الاسْتِحَاضة
- تعريف الاستحاضة
- فوارق الاستحاضة عن الحيض
- الاستمرار بالإستحاضة
- أحكام الإستحاضة
- شروط المعذورين
- محظورات ممنوعة بحق المستحاضة
- طهارة المستحاضة
- حكم ما يسيل من دم المستحاضة على الثوب
- متى يلزم المستحاضة أن تغتسل
تعريفها:
الاستحاضة لغة: مصدر استحيضت المرأة فهي مستحاضة. والمستحاضة من يسيل دمها ولا
يرقأ.
والاستحاضة شرعاً: دم عرق يسمى العاذل انفجر ليس من الرحم.
فوراق الاستحاضة عن الحيض:
وتفترق الاستحاضة عن الحيض والنفاس بأمور منها:
أ- الحيض له وقت، وذلك حين تبلغ المرأة تسع سنين فصاعداً، أما الاستحاضة
فليس لها وقت معلوم.
ب- الحيض دم يعتاد المرأة في أوقات معلومة من كل شهر، أما الاستحاضة فهي
دم شاذ يخرج من فرج المرأة في أوقات غير معتادة.
جـ- الحيض دم طبيعي لا علاقة له بأي سبب مرضي، في حين أن دم الاستحاضة
دم ناتج عن فساد أو مرض أو اختلال الأجهزة أو نزف عرق.
د- لون دم الحيض أسود ثخين منتن له رائحة كريهة غالباً، بينما دم
الاستحاضة أحمر رقيق لا رائحة له.
هـ- دم النفاس لا يكون إلا مع ولادة.
الاستمرار بالاستحاضة عند الحنفية:
الاستحاضة غالباً ما تحصل بالاستمرار، وهو: زيادة الدم عن أكثر مدة
الحيض أو النفاس، وهذا عند الحنفية إذ لم يعتبر الاستمرار بهذا المعنى
غيرهم، والاستمرار إما أن يكون في المعتادة أو في المبتدأة.
الاستمرار في المعتادة:
إذا استمر دم المعتادة وجاوز أكثر الحيض فطهرها وحيضها ما اعتادت، وترد
إلى عادتها في الحيض والطهر في جميع الأحكام.
الاستمرار في المبتدأة:
ذكر الحنفية ثلاث حالات للمبتدأة:
حالات الاستمرار في المبتدأة:
الأولى: أن يستمر بها الدم من أول ما بلغت، فحينئذ يقدر حيضها من أول
الاستمرار عشرة أيام، وطهرها عشرين ثم ذلك دأبها، وإذا صارت نفساء فنفاسها يقدر
بأربعين يوماً، ثم بعد النفاس يقدر بعشرين يوماً طهراً، إذ لا يتوالى نفاس وحيض عند
الحنفية، بل لا بد من طهر تام بينهما، ولما كان تقديره بين الحيضتين عشرين، فليكن
كذلك بين النفاس والحيض تقديراً مطرداً.
الثانية: أن ترى دماً وطهراً فاسدين، والدم الفاسد عند الحنفية
ما زاد على عشرة أيام، والطهر الفاسد ما نقص عن خمسة عشر يوماً، فلا يعتد بما رأت
من حيث نصب العادة به، بل يكون حيضها عشرة ولو حكماً، من حين استمر بها الدم، ويكون
طهرها عشرين، وذلك دأبها حتى ترى دماً وطهراً صحيحين.
الثالثة: أن ترى دماً صحيحاً، وطهراً فاسداً، فإن الدم الصحيح يعتبر
عادة لها فقط، فترد إليه في زمن الاستمرار، ويكون طهرها أثناء الاستمرار بقية
الشهر.
استحاضة المبتدأة بالحيض، والمبتدأة بالحمل:
المبتدأة بالحيض هي التي كانت في أول حيض فابتدأت بالدم، واستمر بها.
فعند الحنفية تقدم تفصيل حكمها.
وعند المالكية تعتبر المبتدأة بأترابها، فإن تجاوزتهن تتمادى إلى تمام خمسة عشر
يوماً، ثم هي مستحاضة تغتسل وتصلي وتصوم.
