الحديث الأربعون:اغتنامُ الدُّنيا للفوزِ بالآخرة
- مفردات الحديث
- المعنى العام:(1-الرسول المربي صلى الله عليه وسلم 2-فناء الدنيا وبقاء الآخرة 3-الدنيا معبر وطريق للآخرة)
عن ابنِ عُمَرَ رضي اللهُ عنهما قال: أَخَذَ رسُول اللهِ صلى الله عليه
وسلم بِمَنْكِبَيَّ فقال : "كُنْ في الدُّنْيا كأنَّكَ غَرِيبٌ، أو عابرُ
سبِيل".
وكانَ ابنُ عُمَرَ رَضي اللهُ عنهما يقولُ: إذا أمْسَيْتَ فلا تَنْتظرِ
الصبَّاح، وإذا أصْبَحْتَ فلا تَنْتَظِرِ الَمسَاء، وخُذْ مِنْ صحَّتِك لِمَرضِك،
ومِنْ حَياتِك لِمَوْتِكَ. رَواهُ البُخاري.
مفردات الحديث:
"أخذ": أمسك.
"بمنكبيّ" بتشديد الياء، مثنَّى منكب،والمنكِب: مجتمع رأس العضد
والكتف.
"إذا أمسيت": دخلتفي المساء، وهو من الزوال إلى نصف
الليل.
"إذا أصبحت": دخلت في الصباح، وهو من نصف الليل إلى
الزوال.
المعنى العام:
الرسول المربي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معلماً لأصحابه ومربياً، وقد سبق في
تعليمه وتربيته لهم أحدث ما توصل إليه علماء التربية الحديثة من طرق ووسائل، فهو
يغتنم الفرص والمناسبات، ويضرب لهم الأمثال، وينقل لهم المعنى المجرد إلى محسوس
ومُشاهد، ويتخولهم بالموعظة ويخاطبهم بما تقتضيه حاجتهم، وتدركه
عقولهم.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث يأخد بمنكبيّ عبد الله بن
عمر، لينبهه إلى ما يُلقى إليه من علم، وليشعره باهتمامه وحرصه على إيصال هذا العلم
إلى قرارة نفسه. وحكمة ذلك ما فيه من التأنيس والتنبيه والتذكير، إذ محالٌ عادةً أن
يَنْسَى من فُعِل ذلك معه، ففيه دليل على محبته صلى الله عليه وسلم لابن
عمر.
فناء الدنيا وبقاء الآخرة: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185]
{وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ
أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان: 34].
فهذه الدنيا فانية مهما طال عمر الإنسان فيها، وهذه حقيقةٌ مشاهَدَةٌ،
نراها كل يوم وليلة، والحياة الباقية هي الحياة الأخروية.
فالمؤمن العاقل هو الذي لا يغتر بهذه الدنيا، ولا يسكن إليها ويطمئن
بها، بل يقصر أمله فيها، ويجعلها مزرعة يبذر فيها العمل الصالح ليحصد ثمراته في
الآخرة، ويتخذها مطية للنجاة على الصراط الممدود على متن جهنم، وقال رسول الله صلى
عليه وسلم: "مالي وللدنيا، إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب قَالَ في ظل شجرة ثم
راح وتركها". قَالَ: نام في النهار ليستريح.
الدنيا معبر وطريق للآخرة: والمؤمن إما غريب فيها أو عابر سبيل، فهو لا يركن إليها، ولا يُشْغَل
بزخرفها ويخدع بما فيها، إنما يستشعر المؤمن في نفسه وقلبه دائماً وأبداً، أن يعيش
في هذه الدنيا عيش الغريب عن وطنه، البعيد عن أهله وعياله، فهو دائماً وأبداً، في
شوق إلى الوطن، وفي حنين إلى لقيا الأهل والعيال والأحباب، ولا يزال قلبه يتلهف إلى
مفارقته فهو لا يشيد فيه بناء، ولا يقتني فراشاً ولا أساساً، بل يرضى بما تيسر له،
ويدخر من دار الغربة، ويجمع من الهدايا والتحف، ما يتنعم به في بلده، بين الأهل
وذوي القربى، لأنه يعلم أن هناك المقام والمستقر، وهكذا المؤمن يزهد في الدنيا،
لأنها ليست بدار مقام، بل هي لحظات بالنسبة للآخرة {فَمَا مَتَاعُ
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ} [التوبة: 38]
{وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} [غافر:
39].
بل إن المؤمن يعيش في هذه الدنيا ويستقر أقل مما يعيشه الغريب عن بلده
ويقيم، فإن الغريب ربما طاب له المقام، واتخذ المسكن والأهل والعيال، وليس هذا حال
المؤمن في الدنيا، بل هو كالمسافر في الطريق، يمر مَرّ الكرام، ونفسه تتلهف إلى
الوصول لموطنه ومستقره، والمسافر لا يتخذ في سفره المساكن بل يكتفي من ذلك بالقليل،
قدر ما يؤنسه لقطع مسافة عبوره، ويساعده على بلوغ غايته
وقصده.
وهكذا المؤمن في الدنيا يتخذ من مساكنها ومتاعها ما يكون عوناً في تحقيق
مبتغاه في الآخرة من الفوز برضوان الله تعالى ويتخذ من الخلان من يدله على الطريق،
ويساعده على الوصول إلى شاطئ السلامة {الأَخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ
لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67] ويكون حَذِراً فيها
من اللصوص وقُطَّاع الطرق الذين يبعدونه عن الله عز وجل وطاعته، كحال المسافر في
الصحراء {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي
اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا * يَا وَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ
فُلانًا خَلِيلا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ
الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولا} [الفرقان: 27- 29]. والمسافر يتزود
لسفره، والمؤمن يتزود من دينه لآخرته قال الله تعالى:{وتزوَّدُوا فإنَّ خيرَ
الزادِ التَّقوى، واتَّقونِ يا أُولي الألباب} [البقرة :
197].
على المسلم أن يبادر إلى فعل الخير، والإكثار من الطاعات والمبرات، فلا
يهمل ولا يمهل، على أمل التدارك في المستقبل، لأنه لا يدري متى ينتهي
أجله.
ما يستفاد الحديث:
على المسلم أن يغتنم المناسبات والفرص، إذا سنحت له، وقبل أن يفوت
الأوان.
وفي الحديث حث على الزهد في الدنيا، والإعراض من مشاغلها، وليس معنى ذلك
ترك العمل والسعي والنشاط، بل المراد عدم التعلق بها والاشتغال بها عن عمل
الآخرة.
شأن المسلم أن يجتهد في العمل الصالح، ويكثر من وجوه الخير، مع خوفه
وحذره دائماً من عقاب الله سبحانه وتعالى، فيزداد عملاً ونشاطاً، شأن المسافر الذي
يبذل جهده من الحذر والحيطة، وهو يخشى الانقطاع في الطريق، وعدم الوصول إلى
المقصد.
الحذر من صحبة الأشرار، الذين هم بمثابة قطاع الطرق، كي لا ينحرفوا
بالمسلم عن مقصده، ويحولوا بينه وبين الوصول إلى غايته.
العمل الدنيوي واجب لكف النفس وتحصيل النفع، والمسلم يسخِّر ذلك كله من
أجل الآخرة وتحصيل الأجر عند الله تعالى.
الاعتدال في العمل للدنيا والآخرة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق