مكاتبة
الملوك والأمراءالنشاط في مجال الدعوة و مكاتبة
الملوك والأمراء
- الكتاب إلى النجاشي ملك الحبشة
- الكتاب إلى المقوقس ملك مصرد
- الكتاب إلى كسرى ملك فارس
- الكتاب إلى قيصر ملك الروم
- الكتاب إلى المنذر بن ساوى
- الكتاب إلى هوذة بن على صاحب اليمامة
- الكتاب إلى الحارث بن أبي شمر الغساني صاحب دمشق
- الكتاب إلى ملك عمان
- النشاط العسكري بعد صلح الحديبية
- غزو الغابة أو غزوة ذي قرد
- غزوة خيبر ووادي القرى
- سبب الغزوة
- الخروج إلى خيبر
- عدد الجيش الإسلامي
- اتصال المنافقين باليهود
- الطريق إلى خيبر
- بعض ما وقع في الطريق
- الجيش الإسلامي إلى أسوار خيبر
- التهيؤ للقتال وحصون خيبر
- بدء المعركة وفتح حصن ناعم
- فتح حصن الصعب بن معاذ
- فتح قلعة الزبير
- فتح قلعة أبى
- فتح حصن النزار
- فتح الشطر الثاني من خيبر
- المفاوضة
- قتل ابني أبي الحقيق لنقض المعاهدة
- قسمة الغنائم
- قدوم جعفر بن أبي طالب والأشعريين
- الزواج بصفية
- أمر الشاة المسموة
- قتلى الفريقين في معارك خيبر
- فدك
- وادي القرى
- تيماء
- العودة إلى المدينة
- سرية أبان بن سعيد
إن هدنة الحديبية كانت بداية طور جديد في حياة الإسلام
والمسلمين، فقد كانت قريش أقوى قوة وأعندها وألدها في عداء الإسلام، وبانسحابها عن
ميدان الحرب إلى رحاب الأمن والسلام انكسر أقوى جناح من أجنحة الأحزاب الثلاثة قريش
وغطفان واليهود ولما كانت قريش ممثلة للوثنية وزعيمتها في ربوع جزيرة العرب انخفضت
حدة مشاعر الوثنيين، وانهارت نزعاتها العدائية إلى حد كبير ولذلك لا نرى لغطفان
استفزازاً كبيراً بعد هذه الهدنة، وجل ما جاء منهم إنما جاء من قبل إغراء
اليهود.
أما اليهود فقد كانوا جعلوا خيبر بعد جلائهم عن يثرب وكراً
للدس والتآمر كانت شياطينهم تبيض هناك وتفرخ، وتؤجج نار الفتنة، وتغري الأعراب
الضاربة حول المدينة، وتبيت للقضاء على النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، أو
لإلحاق الخسائر الفادحة بهم. ولذلك كان أول إقدام حاسم من النبي صلى الله عليه وسلم
بعد الهدنة هو شن الحرب الفاصلة على هذا الوكر.
ولكن هذه المرحلة التي بدأت بعد الهدنة أعطت للمسلمين فرصة
كبيرة، لنشر الدعوة الإسلامية وإبلاغها، وقد تضاعف نشاط المسلمين في هذا المجال،
وبرز نشاطهم في هذا الوجه على نشاطهم العسكري. ولذلك نرى أن نقسم هذه المرحلة على
قسمين:
- النشاط في مجال الدعوة، أو مكاتبة الملوك والأمراء.
- النشاط العسكري.
وقبل أن نتابع النشاط العسكري في هذه المرحلة، نتناول موضوع
مكاتبة الملوك والأمراء إذ الدعوة الإسلامية هي المقدمة طبعاً، بل ذلك هو الهدف
الذي عانى له المسلمون ما عانوه من المصائب والآلام، والحروب والفتن، والقلاقل
والاضطرابات.
في أواخر السنة السادسة حين رجع رسول اللَّه صلى الله عليه
وسلم من الحديبية كتب إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام.
ولما أراد أن يكتب إلى هؤلاء الملوك قيل له إنهم لا يقبلون
إلا وعليه خاتم، فاتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتماً من فضة، نقشه محمد رسول
اللَّه، وكان هذا النقش ثلاثة أسطر محمد سطر، رسول سطر، واللَّه سطر، هكذا
محمد
رسول
اللَّه
واختار من أصحابه رسلاً لهم معرفة وخبرة، وأرسلهم إلى
الملوك، وقد جزم العلامة المنصور فوري أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل هؤلاء
الرسل غرة المحرم سنة سبع من الهجرة قبل الخروج إلى خيبر بأيام. وفيما يلي نصوص هذه
الكتب، وبعض ما تمخضت عنه.
وهذا النجاشي اسمه أصحمة بن الأبجر، كتب إليه النبي صلى
الله عليه وسلم مع عمرو بن أمية الضمري في آخر سنة ست أو في المحرم سنة سبع من
الهجرة. وقد ذكر الطبري نص الكتاب، ولكن النظر الدقيق في ذلك النص، يفيد أنه ليس
بنص الكتاب الذي كتبه صلى الله عليه وسلم بعد الحديبية،بل لعله نص كتاب بعثه مع
جعفر حين خرج هو وأصحابه مهاجرين إلى الحبشة في العهد المكي، فقد ورد في آخر الكتاب
ذكر هؤلاء المهاجرين بهذا اللفظ وقد بعثت إليك ابن عمي جعفراً ومعه نفر من
المسلمين، فإذا جاءك فأقرهم ودع التجبر.
وروي البيهقي عن ابن إسحاق نص كتاب كتبه النبي صلى الله
عليه وسلم إلى النجاشي وهو هذا هذا كتاب من محمد النبي إلى النجاشي الأصحم عظيم
الحبشة، سلام على من اتبع الهدى، وآمن باللَّه ورسوله، وأشهد أن لا إله اللَّه وحده
لا شريك له، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، وأن محمداً عبده ورسوله، وأدعوك بدعاية
الإسلام، فإني أنا رسوله فأسلم تسلم، يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا
وبينكم أن لا نعبد إلا اللَّه ولا نشرك به شيئاً، ولا يتخذ بعضنا بعضا أرباباً من
دون اللَّه فإن تولوا فقولوا أشهدوا بأنا مسلمون، فإن أبيت فإن عليك إثم النصارى من
قومك.
وقد أورد المحقق الكبير الدكتور حميد اللَّه نص كتاب قد عثر
عليه في الماضي القريب كما أورده ابن القيم مع الاختلاف في كلمة فقط وبذل الدكتور
في تحقيق ذلك النص جهداً بليغاً واستعان في ذلك كثيراً باكتشافات العصر الحديث،
وأورد صورته في الكتاب وهو هكذا.
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
"من
محمد رسول اللَّه إلى النجاشي عظيم الحبشة، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإني
أحمد إليك اللَّه الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن، وأشهد أن
عيسى ابن مريم روح اللَّه وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة فحملت
بعيسى من روحه ونفخه، كما خلق آدم بيده، وإني أدعو إلى اللَّه وحده لا شريك له،
والموالاة على طاعته، وأن تتبعني. وتؤمن بالذي جاءني فإني رسول اللَّه صلى الله
عليه وسلم . وإني أدعوك وجنودك إلى اللَّه عز وجل، وقد بلغت ونصحت، فاقبل نصيحتي،
والسلام على من اتبع الهدى".
وأكد الدكتور حميد الله أن هذا هو نص الكتاب الذي كتبه
النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي بعد الحديبية. أما صحة هذا النص فلا شك فيها
بعد النظر في الدلائل، وأما أن هذا الكتاب هو الذي كتب بعد الحديبية فلا دليل عليه،
والذي أورده البيهقي عن ابن إسحاق أشبه بالكتب التي كتبها النبي صلى الله عليه وسلم
إلى ملوك وأمراء النصارى بعد الحديبية، فإن فيه الآية الكريمة {قُلْ يَاأَهْلَ
الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ}..الخ [آل عمران: 64]، كما كان
دأبه في تلك الكتب، وقد ورد فيه اسم الأصحمة صريحاً، وأما النص الذي أورده الدكتور
حميد اللَّه، فالأغلب عندي أنه نص الكتاب الذي كتب النبي صلى الله عليه وسلم بعد
موت أصحمة إلى خليفته، ولعل هذا هو السبب في ترك الأسم.
