التسميات

الموسيقى الصامتة

Our sponsors

14‏/12‏/2014

في أدب العلاقات



الفصل الثاني في أدب العلاقات

      الفقرة الأولى: في حقوق المسلم
      الفقرة الثانية: في حقوق الوالدين والولد
      الفقرة الثالثة: في حقوق الأقارب والرحم
      الفقرة الرابعة: في حقوق الجوار
      الفقرة الخامسة: في أدب العلاقة الزوجية
      الفقرة السادسة: في أدب العلاقات الأخوية
      الفقرة السابعة: في جملة آداب العشرة والمجالسة مع أصناف الخلق.

الفقرة الأولى: في حقوق المسلم 
        قال الغزالي رحمه الله:
        هي: أن تسلم عليه إذا لقيته، وتجيبه إذا دعاك، وتشمته إذا عطس، وتعوده إذا مرض،وتشهد جنازته إذا مات، وتبر قسمه إذا أقسم عليك، وتنصح له إذا استنصحك، وتحفظه بظهر الغيب إذا غاب عنك، وتحب له ما تحب لنفسك وتكره له ما تكره لنفسك، ورد جميع ذلك في أخبار وآثار، ومن الحقوق ما ذكره ابن عباس رضي الله عنهما في معنى قوله تعالى: {رحماء بينهم} قال: يدعو صالحهم لطالحهم وطالحهم لصالحهم، فإذا نظر الطالح إلى الصالح من أمة محمد صلى الله عليه وسلم قال: اللهم بارك له فيما قسمت له من الخير وثبته عليه وانفعنا به، وإذا نظر الصالح إلى الطالح قال: اللهم اهده وتب عليه واغفر له عثرته.
        ومنها أن يحب للمؤمنين ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه قال النعمان بن بشير: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى سائر الجسد بالسهر والحمى " [متفق عليه] وروى أبو موسى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً". [متفق عليه].
        ومنها أن لا يؤذي أحداً من المسلمين بفعل ولا قول؟ قال صلى الله عليه وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده". [متفق عليه] وقال صلى الله عليه وسلم في حديث طويل يأمر فيه بالفضائل: "فإن لم تقدر فدع الناس من الشر فإنها صدقة تصدقت بها على نفسك". [متفق عليه] وقال أيضاً: "أفضل المسلمين من سلم المسلمون من لسانه ويده". [متفق عليه].

الفقرة الثانية: في حقوق الوالدين والولد
        لا يخفى أنه إذا تأكد حق القرابة والرحم فأخص الأرحام وأمسها الولادة، فيتضاعف تأكد الحق فيها. وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لن يجزي ولد والده حتى يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه". [أخرجه مسلم].
        وقال عليه الصلاة والسلام: "كل غلام رهين أو رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم السابع ويحلق رأسه". [أخرجه أصحاب السنن. قال الترمذي حسن صحيح].
        ويستحب الرفق بالولد: رأى الأقرع بن حابس النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقبل ولده الحسن، فقال: إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحداً منهم! فقال عليه الصلاة والسلام: "إن من لا يرحم لا يرحم". [أخرجه البخاري].

الفقرة الثالثة: في حقوق الأقارب والرحم
        قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى أنا الرحمن وهذه الرحم شققت لها اسماً من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته". [متفق عليه] وقال صلى الله عليه وسلم: "من سره أن ينسأ له في أثره ويوسّع عليه في رزقه فليصل رحمه". [متفق عليه] وفي رواية أخرى "من سره أن يمد له في عمره ويوسع له في رزقه فليتق الله وليصل رحمه".
        وقالت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قدمت عليّ أمي، فقلت: يا رسول الله، إنّ أمي قدمت علي وهي مشركة أفأصلها؟ قال: نعم".

الفقرة الرابعة: في حقوق الجوار 
        اعلم أن الجوار يقتضي حقاً وراء ما تقتضيه أخوة الإِسلام. فيستحق الجار المسلم ما يستحقه كل مسلم وزيادة وقد قال صلى الله عليه وسلم: "أحسن مجاورة من جاورك تكن مسلماً". [متفق عليه] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه". [متفق عليه] وقال صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره". [متفق عليه] وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن عبد حتى يأمن جاره بوائقه". [أخرجه البخاري].

