بيعة العقبة
بيعة
العقبة الأولى
سفير
الإسلام في المدينة
النجاح
المغتبط
بيعة
العقبة الثانية
بداية
المحادثة وتشريح العباس لخطورة المسؤولية
بنود
البيعة
التأكيد
من خطورة البيعة
عقد
البيعة
اثنا
عشر نقيباً
شيطان
يكتشف المعاهدة
استعدادات
الأنصار لضرب قريش
قريش
تقدم الاحتجاج إلى رؤساء يثرب
تأكد
الخبر لدى قريش ومطاردة المبايعين
بيعة العقبة الأولى
قد ذكرنا أن ستة نفر من أهل يثرب أسلموا في موسم الحج سنة
11 من النبوة وواعدوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إبلاغ رسالته في قومهم.
وكان من جراء ذلك أن جاء في الموسم التالي موسم الحج سنة 12
من النبوة يوليو سنة 621م اثنا عشر رجلاً، فيهم خمسة من الستة الذين كانوا قد
اتصلوا برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في العام السابق، والسادس الذي لم يحضر هو
جابر بن عبد اللَّه بن رئاب، وسبعة سواهم. وهم:
- معاذ بن الحارث، ابن عفراء من بني النجار (من الخزرج)
- ذكوان بن عبد القيس من بني زريق (من الخزرج)
- عبادة بن الصامت من بني غنم (من الخزرج)
- يزيد بن ثعلب (من حلفاء بني غنم (من الخزرج)
- العباس بن عبادة بن نضلة من بني سالم (من الخزرج)
- أبو الهيثم بن التيهان من بني عبد الأشهل (الأوس)
- عويم بن ساعدة من بني عمرو بن عوف (الأوس)
الأخيران من الأوس، والبقية كلهم من الخزرج.
اتصل هؤلاء برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عند العقبة
بمنى، فبايعوه بيعة النساء، أي وفق بيعتهن التي نزلت عند فتح مكة.
روى البخاري عن عبادة بن الصامت أن رسول اللَّه صلى الله
عليه وسلم قال: تعالوا بايعوني على أن لا تشركوا باللَّه شيئاً، ولا تسرقوا، ولا
تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا
تعصوني في معروف فمن وفى منكم فأجره على اللَّه، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به في
الدنيا فهو له كفارة، ومن أصاب من ذلك شيئاً فستره اللَّه، فأمره إلى اللَّه، إن
شاء عاقبه، وإن شاء عفا عنه قال: فبايعته وفي نسخة فبايعناه على ذلك.
وبعد أن تمت البيعة وانتهى الموسم بعث النبي صلى الله عليه
وسلم مع هؤلاء المبايعين أول سفيره في يثرب، ليعلم المسلمين فيها شرائع الإسلام،
ويفقههم في الدين، وليقوم بنشر الإسلام بين الذين لم يزالوا على الشرك، واختار لهذه
السفارة شاباً من شباب الإسلام من السابقين الأولين، وهو مصعب بن عمير العبدري رضي
اللَّه عنه.
نزل مصعب بن عمير على أسعد بن زرارة، وأخذا يبثان الإسلام
في أهل يثرب بجد وحماس، وكان مصعب يعرف بالمقرىء.
ومن أروع ما يروى من نجاحه في الدعوة أن أسعد بن زرارة خرج
به يوماً يريد دار بني عبد الأشهل ودار بني ظفر، فدخلا في حائط من حوائط بني ظفر،
وجلسا على بئر يقال لها بئر مرق، واجتمع إليهما رجال من المسلمين وسعد بن معاذ
وأسيد بن حضير سيدا قومهما من بني عبد الأشهل يومئذ على الشرك، فلما سمعا بذلك قال
سعد لأسيد اذهب إلى هذين اللذين قد أتيا ليسفها ضعفاءنا فازجرهما، وانههما عن أن
يأتيا دارينا، فإن أسعد بن زرارة ابن خالتي، ولولا ذلك لكفيتك هذا.
