التسميات

الموسيقى الصامتة

Our sponsors

02‏/12‏/2014

من يوميات موظفة مغربية




من يوميات موظفة مغربية
آمنة عزقور

بعد حمام مغربي ساخن ، نام الأبناء الثلاثة . حاول أكبرهم أن يختلق من القصص و الحكايات ما يمكن أن يحتجز به الأم إلى جانبه أطول فرصة ممكنة قبل النوم ، ولم يكن ذلك لينطلي على الأم ، ولكنها جارته في الحديث وأنصتت إلى حكاياته الجميلة وهي نصف ممددة إلى جانبه تمسح بيدها على شعره إلى أن نام .  
غطت كل واحد منهم ببطانيتين دافئتين من النوع الإسباني الفاخر ... بطاطين ما زالت تدفع أقساطها للمرأة التي اعتادت أن تشتري منها هي وزميلاتها في العمل كل شيء بالقسط المريح هروبا من الدفع الكاش .
كانت ليلة باردة شديدة البرودة من ليالي شهر يناير في تلك المدينة الساحلية الصغيرة ذات الرطوبة العالية . والتي كان الشتاء فيها من نوع خاص .
نام الأبناء ، ولفت الأم لفتها الأخيرة في البيت ...نشفت أواني العشاء المغسولة ووضعت كل ماعون منها في المكان المخصص له ... أعادت ترتيب مساند غرفة الجلوس ذات الفراش البلدي ، جمعت ما كان متناثرا هنا وهناك من ألعاب الأطفال في سلة الألعاب ... كنست سجاد غرفة الجلوس كنسا سريعا بالمكنسة الكهربائية التي كان صوتها نفاذا في سكون ذلك الليل لتشفط ما كان متناثرا حول المائدة من فتات الخبز ... أطفأت شاشة التلفزيون التي كانت على قناة الجزيرة ، والتي تركها الزوج مفتوحة كعادته قبل دخوله إلى النوم ...ثم دخلت إلى الحمام لتأخذ هي الأخرى حماما مغربيا ساخنا تغسل به كل تعب الاسبوع... وخصوصا تعب يوما  السبت و  الأحد اللذان كانا بالنسبة لها يوما المهام المؤجلة وليسا يوما عطلة .
لبست ملابسها الثقيلة ، ولفت شعرها بمنذيلي رأس من نوع ( حياتي ) ثم عادت إلى الحمام تنظفه وتنشفه وتفتح نافذته لتطرد البخار الذي كان منتشرا في المكان ... أحكمت إغلاق باب البيت بالمفتاح ... أطفأت كل الأنوار ما عدا نور الطرقة المقابل لغرفة الأطفال لأنها كانت تخاف من الظلام تماما مثل أبنائها ... ثم دخلت مسرعة إلى فراشها تلف نفسها بالبطاطين في تلك الليلة من ليالي شتاء المغرب الجميلة ... ضبطت منبه الهاتف المحمول على الساعة السادسة صباحا لاستقبال يوم الإثنين ... ولم تمض خمس دقائق حتى دب الدفء في سائر جسدها وأغمضت عينيها وغطت في نوم عميييييييييييق .........
كان البيت غارقا في السكون , وإلى هنا كان كل شيء عاديا كأي ليلة من ليالي الأحد ... إلى أن صرخت الأم صرخة أفاق عليها الزوج مذعورا !!!!!!!!!!!!!
•       آش كاين ؟؟؟؟ مالك !!!؟؟؟؟؟
•       فاااااااااااااااااار !!!!!!!!!
•       فينا هو ؟؟؟؟؟
•       أنا ناعسة حتى لقيتو كيمشي فوق راسي !!!!!!!!
•       فين هو دابا ؟؟؟؟
•   هرب ولد الحرام !!!!!!ثم تداركت ( ولد الحرام من فعلو ) وكأنها تذكرت مدى الجرم الذي اقترفته في حق هذا الفأر حينما نعتته بذلك !! فربما يكون من عائلة فئران متأصلة التزاوج فيها لا يتم إلا بعدل وشهود وإشهار ووليمة كمن يقدسون التزاوج من بني البشر !!!!!!!
وأشارت إلى زوجها كي يتتبعه
•   را هو ... شدو ... شدو .. مشى دخل الصالون ...ناري ميمتي دخل ليا الصالون ... آجا ما يخرجو !!!!؟؟؟؟
•       صافي خليه ... غدا نشدو ... نعسي وغدا يحن الله .
•       آويلي قالاك نعسي ؟؟؟!!! قلت لك دخل ليا الصالون !!!!
 كان الصالون البلدي مكانا مقدسا لا يدخله أحد في البيت سوى الزوار من الدرجة الأولى ... وقد يظل بالشهور لا تطأه قدم ... حتى الأبناء كانت يدهم العابثة تمتد إلى كل ركن في البيت إلا الصالون لم يكونوا يجرؤون على وصوله ... كانوا يعرفون جيدا ما وضعته أمهم حوله من خطوط اجتازها صديقنا الفأر بكل جرأة وخيلاء وبرود .
