الحديث الثالث والثلاثون:أُسُسُ القضاء في الإسلام
- أهمية الحديث
- مفردات الحديث
- المعنى العام:(1-سمو التشريع الإسلامي 2-البينة وأنواعها 3-البينة حجة المدعي واليمين حجة المدعى عليه 4-حجة المدعي مقدمة على حجة المدعى عليه 5-القضاء بالنكول 6- بم تكون اليمين 7-قضاء القاضي بعلمه 8-القضاء لا يُحِل حراماً ولا يُحرِّم حلالاً 9-أجر القاضي العادل )
عن ابن عَبَّاسٍ رضي اللُه عنهما: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم
قال: "لو يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لادَّعَى رِجَالٌ أموالَ قَوْمٍ
ودِماءَهُمْ لَكِنْ البَيِّنَةُ على المُدَّعِى والْيَمينُ على من أَنْكَرَ". حديث
حسَنٌ، رَوَاهُ الْبَيْهقي وغيرُهُ هكذا، وبَعْضُهُ في
الصحِيحَين.
أهمية الحديث:
قال شيخ الإسلام ابن دقيق العيد: وهذا الحديث أصل من أصول الأحكام،
وأعظم مرجع عند التنازع والخصام.
مفردات الحديث:
"لادَّعى رجال": أي لاستباح بعض الناس دماء غيرهم وأموالهم وطلبوها دون
حق.
"البَيِّنَةُ": هي الشهود، مأخوذة من البيان وهو الكشف والإظهار، أو
إقرار المدعَى عليه وتصديقه للمدعي.
"على المُدَّعِي": وهو من يدعي الحق على غيره يُطالبه
به.
"الْيَمينُ" : الحَلِفُ على نفي ما ادعي به عليه.
"على من أَنْكَرَ": منكر الدعوى وهو المدعى عليه.
المعنى العام:
سموُّ التشريع الإسلامي: الإسلام منهج متكامل للحياة، فيه العقيدة الصافية، والعبادة الخالصة،
والأخلاق الكريمة، والتشريع الرفيع، الذي يضمن لكل ذي حق حقه، ويصون لكل فرد دمه
وماله وعرضه، ولما كان القضاء هو المرجع والأساس في فصل المنازعات وإنهاء الخصومات،
والحكم الفصل في إظهار الحقوق وضمانها لأصحابها، وضع له الإسلام القواعد والضوابط
التي تمنع ذوي النفوس المريضة من التطاول والتسلط، وتحفظ الأمة من العبث والظلم،
وخير مثال على ذلك حديث الباب، الذي يشرط ظهور الحجج لصحة الدعوى ومضائها، ويقرر ما
هي حجة كل من المتداعيين المناسبة له، والتي يعتمد عليها القاضي في تعرف الحق
وإصدار الحكم على وفقه.
البينة وأنواعها: أجمع العلماء على أن المراد بالبينة الشهادة، لأنها تكشف الحق وتظهر
صدق المدعي غالباً، والشهادة هي طريق هذا الكشف والإظهار، لأنها تعتمد على المعاينة
والحضور.
والثابت في شرع الله عز وجل أنواع أربعة
للشهادات:
الشهادة على الزنا: وهذه يشترط فيها أربعة رجال ولا يُقبل فيها قول
النساء . [انظر الفقه شروط ثبوت الزنا ].
الشهادة على القتل والجرائم التي لها عقوبات محددة: كالسرقة وشرب الخمر
والقذف،وتسمى في الفقه بالحدود، ويشترط فيها رجلان، ولا يُقبل فيها قول النساء
أيضاً.
الشهادة لإثبات الحقوق المالية: كالبيع والقرض والإجارة، فإنها يقبل
فيها شهادة رجلين أو رجل وامرأتين.
الشهادة على ما لا يطلع عليه والرجال غالباً من شؤون النساء: كالولادة
والبَكَارة والرضاع ونحوها، وهذا النوع تقبل فيه شهادة النساء وإن انفردن عن
الرجال، وربما قُبِلت فيه شهادة المرأة الواحدة كما هو مذهب الحنفية
.
البينة حجة المدعي واليمين حجة المدَّعى عليه: القاضي المسلم مأمور بالقضاء لمن قامت الحجة على صدقه، سواء أكان مدعياً
أم مدعىً عليه، وقد جعل الشرع الحكيم البينة حجة المدعي إذا أقامها استحق بها ما
ادعاه، كما جعل اليمين حجة المدعى عليه فإذا حلف برىء مما ادعي
عليه.
وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للمدعي:"شاهداك أو يمينه"
رواه مسلم.
