضي أبي وكان أبوها حاضراً في المجلس
وقال: رضيت، لأن رضاء الأب يجعل كأنه متحقق قبل العقد وقد أخبر عنه في مجلس
العقد.
بـ- المضاف: وهو أن يضيف الموجب الصيغة إلى زمن مستقبل. كأن يقول لها زوجيني نفسك
في أول العام القادم فتقول قبلت.
وهذا لا ينعقد أصلاً لا في وقت العقد ولا في الزمن الذي أضافه إليه، لأن
الزواج مشروع ليفيد ملك المتعة في الحال، والإضافة إلى المستقبل مانعة من ترتيب
آثاره في الحال، فتكون الإضافة منافية لمقتضى العقد فيلغو، ولأن الإضافة لا تخرج عن
كونها وعداً بالزواج حين يجيء الوقت المذكور والوعد بالزواج ليس
زواجاً.
المبحث الثاني
في المؤقت
التوقيت: أن يقيد الصيغة بمدة من الزمن محددة أو غير محددة. طويلة كانت أو قصيرة
كأن يقول الرجل للمرأة: تزوجتك مدة سنة، أو مدة إقامتي في هذا البلد أو ما شابه
ذلك. وهذا الزواج غير صحيح. يتنافى مع مقاصد الزواج حيث لم يقصد به إلا مجرد التمتع
بها في تلك الفترة.
المبحث الثالث
في زواج المتعة
لا خلاف بين الفقهاء في أن هذا اللون من الزواج قد رخص فيه رسول الله
صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، وبعبارة أدق في بعض غزواته لأمر طارئ يدعو
إليه.
ففي الحديث المتفق عليه عن ابن مسعود قال: كنا نغزو مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم وليس معنا نساء فقلنا: ألا نختصي فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا بعد أن
ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ثم قرأ عبد الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة: 87]
الآية.
وروى الترمذي عن سهل بن سعد قال:" إنما رخص النبي صلى الله عليه وسلم في
المتعة لعزبة كانت بالناس شديدة ثم نهى عنها بعد ذلك.
وروى أحمد ومسلم عن سبرة الجهني أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم
فتح مكة قال: فأقمنا بها خمسة عشر فأذن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في متعة
النساء ... ثم قال فلم أخرج حتى حرمها رسول الله.
وعن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم" نهى عن نكاح
المتعة وعن لحوم الحمر الإنسية زمن خيبر" متفق عليه.
فهذه الأحاديث- منها ما اقتصر على الأخبار بالترخيص، ومنها ما
اقتصر على الأخبار بالتحريم، ومنها ما جمع بين الأمرين الترخيص والتحريم
بعده. وكلها متفقة على أن الترخيص كان في حالات الغزو وليس فيها حديث واحد يفيد أنه
رخص لهم فيها حالة الإقامة.
وهذا الحكم كان مباحاً مشروعاً في صدر الإسلام، وإنما أباحه النبي صلى
الله عليه وسلم لهم للسبب الذي ذكره ابن مسعود، وإنما ذلك يكون في أسفارهم ولم
يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أباحه لهم وهم في بيوتهم، ولهذا نهاهم عنه غير
مرة ثم أباحه لهم في أوقات مختلفة حتى حرمه عليهم في آخر أيامه صلى الله عليه وسلم
وذلك في حجة الوداع، وكان تحريم تأبيد لا توقيت فلم يبق اليوم في ذلك خلاف
بين فقهاء الأمصار وأئمة الأمة إلا شيئاً ذهب إليه بعض
الشيعة.
المبحث الرابع
في الزواج المقترن بشرط
المقترن بشرط: وهو ما صدرت فيه الصيغة مطلقة عن التعليق على الشرط أو الإضافة إلى
المستقبل أو التقييد بوقت لكنها مقترنة بشرط. كأن يقول ولي المرأة للرجل: زوجتك
ابنتي على ألا تنقلها من هذا البلد أو ألا تتزوج عليها أو تطلق امرأتك الأخرى
فيقول: قبلت زواجها.
أو يقول الرجل للمرأة: زوجيني نفسك فتقول: قبلت بشرط أن تسكنني في بيت
خاص أو بشرط أن تعجل لي المهر كله. وما شاكل ذلك من الشروط التي يرى أحد العاقدين
أن فيها مصلحة له.
وقد اتفق الفقهاء على أن الشروط المقترنة بالعقد تتنوع إلى
نوعين: شروط صحيحة وأخرى غير صحيحة. واختلفوا بعد ذلك في حد الشرط الصحيح الذي
يجب الوفاء به ما هو؟ وفي ثبوت الخيار لشارطه في فسخ العقد إذا لم يوف به من
التزمه، وفي تأثير الشرط غير الصحيح في العقد بالفساد مع الاتفاق على
إلغائه.
مذهب الحنفية: الشرط الصحيح: هو الذي يقتضيه العقد ( بأن يكون موجبه حكماً من أحكام العقد )، أو
يؤكد مقتضى العقد أو ورد به الشرع أو جرى به عرف.
كاشتراط الزوجة على زوجها أن ينفق عليها أو يعطيها مهراً أو يحسن
معاشرتها، وكاشتراطه أن تدخل في طاعته فهذه كلها يقتضيها العقد وثابتة ولو لم
يشرطها أحدهما.
وكاشتراط ولي المرأة أن يكون والد الزوج كفيلاً بالمهر والنفقة، فإن
المهر والنفقة من مقتضيات العقد واشتراط الكفالة بهما يؤكد
حصولهما.