وهذا الترتيب ليس عندي عليه دليل قطعي سوى الشهادات
الداخلية التي تؤديها نصوص هذه الكتب، والعجب من الدكتور حميد اللَّه أنه جزم أن
النص الذي أورده البيهقي عن ابن عباس هو نص الكتاب الذي كتبه النبي صلى الله عليه
وسلم بعد موت أصحمة إلى خليفته مع أن اسم أصحمة وارد في هذا النص صريحاً والعلم عند
اللَّه.
ولما بلغ عمرو بن أمية الضمري كتاب النبي صلى الله عليه
وسلم إلى النجاشي أخذه النجاشي، ووضعه على عينه، ونزل عن سريره على الأرض، وأسلم
على يد جعفر بن أبي طالب، وكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك. وهاك نصه
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
"إلى
محمد رسول اللَّه من النجاشي أصحمة سلام عليك يا نبي اللَّه ورحمة اللَّه وبركاته
اللَّه الذي لا إله إلا هو أما بعد
فقد بلغني كتابك يا رسول اللَّه فيما ذكرت من أمر عيسى،
فورب السماء، والأرض إن عيسى لا يزيد على ما ذكرت تفروقاً، إنه كما قلت، وقد عرفنا
ما بعثت به إلينا، وقد قرينا ابن عمك وأصحابك فأشهد أنك رسول اللَّه صادقاً مصدقاً
وقد بايعتك، وبايعت ابن عمك، وأسلمت على يديه للَّه رب العالمين".
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد طلب من النجاشي أن يرسل
جعفراً ومن معه من مهاجري الحبشة، فأرسلهم في سفينتين مع عمرو بن أمية الضمري، فقدم
بهم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر. توفي النجاشي هذا في رجب سنة تسع من
الهجرة بعد تبوك، ونعاه النبي صلى الله عليه وسلم يوم وفاته، وصلى عليه صلاة
الغائب. ولما مات وتخلف على عرشه ملك آخر كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً
آخر ولا يدري هل أسلم أم لا؟.
وكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى جريج بن متى الملقب
بالمقوقس ملك مصر والإسكندرية: "بسم اللَّه الرحمن الرحيم من محمد عبد اللَّه
ورسوله إلى المقوقس عظيم القبط، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإني أدعوك
بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك اللَّه أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم
أهل القبط، {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ
بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا
وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا
فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64].
واختار لحمل هذا الكتاب حاطب بن أبي بلتعة. فلما دخل حاطب
على المقوقس قال له إنه كان قبلك رجل يزعم أنه الرب الأعلى، فأخذه اللَّه نكال
الآخرة والأولى، فانتقم به ثم انتقم منه، فاعتبر بغيرك، ولا يعتبر غيرك بك.
فقال المقوقس إن لنا ديناً لن ندعه إلاَّ لما هو خير
منه.
فقال حاطب ندعوك إلى دين الإسلام الكافي به اللَّه فقد ما
سواه، إن هذا النبي دعا الناس فكان أشدهم عليه قريش، وأعداهم له اليهود، وأقربهم
منه النصارى، ولعمري ما بشارة موسى بعيسى إلا كبشارة عيسى بمحمد، وما دعاؤنا إياك
إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل، فكل نبي أدرك قوماً فهم أمته،
فالحق عليهم أن يطيعوه، وأنت ممن أدركه هذا النبي، ولسنا ننهاك عن دين المسيح،
ولكنا نأمرك به.
فقال المقوقس إني قد نظرت في أمر هذا النبي، فوجدته لا يأمر
بمزهود فيه، ولا ينهى عن مرغوب فيه، ولم أجده بالساحر الضال، ولا الكاهن الكاذب
ووجدت معه آية النبوة بإخراج الخبء والإخبار بالنجوى وسأنظر.
وأخذ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم فجعله في حق من عاج،
وختم عليه ودفع إلى جارية له، ثم دعا كاتباً له يكتب بالعربية، فكتب إلى رسول
اللَّه صلى الله عليه وسلم
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
"لمحمد
بن عبد اللَّه من المقوقس عظيم القبط، سلام عليك، أما بعد، فقد قرأت كتابك، وفهمت
ما ذكرت فيه، وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبياً بقي، وكنت أظن أنه يخرج بالشام، وقد
أكرمت رسولك، وبعثت إليك بجاريتين، لهما مكان في القبط عظيم، وبكسوة، وأهديت إليك
بغلة لتركبها، والسلام عليك".
ولم يزد على هذا ولم يسلم، والجاريتان مارية، وسيرين،
والبغلة ولدل بقيت إلى زمن معاوية، واتخذ النبي صلى الله عليه وسلم مارية سرية له،
وهي التي ولدت له إبراهيم، وأما سيرين فأعطاها لحسان بن ثابت
الأنصاري.]
وكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى ملك فارس "بسم
اللَّه الرحمن الرحيم:من محمد رسول اللَّه إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من
اتبع الهدى، وآمن با للَّه ورسوله، وشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأن
محمداً عبده ورسوله، وأدعوك بدعاية اللَّه، فإني أنا رسول اللَّه إلى الناس كافة،
لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين. فأسلم تسلم، فإن أبيت فإن إثم المجوس
عليك".
واختار لحمل هذا الكتاب عبد اللَّه بن حذافة السهمي، فدفعه
السهمي إلى عظيم البحرين، ولا ندري هل بعث عظيم البحرين رجلاً من رجالاته، أم بعث
عبد اللَّه السهمي، وأيا ما كان فلما قرىء الكتاب على كسرى مزقه، وقال في غطرسة عبد
حقير من رعيتي يكتب اسمه قبلي، ولما بلغ ذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:
مزق اللَّه ملكه، وقد كان كما قال، فقد كتب كسرى إلى باذان عامله على اليمن ابعث
إلي هذا الرجل الذي بالحجاز رجلين من عندك جلدين، فليأتياني به فاختار باذان رجلين
ممن عنده، وبعثهما بكتاب إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يأمره أن ينصرف معه
إلى كسرى، فلما قدما المدينة، وقابلا النبي صلى الله عليه وسلم قال أحدهما إن
شاهنشاه (ملك الملوك) كسرى قد كتب إلى الملك باذان يأمره أن يبعث من يأتيه بك،
وبعثني إليك لتنطلق معي، وقال قولاً تهديدياً، فأمرهما النبي صلى الله عليه وسلم أن
يلاقياه غداً.
وفي ذلك الوقت كانت قد قامت ثورة كبيرة ضد كسرى من داخل
بيته بعد أن لاقت جنوده هزيمة منكرة أمام جنود قيصر، فقد قام شيرويه بن كسرى على
أبيه فقتله، وأخذ الملك لنفسه، وكان ذلك في ليلة الثلاثاء لعشر مضين من جمادي
الأولى سنة سبع وعلم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الخبر من الوحي، فلما غدا عليه
أخبرهما بذلك فقالا هل تدري ما تقول؟ إنا قد نقمنا عليك ما هو أيسر، أفنكتب هذا
عنك، ونخبره الملك. قال: نعم أخبراه ذلك عني، وقولا له إن ديني وسلطاني سيبلغ ما
بلغ كسرى وينتهي إلى منتهى الخف والحافر. وقولا له إن أسلمت أعطيتك ما تحت يدك،
وملكتك على قومك من الأبناء فخرجا من عنده حتى قدما على باذان فأخبراه الخبر، وبعد
قليل جاء كتاب بقتل شيرويه لأبيه وقال له شيرويه في كتابه أنظر الرجل الذي كانت كتب
فيه أبي إليك، فلا تهجه حتى يأتيك أمري.
وكان ذلك سبباً في إسلام باذان ومن معه من أهل فارس
باليمن.
وروى البخاري ضمن حديث طويل نص الكتاب الذي كتبه النبي صلى
الله عليه وسلم إلى ملك الروم هرقل، وهو هذا
"بسم
اللَّه الرحمن الرحيم، من محمد عبد
اللَّه ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى، أسلم تسلم، أسلم يؤتك
اللَّه أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين، {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ
تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا
اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا
مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا
مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64].
واختار لحمل هذا الكتاب دحية بن خليفة الكلبي، وأمره أن
يدفعه إلى عظيم بصرى، ليدفعه إلى قيصر، وقد روى البخاري عن ابن عباس أن أبا سفيان
بن حرب أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش، وكانوا تجارا بالشام، في المدة
التي كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ماد فيها أبا سفيان وكفار قريش، فأتوه وهم
بإيلياء فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم، ثم دعاهم ودعا ترجمانه فقال: أيكم أقرب
نسباً بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ قال أبو سفيان فقلت أنا أقربهم نسباً، فقال:
ادنوه مني، وقربوا أصحابه، فاجعلوهم عند ظهره، ثم قال لترجمانه. إني سائل هذا عن
هذا الرجل، فإن كذبني فكذبوه، فواللَّه لولا الحياء من أن يأثروا علي كذباً لكذبت
عنه.