الفقرة الخامسة: في آداب العلاقات الزوجية
        أما الزوج فعليه مراعاة الاعتدال والأدب في اثني عشر أمراً: في الوليمة، والمعاشرة، والدعابة، والسياسة، والغيرة، والنفقة، والتعليم، والقسم، والتأديب في النشوز، والوقاع، والولادة، والمفارقة بالطلاق.
        الأدب الأوّل، الوليمة أي عند الزواج، وهي مستحبة، قال أنس رضي الله عنه: "رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم على عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أثر صفرة فقال: "ما هذا". قال: تزوّجت امرأة على وزن نواة من ذهب. فقال: "بارك الله لك أولم ولو بشاة" "وأولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفية بتمر وسويق". [أخرجه الأربعة].
        الأدب الثاني: حسن الخلق معهن واحتمال الأذى منهن ترحماً عليهن قال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] وقال في تعظيم حقهن {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: 21].
        الثالث: أن يزيد على احتمال الأذى بالمداعبة والمزاح والملاعبة، فهي التي تطيب قلوب النساء، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزح معهن وينزل إلى درجات عقولهن في الأعمال والأخلاق، حتى روي أنه صلى الله عليه وسلم كان يسابق عائشة في العدو فسبقته يوماً، وسبقها في بعض الأيام، فقال عليه الصلاة السلام: "هذه بتلك" [رواه الثلاثة إلا الترمذي].
        الرابع: أن لا يتبسط في الدعابة وحسن الخلق والموافقة باتباع هواها إلى حد يفسد خلقها ويسقط بالكلية هيبته عندها، بل يراعي الاعتدال فيه فلا يدع الهيبة والانقباض مهما رأى منكراً ولا يفتح باب المساعدة على المنكرات البتة، بل مهما رأى ما يخالف الشرع والمروءة تنمر وامتعض، لأنه إذا أطاعها في هواها فهو عبدها فقد عكس الأمر وقلب القضية وأطاع الشيطان.
        الخامس: الاعتدال في الغيرة: وهو أن لا يتغافل عن مبادئ الأمور التي تخشى غوائلها، ولا يبالغ في إساءة الظن والتعنت وتجسس البواطن قال صلى الله عليه وسلم: "إن من الغيرة غيرة يبغضها الله عز وجل وهي غيرة الرجل على اهله من غير ريبة" [أخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان] لأن ذلك من سوء الظن الذي نهينا عنه، فإن بعض الظن إثم.
        السادس: الاعتدال في النفقة فلا ينبغي أن يقتر عليهن في الإِنفاق، ولا ينبغي أن يسرف، بل يقتصد. قال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا} [الأعراف: 31] وقال تعالى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [الإسراء: 29] وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله" [أخرجه الترمذي] وقال صلى الله عليه وسلم: "دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك. أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك".
        السابع: أن يتعلم المتزوج من علم الحيض وأحكامه ما يحترز به الاحتراز الواجب، ويعلم زوجته أحكام الصلاة وما تقضي منها في الحيض وما لا يقضى، فإنه أمر بأن يقيها النار بقوله تعالى: {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6] فعليه أن يلقنها اعتقاد أهل السنة ويزيل عن قلبها كل بدعة إن استمعت إليها، ويخوفها في الله إن تساهلت في أمر الدين، ويعلمها من أحكام الحيض والاستحاضة ما تحتاج إليه.
        الثامن: إذا كان له نسوة فينبغي أن يعدل بينهن ولا يميل إلى بعضهن، فإن خرج إلى سفر وأراد استصحاب واحدة أقرع بينهن، كذلك كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم. [متفق عليه] فإن ظلم امرأة بليلتها قضى لها، فإن القضاء واجب عليه، وعند ذلك يحتاج إلى معرفة أحكام القسم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما دون الأخرى - وفي لفظ - ولم يعدل بينهما، جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل". [أخرجه الأربعة].
        التاسع: في النشوز ومهما وقع بينهما خصام ولم يلتئم أمرهما: فإن كان من جانبهما جميعاً أو من الرجل فلا تطيع الزوجة زوجها ولا يقدر على إصلاحها فلا بد من حكمين: أحدهما من أهله والآخر من أهلها لينظرا بينهما ويصلحا أمرهما: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: 35] وقد بعث عمر رضي الله عنه حكماً إلى زوجين، فعاد ولم يصلح أمرهما فعلاه بالدرة وقال: إن الله تعالى يقول: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} فعاد الرجل وأحسن النية وتلطف بهما فاصلح بينهما. وإما إذا كان النشوز من المرأة خاصة فالرجال قوامون على النساء، فله أن يؤدبها ويحملها على الطاعة قهراً، وكذلك إذا كانت تاركة للصلاة فله حملها على الصلاة قهراً، ولكن ينبغي أن يتدرج في تأديبها: وهو أن يقدم أولاً الوعظ والتحذير والتخويف، فإن لم ينجح ولاها ظهره في المضجع أو انفرد عنها بالفراش وهجرها وهو في البيت معها من ليلة إلى ثلاث ليال.
        العاشر: في آداب الجماع. ويستحب أن يبدأ باسم الله تعالى قال عليه الصلاة والسلام: "لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا. فإن كان بينهما ولد لم يضره الشيطان". [متفق عليه]. ثم ينحرف عن القبلة ولا يستقبل القبلة بالوقاع إكراماً للقبلة، وليغط نفسه وأهله بثوب وليقدم التلطف بالكلام والتقبيل ومن العلماء من استحب الجماع يوم الجمعة وليلته تحقيقاً لأحد التأويلين من قوله صلى الله عليه وسلم: "رحم الله من غسل واغتسل" [أخرجه الأربعة] الحديث. ثم إذا قضى وطره فليتمهل على أهله حتى تقضي هي أيضاً نهمتها، فإن إنزالها ربما يتأخر فتهيج شهوتها، ثم القعود عنها إيذاء لها، والاختلاف في طبع الإِنزال يوجب التنافر مهما كان الزوج سابقاً إلى الإِنزال، والتوافق في وقت الإِنزال ألذ عندها ليشتغل الرجل بنفسه عنها، فإنها ربما تستحيي. وينبغي أن يأتيها في كل أربع ليال مرة فهو أعدل، إذ عدد النساء أربعة فجاز التأخير إلى هذا الحد، نعم ينبغي أن يزيد أو ينقص بحسب حاجتها في التحصين، فإن تحصينها واجب عليه، وإن كان لا تثبت المطالبة بالوطء فذلك لعسر المطالبة والوفاء بها، ولا يأتيها في المحيض.
        الحادي عشر: في آداب الولادة وهي خمسة:
        )الأول): أن لا يكثر فرحه بالذكر وحزنه بالأنثى، فإنه لا يدري الخيرة له في أيهما.
        )الأدب الثاني): أن يؤذن في أذن الولد ويستحب أن يلقنوه أوّل انطلاق لسانه لا إله إلا الله، ليكون أوّل حديثه.
        )الأدب الثالث): أن يسميه اسماً حسناً، فذلك من حق الولد، وقال عليه الصلاة والسلام: "أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن". [أخرجه مسلم].
        )الأدب الرابع): العقيقة عن الذكر بشاتين، وعن الأنثى بشاة ذكراً كان أو أنثى. وروت عائشة رضي الله عنها: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر في الغلام أن يعق بشاتين مكافئتين، وفي الجارية بشاة. [أخرجه الترمذي].
        )الأدب الخامس): أن يحنكه بتمرة أو حلاوة. وروي عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: "ولدت عبد الله بن الزبير بقباء، ثم أتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعته في حجره ثم دعا بتمرة مضغها ثم تفل في فيه". [متفق عليه].
        الثاني عشر: في الطلاق، وليعلم أنه مباح، ولكنه أبغض المباحات إلى الله تعالى، وإنما يكون مباحاً إذا لم يكن فيه إيذاء بالباطل، ومهما طلقها فقد آذاها، ولا يباح إيذاء الغير إلا بجناية من جانبها أو بضرورة من جانبه، قال الله تعالى: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا} [النساء: 34] أي لا تطلبوا حيلة للفراق.

