صلاة الاستسقاء
- تعريف الاستسقاء
- مشروعية صلاة الاستسقاء
- صفة صلاة الاستسقاء ووقتها والمكلف بها والقراءة فيها
- خطبة الاستسقاء
- ما يستحب في الاستسقاء أو وظائف الاستسقاء
تعريف الاستسقاء:
الاستسقاء: لغة: طلب السقيا، وشرعاً: طلب السقي من الله تعالى بمطر عند
حاجة العباد إليه على صفة مخصوصة أي بصلاة وخطبة واستغفار وحمد
وثناء.
سبب الاستسقاء: قلة الأمطار، وشح المياه، والشعور بالحاجة لسقي الزرع وشرب الحيوان،
ويحدث الجفاف عادة ابتلاء من الله تعالى، بسبب غفلة الناس عن ربهم، وتفشي المعاصي
بينهم، فيحتاج الأمر للتوبة والاستغفار والتضرع إلى الله تعالى، فإذا فعل العباد
ذلك، تفضل عليهم خالقهم وأنعم عليهم بإنزال المطر، كما قص علينا القرآن الكريم من
دعاء الأنبياء نوح وموسى وهود عليهم السلام لإغاثة أقوامهم، قال تعالى عن نوح:
{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلْ
السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ
وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10 -
13].
مشروعية صلاة الاستسقاء:
ليس في الاستسقاء صلاة مسنونة في جماعة، فإذا صلى الناس فرادى أو
وُحدانا، جاز من غير كراهة، لأنها نفل مطلق، وإنما الاستسقاء: دعاء واستغفار، لأنه
السبب لإرسال الأمطار، بلا جماعة مسنونة، وبلا خطبة، وبلا قلب رداء، وبلا حضور ذمي،
لقوله تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا *
يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} ورسول الله صلى الله عليه وسلم
استسقى، ولم يرو عنه الصلاة.
وذهب جمهور الفقهاء إلى أن: صلاة الاستسقاء سنة مؤكدة حضراً وسفراً، عند
الحاجة، ثابتة بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه، رضي الله عنهم. وتكرر في
أيام ثانياً وثالثاً وأكثر، إن تأخر السقي، حتى يسقيهم الله تعالى، فإن الله يحب
الملحين في الدعاء.
ودليل سنيتها أحاديث متعددة منها حديث ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه
وسلم صلى في الاستسقاء ركعتين، كصلاة العيد. رواه أبو داود
الترمذي.
وإن تأهب الناس لصلاة الاستسقاء، فسقوا وأمطروا قبلها، صلوها عند
المالكية لطلب سعة، واجتمعوا عند الشافعية للشكر والدعاء، ويصلون صلاة
الاستسقاء المعروفة شكراً أيضاً، على الصحيح، كما يجتمعون للدعاء ونحوه، ويخطب بهم
الإمام أيضاً، ولو سقوا في أثنائها أتموها، جزماً.
وعند الحنابلة : لا يخرج الناس حينئذ للصلاة، وشكروا الله على نعمته،
وسألوه المزيد من فضله. أما إن خرجوا فأمطروا قبل أن يصلوا، صلوا شكراً لله تعالى،
وحمدوه ودعوه.
صفة صلاة الاستسقاء ووقتها والمكلف بها والقراءة
فيها:
اتفق الجمهور غير أبي حنيفة على أن صلاة الاستسقاء ركعتان بجماعة في المصلى بالصحراء خارج البلد،
بلا أذان ولا إقامة، وإنما ينادى لها "الصلاة جامعة" لأنه صلى الله عليه وسلم لم
يقمها إلا في الصحراء، وهي أوسع من غيرها في المصلى، ويجهر فيهما بالقراءة، كصلاة
العيد، بتكبيراته عند الشافعية والحنابلة بعد الافتتاح قبل التعوذ، سبعاً في الركعة
الأولى، وخمساً في الثانية برفع يديه ووقوفه بين كل تكبيرتين كآية معتدلة، قال ابن
عباس : "سنة الاستسقاء سنة العيدين" فتسن في الصحراء، مع تكبير العيد، بلا أذان ولا
إقامة، لأنها صلاة شرع لها الاجتماع والخطبة.
ويجعل عند المالكية الاستغفار بدل التكبير، فليس في الاستسقاء تكبير، بل فيه الاستغفار بدل
التكبير.