وأما المبتدأة بالحيض عند الشافعية، فقد قالوا: المبتدأة إما أن
تكون مميزة لما تراه أولاً، فإذا كانت المبتدأة مميزة لما تراه بأن ترى في بعض
الأيام دماً قوياً وفي بعضها دماً ضعيفاً، أو في بعضها دماً أسود وفي بعضها دماً
أحمر، وجاوز الدم أكثر الحيض، فالضعيف أو الأحمر استحاضة وإن طال، والأسود القوي
حيض وإن لم ينقص الأسود أو القوي عن أقل الحيض، وهو يوم وليلة عندهم، ولا جاوز أكثر
الحيض وهو خمسة عشر يوماً أيضاً، حتى لو رأت يوما وليلة أسود ثم اتصل به الضعيف،
وتمادى سنين كان طهراً، وإن كانت ترى الدم دائماً، لأن أكثر الطهر لا حد له، فإن
فقد شرط من ذلك كأن رأت الأسود أقل من يوم وليلة أو ستة عشر، أو رأت الضعيف أربعة
عشر، أو رأت أبداً يوماً أسود ويومين أحمر فحكمها كحكم غير المميزة لما
تراه.
المبتدأة غير المميزة عند الشافعية، بأن رأت الدم بصفة واحدة أو
بصفات مختلفة لكن
فقدت شرطاً من شروط التمييز التي ذكرت، فإن لم تعرف وقت ابتداء دمها
فحكمها حكم المتحيرة، وإن عرفته فالأظهر أن حيضها يوم وليلة من أول الدم وإن كان
ضعيفا، لأن ذلك هو المتيقن، وما زاد مشكوك فيه، فلا يحكم بأنه حيض، وطهرها تسعة
وعشرون يوماً تتمة الشهر.
وأما الحنابلة فقالوا: إن المبتدأة إما أن تكون مميزة لما تراه أولاً، فإن كانت مميزة
عملت
بتمييزها إن صلح الأقوى أن يكون حيضاً، بأن لم ينقص عن يوم وليلة، ولم
يزد على خمسة عشر يوماً.
وإن كانت غير مميزة قدّر حيضها بيوم وليلة، وتغتسل بعد ذلك وتفعل ما
تفعله
الطاهرات.
وهذا في الشهر الأول والثاني والثالث، أما في الشهر الرابع فتنتقل إلى
غالب الحيض وهو ستة أيام أو سبعة باجتهادها أو تحريها.
وأما المبتدأة بالحمل: وهي التي حملت من زوجها قبل أن تحيض إذا ولدت فرأت زيادة عن أربعين
يوماً عند الحنفية والحنابلة فالزيادة استحاضة عن الحنفية، لأن الأربعين
للنفاس كالعشرة للحيض، فالزيادة في كل منهما استحاضة دون النظر إلى تمييز أو
عدمه.
أما عند الحنابلة فإن أمكن أن يكون حيضاً فحيض وإلا فاستحاضة، لأنه يتصور عندهم اقتران
الحيض بالنفاس.
وعند المالكية والشافعية الزيادة على الستين استحاضة، وفرقوا بين المميزة لما ترى وغير المميزة
كما في الحيض.
إستحاضة ذات العادة:
أ- ذات العادة بالحيض:
ذهب الحنفية في ذات العادة بالحيض، وهي التي تعرف شهرها ووقت حيضها وعدد أيامها أنه:
إذا رأت المعتادة ما يوافق عادتها من حيث الزمن والعدد، فكل ما رأته
حيض.
وعند المالكية: أنها تبقى أيامها المعتادة، وتستظهر (أي تحتاط) بثلاثة أيام، ثم تكون
مستحاضة تغتسل وتصلي وتصوم وتطوف ويأتيها زوجها، ما لم تر دماً تنكره بعد مضي أقل
مدة الطهر من يوم حكم باستحاضتها.
وقال الشافعية: المعتادة بالحيض إما أن تكون غير مميزة لما ترى بأن كان الدم بصفة
واحدة، وكان بصفات متعددة، وفقدت شرط التمييز، ولكن سبق لها حيض وطهر، وهي تعلم
أيام حيضها وطهرها قدراً ووقتاً فترد إليهما قدراً ووقتاً، وتثبت العادة بمرة في
الأصح.