قام الزوج متذمرا : الواحد ما يعرفش يرتاح في هاذ الدار ... وفي يده عدة الحرب التي نوى مرغما وفي وقت لم يختره ، وبنفسية متأذية أن يخوضها مع هذا الفأر اللعين : المكنسة والمساحة ( الكراطة ) يحاول أن يحاصره في أي زاوية من زوايا الصالون ليجهز عليه ... لكن هذا الفأر اللعين كان مقاتلا ذكيا مرنا وذا لياقة بدنية عالية يفتقدها الزوج الذي أصبح يتصبب عرقا حتى قبل بداية الجولة الأولى من المعركة !!!!!!!!
•   صاااااااااافي ما بقاش عندك السوفل آوليدي !!!!!!!وا فار آصاحبي خلاك حالتك حالة ؟؟؟؟!!!! وافين الرياضة ؟؟؟؟؟
•       واش انت كيحساب لك الفار ساهل تشديه ؟؟؟؟ وشديه انت آ لالا ولا فيك غير الهضرة ؟؟؟؟
وتوالت الأشواط بدون نتيجة ... لكن هذه الأشواط لم تكن إلا لتزيد مشادات الزوج والزوجة اشتعالا . كان الزوج يريد أن يؤجل المعركة إلى اليوم التالي ، وكانت هي مصممة على أن يتم إخراج ذلك الفأر في تلك الليلة من البيت . كانت تعلم أن مكوث الفأر مدة طويلة سيخلق لها من الأعمال المنزلية ما لن تستطيع القيام به خلال الأسبوع ؛فمواعيد عملها داخل البيت وخارج البيت لم تكن لصالحها، بالإضافة إلى أن الجو ممطر ولا يساعد على مثل تلك الأعمال المنزلية المفاجئة ... ثم إنها كانت من قريب فقط قد استأجرت بمبلغ لا يستهان به رجلين من ( الموقف ) ليخرجا لها محتويات الصالون الثقيلة من مضارب ( الصوف ) والسدادر  وينفضا لها غبار الزربية الرباطية اليدوية الثقيلة ... وهي غير مستعدة لأن تترك الفأر يرتع في الصالون ليجهز على الطلامط ويملأ تحت السدادر بمخلفاته .
 •       ويلي ويلي صالون خالعك !!!!
•   نعم خالعني . انت إلي بغيتي الفراش البلدي . أنا قلت لك من الأول أنا ما عندي صحة للبلدي . قلت لك من الأول أنا باغية صالون عصري خفيف .
•       انت ماقادرة لا على العصري ولا على البلدي !!!!!!!!!!
•   أنا آسيدي ما قادرة على والو ... انت إلي قادر... وخرج ليا غير الفار الله يرحم لك الوالدين !!!!!
كانت مثل هذه العبارات المستفزة التي تقلل من شأنها وتبخس مجهودها وتحقره تجعلها تغلي غليانا من الداخل ... غليانا من شأنه أن يهيج كل البراكين الخامدة في داخلها . لكنها كانت تحاول أن تتمالك أعصابها مراعاة لحماتها التي كانت ضيفة شبه مقيمة في البيت .
صحا الابن المشاكس على صرخات الأب والأم كلما أوشكا أن يمسكا بالفأر فخرج من غرفته وانضم إلى المعركة .
•   شفتي آماما ؟؟؟ قلت ليك نربيوا قطة ... إنت إلي ما بغيتيش ... كن هي دابة صيدت لينا الفار !!!!
كان يحاول أن يبرز محاسن القطة التي طالما حاول أن يقنع والدته بتربيتها لكنها كانت دائما ترفض .
•   ما قدرت عليكم حتى نتوما ما بقى ليا غير قطة ندخلها للدار حتى هي !!!! انت براسك راك قطيط !!!
كان المشهد مثيرا بالنسبة للولد ... وكأنه يتابع مغامرة من مغامرات تجيري الشهيرة ، ولم يكن ينقص المشهد سوى القط الذي يشغل دور طوم ... تفتحت عيناه جيدا وذهب عنها أي أثر للنعاس وجلس في زاوية من الصالون يرقب أحداث المباراة ويصفق ويهتف عند كل مبادرة للفوز كانت تنجم عن والده أو والدته ولو أنه كان يخفي بداخله تعاطفا طفوليا كبيرا مع هذا الفأر رغبة منه في الانضمام إلى عالم الكبار.. ولو علم هذا المسكين ما يدور في هذا العالم ما تمنى أن يخرج من جمال وطهر وبراءة طفولته أبدا ..
استمرت المباراة ، وأفاقت الجدة أيضا وانضمت إلى الفريق ، وأصبح الأربعة ضد هذا الفأر اللعين كل يحاول أن يمسك به من جهته ... وكانت الجدة لا تكف عن التعليق كلما سمعت عبارة من كنتها تحس أنها تسيىء إلى ابنها ... وكانت الكنة تتساءل رغم كل ما تكنه لحماتها من حب واحترام عما لا يجعلها تفكر في تقسيم مدة الإقامة بالتساوي بين كل أبنائها !!!! كانت تحس بالإختناق وتحتاج إلى شيء من الأوكسجين ...