ويقرأ في الصلاة ما شاء جهراً، كما في صلاة العيدين، والأفضل أن يقرأ
فيهما عند المالكية بسبح، والشمس وضحاها، وعند الحنابلة والصاحبين مثلما
يقرأ في صلاة العيد بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية، وإن شاء قرأ في
الركعة الأولى بـ{إنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً} لمناسبتها الحال، وفي الركعة
الثانية سورة أخرى من غير تعيين.
وعند الشافعية: يقرأ في الأولى جهراً بسورة "ق" وفي الثانية: و"اقتربت" في الأصح، أو
بسبح والغاشية، قياساً لا نصاً.
والمستحب الخروج إلى الصحراء، إلا في مكة والمدينة وبيت المقدس ففي
المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى، فيخرج الناس ثلاثة أيام مشاة في ثياب
خَلِقة غَسِيلة، متذللين متواضعين، خاشعين لله تعالى، ناكسين رؤوسهم، مقدمين الصدقة
كل يوم قبل خروجهم، ويحددون التوبة، ويستسقون بالضَّعَفة والشيوخ والعجائز
والأطفال.
ولا يشترط إذن الإمام لصلاة الاستسقاء عند أبي حنيفة، لأن المقصود هو
الدعاء فلا يشترط له إذن الإمام، ويشترط ذلك عند الشافعية، وعن الإمام أحمد
روايتان.
وقت صلاة الاستسقاء: فليس لها وقت معين، ولا تختص بوقت العيد،إلا أنها لا تفعل في وقت النهي
عن الصلاة، بغير خلاف، لأن وقتها متسع، فلا حاجة إلى فعلها في وقت النهي. ويسن
فعلها أول النهار، وقت صلاة العيد، لحديث عائشة : "أنه صلى الله عليه وسلم خرج حين
بدا حاجب الشمس" رواه أبو داود، ولأنها تشبه صلاة العيد في الموضع والصفة، فكذلك في
الوقت، لأن وقتها لا يفوت بزوال الشمس، لأنها ليس لها يوم معين، فلا يكون لها وقت
معين.
ولا تتقيد بزوال الشمس ظهراً، فيجوز فعلها بعده، كسائر النوافل. وإن
استسقى الناس عقب صلواتهم أو في خطبة الجمعة، أصابوا السنة فيجوز الاستسقاء بالدعاء
من غير صلاة لحديث عمر رضي الله عنه أنه خرج يستسقي، فصعد المنبر فقال: "استغفروا
ربكم إنه كان غفاراً، يرسل السماء عليكم مدراراً، ويمددكم بأموال وبنين، ويجعل لكم
جنات، ويجعل لكم أنهاراً، استغفروا ربكم، إنه كان غفاراً، ثم نزل، فقيل : يا أمير
المؤمنين، لو استسقيت؟ فقال: لقد طلبت بمجاديح(1) السماء التي يستنزل بها القطر" رواه البيهقي.
والمكلف بها: الرجال القادرون على المشي، ولا يؤمر بها النساء والصبيان
غير المميزين على المشهور عند المالكية، وقال الشافعية والحنفية: يندب خروج
الأطفال والشيوخ والعجائز، ومن لا هيئة لها من النساء، والخنثى القبيح المنظر، لأن
دعاءهم أقرب إلى الإجابة، إذ الكبير أرق قلباً، والصغير لا ذنب عليه، ولقوله صلى
الله عليه وسلم: "وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم" رواه البخاري. ويكره خروج
الشابات والنساء ذوات الهيئة، خوف الفتنة.
إخراج الدواب: ولا يستحب عند المالكية والحنابلة إخراج البهائم والمجانين، لأن النبي
صلى الله عليه وسلم لم يفعله.
ويستحب إخراجها مع أولادها عند الحنفية والشافعية، ويباح ذلك
عند الحنابلة، لأن الرزق مشترك بين الكل، وليحصل التحنّن، ويظهر الضجيج
بالحاجات، روى البزار مرفوعاً بسند ضعيف: "لولا أطفال رُضَّع، وعباد رُكَّع، وبهائم
رُتَّع، لصب عليكم العذاب صباً"
_____________________
(1) والمجاديح : جمع مجدح، وهو كل نجم كانت العرب تقول : يمطر به، فأخبر عمر
رضي الله عنه : أن الاستغفار : هو المجاديح الحقيقية التي يستنزل بها القطر، لا
الأنواء، وإنما قصد التشبيه. وقيل : مجاديحها : مفاتيحها.