ثم قال: أول ما سألني عنه أن قال: كيف نسبه فيكم؟ فقلت هو
فينا ذو نسب، قال: فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟ قلت لا. قال: فهل كان من
آبائه من ملك؟ قلت لا. قال: فأشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ قلت بل ضعفاؤهم. قال:
أيزيدون أم ينقصون؟ قلت بل يزيدون، قال: فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل
فيه؟ قلت لا. قال: فهل تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت لا. قال: فهل يغدر؟
قلت لا، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها؟ قال: ولم تمكنني كلمة أدخل فيها
شيئاً غير هذه الكلمة قال: فهل قاتلتموه؟ قلت نعم، قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قلت
الحرب بيننا وبينه سجال، ينال منا وننال منه. قال: ماذا يأمركم؟ قلت يقول اعبدوا
اللَّه وحده، ولا تشركوا به شيئاً، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والصدق
والعفاف والصلة. فقال للترجمان قل له سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب، وكذلك
الرسل تبعث في نسب من قومها، وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول قبله، فذكرت أن لا.
قلت لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل يأتسي بقول قيل قبله، وسألتك هل كان من
آبائه من ملك فذكرت أن لا. فقلت فلو كان من آبائه من ملك قلت رجل يطلب ملك أبيه،
وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فذكرت أن لا، فقد أعرف أنه لم
يكن ليذر الكذب على الناس، ويكذب على اللَّه وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم،
فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه، وهم أتباع الرسل، وسألتك أيزيدون أم ينقصون؟ فذكرت أنهم
يزيدون، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم، وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟
فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب. وسألتك هل يغدر؟ فذكرت أن لا،
وكذلك الرسل لا تغدر. وسألتك بماذا يأمر؟ فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا اللَّه، ولا
تشركوا به شيئاً وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمرك بالصلاة والصدق والعفاف، فإن كان
ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج، ولم أكن أظنه أنه
منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه، ثم
دعا بكتاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقرأه، فلما فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت
الأصوات عنده، وكثر اللغط، وأمر بنا فأخرجنا، قال: فقلت لأصحابه حين أخرجنا، لقد
أمر أمراً ابن أبي كبشة، إنه ليخافه ملك بني الأصفر، فما زلت موقنا بأمر رسول
اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه سيظهر حتى أدخل اللَّه على الإسلام.
هذا ما رأه أبو سفيان من أثر هذا الكتاب على قيصر، وقد كان
من أثره عليه أنه أجاز دحية بن خليفة بن الكلبي، حامل كتاب رسول اللَّه صلى الله
عليه وسلم بمال وكسوة، ولما كان دحية بحسمي في الطريق لقيه ناس من جذام، فقطعوها
عليه، فلم يتركوا معه شيئاً، فجاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قبل أن يدخل
بيته، فأخبره، فبعث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة إلى حسمي، وهي
وراء وادي القرى في خمسمائة رجل، فشن زيد الغارة على جذام، فقتل فيهم قتلاً ذريعاً،
واستاق نعمهم ونساءهم، فأخذ من النعم ألف بعير، ومن الشاء خمسة آلاف، والسبي مائة
من النساء والصبيان.
وكان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قبيلة جذام موادعة،
فأسرع زيد بن رفاعة الجذامي أحد زعماء هذه القبيلة بتقديم الاحتجاح إلى النبي صلى
الله عليه وسلم ، وكان قد أسلم هو ورجال من قومه ونصروا دحية قطع عليه الطريق فقبل
النبي صلى الله عليه وسلم احتجاجه وأمر برد الغنائم والسبي.
وعامة أهل المغازي يذكرون هذه السرية قبل الحديبية، وهو خطأ
واضح، فإن بعث الكتاب إلى قيصر كان بعد الحديبية، ولذا قال ابن القيم هذا بعد
الحديبية بلا شك.
وكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المنذر بن ساوى حاكم
البحرين يدعوه فيه إلى الإسلام، وبعث إليه العلاء بن الحضرمي بذلك الكتاب، فكتب
المنذر إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أما بعد يا رسول اللَّه فإني قرأت
كتابك على أهل البحرين، فمنهم من أحب الإسلام وأعجبه، ومنهم من كرهه وبأرضي مجوس
ويهود، فأحدث إلي في ذلك أمرك"، فكتب إليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:
"بسم
اللَّه الرحمن الرحيم، من محمد رسول
اللَّه إلى المنذر بن ساوى، سلام عليك، فإني أحمد إليك اللَّه الذي لا إله إلا هو،
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أما بعد فإني أذكرك اللَّه عز وجل، فإنه من ينصح فإنما
ينصح لنفسه، وإنه من يطيع رسلي ويتبع أمرهم فقد أطاعني، ومن نصح لهم فقد نصح لي،
وإن رسلي قد أثنوا عليك خيراً، وإني قد شفعتك في قومك، فاترك للمسلمين ما أسلموا
عليه، وعفوت عن أهل الذنوب، فاقبل منهم، وإنك مهما تصلح فلم نعزلك عن عملك، ومن
أقام على يهودية أو مجوسية فعليه الجزية".
وكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هوذة بن علي صاحب
اليمامة
"بسم
اللَّه الرحمن الرحيم، من محمد رسول
اللَّه إلى هوذة بن علي، سلام على من اتبع الهدى، واعلم أن ديني سيظهر إلى منتهى
الخف والحافر، فأسلم تسلم، وأجعل لك ما تحت يديك".
واختار لحمل هذا الكتاب سليط بن عمرو العمري، فلما قدم سليط
على هوذة بهذا الكتاب مختوماً أنزله وحياه وقرأ الكتاب، فرد عليه رداً دون رد، وكتب
إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله، والعرب تهاب مكاني،
فاجعل لي بعض الأمر اتبعك، وأجاز سليطاً بجائزة، وكساه أثواباً من نسج هجر، فقدم
بذلك كله على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم
كتابه فقال: لو سألني قطعة من الأرض ما فعلت، باد، وباد ما في يديه. فلما انصرف
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من الفتح جاءه جبريل عليه السلام بأن هوذة مات،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما إن اليمامة سيخرج بها كذاب يتنبى، يقتل بعدي،
فقال قائل يا رسول اللَّه من يقتله؟ فقال: أنت وأصحابك، فكان كذلك.
كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم : بسم اللَّه الرحمن
الرحيم، من محمد رسول اللَّه إلى الحارث بن أبي شمر، سلام على من اتبع الهدى، وآمن
به وصدق وإني أدعوك إلى أن تؤمن باللَّه وحده لا شريك له، يبقى لك ملكك.
واختار لحمل هذا الكتاب شجاع بن وهب من بني أسد بن خزيمة،
ولما أبلغه الكتاب يقال: من ينزع ملكي مني؟ أنا سائر إليه، ولم يسلم.
وكتب النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً إلى ملك عمان جيفر
وأخيه عبد ابني الجلندي، ونصه: "بسم اللَّه الرحمن الرحيم، من محمد بن عبد اللَّه
إلى جيفر وعبد. ابني الجلندي، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد. فإني أدعوكما
بدعاية الإسلامأسلما تسلماً، فإني رسول اللَّه (صلى الله عليه وسلم ) إلى الناس
كافة لأنذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين. فإنكما إن أقررتما بالإسلام
وليتكما، وإن أبيتما أن تقرا بالإسلام فإن ملككما زائل، وخيل تحل بساحتكما، وتظهر
نبوتي على ملككما".
واختار لحمل هذا الكتاب عمرو بن العاص رضي اللَّه عنه. قال
عمرو فخرجت حتى انتهيت إلى عمان، فلما قدمتها عمدت إلى عبد وكان أحلم الرجلين،
وأسهلهما خلقاً فقلت إني رسول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إليك وإلى أخيك،
فقال: أخي المقدم علي بالسن والملك، وأنا أوصلك إليه حتى يقرأ كتابك ثم قال: وما
تدعو إليه؟ قلت أدعو إلى اللَّه وحده لا شريك له، وتخلع ما عبد من دونه، وتشهد أن
محمداً عبده ورسوله. قال: يا عمرو إنك ابن سيد قومك فكيف صنع أبوك؟ فإن لنا فيه
قدوة قلت مات ولم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، ووددت أنه لو كان أسلم وصدق به،
وقد كنت أنا على مثل رأيه هداني اللَّه للإسلام. قال: فمتى تبعته؟ قلت قريباً.