فأخذ أسيد حربته وأقبل إليهما، فلما رآه أسعد قال لمصعب هذا
سيد قومه قد جاءك فاصدق اللَّه فيه، قال مصعب إن يجلس أكلمه. وجاء أسيد فوقف عليهما
متشتماً، وقال: ما جاء بكما إلينا؟ تسفهان ضعفاءنا؟ اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما
حاجة، فقال له مصعب أو تجلس فتسمع، فإن رضيت أمراً قبلته، وإن كرهته كف عنك ما
تكره، فقال: أنصفت، ثم ركز حربته وجلس، فكلمه مصعب بالإسلام، وتلا عليه القرآن.
قال: فواللَّه لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم، في إشراقه وتهلله، ثم قال: ما
أحسن هذا وأجمله؟ كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين؟
قالا له تغتسل، وتطهر ثوبك، ثم تشهد شهادة الحق، ثم تصلي
ركعتين. فقام واغتسل وطهر ثوبه وتشهد وصلى ركعتين، ثم قال: إن ورائي رجلاً إن
تبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه، وسأرشده إليكما الآن، سعد بن معاذ، ثم أخذ حربته
وانصرف إلى سعد في قومه، وهم جلوس في ناديهم. فقال سعد أحلف باللَّه لقد جاءكم بغير
الوجه الذي ذهب به عمن عندكم.
فلما وقف أسيد على النادي قال له سعد ما فعلت؟ فقال: كلمت
الرجلين فواللَّه ما رأيت بهما بأساً، وقد نهيتهما فقالا نفعل ما أحببت.
وقد حدث أن بني حارثة خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه،
وذلك أنهم قد عرفوا أنه ابن خالتك، ليخفروك. فقام سعد مغضباً للذي ذكر له، فأخذ
حربته، وخرج إليهما، فلما رآهما مطمئنين عرف أن أسيداً إنما أراد منه أن يسمع
منهما، فوقف عليهما متشتماً، ثم قال لأسعد بن زرارة واللَّه يا أبا أمامة لولا ما
بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا مني، تغشانا في دارنا بما نكره؟
وقد كان سعد قال لمصعب جاءك واللَّه سيد من ورائه قومه، إن
يتبعك لم يتخلف عنك منهم أحد، فقال مصعب لسعد بن معاذ أو تقعد فتسمع؟ فإن رضيت
أمراً قبلته، وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره، قال: قد أنصفت، ثم ركز حربته فجلس. فعرض
عليه الإسلام، وقرأ عليه القرآن، قال: فعرفنا واللَّه في وجهه الإسلام قبل أن
يتكلم، في إشراقه وتهلله، ثم قال: كيف تصنعون إذا أسلمتم؟ قالا تغتسل، وتطهر ثوبك،
ثم تشهد شهادة الحق، ثم تصلي ركعتين. ففعل ذلك.
ثم أخذ حربته فأقبل إلى نادي قومه، فلما رأوه قالوا: نحلف
باللَّه لقد رجع بغير الوجه الذي ذهب به.
فلما وقف عليهم قال: يا بني عبد الأشهل، كيف تعلمون أمري
فيكم؟ قالوا: سيدنا وأفضلنا رأياً، وأيمننا نقيبة، قال: فإن كلام رجالكم ونسائكم
علي حرام حتى تؤمنوا باللَّه ورسوله. فما أمسى فيهم رجل ولا امرأة إلا مسلماً
ومسلمة إلا رجل واحد - وهو الأصيرم - تأخر إسلامه إلى يوم أحد، فأسلم ذلك اليوم
وقاتل وقتل، ولم يسجد للَّه سجدة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : عمل قليلاً وأجر
كثيراً.
وأقام مصعب في بيت أسعد بن زرارة يدعو الناس إلى الإسلام
حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون إلا ما كان من دار بني
أمية بن زيد وخطمة ووائل. كان فيهم قيس بن الأسلت الشاعر، وكانوا يطيعونه، فوقف بهم
عن الإسلام حتى كان عام الخندق سنة خمس من الهجرة.
وقبل حلول موسم الحج التالي - أي حج السنة الثالثة عشر -
عاد مصعب بن عمير إلى مكة يحمل إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بشائر الفوز،
ويقص عليه خبر قبائل يثرب، وما فيها من مواهب الخير، وما لها من قوة ومنعة.
بيعة العقبة
الثانية
في موسم الحج في السنة الثالثة عشر من النبوة يونيو سنة
622م، حضر لأداء مناسك الحج بضع وسبعون نفساً من المسلمين من أهل يثرب، جاؤوا ضمن
حجاج قومهم من المشركين، وقد تساءل هؤلاء المسلمون فيما بينهم، وهم لم يزالوا في
يثرب أو كانوا في الطريق، حتى متى نترك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يطوف ويطرد
في جبال مكة ويخاف؟.
فلما قدموا مكة جرت بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم
اتصالات سرية أدت إلى اتفاق الفريقين على أن يجتمعوا في أوسط أيام التشريق في الشعب
الذي عند العقبة حيث الجمرة الأولى من منى، وأن يتم هذا الاجتماع في سرية تامة في
ظلام الليل.
ولنترك أحد قادة الأنصار يصف لنا هذا الاجتماع التاريخي
الذي حول مجرى الأيام في صراع الوثنية والإسلام. يقول كعب بن مالك الأنصاري رضي
اللَّه عنه.
"خرجنا
إلى الحج، وواعدنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالعقبة من أوسط أيام التشريق،
وكانت الليلة التي واعدنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لها، ومعنا عبد اللَّه بن
عمرو بن حرام، سيد من ساداتنا وشريف من أشرافنا، أخذناه معنا، وكنا نكتم من معنا من
قومنا من المشركين أمرنا، فكلمناه وقلنا له يا أبا جابر، إنك سيد من ساداتنا، وشريف
من أشرافنا، وإنا نرغب بك عما أنت فيه أن تكون حطباً للنار غداً. ثم دعوناه إلى
الإسلام وأخبرناه بميعاد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إيانا العقبة، قال: فأسلم
وشهد معنا العقبة، وكان نقيباً".
قال كعب: "فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا حتى إذا مضى
ثلث الليل خرجنا من رحالنا لمعاد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، نتسلل تسلل
القطا مستخفين حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة، ونحن ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان
من نسائنا: نسيبة بنت كعب، أم عمارة، من بني مازن بن النجار، وأسماء بنت عمرو، أم
منيع، من بني سلمة.
فاجتمعنا في الشعب ننتظر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
حتى جاءنا، ومعه (عمه) العباس بن عبد المطلب، وهو يومئذ على دين قومه، إلا أنه أحب
أن يحضر أمر ابن أخيه، ويتوثق له، وكان أول متكلم".
بداية المحادثة وتشريح العباس
لخطورة المسؤلية:
وبعد أن تكامل المجلس بدأت المحادثات لإبرام التحالف الديني
والعسكري، وكان أول المتكلمين هو العباس بن عبد المطلب عم رسول اللَّه صلى الله
عليه وسلم تكلم ليشرح لهم، بكل صراحة، خطورة المسؤلية التي ستلقى على كواهلهم نتيجة
هذا التحالف قال:
"يا
معشر الخزرج، - وكان العرب يسمون الأنصار خزرجاً، خزرجها وأوسها كليهما -، إن
محمداً منا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا فيه، فهو في عز
من قومه، ومنعة في بلده. وإنه قد أبى إلا الانحياز إليكم واللحوق بكم، فإن كنتم
ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه، ومانعوه ممن خالفه، فأنتم وما تحملتم من ذلك.
وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن فدعوه، فإنه في عز
ومنعة من قومه وبلده.
قال كعب فقلنا له قد سمعنا ما قلت، فتكلم يا رسول اللَّه،
فخذ لنفسك ولربك ما أحببت.
وهذا الجواب يدل على ما كانوا عليه من عزم وتصميم وشجاعة
وإيمان وإخلاص في تحمل هذه المسؤولية العظيمة، وتحمل عواقبها الخطيرة.
وألقى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بيانه، ثم
تمت البيعة.
بنود البيعة:
وقد روى ذلك الإمام أحمد عن جابر مفصلاً، قال جابر قلنا: يا
رسول اللَّه على ما نبايعك؟ قال:
- على السمع والطاعة في النشاط والكسل.
- وعلى النفقة في العسر واليسر.
- وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- وعلى أن تقوموا في اللَّه، لا تأخذكم في اللَّه لومة لائم.
- وعلى أن تنصروني إذا قدمت إليكم، وتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم، ولكم الجنة.
وفي رواية كعب التي رواها ابن إسحاق البند الأخير فقط من
هذه البنود، ففيه قال كعب فتكلم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فتلا القرآن،
ودعا إلى اللَّه، ورغب في الإسلام، ثم قال: أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه
نساءكم وأبناءكم. فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال: نعم، والذي بعثك بالحق (نبياً)
لنمنعنك مما نمنع أزرنا منه فبايعنا يا رسول اللَّه، فنحن واللَّه أبناء الحرب وأهل
الحلقة، ورثناها كابراً (عن كابر).
قال: فاعترض القول والبراء يكلم رسول اللَّه صلى الله عليه
وسلم أبو الهيثم بن التيهان، فقال: يا رسول اللَّه إن بيننا وبين الرجال حبالاً،
وإنا قاطعوها - يعني اليهود - فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك، ثم أظهر اللَّه أن ترجع
إلى قومك وتدعنا؟
قال: فتبسم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، ثم قال: بل
الدم الدم، والهدم الهدم، أنا منكم وأنتم مني، أحارب من حاربتم، وأسالم من
سالمتم.
وبعد أن تمت المحادثة حول شروط البيعة، وأجمعوا على الشروع
في عقدها قام رجلان من الرعيل الأول ممن أسلموا في مواسم سنتي 11 و12 من النبوة،
قام أحدهما تلو الآخر، ليؤكدا للقوم خطورة المسؤلية، حتى لا يبايعوه إلا على جلية
من الأمر، وليعرفا مدى استعداد القوم للتضحية ويتأكدا من ذلك.
قال ابن إسحاق لما اجتمعوا للبيعة قال العباس بن عبادة بن
نضلة هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل؟ قالوا: نعم، قال: إنكم تبايعونه على حرب
الأحمر والأسود من الناس. فإن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة، وأشرافكم
قتلا أسلمتموه، فمن الآن، فهو واللَّه إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة. وإن كنتم ترون
أنكم وافون بما دعوتموه إليه على نهكة الأموال وقتل الأشراف فخذوه، فهو واللَّه خير
الدنيا والآخرة.
قالوا: فإنا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف، فما لنا
بذلك يا رسول اللَّه إن نحن وفينا بذلك؟ قال: الجنة. قالوا ابسط يدك، فبسط يده
فبايعوه.
وفي رواية جابر (قال): فقمنا نبايعه، فأخذ بيده أسعد بن
زرارة، وهو أصغر السبعين، فقال رويداً يا أهل يثرب، إنا لم نضرب إليه أكباد الإبل
إلا ونحن نعلم أنه رسول اللَّه، وأن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة، وقتل خياركم،
وأن تعضكم السيوف، فإما أنتم تصبرون على ذلك فخذوه، وأجركم على اللَّه، وإما أنتم
تخافون من أنفسكم خيفة فذروه فهو أعذر لكم عند اللَّه.