هل يخرج أهل الذمة ؟
ذهب الحنفية إلى أنه: لا يحضر أهل الذمة الاستسقاء، لأن الخروج للدعاء، وقد
قال تعالى: {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ} [الرعد: 14]،
ولأنه لاستنزال الرحمة، وإنما تنزل عليهم اللعنة.
وذهب الجمهور إلى أنه: لا يمنع أهل الذمة من الخروج مع المسلمين، وأمروا أن
يكونوا منفردين لا يختلطون بنا في مصلانا، ولا عند الخروج، ويكره اختلاطهم بنا، كما
يكره خروجهم عند الشافعي، ولا يؤمن على دعائهم، لأن دعاء الكافر غير مقبول.
وكونهم لا يمنعون الحضور، لأنهم يسترزقون ويطلبون أرزاقهم من ربهم، وفضل الله واسع،
وقد يجيبهم الله تعالى استدراجاً، وطعمة في الدنيا، قال تعالى:
{سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 182] والله ضمن
أرزاقهم في الدنيا كما ضمن أرزاق المؤمنين.
وانفرادهم عن المسلمين، لأنه لا يؤمن أن يصيبهم عذاب، فيعم من حضرهم،
فإن قوم عاد استسقوا، فأرسل الله عليهم ريحاً صرصراً
فأهلكتهم.
خطبة الاستسقاء:
ذهب أبو حنيفة إلى أنه: لا خطبة للاستسقاء، لأنها تبع للجماعة، ولا جماعة لها عنده، وإنما
دعاء واستغفار يستقبل فيهما الإمام القبلة.
وذهب الجمهور إلى أنه: يخطب الإمام للاستسقاء بعد الصلاة خطبتين كصلاة العيد عند المالكية
والشافعية، لقول ابن عباس: صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء كما
صنع في العيدين، وخطبة واحدة عند الحنابلة، لأنه لم ينقل أنه صلى الله عليه
وسلم خطب بأكثر منها.
وتجوز عند الشافعية الخطبة قبل الصلاة، لحديث عبد الله بن زيد:
"رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم خرج يستسقي، فحوَّل إلى الناس ظهره، واستقبل
القبلة يدعو، ثم حول رداءة، ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة" متفق
عليه.
وتختلف عن خطبة العيد في رأي المالكية والشافعية أن الإمام يستغفر الله
تعالى بدل التكبير، فيقول: "أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب
إليه" ويكثر فيها بالاتفاق الاستغفار، لأنه سبب لنزول الغيث.
ولا حد للاستغفار عند المالكية في أول الخطبة الأولى
والثانية.
ويستغفر الخطيب في الخطبة الأولى عند الشافعية تسعاً،وفي الثانية سبعاً،
ويستحب أن يكثرمن الاستغفار، لقوله تعالى: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ
كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا }. ويفتتح الإمام
عند الحنابلة الخطبة بالتكبير تسعاً نسقاً كخطبة العيد، ويكثر فيها عندهم
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، لأنها معونة على الإجابة، قال عمر: "الدعاء
موقوف بين السماء والأرض، لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك"، ويقرأ كثيراً:
{اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} وسائر الآيات التي فيها
الأمر به، فإن الله تعالى وعدهم بإرسال الغيث إذا استغفروه.
الدعاء في الخطبة:
ويدعو الإمام في الخطبة الأولى: "اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً، هنيئاً
مريئاً مَريعاً، غَدَقاً، مجلَّلاً، سَحَّاً، طَبَقاً دائماً"(1)، رواه ابن ماجه.
"اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين (أي الآيسين بتأخير المطر)،
اللهم إن بالعباد والبلاد والخلق من اللأواء (شدة الجوع)، والجَهد (قلة الخير وسوء
الحال)، والضنك (أي الضيق)، ما لا نشكو إلا إليك.
اللهم أنبت لنا الزرع، وأدرّ لنا الضرع، واسقنا من بركات السماء، وأنبت
لنا من بركات الأرض. اللهم ارفع عنا الجهد والعُرْي والجوع، واكشف عنا من البلاء،
ما لا يكشفه غيرك.
اللهم إنا نستغفرك، إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء علينا مدراراً". أي
درّاً أي مطراً كثيراً. وكل ذلك ثابت بحديث واحد عن عبد الله بن
عمر.