فسألني أين كان إسلامك؟ قلت عند النجاشي، وأخبرته أن النجاشي قد أسلم، قال: وكيف
صنع قومه بملكه؟ فقلت أقروه واتبعوه. قال: والأساقفة والرهبان تبعوه؟ قلت نعم. قال:
انظر يا عمرو ما تقول، إنه ليس من خصلة في رجل أفضح له من الكذب. قلت ما كذبت وما
نستحله في ديننا، ثم قال: ما أرى هرقل علم بإسلام النجاشي. قلت بلى، قال: فبأي شيء
علمت ذلك؟قلت كان النجاشي يخرج له خرجاً، فلما أسلم وصدق بمحمد صلى الله عليه وسلم
، قال: لا و اللَّه لو سألني درهماً واحداً ما أعطيته، فبلغ هرقل قوله فقال له
النياق أخوه أتدع عبدك لا يخرج لك خرجاً، ويدين بدين غيرك ديناً محدثاً؟ قال هرقل
رجل رغب في دين، فاختاره لنفسه، ما أصنع به؟ واللَّه لولا الضن بملكي لصنعت كما صنع
قال: أنظر ما تقول يا عمرو؟ قلت واللَّه صدقتك. قال عبد فأخبرني ما الذي يأمر به
وينهى عنه؟ قلت يأمر بطاعة اللَّه عز وجل وينهى عن معصيته، ويأمر بالبر وصلة الرحم،
وينهى عن الظلم والعدوان، وعن الزنا، وعن الخمر، وعن عبادة الحجر والوثن والصليب.
قال: ما أحسن هذا الذي يدعو إليه، لو كان أخي يتابعني عليه لركبنا حتى نؤمن بمحمد
صلى الله عليه وسلم ونصدق به، ولكن أخي أضن بملكه من أن يدعه ويصير ذنباً. قلت أنه
إن أسلم ملكه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على قومه. فأخذ الصدقة من غنيهم
فيردها على فقيرهم، قال: إن هذا لخلق حسن. وما الصدقة؟ فأخبرته بما فرض رسول اللَّه
صلى الله عليه وسلم في الصدقات في الأموال حتى انتهيت إلى الإبل. قال: يا رسول
اللَّه صلى الله عليه وسلم عمرو وتؤخذ منا سوائم مواشينا التي ترعى الشجر وترد
المياه؟ فقلت نعم، فقال: و اللَّه ما أرى قومي في بعد دارهم وكثرة عددهم يطيعون
لهذا. قال: فمكثت ببابه أياماً. وهو يصل إلى أخيه فيخبره كل خبري، ثم إنه دعاني
يوماً فدخلت عليه، أخذ أعوانه بضبعي فقال: دعوه، فأرسلت فذهبت لأجلس، فأبوا أن
يدعوني أجلس، فنظرت إليه فقال: تكلم بحاجتك، فدفعت إليه الكتاب مختوماً، ففض خاتمه،
وقرأ حتى انتهى إلى آخره ثم دفعه إلى أخيه فقرأه مثل قراءته، إلا أني رأيت أخاه أرق
منه، قال: ألا تخبرني عن قريش كيف صنعت؟ فقلت تبعوه. إما راغب في الدين، وإما مقهور
بالسيف. قال: ومن معه؟ قلت الناس قد رغبوا في الإسلام واختاروه على غيره، وعرفوه
بعقولهم مع هدي اللَّه إياهم أنهم كانوا في ضلال، فما أعلم أحداً بقي غيرك في هذه
الخرجة، وأنت إن لم تسلم اليوم وتتبعه توطئك الخيل وتيد خضراءك، فأسلم تسلم،
ويستعملك على قومك، ولا تدخل عليك الخيل والرجال قال: دعني يومي هذا، وارجع إليَّ
غداً.
فرجعت إلى أخيه فقال: يا عمرو، إني لأرجوا أن يسلم إن لم
يضن بملكه حتى إذا كان الغد أتيت إليه، فأبى أن يأذن لي. فانصرفت إلى أخيه، فأخبرته
أني لم أصل إليه، فأوصلني إليه. فقال: إني فكرت فيما دعوتني إليه، فإذا أنا أضعف
العرب إن ملكت رجلاً ما في يدي وهو لا تبلغ خيله ههنا، وإن بلغت خيله لقت قتالاً
ليس كقتال من لاقى. قلت أنا خارج غداً، فلما أيقن بمخرجي خلا به أخوه فقال: ما نحن
فيما ظهر عليه، وكل من أرسل إليه قد أجابه، فأصبح فأرسل إلي، فأجاب إلى الإسلام هو
وأخوه جميعاً، وصدقاً النبي صلى الله عليه وسلم ، وخليا بيني وبين الصدقة، وبين
الحكم فيما بينهم، وكانا لي عوناً على من خالفني.
وسياق هذه القصة يدلّ على أن إرسال الكتاب إليهما تأخر
كثيراً عن كتب بقية الملوك، والأغلب كان أنّه بعد الفتح.
وبهذه الكتب كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أبلغ دعوته
إلى أكثر ملوك الأرض. فمنهم من آمن به ومنهم من كفر. ولكن شغل فكرة هؤلاء الكافرين،
وعرف لديهم باسمه ودينه.
النشاط العسكري بعد صلح
الحديبية
هذه الغزوة حركة مطاردة ضد فصيلة من بني فزارة قامت بعمل
القرصنة في لقاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم .
وهي أول غزوة غزاها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعد
الحديبية، وقبل خيبر ذكر البخاري في ترجمة باب أنها كانت قبل خيبر بثلاث، وروى ذلك
مسلم مسنداً من حديث سلمة بن الأكوع. وذكر الجمهور من أهل المغازي أنها كانت قبل
الحديبية وما في الصحيح أصح مما ذكره أهل المغازي.
وخلاصة الروايات عن سلمة بن الأكوع بطل هذه الغزوة أنه قال:
بعث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بظهره مع غلامه رباح، وأنا معه بفرس أبي طلحة،
فلما أصبحنا إذا عبد الرحمن الفزاري قد أغار على الظهر، فاستاقه أجمع وقتل راعيه
فقلت يا رباح خذ هذا الفرس فأبلغه طلحة، وأخبر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثم
قمت على أكما، واستقبلت المدينة، فناديت ثلاثاً يا صباحاه، ثم خرجت في آثار القوم
أرميهم بالنبل وأرتجز، أقول:
أنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع
فواللَّه ما زلت أرميهم وأعقر بهم، فإذا رجع إلى فارس جلست
في أصل الشجرة، ثم رميته فتعفرت به، حتى إذا دخلوا في تضايق الجبل علوته، فجعلت
أرديهم بالحجارة، فما زلت كذلك أتبعهم حتى ما خلق اللَّه تعالى من بعير من ظهر رسول
اللَّه صلى الله عليه وسلم إلا خلفته وراء ظهري، وخلوا بيني وبينه، ثم اتبعتهم
أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة، وثلاثين رمحاً يستخفون، ولا يطرحون شيئاً
إلا جعلت عليه آراماً من الحجارة يعرفها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأصحابه
حتى أتوا متضايقاً من ثنية فجلسوا يتغدون، وجلست على رأس قرن، فصعد إلي منهم أربعة
في الجبل، قلت هل تعرفونني؟ أنا سلمة بن الأكوع لا أطلب رجلاً منكم إلا أدركته، ولا
يطلبني فيدركني، فرجعوا. فما برحت مكاني حتى رأيت فوارس رسول اللَّه صلى الله عليه
وسلم يتخللون الشجر. فإذا أولهم أخرم، وعلى أثره أبو قتادة، وعلى أثره المقداد بن
الأسود، فالتقى عبد الرحمن وأخرم، فعقر بعبد الرحمن فرسه، وطعنه عبد الرحمن فقتله،
وتحول على فرسه ولحق قتادة بعبد الرحمن فطعنه فقلته، وولى القوم مدبرين، نتبعهم
أعدو على رجلي، حتى يعدلوا قبل غروب الشمس إلى شعب فيه ماء يقال له ذا قرد، ليشربوا
منه، وهم عطاش، فأجليتهم عنه، فما ذاقوا قطرة منه، ولحقني رسول اللَّه صلى الله
عليه وسلم والخيل عشاء، فقلت يا رسول اللَّه إن القوم عطاش، فلو بعثتني في مائة رجل
استنقذت ما عندهم من السرج، وأخذت بأعناق القوم، فقال: يا بن الأكوع. ملكت فاسجح،
ثم قال: إنهم ليقرون الآن في غطفان.
وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خير فرساننا اليوم أبو
قتادة، وخير رجالتنا سلمة. وأعطاني سهمين، سهم الراجل وسهم الفارس، وأردفني وراءه
على العضباء راجعين إلى المدينة.
استعمل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على المدينة في هذه
الغزوة ابن أم مكتوم، وعقد اللواء للمقداد بن عمرو.
غزوة خيبر ووادي القرى (في المحرم سنة
7هـ):
كانت خيبر مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع على بعد ستين أو
ثمانين ميلاً من المدينة في جهة الشمال، وهي الآن قرية في مناخها بعض
الوخامة.
ولما اطمأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من أقوى أجنحة
الأحزاب الثلاثة، وأمن منه أمناً باتاً بعد الهدنة أراد أن يحاسب الجناحين الباقيين
- اليهود وقبائل نجد حتى يتم الأمن والسلام، ويسود الهدوء في المنطقة، ويفرغ
المسلمون من الصراع الدامي المتواصل إلى تبليغ رسالة اللَّه والدعوة إليه.
ولما كانت خيبر هي وكر الدس والتآمر، ومركز الاستفزازت
العسكرية ومعدن التحرشات وإثارة الحروب، كانت هي الجديرة بالتفات المسلمين
أولاً.
أما كون خيبر بهذه الصفة، فلا ننسى أن أهل خيبر هم الذين
حزبوا الأحزاب ضد المسلمين، وأثاروا بني قريظة على الغدر والخيانة، ثم أخذوا في
الاتصالات بالمنافقين - الطابور الخامس في المجتمع الإسلامي - وبغطفان وأعراب
البادية - الجناح الثالث من الأحزاب - وكانوا هم أنفسهم يهيئون للقتال، فألقوا
المسلمين بإجراءتهم هذه في محن متواصلة، حتى وضعوا خطة لاغتيال النبي رسول اللَّه
صلى الله عليه وسلم ، وإزاء ذلك اضطر المسلمون إلى بعوث متوالية، وإلى الفتك برأس
هؤلاء المتآمرين، مثل سلام بن أبي الحقيق، وأسير بن زارم، ولكن الواجب على المسلمين
إزاء هؤلاء اليهود كان أكبر من ذلك. وإنما أبطأوا في القيام بهذا الواجب، لأن قوة
أكبر وأقوى وألد وأعند منهم وهي قريش كانت مجابهة للمسلمين، فلما انهت هذه المجابهة
صفا الجو لمحاسبة هؤلاء المجرمين، واقترب لهم يوم الحساب.
قال ابن إسحاق أقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
بالمدينة حين رجع من الحديبية ذا الحجة وبعض المحرم، ثم خرج في بقية المحرم إلى
خيبر.
قال المفسرون إن خيبر كانت وعداً وعدها اللَّه تعالى بقوله:
{وَعَدَكُمْ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ}
[الفتح: 20] يعني صلح الحديبية، وبالمغانم الكثيرة خيبر.
ولما كان المنافقون وضعفاء الإيمان تخلفوا عن رسول اللَّه
صلى الله عليه وسلم في غزوة الحديبية أمر اللَّه تعالى نبيه رسول اللَّه صلى الله
عليه وسلم فيهم قائلاً:
{سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى
مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا
كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ
فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلا
قَلِيلا} [الفتح: 15].
فلما أراد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الخروج إلى خيبر،
أعلن أن لا يخرج معه إلا راغب في الجهاد، فلم يخرج إلا أصحاب الشجرة وهم ألف
وأربعمائة.
واستعمل على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري، وقال ابن إسحاق
نميلة بن عبد اللَّه الليثي، والأول أصح عند المحققين.
وحينئذ قدم أبو هريرة المدينة مسلماً، فوافى سباع بن عرفطة
في صلاة الصبح فلما فرغ من صلاته أتى سباعاً فزوده، حتى قدم على رسول اللَّه صلى
الله عليه وسلم وكلم المسلمين فأشركوه وأصحابه في سهماتهم.
اتصال المنافقين
باليهود:
وقد قام المنافقون يعملون لليهود، فقد أرسل رأس المنافقين
عبد اللَّه بن أبي إلى يهود خيبر أن محمداً قصد قصدكم وتوجه إليكم، فخذوا حذركم،
ولا تخافوا منه، فإن عددكم وعدتكم كثيرة، وقوم محمد شرذمة قليلون، عزّل لا سلاح
معهم إلا قليل. فلما علم ذلك أهل خيبر، أرسلوا كنانة بن أبي الحقيق وهوذة بن قيس
إلى غطفان، يستمدونهم، لأنهم كانوا حلفاء يهود خيبر، ومظاهرين لهم على المسلمين.
وشرطوا لهم نصف ثمار خيبر إن هم غلبوا على المسلمين.
وسلك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في اتجاهه نحو خيبر
جبل عصر (بالكسر وقيل بالتحريك) ثم على الصهباء، ثم نزل على واد يقال له الرجيع،
وكان بينه وبين غطفان مسيرة يوم وليلة، فتهيأت غطفان وتوجهوا إلى خيبر، لإمداد
اليهود، فلما كانوا ببعض الطريق سمعوا من خلفهم حساً ولغطاً، فظنوا أن المسلمين
أغاروا على أهاليهم وأموالهم فرجعوا، وخلوا بين رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
وبين خيبر.
ثم دعا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الدليلين اللذين
كانا يسلكان بالجيش - وكان اسم أحدهما حسيل - ليدلاه على الطريق الأحسن، حتى يدخل
خيبر من جهة الشمال - أي جهة الشام - فيحول بين اليهود وبين طريق فرارهم إلى الشام
كما يحول بينهم وبين غطفان.
قال أحدهما أنا أدلك يا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ،
فأقبل حتى انتهى إلى مفرق الطرق المتعددة وقال: يا رسول اللَّه هذه طرق يمكن الوصول
من كل منها إلى المقصد، فأمر أن يسميها له واحداً واحداً. قال: اسم واحد منها حزن
فأبى النبي صلى الله عليه وسلم من سلوكه، وقال: اسم الآخر شاش، فامتنع منه أيضاً
وقال: اسم آخر حاطب. فامتنع منه أيضاً، وقال حسيل فما بقي إلا واحد قال عمر ما اسمه
قال: مرحب، فاختار النبي صلى الله عليه وسلم سلوكه.
- عن سلمة بن الأكوع قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فسرنا ليلاً، فقال، رجل من القوم لعامر يا عامر ألا تسمعنا من هنيهاتك؟ - وكان عامر رجلاً شاعراً - فنزل يحدو بالقوم. يقول:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا اللهم لولا أنت ما اهتدينا
ولا تصدقنا ولا صلينا فاغفر فداء لك ما اتقينا
وثبت الأقدام إن لاقينا وألقين سكينة علينا
إنا إذا صيح بنا أبينا وبالصياح عولوا علينا
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من هذا السائق؟ قالوا:
عامر بن الأكوع. قال: رحمه اللَّه. قال رجل من القوم وجبت يا نبي اللَّه، لولا
أمتعتنا به.
وكانوا يعرفون أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لا يستغفر
لإنسان يخصه إلا استشهد - وقد وقع في حرب خيبر.
- وفي الطريق أشرف الناس على واد فرفعوا أصواتهم بالتكبير اللَّه أكبر اللَّه
أكبر لا إله إلا اللَّه فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أربعوا على أنفسكم،
إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، إنكم تدعون سميعاً قريباً.
- وبالصهباء من أدنى خيبر صلى العصر، ثم دعا بالازواد، فلم يؤت إلا بالسويق فأمر به فثرى، فأكل وأكل الناس، ثم قام إلى المغرب، فمضمض، ومضمض الناس، ثم صلى ولم يتوضأ ثم صلى العشاء.