النظر في حقوق الزوج عليها
        فعليها طاعة الزوج مطلقاً في كل ما طلب منها في نفسها مما لا معصية فيه، وقد ورد في تعظيم حق الزوج عليها أخبار كثيرة. وقال صلى الله عليه وسلم: "اطلعت في النار فإذا أكثر أهلها النساء، فقلن: لم يا رسول الله؟ قال: يكثرن اللعن ويكفرن العشير. [متفق عليه]. يعني الزوج المعاشر.
        والآخر: وعليها ترك المطالبة بما وراء الحاجة، والتعفف عن كسبه إذا كان حراماً، وهكذا كانت عادة النساء في السلف: كان الرجل إذا خرج من منزله تقول له امرأته أو ابنته: إياك وكسب الحرام فإنا نصبر على الجوع والضر ولا نصبر على النار. ومن الواجبات عليها: أن لا تفرّط في ماله بل تحفظه عليه.

الفقرة السادسة: في أدب العلاقات الأخوية
 فضيلة الألفة والأخوة
        اعلم أنّ الألفة ثمرة حسن الخلق، والتفرّق ثمرة سوء الخلق. فحسن الخلق يوجب التحاب والتآلف والتوافق وسوء الخلق يثمر التباغض والتحاسد والتدابر، ومهما كان المثمر محموداً كانت الثمرة محمودة. وحسن الخلق لا تخفى في الدين فضيلته وهو الذي مدح الله سبحانه به نبيه عليه السلام إذ قال: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق". [أخرجه الترمذي والحاكم وقال صحيح الإِسناد] وقال أسامة بن شريك: قلنا يا رسول الله: ما خير ما أعطي الإِنسان؟فقال: خلق حسن. [أخرجه ابن ماجه بإسناد صحيح] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "بعثت لأتمم محاسن الأخلاق" [أخرجه أحمد والبيهقي والحاكم وصححه] وقال صلى الله عليه وسلم: "أثقل ما يوضع في الميزان خلق حسن". [رواه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح].

في حقوق الأخوة والصحبة
        اعلم أن عقد الأخوة رابطة بين الشخصين كعقد النكاح بين الزوجين، وكما يقتضي النكاح حقوقاً يجب الوفاء بها قياماً بحق النكاح فكذا عقد الأخوة، فلأخيك عليك حق في المال والنفس وفي اللسان والقلب. بالعفو والدعاء وبالإِخلاص والوفاء وبالتخفيف وترك التكلف والتكليف وذلك يجمعه ثمانية حقوق:
       
الحق الأول: في المال
        الأخوان إنما تتم أخوّتهما إذا ترافقا في مقصد واحد فهما من وجه كالشخص الواحد، وهذا يقتضي المساهمة في السراء والضراء والمشاركة في المآل والحال وارتفاع الاختصاص والاستئثار. والمواساة بالمال مع الأخوة على ثلاث مراتب.
        أدناها: أن تُنزله منزلة عبدك أو خادمك فتقوم بحاجته من فضلة مالك، فإذا سنحت له حاجة وكانت عندك فضلة عن حاجتك أعطيته ابتداء ولم تحوجه إلى السؤال فإن أحوجته إلى السؤال فهو غاية التقصير في حق الأخوة.
        الثانية: أن تنزله منزلة نفسك وترضى بمشاركته إياك في مالك ونزوله منزلتك حتى تسمح بمشاطرته في المال قال الحسن: كان أحدهم يشق ازاره بينه وبين أخيه.
        الثالثة: وهي العليا أن تؤثره على نفسك وتقدّم حاجته على حاجتك وهذه رتبة الصدّيقين ومنتهى درجات المتحابين ومن ثمار هذه الرتبة الإِيثار بالنفس أيضاً.

الحق الثاني: في الإِعانة بالنفس في قضاء الحاجات
والقيام بها قبل السؤال وتقديمها على الحاجات الخاصة
        وهذه أيضاً لها درجات كما للمواساة بالمال فأدناها القيام بالحاجة عند السؤال والقدرة ولكن مع البشاشة والاستبشار وإظهار الفرح وقبول المنة.

الحق الثالث: في اللسان بالسكوت
        أما السكوت فهو أن يسكت عن ذكر عيوبه في غيبته وحضرته بل يتجاهل عنه ويسكت عن الرد عليه فيما يتكلم به ولا يماريه ولا يناقشه وأن يسكت عن التجسس والسؤال عن أحواله، وإذا رآه في طريق أو حاجة لم يفاتحه بذكر غرضه من مصدره ومورده ولا يسأله عنه فربما يثقل عليه ذكره أو يحتاج إلى أن يكذب فيه، وليسكت عن أسراره التي بثها إليه ولا يبثها إلى غيره البتة ولا إلى أخص أصدقائه ولا يكشف شيئاً منها ولو بعد القطيعة والوحشة، فإن ذلك من لؤم الطبع وخبث الباطن، وأن يسكت عن القدح في أحبابه وأهله وولده، وأن يسكت عن حكاية قدح غيره فيه، فإن الذي سبك من بلغك.