ويبالغ في الدعاء سراً وجهراً لقوله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ
تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] ويؤمن القوم على دعائه، فيقول: اللهم إنك
أمرتنا بدعائك، ووعدتنا إجابتك، وقد دعوناك كما أمرتنا، فاستجب لنا كما وعدتنا، إنك
لا تخلف الميعاد. وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: "الحمد لله رب العالمين،
الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله، لا
إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة
وبلاغاً إلى حين".
أما الناس فيسرون بالدعاء إن أسر الإمام، ويجهرون به إن
جهر.
ويستحب للخطيب استقبال القبلة في أثناء الدعاء، وهو أن الإمام يستقبل
القبلة بالدعاء في الخطبة.
وقال المالكية: يستقبل القبلة بوجهه قائماً بعد الفراغ من الخطبتين، ويبالغ في الدعاء
برفع الكرب والقحط وإنزال الغيث والرحمة وعدم المؤاخذة بالذنوب، ولا يدعو لأحد من
الناس.
وقال الشافعية: يستقبل الإمام القبلة بعد صدر (نحو ثلث) الخطبة الثانية، ثم يدعو سراً
وجهراً، ثم يستقبل الناس بوجهه ويحثهم على الطاعة، ويصلي على النبي صلى الله عليه
وسلم ويقرأ آية أو آيتين، ويدعو للمؤمنين والمؤمنات، ويختم بقوله : أستغفر الله لي
ولكم.
وقال الحنابلة: يستقبل القبلة في أثناء الخطبة.
_______________________
(1) معناه اللهم اسقنا مطراً، منقذاً من الشدة بإروائه، طيباً لا ينغصه شيء،
محمر العاقبة، ذا ريع أي نماء، كثير الماء والخير، يجلل الأرض أي يعمها، شديد الوقع
على الأرض، مطبقاً على الأرض أي مستوعباً لها، دائماً إلى انتهاء
الحاجة.
رفع الأيدي في الدعاء:
ويستحب رفع الأيدي في دعاء الاستسقاء، لحديث أنس: "كان النبي صلى الله
عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء، فإنه كان يرفع يديه، حتى
يُرى بياض إبطيه" متفق عليه.
قلب الرداء أو تحويله: قال الصاحبان أبو يوسف ومحمد: يقلب الإمام رداءه عند الدعاء، لما روي
أنه صلى الله عليه وسلم: "لما استسقى حوَّل ظهره إلى الناس، واستقبل القبلة، وحوَّل
رداءه" رواه البخاري ومسلم.
يحول الإمام رداءه عند استقبال القبلة، على الخلاف السابق في وقت
الاستقبال، ويحول الناس الذكور مثله أي مثل الإمام، وهو
جلوس.
وصفة التحويل: أن يجعل يمينه يساره وعكسه أي يجعل الأيمن على الأيسر،
والأيسر على الأيمن، بلا تنكيس للرداء عند المالكية والحنابلة، أي فلا يجعل
الحاشية السفلى التي على رجليه على أكتافه.
وعند الشافعية، فيجعل أعلاه أسفله وعكسه، لحديث: "أنه صلى الله عليه وسلم استسقى،
وعليه خميصة له سوداء، فأراد أن يأخذ أسفلها فيجعله أعلاها، فثقُلت عليه، فقلَبها
الأيمن على الأيسر، والأيسر على الأيمن".
ودليل التحويل للناس: حديث عبد الله بن زيد: "رأيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم حين استسقى لنا، أطال الدعاء، وأكثر المسألة، ثم تحول إلى القبلة، وحول
رداءه، فقلبه ظهراً لبطن، وتحول الناس معه" رواه أحمد.
قال الحنابلة: ويظل الرداء محولاً حتى يُنزع مع الثياب بعد الوصول إلى المنزل، لعدم
نقل إعادته.
ما يستحب في الاستسقاء أو وظائف الاستسقاء :
- يأمر الإمام الناس بالتوبة من المعاصي، والتقرب إلى الله تعالى بوجوه
البر والخير من صدقة وغيرها والخروج من المظالم وأداء الحقوق، لأن ذلك أرجى
للإجابة، قال تعالى:
{وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ
السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [هود: 52]، ولأن المعاصي والمظالم سبب القحط ومنع القطر، والتقوى سبب
البركات، لقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا
لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [الأعراف: 96]
ويأمر الإمام أيضاً بصيام ثلاثة أيام قبل صلاة الاستسقاء، ويخرج الناس في آخر
صيامها، أو في اليوم الرابع إلى الصحراء صياماً، لأنه وسيلة إلى نزول الغيث، وقد
روي: "ثلاثة لا ترد دعوتهم : الصائم حتى يفطر، والإمام العادل
والمظلوم".