الجيش الإسلامي إلى أسوار
خيبر:
بات المسلمون الليلة الأخيرة التي بدأ في صباحها القتال
قريباً من خيبر، ولا تشعر بهم اليهود، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى قوماً
بليل لم يقربهم حتى يصبح، فلما أصبح صلى الفجر بغلس، وركب المسلمون، فخرج أهل خيبر
بمساحيهم ومكاتلهم، ولا يشعرون، بل خرجوا لأرضهم، فلما رأوا الجيش قالوا: محمد،
واللَّه محمد والخميس، ثم رجعوا هاربين إلى مدينتهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم
اللَّه أكبر، خربت خيبر، اللَّه أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح
المنذرين.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم اختار لمعسكره منزلاً، فأتاه
حباب بن المنذر فقال: يا رسول اللَّه أرأيت هذا المنزل أنزلكه اللَّه، أم هو الرأي
في الحرب؟ قال بل هو الرأي، فقال: يا رسول اللَّه إن هذا المنزل قريب جداً من حصن
نطاة، وجميع مقاتلي خيبر فيها، وهم يدرون أحوالنا، ونحن لا ندري أحوالهم، وسهامهم
تصل إلينا، وسهامنا لا تصل إليهم، ولا نأمن من بياتهم، وأيضاً هذا بين النخلات،
ومكان غائر، وأرض وخيمة، لو أمرت بمكان خال عن هذه المفاسد نتخذه معسكراً قال صلى
الله عليه وسلم الرأي ما أشرت، ثم تحول إلى مكان آخر.
ولما دنا من خيبر وأشرف عليها قال: قفوا. فوقف الجيش فقال:
اللهم رب السماوات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع وما أقللن، ورب الشياطين وما
أضللن، فإنا لنسألك خير هذه القرية، وخير أهلها، وخير ما فيها، ونعوذ بك من شر هذه
القرية، وشر أهلها، وشر ما فيها، اقدموا بسم اللَّه.
ولما كانت ليلة الدخول قال: لأعطين الراية غداً رجلاً يحب
اللَّه ورسوله ويحبه اللَّه ورسوله، فلما أصبح الناس غدوا على رسول اللَّه صلى الله
عليه وسلم ، كلهم يرجو أن يعطاها فقال: أين علي بن أبي طالب، فقالوا: يا رسول
اللَّه هو يشتكي عينيه قال: فأرسلوا إليه فأتى به، فبصق رسول اللَّه صلى الله عليه
وسلم في عينيه ودعا له فبرىء، كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال: يا رسول
اللَّه أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا، قال: انفذ على رسلك، حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم
إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق اللَّه فيه، فواللَّه لأن يهدي اللَّه بك
رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم.
وكانت خيبر منقسمة إلى شطرين، شطر فيه خمسة حصون:
- حصن ناعم.
- حصن الصعب بن معاذ.
- حصن قلعة الزبير.
- حصن أبي.
- حصن النزار.
والحصون الثلاثة الأولى تقع في منطقة يقال لها النطاة، وأما
الحصنان الآخران فيقعان في منطقة تسمى بالشق.
أما الشطر الثاني، ويعرف بالكتيبة، ففيه ثلاثة حصون
فقط:
- حصن القموص (كان حصن بني أبي الحقيق من بني النضير).
- حصن الوطيح.
- حصن السلالم.
وفي خيبر حصون وقلاع غير هذه الثمانية، إلا أنها كانت صغيرة
لا تبلغ إلى درجة هذه القلاع في مناعتها وقوتها.
والقتال المرير إنما دار في الشطر الأول منها، أما الشطر
الثاني فحصونها الثلاثة مع كثرة المحاربين فيها سلمت دونما قتال.
بدء المعركة وفتح حصن
ناعم:
وأول حصن هاجمه المسلمون من هذه الحصون الثمانية هو حصن
ناعم وكان خط الدفاع الأول لليهود لمكانه الاستراتيجي، وكان هذا الحصن هو حصن مرحب
البطل اليهودي الذي كان يعد بالألف.
خرج علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه بالمسلمين إلى هذا
الحصن، ودعا اليهود إلى الإسلام، فرفضوا هذه الدعوة، وبرزوا إلى المسلمين ومعهم
ملكهم مرحب، فلما خرج إلى ميدان القتال دعا إلى المبارزة. قال سلمة بن الأكوع فلما
أتينا خيبر خرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه يقول:
قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهب
فبرز له عمى عامر فقال:
قد علمت خيبر أني عامر شاكي السلاح بطل مغامر
فاختلفا ضربتين، فوقع سيف مرحب في ترس عمي عامر، وذهب عامر
يسفل له، وكان سيفه قصيراً، فتناول به ساق يهودي ليضربه فيرجع ذباب سيفه فأصاب عين
ركبته فمات منه، وقال فيه النبي صلى الله عليه وسلم لأنه له لأجرين وجمع بين
إصبعيه، إنه لجاهد مجاهد قل عربي شي بها مثله.
ويبدو أن مرحباً دعا بعد ذلك إلى البراز مرة أخرى، وجعل
يرتجز بقوله قد علمت خيبر أني مرحب... إلخ، فبرز علي بن أبي طالب. قال سلمة بن
الأكوع فقال علي:
أنا الذي سمتني أمي حيدره كليث غابات كريه المنظره
أوفيهم بالصاع كيل السندره
فضرب رأس مرحب فقتله، ثم كان الفتح على يديه.
ولما دنا علي رضي اللَّه عنه من حصونهم اطلع يهودي من رأس
الحصن، وقال: من أنت، فقال: أنا علي بن أبي طالب، فقال اليهودي علوتم وما أنزل على
موسى.
ثم خرج ياسر أخو مرحب وهو يقول من يبارز؟ فبرز إليه الزبير،
فقالت صفية أمه يا رسول اللَّه، يقتل ابني؟ قال: بل ابنك يقتله فقتله الزبير.
ودار القتال المرير حول حصن ناعم، قتل فيه عدة سراة من
اليهود، انهارت لأجله مقاومة اليهود، وعجزوا عن صد هجوم المسلمين، ويؤخذ من المصادر
أن هذا القتال دام أياماً لاقى المسلمون فيها مقاومة شديدة، إلا أن اليهود يئسوا من
مقاومة المسلمين، فتسللوا من هذا الحصن إلى حصن الصعب، واقتحم المسلمون حصن
ناعم.
وكان حصن الصعب الحصن الثاني من حيث القوة والمناعة بعد حصن
ناعم، قام المسلمون بالهجوم عليه تحت قيادة الحباب بن المنذر الأنصاري، ففرضوا عليه
الحصار ثلاثة أيام، وفي اليوم الثالث، دعا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لفتح هذا
الحصن دعوة خاصة.
وروى ابن إسحاق أن بني سهم من أسلم أتوا رسول اللَّه صلى
الله عليه وسلم ، فقالوا: لقد جهدنا وما بأيدينا من شيء، فقال: اللهم إنك قد عرفت
حالهم، وأن ليست بهم قوة، وأن ليس بيدي شيء أعطيهم إياه، فافتح عليهم أعظم حصونها
عنهم غناء، وأكثرها طعاماً وودكاً. فغدا الناس ففتح اللَّه عز وجل حصن الصعب بن
معاذ، وما بخيبر حصن كان أكثر طعاماً وودكاً منه.
ولما ندب النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بعد دعائه
لمهاجمة هذا الحصن كان بنو أسلم هم المقاديم في المهاجمة، ودار البراز والقتال أمام
الحصن. ثم فتح الحصن في ذلك اليوم قبل أن تغرب الشمس، ووجد فيه المسلمون بعض
المنجنيقات والدبابات.
ولأجل هذه المجاعة الشديدة التي ورد ذكرها في رواية ابن
إسحاق كان رجال من الجيش قد ذبحواالحمير، ونصبوا القدور على النيران، فلما علم رسول
اللَّه صلى الله عليه وسلم بذلك نهى عن لحوم الحمر الإنسية.
وبعد فتح حصن ناعم والصعب تحول اليهود من كل الحصون النطاة
إلى قلعة الزبير، وهو حصن منيع في رأس قلعة، لا تقدر عليه الخيل والرجال لصعوبته
وامتناعه، ففرض عليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الحصار، وأقام محاصراً ثلاثة
أيام. فجاء رجل من اليهود، وقال: يا أبا القاسم إنك لو أقمت شهراً ما بالوا إن لهم
شراباً وعيوناً تحت الأرض، يخرجون بالليل ويشربون منها، ثم يرجعون إلى قلعتهم
فيمتنعون منك، فإن قطعت مشربهم عليهم أصحروا لك. فقطع ماءهم عليهم، فخرجوا فقاتلوا
أشد القتال، قتل فيه نفر من المسلمين، وأصيب نحو العشرة من اليهود، وافتتحه رسول
اللَّه صلى الله عليه وسلم .
فتح قلعة أبي:
وبعد فتح قلعة الزبير انتقل اليهود إلى قلعة أبي وتحصنوا
فيه، وفرض المسلمون عليهم الحصار، وقام بطلان من اليهود واحد بعد الآخر بطلب
المبارزة، وقد قتلهما أبطال المسلمين، وكان الذي قتل المبارز الثاني هو البطل
المشهور أبو دجانة سماك بن خرشة الأنصاري صاحب العصابة الحمراء. وقد أسرع أبو دجانة
بعد قتله إلى اقتحام القلعة، واقتحم معه الجيش الإسلامي، وجرى قتال مرير ساعة داخل
الحصن، ثم تسلل اليهود من القلعة، وتحولوا إلى حصن النزار آخر حصن في الشطر
الأول.
فتح حصن النزار:
كان هذا الحصن أمنع حصون هذا الشطر، وكان اليهود على شبه
اليقين بأن المسلمين لا يستطيعون اقتحام هذه القلعة، وإن بذلوا قصارى جهدهم في هذا
السبيل ولذلك أقاموا في هذه القلعة مع الذراري والنساء، بينما كانوا قد أخلوا منها
القلاع الأربعة السابقة.
وفرض المسلمون على هذا الحصن أشد الحصار، وصاروا يضغطون
عليهم بعنف، ولكون الحصن يقع على جبل مرتفع منيع لم يكونوا يجدون سبيلاً للاقتحام
فيه. أما اليهود فلم يجترئوا للخروج من الحصن، للاشتباك مع قوات المسلمين، لكنهم
قاوموا المسلمين مقاومة عنيدة برشق النبال، وبإلقاء الحجارة.
وعندما استعصى حصن النزار على قوات المسلمين، أمر النبي صلى
الله عليه وسلم بنصب آلات المنجنيق، ويبدو أن المسلمين قذفوا بها القذائف، فأوقعوا
الخلل في جدران الحصن، واقتحموه، ودار قتال مرير في داخل الحصن انهزم أمامه اليهود
هزيمة منكرة، وذلك لأنهم لم يتمكنوا من التسلل من هذا الحصن كما تسللوا من الحصون
الأخرى، بل فروا من فروا من هذا الحصن تاركين للمسلمين نساءهم وذراريهم.
وبعد فتح هذا الحصن المنيع تم فتح الشطر الأول من خيبر، وهي
ناحية النطاة والشق، وكانت في هذه الناحية حصون صغيرة أخرى إلا أن اليهود بمجرد فتح
هذا الحصن المنيع أخلوا هذه الحصون، وهربوا إلى الشطر الثاني من بلدة خيبر.
ولما فتح ناحية النطاة والشق، تحول رسول اللَّه صلى الله
عليه وسلم إلى أهل الكتيبة والوطيح والسلالم حصن أبي الحقيق من بني النضير. وجاءهم
كل من كان انهزم من النطأة والشق، وتحصن هؤلاء أشد التحصن.
واختلف أهل المغازي هل جرى هناك قتال في أي حصن من حصونها
الثلاثة أم لا؟ فسياق ابن إسحاق صريح في جريان القتال لفتح حصن القموص. بل يؤخذ من
سياقه أن هذا الحصن تم فتحه بالقتال فقط من غير أن يجري هناك مفاوضة للإستسلام.
أما الواقدي، فيصرح تمام التصريح أن قلاع هذا الشطر الثلاثة
إنما أخذت بعد المفاوضة، ويمكن أن تكون المفاوضة قد جرت لاستسلام حصن القموص بعد
إدارة القتال. وأما الحصنان الآخران فقد سلماً إلى المسلمين دونما قتال.
ومهما كان فلما أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى هذه
الناحية الكتيبة فرض على أهلها أشد الحصار، ودام الحصار أربعة عشر يوماً، واليهود
لا يخرجون من حصونهم حتى همّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن ينصب عليهم
المنجنيق، فلما أيقنوا بالهلكة سألوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الصلح.
وأرسل ابن أبي الحقيق إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
انزل فأكلمك؟ قال: نعم فنزل، وصالح على حقن دماء من في حصونهم من المقاتلة وترك
الذرية لهم، ويخرجون من خيبر وأرضها بذراريهم، ويخلون بين رسول اللَّه صلى الله
عليه وسلم وبين ما كان لهم من مال وأرض وعلى الصفراء والبيضاء أي الذهب والفضة
والكراع والحلقة إلا ثوباً على ظهر إنسان، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
وبرئت منكم ذمة اللَّه وذمة رسوله إن كتمتموني شيئاً، فصالحوه على ذلك وبعد هذه
المصالحة تم تسليم الحصون إلى المسلمين وبذلك تم فتح خيبر.
وعلى رغم هذه المعاهدة غيب ابنا أبي الحقيق مالاً كثيراً،
غيباً مسكا فيه مال وحلي لحيي بن أخطب، كان احتمله معه إلى خيبر حين أجليت
النضير.
قال ابن إسحاق وأتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بكنانة
الربيع، وكان عنده كنز بني النضير، فسأله عنه، فجحد أن يكون يعرف مكانه، فأتى رجل
من اليهود فقال: إني رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة. فقال رسول اللَّه صلى
الله عليه وسلم لكنانة أرأيت إن وجدناه عندك أأقتلك؟ قال: نعم فأمر بالخربة، فحفرت،
فأخرج منها بعض كنزهم، ثم سأله عما بقي، فأبى أن يؤديه. فدفعه إلى الزبير، وقال:
عذبه حتى نستأصل ما عنده، فكان الزبير يقدح بزند في صدره حتى أشرف على نفسه، ثم
دفعه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى محمد بن سلمة، فضرب عنقه بمحمود بن سلمة
(وكان محمود قتل تحت جدار حصن ناعم ألقى عليه الرحى، وهو يستظل بالجدار فمات).
وذكر ابن القيم أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بأمر
بقتل ابني أبي الحقيق وكان الذي اعترف عليهما بإخفاء المال هو ابن عم كنانة.
وسبى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي بن أخطب،
وكانت تحت كنانة بن أبي الحقيق، وكانت عروساً حديثة عهد بالدخول.
وأراد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يجلي اليهود من
خيبر، فقالوا: يا محمد دعنا نكون في هذه الأرض نصلحها، ونقوم عليها، فنحن أعلم بها
منكم، ولم يكن لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لأصحابه غلمان يقومون عليها، وكانوا
لا يفرغون يقومون عليها، فأعطاهم خيبر على أن لهم الشطر من كل زرع، ومن كل ثمر ما
بدا لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يقرهم. وكان عبد اللَّه بن رواحة يخرصه
عليهم.
وقسم أرض خيبر على ستة وثلاثين سهماً، وجمع كل سهم مائة
سهم، فكانت ثلاثة آلاف وستمائة سهم، فكان لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
والمسلمين النصف من ذلك وهو ألف وثمانمائة سهم، لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
سهم كسهم أحد المسلمين، وعزل النصف الآخر وهو ألف وثمانمائة سهم، سهم لنوائبه وما
يتنزل به من أمور المسلمين، وإنما قسمت على ألف وثمانمائة سهم، لأنها كانت طعمة من
اللَّه لأهل الحديبية من شهد منهم ومن غاب، وكانوا ألفاً وأربعمائة وكان معهم مائتا
فرس، لكل فرس سهمان، فقسمت على ألف وثمانمائة سهم، فصار للفارس ثلاثة أسهم، وللراجل
سهم واحداً.
ويدل على كثرة مغانم خيبر ما رواه البخاري عن ابن عمر قال:
ما شبعنا حتى فتحنا خيبر، وما رواه عن عائشة قالت: لما فتحت خيبر قلنا: الآن نشبع
من التمر ولما رجع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة رد المهاجرون إلى
الأنصار منائحهم التي كانوا منحوهم إياها من النخيل حين صار لهم بخيبر مال
ونخيل.
وفي هذه الغزوة قدم عليه ابن عمه جعفر بن أبي طالب وأصحابه،
ومعهم الأشعريون أبو موسى وأصحابه.
قال أبو موسى بلغنا مخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأخوان لي في بضع وخمسين رجلاً من قومي،
فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفراً وأصحابه عنده،
فقال: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعثنا وأمرنا بالإقامة، فأقيموا معنا،
فأقمنا معه حتى قدمنا فوافقنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين فتح خيبر، فأسهم
لنا، وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر شيئاً إلا لمن شهد معه، إلا لأصحاب سفينتنا مع
جعفر وأصحابه قسم لهم معهم.