الحق الرابع: على اللسان بالنطق
        فإن الأخوة كما تقتضي السكوت عن المكاره تقتضي أيضاً النطق بالمحاب بل هو أخص بالأخوة لأن من قنع بالسكوت صحب أهل القبور، وإنما يراد الإِخوان ليستفاد منهم لا ليتخلص من أذاهم، والسكوت معناه كفّ الأذى فعليه أن يتودد إليه بلسانه ويتفقده في أحواله التي يحب أن يتفقد فيها كالسؤال عن عارض إن عرض وإظهار شغل القلب بسببه واستبطاء العافية عنه، وكذا جملة أحواله التي يكرهها ينبغي أن يظهر بلسانه وأفعاله كراهتها، وجملة أحواله التي يسر بها ينبغي أن يظهر بلسانه مشاركته له في السرور بها. فمعنى الأخوة المساهمة في السراء والضراء وقد قال عليه الصلاة والسلام: "إذا أحب أحدكم أخاه فليخبره" [أخرجه أبو داود والترمذي]. وإنما أمر بالإِخبار لأن ذلك يوجب زيادة حب فإن عرف أنك تحبه أحبك بالطبع لا محالة، فإذا عرفت أنه أيضاً يحبك زاد حبك لا محالة فلا يزال الحب يتزايد من الجانبين ويتضاعف.

الحق الخامس: العفو عن الزلات والهفوات
        وهفوة الصديق لا تخلو إما أن تكون في دينه بارتكاب معصية أو في حقك بتقصيره في الأخوة. أما ما يكون في الدين من ارتكاب معصية والإِصرار عليها فعليك التلطف في نصحه بما يقوم أوده ويجمع شمله ويعيد إلى الصلاح والورع حاله. فإن لم تقدر وبقي مصراً فقد اختلفت طرق الصحابة والتابعين في إدامة حق مودته أو مقاطعته. فذهب أبو ذرّ رضي الله عنه إلى الانقطاع وقال: إذا انقلب أخوك عما كان عليه فأبغضه من حيث أحببته، ورأى ذلك من مقتضى الحب في الله والبغض في الله. وأما أبو الدرداء وجماعة من الصحابة فذهبوا إلى خلافه، فقال أبو الدرداء: إذا تغير أخوك وحال عما كان عليه فلا تدعه لأجل ذلك فإن أخاك يعوج مرة ويستقيم أخرى. وقال إبراهيم النخعي: لا تقطع أخاك ولا تهجره عند الذنب يذنبه فإنه يرتكبه اليوم ويتركه غداً. وقال أيضاً: لا تحدّثوا الناس بزلة العالم فإن العالم يزل الزلة ثم يتركها.

الحق السادس: الدعاء للأخ
        الدعاء للأخ في حياته وبعد مماته بكل ما يحبه لنفسه ولأهله وكل متعلق به، فتدعو له كما تدعو لنفسك ولا تفرق بين نفسك وبينه، فإن دعاءك له دعاء لنفسك على التحقيق، فقد قال صلى الله عليه وسلم "إذا دعا الرجل لأخيه في ظهر الغيب قال الملك: ولك مثل ذلك" [أخرجه مسلم] وفي الحديث دعوة الرجل لأخيه في ظهر الغيب مستجابة [أخرجه مسلم].

الحق السابع: الوفاء والإِخلاص 
        ومعنى الوفاء: الثبات على الحب وإدامته إلى الموت معه وبعد الموت مع أولاده وأصدقائه، فإن الحب إنما يرادُ للآخرة، فإن انقطع قبل الموت حبط العمل وضاع السعي، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: "في السبعة الذين يظلهم الله في ظله: ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه. [متفق عليه].

الحق الثامن: التخفيف وترك التكلف والتكليف
        وذلك بأن لا يكلف أخاه ما يشق عليه بل يروّح سره من مهماته وحاجاته ويرفهه عن أن يحمله شيئاً من أعبائه، فلا يستمدّ منه جاه ومال ولا يكلفه التواضع له والتفقد لأحواله والقيام بحقوقه بل لا يقصد بمحبته إلا الله تعالى تبركاً بدعائه واستئناساً بلقائه واستعانة به على دينه وتقرباً إلى الله تعالى بالقيام بحقوقه وتحمّل مؤنته.