وكاشتراط الزوج أن يكون له حق الطلاق إذا تعثرت الحياة الزوجية أو
اشتراطها أن يكون أمرها بيدها لتطلق نفسها متى شاءت، فإن هذا الشرط مما ورد به
الشرع وأجازه وإن لم يكن من مقتضى العقد ولا مؤكداً لمقتضاه.
والشرط غير الصحيح: ما ليس واحداً من تلك الأنواع وإن كان فيه مصلحة لأحد العاقدين، كاشتراط
المرأة ألا يتزوج عليها أو لا يخرجها من البلد الذي تزوجها فيه، وكاشتراط الزوج ألا
يدفع لها مهراً أو أن تقوم بالإنفاق على البيت، أو ألا يتوارثا إذا مات أحدهما
وكانا مسلمين، أو أن يتوارثا والزوجة غير مسلمة، وحكم هذا الشرط أنه يلغو وحده ولا
أثر له في العقد بل يبقى العقد معه صحيحاً، لأن القاعدة المقررة عندهم أن الزواج لا
يبطل بالشروط الفاسدة.
مذهب الحنابلة: الشرط الصحيح: هو ما كان فيه منفعة لأحد العاقدين ما لم يكن مخلاً بالمقصود الأصلي
من العقد، أو ورد من الشارع نهى عنه بخصوصه. سواء كان موافقاً لما يقتضيه العقد أو
لا.
كاشتراط المرأة ألا يتزوج عليها أو ألا يخرجها من بلدها، واشتراطه ألا
ينفق عليها أو أن تكون مثقفة أو بكراً وما شاكل ذلك من الصفات التي يرغب في المرأة
من أجلها.
وحكم هذا الشرط أنه يجب الوفاء به، فان لم يوف به من التزمه ثبت الخيار لشارطه، لأنه
ما رضي بالعقد إلا على أساس الوفاء بالشرط، فإذا لم يتحقق فات رضاه بالعقد ولا زواج
مع عدم الرضا ابتداء أو بقاء.
والشرط غير الصحيح: هو الذي ورد النهي عنه بخصوصه أو كان مناقضاً لمقتضى العقد أو مخلاً
بالمقصود الأصلي منه كاشتراط المرأة أن يطلق ضرتها، فإنه ورد النهي عنه في الحديث"
لا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها"، واشتراط أن يتوارثا مع اختلاف
الدين. لحديث" لا يتوارث أهل ملتين".
وكاشراط ألا ينجبا أولاداً، أو اشتراطها ألا يتمتع بها فإن هذا الشرط
مخل بالمقصود الأصلي من العقد.
وحكم هذا الشرط ألا يتقيد العقد به فلا يلزم الوفاء به ويلغي في كل حال، ولا يتأثر به
العقد إلا إذا كان الشرط يجعله في معنى الزواج المؤقت كاشتراط الطلاق في وقت معين
أو كانت طبيعة العقد لا تقبله كاشتراط الخيار.
اشتراط الخيار في الزواج:
الزواج لا يثبت فيه خيار الشرط بالاتفاق لم يخالف في ذلك من الفقهاء.
لأن هذا العقد وضع لإفادة حل التمتع في الحال، وخيار الشرط ينافيه، ولأن
الحاجة غير داعية إليه فإنه لا يقع في الغالب إلا بعد ترو وفكر ومعرفة كل واحد من
الزوجين صاحبه، ولأن ثبوت الخيار يقضي فسخه بعد العقد وفي هذا ضرر كبير بالمرأة
وبخاصة إذا كان بعد الدخول.
وبعد اتفاقهم على فساد هذا الشرط اختلفوا في أثره في
العقد:
ذهب الحنفية إلى أن الشروط الفاسدة لا تؤثر في عقد الزواج ويقولون بإلغاء الشرط
وصحة العقد.
وذهب الحنابلة إلى أن العقد يفسد مع هذا الشرط لأن الزواج لا يقبل الإقالة فلا يقبل
الفسخ فيكون هذا الشرط منافياً لطبيعته.
ولا يثبت في الزواج خيار الرؤية فيما لو تزوجا ولم يكن أحدهما رأى الآخر
لأن الأصل في عقد الزواج أن يكون لازماً، وثبوت خيار الرؤية يجعله غير
لازم.
على أننا لسنا في حاجة إلى إثباته ما دام الشارع قد أباح النظر عند
الرؤية بل أمر به ورغب فيه.
ولا يثبت في الزواج خيار العيب حتى ولو اشترط كل منهما أو أحدهما سلامة
الآخر من العيوب.
ذهب الحنفية إلى صحة العقد وإلغاء الشرط لكنهم جعلوا للزوجة الحق في رفع الأمر إلى
القاضي ليفسخ العقد إذا وجدت بزوجها بعض العيوب التي لا يتحقق معها أغراض الزواج
كالجب والعنة ولم يجعلوا هذا الحق للزوج إذا وجد بها عيباً يمنع تحقق أغراض الزواج،
لأنه يستطيع أن يتخلص منها بالطلاق.
وذهب الحنابلة إلى إثبات لكل من الزوجين الخيار إذا وجد عيباً بالآخر يمنع المخالطة
الجنسية سواء كان العيب في محلها أو لا كالأمراض المنفرة كالجذام والبرص والجنون
وغيرها.
0 التعليقات:
إرسال تعليق