عقد البيعة:
وبعد إقرار بنود البيعة، وبعد هذا التأكيد والتأكد بدأ عقد
البيعة بالمصافحة، قال جابر بعد أن حكى قول أسعد بن زرارة فقالوا يا أسعد، أمط عنا
يدك. فواللَّه لا نذر هذه البيعة، ولا نستقيلها.
وحينئذ عرف أسعد مدى استعداد القوم للتضحية في هذا السبيل،
وتأكد منه، وكان هو الداعية الكبير مع مصعب بن عمير، وبالطبع فكان هو الرئيس الديني
على هؤلاء المبايعين، فكان هو السابق إلى هذه البيعة. قال ابن إسحاق: فبنو النجار
يزعمون أن أبا أمامة أسعد بن زرارة كان أول من ضرب على يده. وبعد ذلك بدأت البيعة
العامة، قال جابر: فقمنا إليه رجلاً رجلاً فأخذ علينا البيعة، يعطينا بذلك
الجنة.
وأما بيعة المرأتين اللتين شهدتا الوقعة فكانت قولاً. ما
صافح رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم امرأة أجنبية قط.
وبعد أن تمت البيعة طلب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
انتخاب اثني عشر زعيماً يكونون نقباء على قومهم، يكفلون المسؤلية عنهم في تنفيذ
بنود هذه البيعة، فقال للقوم، أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيباً ليكونوا على قومكم
بما فيهم.
فتم انتخابهم في الحال، وكانوا تسعة من الخزرج وثلاثة من
الأوس. وهاك أسماءهم:
- أسعد بن زرارة بن
عدس.
- سعد بن الربيع بن عمرو.
- عبد اللَّه بن رواحة بن ثعلبة.
- رافع بن مالك بن العجلان.
- البراء بن معرور بن صخر.
- عبد اللَّه بن عمرو بن حرام.
- عبادة بن الصامت بن قيس.
- سعد بن عبادة بن دليم.
- المنذر بن عمرو بن خنيس.
نقباء الأوس:
- أسيد بن حضير بن سماك.
- سعد بن خيثمة بن الحارث.
- رفاعة بن عبد المنذر بن زبير.
ولما تم انتخاب هؤلاء النقباء أخذ عليهم النبي صلى الله
عليه وسلم ميثاقاً آخر بصفتهم رؤساء مسؤولين.
قال لهم أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ككفالة الحواريين
لعيسى ابن مريم وأنا كفيل على قومي - يعني المسلمين - قالوا: نعم.
شيطان يكتشف المعاهدة:
ولما تم إبرام المعاهدة، وكان القوم على وشك الانفضاض،
اكتشفها أحد الشياطين وحيث جاء هذا الاكتشاف في اللحظة الأخيرة، ولم يكن يمكن إبلاغ
زعماء قريش هذا الخبر سراً ليباغتوا المجتمعين، وهم في الشعب قام ذلك الشيطان على
مرتفع من الأرض، وصاح بأنفذ صوت سمع قط: "يا أهل الأخاشب - المنازل - هل لكم في
محمد والصبأة معه؟ قد اجتمعوا على حربكم".
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : هذا أزب العقبة، أما
واللَّه يا عدو اللَّه لأتفرغن لك. ثم أمرهم أن ينفضوا إلى رحالهم.
استعداد الأنصار لضرب
قريش:
وعند سماع صوت هذا الشيطان قال العباس بن عبادة بن نضلة:
"والذي بعثك بالحق، إن شئت لنميلن على أهل منى غداً بأسيافنا".
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم :لم نؤمر بذلك، ولكن
ارجعوا إلى رحالكم، فرجعوا وناموا حتى أصبحوا.