الفقرة السابعة في: جملة آداب العشرة والمجالسة مع
أصناف الخلق
        إن أردت حسن العشرة فالق صديقك وعدوّك بوجه الرضا من غير ذلة لهم ولا هيبة منهم، وتوقير من غير كبر، وتواضع في غير مذلة. وكن في جميع أمورك في أوسطها فكلا طرفي قصد الأمور ذميم. ولا تنظر في عطفيك ولا تكثر الالتفات ولا تقف على الجماعات وإذا جلست فلا تستوفز وتحفظ من تشبيك أصابعك والعبث بلحيتك وخاتمك وتخليل أسنانك وإدخال أصبعك في أنفك وكثرة بصاقك وتنخمك وطرد الذباب من وجهك وكثرة التمطي والتثاؤب في وجوه الناس في الصلاة وغيرها.
        وليكن مجلسك هادياً وحديثك منظوماً مرتباً واصغ إلى الكلام الحسن ممّن حدّثك من غير إظهار تعجب مفرط ولا تسأله إعادته، واسكت عن المضاحك والحكايات ولا تحدث عن إعجابك بولدك ولا جاريتك ولا شعرك ولا تصنيفك وسائر ما يخصك، ولا تتصنع تصنع المرأة في التزين ولا تتبذل وتوق كثرة الكحل والإِسراف في الدهن، ولا تلح في الحاجات ولا تشجع أحداً على الظلم ولا تعلم أهلك فضلاً عن غيرهم مقدار مالك فإنهم إن رأوه قليلاً هنت عندهم وإن كان كثيراً لم تبلغ قط رضاهم، وخوفهم من غير عنف ولن لهم من غير ضعف ولا تهازل أمتك ولا عبدك فيسقط وقارك.
        وإذا خاصمت فتوقر وتحفظ من جهلك وتجنب عجلتك وتفكر في حجتك ولا تكثر الإِشارة بيديك ولا تكثر الالتفات إلى من وراءك لا تجث على ركبتيك، وإذا هدأ غيظك فتكلم وإن قربّك سلطان فكن منه على مثل حد السنان فإن استرسل إليك فلا تأمن انقلابه عليك وارفق به رفقك بالصبي وكلمه بما يشتهيه ما لم يكن معصية، ولا يحملنك لطفه بك أن تدخل بينه وبين أهله وولده وحشمه وإن كنت لذلك مستحقاً عنده فإِنَّ سقطة الداخل بين المالك وبين أهله سقطة لا تنعش وزلة لا تقال.
        وإياك وصديق العافية فإنه أعدى الأعداء ولا تجعل مالك أكرم من عرضك، وإذا دخلت مجلساً فالأدب فيه البداية بالتسليم وترك التخطي لمن سبق والجلوس حيث اتسع وحيث يكون أقرب إلى التواضع، وأن تحيّي بالسلام من قرب منك عند الجلوس.
        ولا تجلس على طريق، فإن جلست فأدبه غض البصر ونصرة المظلوم وإغاثة الملهوف وعون الضعيف وإرشاد الضال ورد السلام وإعطاء السائل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والارتياد لموضع البصاق، ولا تبصق في جهة القبلة ولا عن يمينك ولكن عن يسارك وتحت قدمك اليسرى.

       
فإن جالست الملوك:
        فأدبه ترك الغيبة ومجانبة الكذب وصيانة السر وقلة الحوائج وتهذيب الألفاظ والإِعراب في الخطاب، والمذاكرة بأخلاق الملوك وقلة المداعبة وكثرة الحذر منهم - وإن ظهرت لك المودة - وأن لا تتجشأ بحضرتهم ولا تتخلل بعد الأكل عندهم، وعلى الملك أن يحتمل كل شيء إلا إفشاء السر والقدح في الملك والتعرض للحرم.

        وإن جالست العامة:
        فأدبه ترك الخوض في حديثهم وقلة الإِصغاء إلى أراجيفهم والتغافل عما يجري من سوء ألفاظهم وقلة اللقاء لهم مع الحاجة إليهم. وإياك أنّ تمازح لبيباً أو غير لبيب فإنّ اللبيب يحقد عليك والسفيه يجترئ عليك لأن المزاح يخرق الهيبة ويسقط ماء الوجه ويعقب الحقد ويذهب بحلاوة الود ويشين فقه الفقيه ويجرّئ السفيه ويسقط المنزلة عند الحكيم ويمقته المتقون، وهو يميت القلب ويباعد عن الربّ تعالى ويكسب الغفلة ويورث الذلّة وبه تظلم السرائر وتموت الخواطر وبه تكثر العيوب وتبين الذنوب وقد قيل: لا يكون المزاح إلا من سخف أو بطر. ومن بلي في مجلس بمزاح أو لغط فليذكر الله عند قيامه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك". [أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة وصححه].



0 التعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة الموضوع

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More