حجة المدعي مُقَدَّمة على حجة المدعى عليه: إذا توفرت شروط
الدعوى لدى القضاء سمعها القاضي. ثم سأل المدعى عليه عنها: فإذا أقر بها قضي عليه،
لأن الإقرار حجة يُلْزَم بها المُقِر. وإن أنكر، طلب القاضي من المدعي البينة، فإن
أتى بها قضي له، ولم يلتفت إلى قول المدعى عليه أو إنكاره وإن غَلَّظ الأَيْمَان.
فإن عَجَز المدعى عن إقامة البينة، وطلب يمين خصمه، استحلفه القاضي، فإن حلف برىء
وانتهت الدعوى.
القضاء بالنُّكُول: إذا توجهت اليمين على المدعى عليه فنكل عنها، أي رفض أن يحلف وامتنع عن
اليمين، قضي عليه بالحق الذي ادعاه المدعي لدى الحنفية
والحنابلة.
قال المالكية والشافعية: لا يقضى عليه بالنكول، إنما ترد اليمين على
المدعي.
بم تكون اليمين: إذا توجهت اليمين على أحد من المتخاصمين حلَّفه القاضي بالله تعالى،
ولا يجوز أن يحلِّفه بغير ذلك: سواء كان الحالف مسلماً أم غير مسلم. روى البخاري
ومسلم وغيرهما: عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن
الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو
ليصمُت".
ومن هذا: إحضار المصحف وتحليفه عليه إن كان الحالف مسلماً، مع مراعاة
شروط مس القرآن وحمله وآدابه، وأن يحلف بالله تعالى الذي أنزل التوارة على موسى إن
كان يهودياً، وبالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى إن كان نصرانياً، وبالله تعالى
الذي خلقه وصوره إن كان وثنياً، ونحو ذلك.
آداب اليمين: إذا توجهت اليمين على الحالف فيستحب للقاضي ونحوه أن يعظه قبل الحلف،
ويحذره من اليمين الكاذبة.
فإن كان من توجهت عليه اليمين يعلم من نفسه الكذب وجب عليه أن يعترف
بالحق الذي عليه، ويتورع عن الحلف، حتى لا يقع في غضب الله تعالى والحرمان من
رحمته.
وإن كان يعلم من نفسه الصدق كان الأولى في حقه أن يحلف، وربما وجب عليه
ذلك، لأن الله تعالى شرع اليمين في هذه الحالة حتى يصون المسلم حقه من
الضياع.
تحليف الشهود: للقاضي أن يستحلف الشهود، تقوية لشهادتهم، ودفعاً
للريبة.
قضاء القاضي بعلمه: إذا كان القاضي على علم بحقيقة الدعوى التي رفعت إليه، فليس له أن يحكم
بمقتضى علمه، وإنما يحكم بناء على ما يتوفر له من الحجج الظاهرة للمدعي أو المدعى
عليه، حتى ولو كانت هذه الحجج مخالفة لعلمه.
القضاء لا يُحِلّ حراماً ولا يُحَرِّم حلالاً: إذا توفرت لدى القضاء وسائل الإثبات أو النفي من الحجج الظاهرة كالبينة
أو اليمين قضى بها، لأنه مأمور باتباع ما ظهر له من الأدلة كما علمنا، فيلزم المقضي
عليه بتنفيذ ما قضي به. ولكن هذا القضاء قد يكون على خلاف الحق من حيث الواقع، كما
لو أتى المدعي بشاهدي زور، أو حلف المدعى عليه يميناً كاذبة، ففي هذه الحالة لا يحل
للمقضي له ما قضي به، وهو يعلم من نفسه أنه ليس بحق له، كما لا يحرم على المقضي
عليه ما يعلم من نفسه أنه حلال له وحق.
ومثال ذلك: ما لو شهد شاهدان بطلاق امرأة زوراً، وأنكر الزوج تطليقها،
وحكم القاضي بالفراق، فإنه لا يحل لهذه المرأة أن تتزوج بأحد غير زوجها الأول،
لأنها ما زالت زوجة في شرع الله عز وجل، كما لا يحرم على زوجها معاشرتها، لأنها في
الحقيقة لم تطلق منه.
أجر القاضي العادل: إن واجب القاضي أن يبذل جهده للتعرف على جوانب الدعوى، ويقضي بحسب ما
توصل إليه اجتهاده أنه الحق، وظن أنه الصواب، قال صلى الله عليه وسلم " إذا حكم
الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإن حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر". [متفق
عليه].
روى أبو داود وغيره: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "القضاة ثلاثة:
واحد في الجنة واثنان في النار: فأما الذي في الجنة: فرجل عرف الحق فقضى به، ورجل
عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في
النار".
0 التعليقات:
إرسال تعليق