الحياة البرزخية
أ- السؤال في القبر:
مما يجب الإيمان به سؤال القبر، قال الله تعالى: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} [إبراهيم: 27].
أمَّا تثبيت الذين آمنوا في الحياة الدنيا مما يصيبهم من الوساوس والشبهات الشيطانية من قبل الإنس والجن وحفظهم من الزيغ والميل إلى الضلال.
وأما تثبيتهم في الآخرة فذاك حين يُسألون في قبورهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المسلم إذا سئل في القبر شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فذلك قوله تعالى: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة}. متفق عليه.
ب- عذاب القبر ونعيمه:
ومما يجب الإيمان به نعيم القبر وعذابه. قال الله تعالى: {وحاق(2) بآل فرعون سوء العذاب* النار يعرضون عليها غدواً وعشياً(3) ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون اشدَّ العذاب} [غافر: 45، 46].
والمعنى: أن قوم فرعون بعدما أحاط بهم سوء العذاب وهو الغرق في البحر انتقلوا بعد موتهم إلى عذاب البرزخ فهم يعرضون على النار صباحاً ومساءً يمسهم عذابها ويلفحهم لهبها وشظاها إلى أن تقوم الساعة فحينئذ يقول الله تعالى: {أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} وهو الشويُّ في جهنم وإذاقتهم ألوان العذاب الشديد الأليم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن العبد إذا وضع في قبره، وتولى عنه أصحابه، فإنه يسمع قرعَ نعالهم، أتاه ملكان، فيقعدانه فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد -
(1) هي الحياة التي تفصل بين الحياة الدنيا والحياة الأخرى وهي حياة الانتظار ليوم القيامة.
(2) أحاط.
(3) صباحاً ومساءً.
صلى الله عليه وسلم - فأمَّا المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال له: انظر إلى مقعدك في النار، قد أبدلك الله به مقعداً في الجنة فيراهما جميعاً، فيفسح له في قبره.
وأما المنافق أو الكافر، فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل، فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس، فيقال له: لادريت ولا تليت ويضرب بمطارق من حديد ضربة، فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين". متفق عليه.
وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حائط(1) لبني النجار على بغلة له، ونحن معه إذ حادت(2) فكادت تلقيه وإذا أقبر ستة أو خمسة. فقال صلى الله عليه وسلم من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟ فقال رجل: أنا، فقال صلى الله عليه وسلم: متى ماتوا؟ قال: في الشرك(3). فقال صلى الله عليه وسلم: إن هذه الأمة تبتلى في قبورها فلولا أن لا تدافنوا(4) لدعوتُ الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه، ثم أقبل علينا بوجهه صلى الله عليه وسلم فقال: تعوَّذوا بالله من عذاب النار. قالوا: نعوذ بالله من عذاب النار. قال: تعوذوا من عذاب القبر. فقالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر. قال: تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن. قالوا: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، قال: تعوذوا بالله من فتنة الدجَّال، قالوا: نعوذ بالله من فتنة الدجال. رواه مسلم
وورد في أحاديث كثيرة تدل على أن العصاة الذين لم يتوبوا قبل موتهم يعذبون في القبر بمعاصيهم على اختلاف أنواعها.
فمن ذلك عذاب النمَّام(5)، والغيَّاب(6)، والذي لم يستتر ولم يتوقَّ من بوله من النجاسة.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال: "إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير(7)، أمَّا هذا فكان لا يستتر(8) من بوله، وأما هذا فكان يمشي بالنميمة ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعسيب رطب فشقه باثنين فغرس على هذا واحداً وعلى هذا واحداً ثم قال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا". متفق عليه واللفظ للبخاري
(1) بستان.
(2) مالت.
(3) ماتوا مشركين.
(4) يعني أنه لوكشف لكم عن عذاب أهل القبور، وسمعتم ذلك لفزعتم وخفتم حتى إنكم تتركون دفن بعضكم من شدة الهلع والخوف، فلولا مخافة عدم التدافن إذا كشفت لكم لدعوت الله أن يكشف، فيسمعكم عذاب أهل القبور.
(5) وهو الذي يُفسد بين الناس.
(6) الذي يغتاب فيذكر أخاه بما يكره.
(7) أي وما يعذبان في ذنب كبير عند الناس ولكنه عند الله كبير، وهذا نظير قوله تعالى: {وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم} [النور:15]
وقال عليه الصلاة والسلام: "القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حُفر النار". رواه الترمذي والطبراني
فالقبر بالنسبة للمؤمن روضة من رياض الجنة يرتاض فيها على حسب إيمانه وعمله، والقبر حفرة من حفر النار بالنسبة للكفار والمصرين على معاصيهم ولم يتوبوا عنها.
ج- تعوذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عذاب القبر وأمره بذلك:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من عذاب القبر في آخر صلاته، وفي ذلك تعليم لأمته صلى الله عليه وسلم وإرشاد لهم أن يتعوذوا بالله من عذاب القبر في أقرب أحوالهم إلى ربهم، وهذا في الصلاة التي هي صلة بين العبد وربه وماذاك إلا لفظاعة عذاب القبر وشدة هوله وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو في الصلاة يقول: "اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجَّال، وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات، اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم". رواه البخاري ومسلم
وكان صلى الله عليه وسلم يقول في دبر(1) الصلاة: "اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر". رواه الترمذي
0 التعليقات:
إرسال تعليق