وأما المعتادة المميزة فيحكم بالتمييز لا بالعادة في الأصح، كما لو كانت
عادتها خمسة من أول كل شهر وباقيه طهر، فاستحيضت فرأت عشرة سوادا من أول الشهر
وباقيه حمرة، فحيضتها العشرة السواد وما يليه استحاضة.
وقال الحنابلة: لا تخلو المستحاضة من أربعة أحوال: مميزة لا عادة لها، ومعتادة لا
تمييز لها، ومن لها عادة وتمييز، ومن لا عادة لها ولا تمييز.
1- أما المميزة: وهي التي لدمها إقبال وإدبار، بعضه أحمر مشرق أو اصفر أو
لا رائحة له، ويكون الدم الأسود أو الثخين لا يزيد عن أكثر الحيض ولا ينقص عن أقله،
فحكم هذه: أن حيضها زمان الدم الأسود أو الثخين أو المنتن، فإن انقطع فهي مستحاضة،
تغتسل للحيض، وتتوضأ بعد ذلك لكل صلاة وتصلي.
2- أما المستحاضة التي لها عادة ولا تمييز لها، لكون دمها غير منفصل أي على
صفة لا تختلف، ولا يتميز بعضه من بعض، أو كان منفصلاً، إلا أن الدم الذي يصلح للحيض
دون أقل الحيض، أو فوق أكثره: فهذه لا تمييز لها، فإن كانت لها عادة قبل أن تستحاض
جلست أيام عادتها، واغتسلت عند انقضائها، ثم تتوضأ بعد ذلك لوقت كل
صلاة.
3- من لها عادة وتمييز، فاستحيضت، ودمها متميز، بعضه أسود وبعضه أحمر، فإن
كان الأسود في زمن العادة فقد اتفقت العادة والتمييز في الدلالة فيعمل بهما، وإن
كان أكثر من العادة وأقل -ويصلح أن يكون حيضاً- ففيه روايتان: الرواية الأولى:
اعتبار العادة لعموم قوله: صلى الله عليه وسلم لأم حبيبة إذ سألته عن الدم: "امكثي
قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي وصلي" [رواه مسلم] ولأن العادة أَولى. والثانية:
يقدم التمييز فيعمل به وتدع العادة.
4- وهي التي لا عادة لها ولا تمييز، فسيأتي تفصيله في موضوع: استحاضة من
ليس لها عادة معروفة.
ب- ذات العادة في النفاس:
إذا رأت ذات العادة بالنفاس زيادة عن عادتها، فإن كانت عادتها أربعين
فذهب الحنفية إلى أن الزيادة استحاضة، وإن كانت عادتها دون الأربعين، وكانت
الزيادة إلى الأربعين أو دونها، فما زاد يكون نفاساً، وإن زاد على الأربعين ترد إلى
عادتها فتكون عادتها نفاساً، وما زاد على العادة يكون
استحاضة.
وقال المالكية والشافعية: فما ذكر في الحيض للمعتادة يذكر هنا أيضاً.
وقالت الحنابلة: إن زاد دم النفساء على أربعين يوماً وأمكن جعله حيضاً فهو حيض، وإلا
فهو استحاضة.
استحاضة من ليس لها عادة معروفة:
قال الحنفية من لم يكن لها عادة معروفة في الحيض -بأن كانت ترى شهراً ستاً وشهراً
سبعاً- فاستمر بها الدم، فإنها تأخذ في حق الصلاة والصوم والرجعة بالأقل، وفي حق
انقضاء العدة والوطء بالأكثر، فعليها أن تغتسل في اليوم السابع لتمام اليوم السادس
وتصلي فيه، وتصوم إن كان دخل عليها شهر رمضان احتياطاً.
وإذا كانت هذه تعتبر حيضة ثالثة يكون قد سقط حق الزوج في
مراجعتها.
وأما في انقضاء العدة للزواج من آخر، وحل استمتاع الزوج بها فتأخذ
بالأكثر. لأن تركها التزوج مع جوازه أولى من أن تتزوج بدون حق التزوج، كذا ترك
الوطء مع احتمال الحل، أولى من الوطء مع احتمال الحرمة، فإذا جاء اليوم الثامن
فعليها أن تغتسل ثانياً، وتقضي اليوم السابع الذي صامته، لأن الأداء كان واجباً،
ووقع الشك في السقوط، إن لم تكن حائضاً فيه صح صومها ولا قضاء عليها، وإن كانت
حائضاً فعليها القضاء، فلا يسقط القضاء بالشك.