ولما قدم جعفر على النبي صلى الله عليه وسلم تلقاه وقبله
وقال: و اللَّه ما أدري بأيهما أفرح؟ بفتح خيبر أم بقدوم جعفر.
وكان قدوم هؤلاء على أثر بعث الرسول صلى الله عليه وسلم إلى
النجاشي عمرو بن أمية الضمري يطلب توجيههم إليه فأرسلهم النجاشي على مركبين، وكانوا
ستة عشر رجلاً، معهم من بقي من نسائهم وأولادهم، وبقيتهم جاؤوا إلى المدينة قبل
ذلك.
ذكرنا أن صفية جعلت في السبايا حين قتل زوجها كنانة بن أبي
الحقيق لغدره، ولما جمع السبي جاء دحية بن خليفة الكلبي، فقال: يا نبي اللَّه أعطني
جارية من السبي، فقال: اذهب فخذ جارية، فأخذ صفية بنت حيي، فجاء رجل إلى النبي صلى
الله عليه وسلم فقال: يا نبي اللَّه أعطيت دحية صفية بنت حيي سيدة قريظة وبني
النضير، لا تصلح إلا لك، قال: ادعوه بها. فجاء بها، فلما نظر إليها النبي صلى الله
عليه وسلم قال: خذ جارية من السبي غيرها، وعرض عليها النبي صلى الله عليه وسلم
الإسلام فأسلمت، فأعتقها وتزوجها، وجعل عتقها صداقها، حتى إذا كان بسد الصهباء
راجعاً إلى المدينة حلت، فجهزتها له أم سليم، فأهدتها له من الليل، فأصبح عروساً
بها، وأولم عليها بحيس من التمر والسمن والسويق، وأقام عليها ثلاثة أيام في الطريق
ينبي بها.
ورأى بوجهها خضرة، فقال: ما هذا؟ قالت: يا رسول اللَّه رأيت
قبل قدومك علينا كأن القمر زال من مكانه، وسقط في حجري، ولا وا للَّه ما أذكر من
شأنك شيئاً، فقصصتها على زوجي، فلطم وجهي. فقال: تمنين هذا الملك الذي
بالمدينة.
أمر الشاة المسمومة:
ولما اطمأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بخيبر بعد فتحها
أهدت له زينب بنت الحارث، امرأة سلام بن مشكم شاة مصلية، وقد سألت أي عضو أحب إلى
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ؟ فقيل لها الذراع، فأكثرت فيها من السم، ثم سمت
سائر الشاة، ثم جاءت بها، فلما وضعتها بين يدي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
تناول الذراع، فلاك منها مضغة فلم يسغها، ولفظها، ثم قال: إن هذا العظم ليخبرني أنه
مسموم، ثم دعا بها فاعترفت،فقال: ما حملك على ذلك؟ قالت: قلت إن كان ملكاً استرحت
منه، وإن كان نبياً فسيخبر، فتجاوز عنها.
وكان معه بشر بن البراء بن معرور أخذ منها أكلة فأساغها
فمات منها.
واختلفت الروايات في التجاوز عن المرأة وقتلها، وجمعوا بأنه
تجاوز عنها أولاً.فلما مات بشر قتلها قصاصاً.
قتلى الفريقين في معارك
خيبر:
وجملة من استشهد من المسلمين في معارك خيبر ستة عشر رجلاً،
أربعة من قريش وواحد من أشجع، وواحد من أسلم، وواحد من أهل خيبر، والباقون من
الأنصار.
ويقال: إن شهداء المسلمين في هذه المعارك 18 رجلاً، وذكر
العلامة المنصور فوري 19 رجلاً ثم قال: إني وجدت بعد التفحص 23 اسماً، واحد منها في
الطبري فقط، وواحد عند الواقدي فقط، وواحد مات لأجل أكل الشاة المسمومة وواحد
اختلفوا هل قتل في بدر أو خيبر، والصحيح أنه قتل في بدر.
أما قتلى اليهود فعددهم ثلاثة وتسعون قتيلاً.
ولما بلغ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، بعث
محيصة بن مسعود إلى يهود فدك، ليدعوهم إلى الإسلام فأبطأوا عليه، فلما فتح اللَّه
خيبر قذف الرعب في قلوبهم، فبعثوا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصالحونه على
النصف من فدك بمثل ما صالح عليه أهل خيبر فقبل ذلك منهم، فكانت فدك لرسول اللَّه
صلى الله عليه وسلم خالصة، لأنه لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب.
ولما فرغ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من خيبر، انصرف
إلى وادي القرى وكان بها جماعة من اليهود، وانضاف إليهم جماعة من العرب.
فلما نزلوا استقبلتهم يهود بالرمي وهم على تعبئة، فقتل مدعم
عبد لرسول للَّه صلى الله عليه وسلم ، فقال الناس هنيئاً له الجنة، فقال النبي صلى
الله عليه وسلم كلا. والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم، لم
تصبها المقاسم، لتشتعل عليه ناراً. فلما سمع بذلك الناس جاء رجل إلى النبي صلى الله
عليه وسلم بشراك أو شراكين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم شراك من نار أو شراكان
من نار.
ثم عبأ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أصحابه للقتال.
وصفهم، ودفع لواءه إلى سعد بن عبادة، وراية إلى الحباب بن المنذر، وراية إلى سهل بن
حنيف، وراية إلى عبادة بن بشر، ثم دعاهم إلى الإسلام فأبوا، وبرز رجل منهم فبرز
إليه الزبير بن العوام فقتله، ثم برز آخر فقتله، ثم برز آخر فبرز إليه علي بن أبي
طالب رضي صلى الله عليه وسلم عنه فقتله، حتى قتل منهم أحد عشر رجلاً، كلما قتل منهم
رجل دعا من بقي إلى الإسلام.
وكانت الصلاة تحضر هذا اليوم، فيصلي بأصحابه. ثم يعود،
فيدعوهم إلى الإسلام وإلى اللَّه ورسوله، فقاتلهم حتى أمسوا، وغدا عليهم فلم ترتفع
الشمس قيد رمح حتى أعطوا ما بأيديهم، وفتحها عنوة، وغنمه اللَّه أموالهم، وأصابوا
أثاثاً ومتاعاً كثيراً.
وأقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بوادي القرى أربعة
أيام، وقسم على أصحابه ما أصاب بها، وترك الأرض والنخل بأيدي اليهود، وعاملهم عليها
كما عامل أهل خيبر.
ولما بلغ يهود تيماء خبر استسلام أهل خيبر ثم فدك ووادي
القرى لم يبدوا أي مقاومة ضد المسلمين بل بعثوا من تلقاء أنفسهم يعرضون الصلح، فقبل
ذلك منهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، وأقاموا بأموالهم. وكتب لهم بذلك كتاباً
وهاك نصه هذا كتاب محمد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لبني عادياً إن لهم الذمة،
وعليهم الجزية ولا عداء ولا جلاء، الليل مد، والنهار شد، وكتب خالد بن سعيد.
ثم أخذ رسول اللَّه في العودة إلى المدينة. وفي مرجعه ذلك
سار ليلة، ثم نام في آخر الليل ببعض الطريق، وقال لبلال اكلأ لنا الليل فغلبت
بلالاً عيناه، وهو مستند إلى راحلته، فلم يستيقظ أحد، حتى ضربتهم الشمس، وأول من
استيقظ بعد ذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، ثم خرج من ذلك الوادي، وتقدم، ثم
صلى الفجر بالناس، وقيل: إن هذه القصة في غير هذا السفر.
وبعد النظر في تفصيل معارك خيبر يبدو أن رجوع النبي صلى
الله عليه وسلم كان في أواخر صفر أو في ربيع الأول سنة 7هـ.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرف أكثر من كل قائد عسكري
أن إخلاء المدينة تماماً بعد انقضاء الأشهر الحرم ليس من الحزم قطعاً، بينما
الأعراب ضاربة حولها تطلب غرة المسلمين للقيام بالنهب والسلب وأعمال القرصنة، ولذلك
أرسل سرية إلى نجد لإرهاب الأعراب. تحت قيادة أبان بن سعيد، بينما كان هو إلى خيبر،
وقد رجع أبان بن سعيد بعد قضاء ما كان واجباً عليه، فوافى النبي صلى الله عليه وسلم
بخيبر، وقد افتتحها.
والأغلب أن هذه السرية كانت في صفر سنة 7هـ. ورد ذكر هذه
السرية في البخاري قال ابن حجر لم أعرف حال هذه السرية.
0 التعليقات:
إرسال تعليق