قريش تقدم الاحتجاج إلى رؤساء
يثرب:
ولما قرع هذا الخبر آذان قريش وقعت فيهم ضجة أثارت القلاقل
والأحزان، لأنهم كانوا على معرفة تامة من عواقب مثل هذه البيعة ونتائجها بالنسبة
إلى أنفسهم وأموالهم، فما إن أصبحوا حتى توجه وفد كبير من زعماء مكة وأكابر مجرميها
إلى مخيم أهل يثرب، ليقدم احتجاجه الشديد على هذه المعاهدة. فقد قال:
"يا
معشر الخزرج، إنه قد بلغنا أنكم قد جئتم إلى صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا،
وتبايعونه على حربنا، وإنه واللَّه ما من حي من العرب أبغض إلينا من أن تنشب الحرب
بيننا وبينهم منكم".
ولما كان مشركو الخزرج لا يعرفون شيئاً عن هذه البيعة لأنها
تمت في سرية تامة وفي ظلام الليل، انبعث هؤلاء المشركون يحلفون باللَّه ما كان من
شيء، وما علمناه، حتى أتوا عبد اللَّه بن أبي بن سلول، فجعل يقول هذا باطل، وما كان
هذا، وما كان قومي ليفتاتوا على مثل هذا. لو كنت بيثرب ما صنع قومي هذا حتى
يؤامروني.
أما المسلمون فنظر بعضهم إلى بعض، ثم لاذوا بالصمت، فلم
يتحدث أحد منهم بنفي أو إثبات.
ومال زعماء قريش إلى تصديق المشركين، فرجعوا خائبين.
تأكد الخبر لدى قريش ومطاردة
المبايعين:
عاد زعماء مكة وهم على شبه اليقين من كذب هذا الخبر، لكنهم
لم يزالوا يتنطسونه - يكثرون البحث عنه ويدققون النظر فيه - حتى تأكد لديهم أن
الخبر صحيح، والبيعة قد تمت فعلاً. وذلك بعد ما نفر الحجيج إلى أوطانهم، فسارع
فرسانهم بمطاردة اليثربيين، ولكن بعد فوات الأوان، إلا أنهم تمكنوا من رؤية سعد بن
عبادة والمنذر بن عمرو فطاردوهما، فأما المنذر فأعجز القوم، وأما سعد فألقوا القبض
عليه، فربطوا يديه إلى عنقه بنسع رحله وجعلوا يضربونه ويجرونه ويجرون شعره حتى
أدخلوه مكة، فجاء المطعم بن عدي والحارث بن حرب بن أمية فخلصاه من أيديهم. إذ كان
سعد يجير لهما قوافلهما المارة بالمدينة، وتشاورت الأنصار حين فقدوه أن يكروا إليه،
فإذا هو قد طلع عليهم فوصل القوم جميعاً إلى المدينة.
هذه هي بيعة العقبة الثانية - التي تعرف ببيعة العقبة
الكبرى - وقد تمت في جو تعلوه عواطف الحب والولاء والتناصر بين أشتات المؤمنين،
والثقة والشجاعة والاستبسال في هذا السبيل. فمؤمن من أهل يثرب يحنو على أخيه
المستضعف في مكة، ويتعصب له، ويغضب من ظالمه، وتجيش في حناياه مشاعر الود لهذا الأخ
الذي أحبه بالغيب في ذات اللَّه.
ولم تكن هذه المشاعر والعواطف نتيجة نزعة عابرة تزول على مر
الأيام، بل كان مصدرها هو الإيمان باللَّه وبرسوله وبكتابه، إيمان لا يزول أمام أي
قوة من قوات الظلم والعدوان، إيمان إذا هبت ريحه جاءت بالعجائب في العقيدة والعمل.
وبهذا الإيمان استطاع المسلمون أن يسجلوا على أوراق الدهر أعمالاً، ويتركوا عليها
آثاراً خلا عن نظائرها الغابر والحاضر، وسوف يخلو المستقبل.
0 التعليقات:
إرسال تعليق