وليس عليها قضاء الصلوات، لأنها إن كانت طاهرة في هذا اليوم فقد صلت،
وإن كانت حائضاً فيه فلا صلاة عليها، وبالتالي لا قضاء
عليها.
ولو كانت عادتها خمسة فحاضت ستة، ثم حاضت حيضة أخرى سبعة، ثم حاضت حيضة
أخرى ستة، فعادتها ستة بالإجماع حتى يبنى الاستمرار عليها.
ما تراه المرأة الحامل من الدم أثناء حملها:
إذا رأت المرأة الحامل الدم حال الحبل وقبل المخاض، فليس بحيض وإن كان
ممتداً بالغاً نصاب الحيض، بل هو استحاضة عند الحنفية والحنابلة. وكذلك ما
تراه حالة المخاض وقبل خروج أكثر الولد عند الحنفية.
أما الحنابلة فقد نصوا على أن الدم الذي تراه الحامل قبل الولادة بيومين أو ثلاثة دم
نفاس وإن كان لا يعد من مدة النفاس.
وقال الشافعي: هو حيض قي حق ترك الصوم والصلاة وحرمة القربان، لا في حق أقراء
العدة.
وأما المالكية فإنهم نصوا على أن الحامل إذا رأت دماً في الشهر الأول أو الثاني يعتبر
حيضاً، وتعامل كأنها حامل، لأن الحمل لا يستبين -عادة- في هذه المدة،وأما إذا رأت
دماً في الشهر الثالث أو الرابع أو الخامس واستمر كان أكثر حيضها عشرين يوماً، وما
زاد فهو استحاضة.
ما تراه المرأة من دم بين الولادتين
(إن كانت حاملاً بتوأمين).
فإن كان بين الأول والثاني أقل من ستة أشهر فالدم الذي تراه النفساء بين
الولادتين دم صحيح، أي نفاس في قول أبي حنيفة وأبي
يوسف.
وعند محمد وزفر دم فاسد أي استحاضة، وذلك بناء على أن المرأة إذا ولدت وفي بطنها ولد
آخر، فالنفاس من الولد الأول عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وعند محمد وزفر من
الولد الثاني، وانقضاء العدة بالولد الثاني بالإجماع.
ويتفق الحنابلة في إحدى الروايتين مع الشيخين -أي أبي حنيفة وأبي يوسف، وفي الرواية
الثانية مع محمد وزفر.
وعند المالكية: الدم الذي بين التوأمين نفاس، وقيل حيض.
وعند الشافعية: ثلاثة أوجه كالتي رويت عن الحنابلة.
أحكام المستحاضة:
دم الاستحاضة حكمه كالرعاف الدائم، أو كسلس البول، حيث تطالب المستحاضة
بأحكام خاصة تختلف عن أحكام الأصحاء، وعن أحكام الحيض والنفاس،
وهي:
أ- يجب رد دم الاستحاضة، أو تحفيفه إذا تعذر رده بالكلية: وذلك برباط أو
حشو أو بالقيام أو بالقعود، كما إذا سال أثناء السجود ولم يسل بدونه، فتومىء من
قيام أو من قعود، كذا لو سال الدم عند القيام صلت من قعود، لأن ترك السجود أو
القيام أو القعود أهون من الصلاة مع الحدث.
وهكذا إذا كانت المستحاضة تستطيع منع سيلان الدم بالاحتشاء فيلزمها ذلك،
فإذا نفذت البلة أو أخرجت الحشوة المبتلة انتقض وضوؤها.
فإذا ردت المستحاضة الدم بسبب من الأسباب المذكورة أو نحوها خرجت عن أن
تكون صاحبة عذر.
واعتبر المالكية المستحاضة صاحبة عذر كمن به سلس، فإذا فارقها الدم أكثر زمن وقت الصلاة
لم تعد صاحبة عذر.
