التسميات

الموسيقى الصامتة

Our sponsors

02‏/12‏/2014

حكاية تجسد واقع الشعوب العربية



من روائع القصص العالمية (حكاية تجسد واقع الشعوب العربية)

للكاتب الروسي الكبير: أنطون تشيكوف .

ترجمة : حصة العمار

****** 

طلبتُ قبل أيام من مربية أولادي ( جوليا فاسيليفنا ) موافاتي بغرفة الكتب ..

** تفضلي بالجلوس ( جوليا فاسيليفنا ).. قلتُ لها .. كيما نسوّي مستحقاتك ..! ويبدو أنك تلبسين رداء الرسمية والتعفف 

إذ أنك لم تطلبيها رسميا مني رغم حاجتك الماسة للمال ..! حسنا كنا قد اتفقنا على مبلغ ثلاثين روبلا في الشهر ...

* بل أربعين ! ( قالت باستحياء )

** كلا . اتفقنا كان على ثلاثين دوّنت ملاحظة بذلك .. أدفع إلى المربيات ثلاثين روبلا عادةً ... 

لقد عملت هنا مدة شهرين لذا ..

* شهران وخمسة أيام ..!! قالت مصححة 

** بل عملت لمدة شهرين بالتمام والكمال ( قلت بإصرار ).. لقد دونت ملاحظة بذلك .. وهذا يعني أنك تستحقين ستين روبلا ..يُخصم منها أجر تسعة أيام .. تعرفين تماما أنك لم تعملي شيئا ل (كوليا ) أيام الآحد .. وكنت تكتفين بالخروج به للنزهة ... هناك أيضا ثلاث إجازات .
. . . ولم تعقب .. اكتفت المسكينة بالنظر إلى حاشية فستانها فيما كست محياها حمرة شديدة .. وما نبست ببنت شفة ..!! 

** ثلاث إجازات فلنخصم من ذلك إذاً اثنتي عشر روبلا .. كما أن ( كوليا ) قد مرض فاستغرق ذلك ثلاث أيام لم يتلق عبرها أي درس .. شغلت أبان ذلك بـ ( تانيا ) فقط .. هناك ثلاثة أيام شعرت فيها بآلآم في أسنانك فأعفتك زوجتي من العمل بعد الظهر .... اثنا عشر وسبع يساوي تسعة عشر .. واطرحي ذلك فيتبقى لك ... أمم .. واحد وأربعون روبلا .. أصحيح ذلك ..؟ 

واحمرت العين اليسرى لجوليا ثم .. غرقت بالدمع فيما تشنج ذقنها وارتعش ..وسعلت بشدة ثم مسحت أنفها ..إلا أنها لم تنبس بحرف ..!! 

**قبيل ليلة رأس السنة كسرت كوب شاي وصحنة ,, يُخصم من ذلك روبلان رغم أن تكلفة الكوب هي في الواقع أكثر من ذلك إذ أنه كان ضمن تركةٍ قيّمة .. لا يهم .. ليست تلك هي أولى ما منيت به من خسائر ..بعد ذلك ونتيجة لإهمالك صعد ( كوليا ) شجرة فتمزق معطفه ..يُخصم من المجموع عشرة روبلات .. كما وأن الخادم قد سرقت بسبب لا مبالاتك حذاء ( فانيا ) ينبغي أن تفتحي عينيك جيدا ..أن تتوخي الحذر والحيطة ..!! فنحن ندفع لك ثمن ذلك ..حسنا نطرح من كل ذلك خمسة روبلات يوم العاشر من يناير ..

* لم يحدث ذلك ( همست جوليا فاسيليفنا ) 

** بلى ..! دونت ملاحظة بذلك ( قلتُ بإصرار)

* حسنا وإذاً .. !! أجابت بنبرات كسيرة 

** فإذا ما خصمنا سبعة وعشرين من واحد وأربعين فسيتبقى لك أربعة وعشرين روبلا ..!

عندها غرقت بالدموع كلتا عينيها فيما ظر العرق على أنفها الصغير الجميل .. يا للبنية المسكينة ..!! ..

* لم أحصل على مال سوى مرة واحدة ..!! ( قالت بصوت راعش متهدج النبرات ).. وكان ذلك من زوجتك .. لم يتجاوز ما استلمته ثلاث روبلات .. لا أكثر يا سيدي ..

** حقا..؟ أرأيت.. ؟ لم أدوّن ملاحظة بذلك .. سأخصم من الأربعة عشرة روبلا ثلاثة .. فيتبقى لك أحد عشر روبلا ..! ودفع إليها بالمبلغ فتناولته بأصابع مرتجفة ثم دسته في جيبها .. 

* شكرا ..! ( قالت هامسة ) .

**ولماذا هذا ال(شكرا ) . سألتُها .

* للمبلغ الذي دفعته لي . 

** لكنك تعرفين أني قد غششتك .. أني قد سرقتك .. ونهبت مالك فلماذا شكرتني ؟!

* في أماكن أخرى لم يكونوا ليدفعوا لي شيئا البتة ..

** لم يمنحوك على الإطلاق شيئا ..؟ زال العجب إذا ..لقد دبّرت هذا المقلب كي ألقنك درسا في المحافظة على حقوقك ، سأعطيك الآن حقوقك كاملة ..ثمانون روبلا ..لقد وضعتها في هذا الظرف مسبقا..لكن ( تساءلت مشدوها ) : أيعقل هذا ؟!!

أن يتسم إنسان بكل ذلك الضعف والاستسلام ..؟؟!!

لماذا لم تعترضي ؟!

لم كل ذلك الصمت الرهيب ..؟؟!!

أيعقل أن يوجد في هذا العالم النابض بالظلم والأحقاد والشراسة إنسان بلا أنياب أو مخالب ؟!؟!؟!؟!

إنسان في سذاجتك وخضوعك ؟!؟!

وابتسمت في ذل وانكسار .. فقرأت في ملامحها .. ذلك ممكن .. 

واعتذرت لها مجددا عما سببت لهل ها من ألم وإحراج .. إذ أن الدرس كان قاسيا حقا قبل أن أسلمها الظرف الذي يحوي أجرها كاملا ثمانون روبلا تناولتها بين مصدقة ومكذبة .. وتلعثمت وهي تكرر الشكر .. المرة تلو المرة ..ثم غادرت المكان وأنا أتأملها وسيل من جراحات الإنسان المعذب في أرجاء غابة الظلم ..ينداح في أوردتي ..وهمست لنفسي : 

** حقا ما أسهل سحق الضعفاء في هذا العالم ..!!

0 التعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة الموضوع

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More