واستمرت الحرب إلى آذان الفجر ... والفأر ما زال يصول ويجول في ساحة المباراة .
•       والله إلى اتعديتي علينا في هاذ الليلة آمادام !!!
•       سير آوليدي تنعس الله يرضي عليك راك غدا عندك الخدمة
•       حتى أنا راه عندي الخدمة آخالتي ومازالة فايقة
وتجاهلت الحماة الرد ووجهت خطابها لابنها مرة ثانية
•       سير آوليدي تنعس لك شوية واخة غير شي ساعتين قبل ما تمشي للخدمة .
•   خالتي انت خايفة على ولدك باغياه يرتاح ... وأنا مسكينة ما بقيتش فيك الصالون يالله كيف مخرجاه !!!
لم ترد عليها الحماة ، ووجهت خطابها لابنها مرة ثالثة :
•       سير آ وليدي تنعس الله يرضي عليك .
كان أسلوب الحماة أسلوبا مستفزا لكنها لم تستطع أن تتمادى في الرد ... هي امرأة كبيرة ومهما حدث منها عليها بالتيقار !!!
•   صافي آخويا بغيتي تنعس سير تنعس ... مالي أنا على هاذ الشي كامل ؟؟؟!!!!سير انعس آخويا ... انت بوحدك إلي خدام ... وحتى أنا غدا شهادة طبية فحالي فحال الموظفات ... ونجلس نقابل الفار ...
ودخل الزوج فعلا ليكمل نومه ... ...ولم تمض دقائق حتى كان شخيره يدوي في أرجاء البيت ...  وجلست هي وحدها في الصالون وهو مقلوب رأسا على عقب ساخطة ناقمة على اليوم الذي دخلت فيه الجامعة واليوم الذي استلمت فيه الوظيفة واليوم الذي تزوجت فيه ...وانتهى بها الأمر إلى البكاء. وبينما هي كذلك إذ بفأر أسمن من الأول وأكثر برودا يمر بسرعة البرق عابرا إلى السداري المقابل، فما كان منها حين رأته إلا أن زادت في البكاء ... بكت كثيييييييييييييرا ... كان بالداخل الكثير مما لا يغسله سوى البكاء ... ثم هدأت بعد ذلك ...المشكل لم يكن مشكل صالون فقط ولكنه مشكل الأطفال الثلاثة الذين تمتد يدهم العابثة إلى كل ركن في البيت، وما تحمله هذه الفئران من أمراض هي أدرى بها بصفتها قد درست علم أحياء . ثم أي شيء قد استفاده هذا الرجل من تخصصه في الأحياء إن لم يكن وجود فأر في البيت يقظ مضجعه .!!!!!!!!!!
مغاغاة الابن الرضيع تنبعث من غرفة النوم ... لم يصح كعادته يصرخ مستعجلا رضعته رأفة منه بأمه .. بل آثر أن يصحو بهدوء . كان يدفع عنه بطانيته الصغيرة برجليه يريد أن يتحرر منها ... رياضة صباحية جميلة ... حاولت أن تتجاهل مغاغاته ومناداته ...لن تذهب إليه إلا بعد أن يبدأ في الصراخ طلبا في الرضعة لكنها لم تصمد طويلا،ٍ فتلك المغاغاة الجميلة جذبتها رغم أنفها إلى سريره وجعلتها تتناوله بين ذراعيها وترد عليه بأجمل تعابير الحب وتضمه إلى صدرها بكل حنان محيطة إياه بالقبلات  الرقيقة ...
غيرت حفاظته  ونظفته نظافة الصباح وعطرته ...وأخذته بين ذراعيها ترضعه ... أجمل لحظة يمكن أن تجمع أما بوليدها ... لحظة تضيع معها كل هموم الحياة ...
تمعنت جيدا في ملامح ابنها ... كان يشبه والده ... ونظرت إلى زوجها وهو نائم وابتسمت ... ولم تره سوى طفلا مدللا يكاد لا يختلف عن أبنائه الثلاثة في شيء ... نظرت إليه بكل حب ... أحست بالذنب لأنها حرمته من النوم ... ألم يكن من الممكن تأجيل تلك الحرب مع الفأر ؟؟؟
عاد الابن بعد أن أكمل رضعته إلى النوم ... وضعته في سريره بلطف...وارتدت جلبابها وذهبت هي إلى دكان الحي لتحضر خبز الصباح بدلا من زوجها في سبيل أن ينعم بثلاثين دقيقة زائدة من النوم ... إنه زوجها ... تحبه وإن لم يمسك بالفأر !!!!

0 التعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة الموضوع

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More