ونص المالكية على أنها إذا رأت الدم عند الوضوء فإذا قامت ذهب عنها، قال مالك: تشد
ذلك بشيء ولا تترك الصلاة.
ويستثنى من وجوب الشد أو الاحتشاء أمران:
الأول: أن تتضرر المستحاضة من الشد أو الاحتشاء.
الثاني: أن تكون صائمة فتترك الاحتشاء نهاراً لئلا يفسد
صومها.
شروط المعذورين:
وذكر الحنفية للمستحاضة ولغيرها من المعذورين ثلاثة شروط:
الأول: شرط الثبوت: حيث لا يصير من ابتلي بالعذر معذوراً، ولا تسري عليه
أحكام المعذورين، حتى يستوعبه العذر وقتاً كاملاً لصلاة مفروضة ولو حكماً، وليس في
انقطاع -في جميع ذلك الوقت- زمناً بقدر الطهارة والصلاة، وهذا شرط متفق عليه بين
الفقهاء.
الثاني: شرط الدوام، وهو أن يوجد العذر في وقت آخر، سوى الوقت الأول
الذي ثبت به العذر ولو مرة واحدة.
الثالث: شرط الانقطاع، وبه يخرج صاحبه عن كونه معذوراً، وذلك بأن يستمر
الانقطاع وقتاً كاملاً فيثبت له حينئذ حكم الأصحاء من وقت
الانقطاع.
محظورات ممنوعة بحق المستحاضة:
قال الحنفية: الاستحاضة حدث أصغر كالرّعاف. فلا تسقط بها الصلاة ولا تمنع صحتها أي
على سبيل الرخصة للضرورة، ولا تحرم الصوم فرضاً أو نفلاً، ولا تمنع الجماع _لحديث
حمنة: أنها كانت مستحاضة وكان زوجها يأتيها- ولا قراءة قرآن، ولا مس مصحف، ولا دخول
مسجد، ولا طوافاً إذا أمنت التلويث.وحكم الاستحاضة كالرعاف الدائم. فتطالب
المستحاضة بالصلاة والصوم.
وكذلك الشافعية والحنابلة، قالوا: لا تمتنع المستحاضة عن شيء، وحكمها حكم الطاهرات في وجوب
العبادات.
وقال المالكية كما في الشرح الصغير: هي طاهر حقيقة.
طهارة المستحاضة:
يجب على المستحاضة عند الشافعية والحنابلة الاحتياط في طهارتي
الحدث والنجس، فتغسل عنها الدم، وتحتشي بقطنة أو خرقة دفعاً للنّجاسة أو تقليلاً
لها، فإن لم يندفع الدم بذلك وحده تحفظت بالشدّ والتعصيب.
وأما عند الحنفية فيجب على المعذور رد عذره، أو تقليله إن لم يكن ردّه بالكليّة. وبردّه
لا يبقى ذا عذر. أما إن كان لا يقدر على الربط أو منع النش فهو
معذور.
وقال الحنابلة: لا يلزمها إعادة الغسل والعصب لكل صلاة إن لم تفرط قالوا: لأن الحدث مع
قوته وغلبته لا يمكن التحرز منه.
ب_ حكم ما يسيل من دم المستحاضة على الثوب:
إذا أصاب الثوب من الدم مقدار مقعر الكف فاكثر وجب عند الحنفية غسله،
إذا كان الغسل مفيداً، بأن لا يصيبه مرة بعد أخرى، حتى لو لم تغسل وصلت لا يجوز،
وإن لم يكن مفيداً لا يجب ما دام العذر قائماً. أي إن كان لو غسلت الثوب تنجس
ثانياً قبل الفراغ من الصلاة، جاز ألا تغسله لأن في إلزامها التطهير مشقة
وحرجاً.
وعند الشافعية إذا تحفظت لم يضر خروج الدم، وإن لوث ملبوسها في تلك الصلاة
خاصة.
ولا يضر كذلك عند الحنابلة، لقولهم: إن غلب الدم وقطر بعد ذلك لم
تبطل طهارتها.
متى يلزم المستحاضة أن تغتسل:
هناك عدة أقوال في ذلك:
الأول: تغتسل عندما يحكم بانقضاء حيضها أو نفاسها. وليس عليها بعد ذلك
إلا الوضوء ويجزيها ذلك. وهذا رأي جمهور العلماء.