قال الشافعية: ويلزم الناس امتثال أمر الإمام.
وقال الحنابلة: ولا يلزم الصيام والصدقة بأمره.
ويأمرهم الإمام أيضاً بالصدقة، لأنها متضمنة للرحمة المفضية إلى رحمتهم
بنزول الغيث. كما يأمرهم بترك التشاحن من الشحناء وهي العداوة، لأنها تحمل على
المعصية والبهت، وتمنع نزول الخير بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "خرجت لأخبركم
بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان، فرفعت" رواه مسلم ويعين الإمام يوماً يخرج الناس
فيه.
-
أن يخرج الإمام والناس مشاة إلى الاستسقاء في الصحراء ثلاثة أيام
متتابعة، إلا في مكة والمدينة وبيت المقدس، فيجتمعون في المسجد الحرام، والمسجد
النبوي، والمسجد الأقصى.
-
التنظف للاستسقاء بغسل وسواك وإزالة رائحة وتقليم أظفار ونحوه، لئلا
يؤذي الناس، وهو يوم يجتمعون له كالجمعة.
ولا يستحب التطيب، لأنه يوم استكانة وخضوع، ولأن الطيب للزينة وليس هذا
وقت زينة.
-
يخرج المرء إلى المصلى متواضعاً متذللاً، متخشعاً (خاضعاً) متضرعاً
(مستكيناً) متبذلاً (في ثياب بذلة).
-
التوسل بأهل الدين والصلاح والشيوخ والعلماء المتقين والعجائز والأطفال
والدواب، تحصيلاً للتحنن، وإظهار الضجيج بالحاجات، ويسن لكل من حضر أن يستشفع سراً
بخالص عمله.
-
الخروج إلى المصلى في الصحراء : لحديث عائشة : "شكا الناس إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم قحوط المطر، فأمر بمنبر، فوضع له في المصلى" رواه أبو داود،
ولأن الجمع يكثر، فكان المصلى أرفق بهم.
-
الدعاء بالمأثور في الخطبة وعند نزول الغيث، لما روى البيهقي "أن الدعاء
يستجاب في أربعة مواطن: عند التقاء الصفوف، ونزول الغيث، وإقامة الصلاة ورؤية
الكعبة" ولما روى البخاري عن عائشة "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى
المطر، قال: صيباً نافعاً" أي مطراً شديداً. ومجموع الدعاء عند نزول المطر من
أحاديث متفرقة: "اللهم صيّباً هنيئاً، وسيباً - أي عطاء - نافعاً، مطرنا بفضل الله
ورحمته" ويقول عند التضرر بكثرة المطر: "اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام
والظراب، وبطون الأودية ومنابت الشجر" متفق عليه "الله سقيا رحمة ولا سقيا عذاب،
ولا محق ولا بلاء، ولا هَدْم ولا غَرَق".
-
يستحب لأهل الخصب أن يدعوا لأهل الجدب، لأنه من التعاون على البر
والتقوى.
-
وقال الشافعية: يستحب لكل أحد أن يبرز (يظهر) لأول مطر السنة، وأول كل مطر ويكشف من
جسده غير عورته ليصيبه شيء من المطر تبركاً. روى مسلم "أنه صلى الله عليه وسلم حسر
عن ثوبه حتى أصاب المطر، وقال: إنه حديث عهد بربه" رواه أبو داود أي بخلقه وتنزيله
وتكوينه، ويستحب أيضاً أن يغتسل أو يتوضأ بماء السيل.
-
قال المالكية: جاز التنفل في المصلى أو المسجد قبل صلاة الاستسقاء وبعدها، لأن
المقصود من الاستسقاء الإقلاع عن الخطايا، والاستكثار من فعل
الخير.
بخلاف العيد، فإنه يكره عند الجمهور غير الشافعية التنفل قبل
صلاته وبعدها بالمصلى، لا في المسجد عند المالكية، وفي المسجد أيضاً عند
الحنفية والحنابلة، لكن لا بعدها عند الحنفية.
0 التعليقات:
إرسال تعليق