الثاني: أنها تغتسل لكل صلاة.
قال المالكية والحنابلة: يستحب لها أن تغتسل لكل صلاة. ويكون الأمر في الحديث
للاستحباب.
الثالث: أنها تغتسل لكل يوم غسلاً واحداً، روى هذا عن عائشة وابن عمر
وسعيد بن المسيب.
الرابع: تجمع بين كل صلاتي جمع بغسل واحد، وتغتسل
للصبح.
وضوء المستحاضة وعبادتها:
قال الشافعي: تتوضأ المستحاضة لكل فرض وتصلي ما شاءت من النوافل، ولأن اعتبار
طهارتها ضرورة لأداء المكتوبة، فلا تبقى بعد الفراغ منها.
وقال مالك في أحد قوليه: تتوضأ لكل صلاة.
فمالك عمل بمطلق اسم الصلاة، والشافعي قيده بالفرد، لأن الصلاة عن
الإطلاق تنصرف إلى الفرض، والنوافل أتباع الفرائض، لأنها شرعت لتكميل الفرائض جبراً
للنقصان المتمكن فيها، فكانت ملحقة بأجزائها، والطهارة الواقعة لصلاة مفروضة واقعة
لها بجميع أجزائها، بخلاف فرض آخر لأنه ليس بتبع، بل هو أصل
بنفسه.
والقول الثاني للمالكية: أن تجديد الوضوء لوقت كل صلاة مستحب.
وعند الحنفية والحنابلة: تتوضأ المستحاضة وأمثالها من المعذورين لوقت كل صلاة مفروضة، وتصلي به
في الوقت ما شاءت من الفرائض والنذور والنوافل والواجبات، كالوتر والعيد وصلاة
الجنازة والطواف ومس المصحف.
ولا ينتقض وضوء المستحاضة بتجدد العذر، إذا كان الوضوء في حال سيلان
الدم.
قال الحنفية: فلو توضأت مع الانقطاع ثم سال الدم انتقض
الوضوء.
ولو توضأت من حدث آخر -غير العذر- في فترة انقطاع العذر، ثم سال الدم
انتقض الوضوء أيضاً.
وكذا لو توضأت من عذر الدم، ثم أحدثت حدثاً آخر انتقض
الوضوء.
برء المستحاضة وشفاؤها:
عند الشافعية إذا انقطع دم المستحاضة انقطاعاً محققاً حصل معه برؤها وشفاؤها من
علتها، وزالت استحاضتها، نُظر:
إن حصل هذا خارج الصلاة:
أ- فإن كان بعد صلاتها، فقد مضت صلاتها صحيحة، وبطلت طهارتها فلا تستبيح
بها بعد ذلك نافلة.
ب- وإن كان ذلك قبل الصلاة بطلت طهارتها، ولم تستبح تلك الصلاة ولا
غيرها.
إما إذا حصل الانقطاع في نفس الصلاة ففيه قولان:
أحدهما: بطلان طهارتها وصلاتها.
والثاني: لا تبطل كالتيمم.
والراجح الأول.
وإذا تطهرت المستحاضة وصلّت فلا إعادة عليها.
ولا يتصور هذا التفصيل عند الحنفية، لأنهم يعتبرونها معذورة لوجود العذر
في الوقت ولو لحظة كما سبق. ولا يتصور هذا عند المالكية أيضاً، لأنها طاهر
حقيقة.
أما الحنابلة فعندهم تفصيل. قالوا: إن كان لها عادة بالانقطاع زمناً يتسع للوضوء
والصلاة تعين فعلها فيه. وإن عرض هذا الانقطاع لمن عادتها الاتصال بطلت طهارتها
ولزم استئنافها. فإن وجد الانقطاع قبل الدخول في الصلاة لم يجز الشروع فيها. وإن
عرض الانقطاع في أثناء الصلاة أبطلها مع الوضوء. ومجرد الانقطاع يوجب الانصراف إلا
أن يكون لها عادة بانقطاع يسير. ولو توضأ ثم برئت بطل وضوؤها إن وجد منها دم بعد
الوضوء.
0 التعليقات:
إرسال تعليق