- السعي بين الصفا والمروة
- شرائط صحة السعي
- أركان السعي
- واجبات السعي
- سنن السعي
- معنى المزدلفة
- حكم الوقوف بالمزدلفة
- وقت الوقوف بالمزدلفة
- سنن الوقوف بالمزدلقة
- رمي الجمار
- ركن الرمي
- شروط صحة الرمي
- سنن الرمي
- توقيت الرمي وعدده
- النيابة في الرمي
- الحلق والتقصير
- القدار الواجب في الحلق والتقصير
- توقيت الحلق والتقصير
- أثر الحلق والتقصير
- طواف الصدر أو الوداع
- شروط وجوب طواف الصدر أو الوداع
- وقت طواف الوداع
الواجب في الحج هو ما يطلب فعله ويحرم تركه. لكن لا يفسد الحج بتركه، بل
يكون تاركه مسيئاً، ويجب عليه الفداء لجبر النقص الحادث من ترك الواجب، إلا إذا
تركه لعذر معتبر شرعاً فلا فداء عليه.
والواجبات التي نتكلم عليها هنا هي الواجبات الأصلية وهي أعمال مستقلة
بنفسها ليست تابعة لغيرها من فروض الحج أو واجباته.
وقد عد الحنفية واجبات الحج الأصلية هذه خمسة هي
:
السعي بين الصفا والمروة، والوقوف بالمزدلفة، ورمي الجمار، والحلق أو
التقصير، وطواف الصدرَ أي الوداع.
السعي بين الصَّفَا والمروَة
أ- الصفا: جمع صفاة وهي الصخرة والحجر
الأملس.
المروة: حجر أبيض برَّاق، وتجمع على مرور.
والمراد بالصفا والمروة الجبلان الصغيران اللذان على مقربة من البيت
العتيق. وقد أصبحا ملاصقين لبناء المسجد بعد التوسعة التي شيدت للمسجد الحرام. لكن
مكانهما وكذا المَسْعى الذي بينهما ليس من المسجد : فلا يأخذ حكم المسجدِ،
فليعلم.
ب- والسعي بين الصفا والمروة مأخوذ من طواف هاجَرَ أم إسماعيلَ في طلب الماء، كما في صحيح البخاري من
حديث طويل عن ابن عباس، رضي الله عنهما قال :
"... وجَعَلَتْ أمّ إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نَفِد
ما في السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى - أو قال يتلبط - فانطلقت
كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه ثم استقبلت
الوادي تنظر هل ترى أحداً؟ فلم تر أحداً، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي طَرَف
دِرْعها ثم سعت سعي الإنسان المجهود، حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليها
ونظرت هل ترى أحداً ؟ فلم تر أحداً، ففعلت ذلك سبع مرات، قال ابن عباس : قال النبي
صلى الله عليه وسلم : "فذلك سَعْيُ الناس بينهما" فلما أشرفت على المروة سمعت صوتاً
فقالت : "صَهِ" تريد نفسها، ثم تَسَمَّعَتْ، فَسَمِعَتْ أيضاً، فقالت : "قد أسمعتَ
إنْ كان عندك غَوَّاثٌ" فإذا هي بالمَلَكِ عند موضع زمزمَ، فبحث بعقبه - أو قال
بجناحه- حتى ظهر الماء..".
ج- أدلة وجوب السعي :
ذهب الحنفية إلى أن السعي واجب في الحج وليس بركن.
وذهب الأئمة الثلاثة إلى أنه ركن من أركان الحج لا يصح بدونه، حتى لو ترك الحاج خطوة منه
يؤمر بأن يعود إلى ذلك الموضع فيضع قدمه عليه ويخطو تلك
الخطوة.
وعلى مذهب إيجاب السعي فقد يسعى وهو حلال عند الحنفية، إذا فعل ما يتحلل
به قبل السعي. أما على أنه ركن فلا يتحلل إلا بعد السعي.
شرائط صحة السعي :
أ- أن يسبقه الإحرام بالحج أو العمرة، لأنه من واجباتهما، فلو سعى ثم
أحرم لم يصح سعيه.
ب- أن يكون بعد الطواف، وهو شرط متفق عليه بين الأئمة، لأن النبي
صلى الله عليه وسلم هكذا فعل، كما في حديث جابر وغيره، وقد قال صلى الله عليه وسلم
: "أيها الناسُ خذوا عني مناسككم" أخرجه مسلم والنسائي، ولأن السعي تابع للطواف فلا
يجوز أن يتقدمه.
ولما وجب السعي تابعاً للطواف نص على أن وقته الأصلي، في الحج يوم النحر
بعد طواف الإفاضة، لأنه واجب فلا يكون تابعاً لطواف سنة، لكن يجوز تقديمه وأداؤه
بعد طواف القدوم، تيسيراً على الحجاج، لازدحام أشغالهم يوم النحر، فإن لم يَسْعَ
عقب طواف القدوم مباشرة، فإنه يطوف للنفل ثم يسعى بعده عند
الحنفية.
وقال الشافعية والحنابلة: يشترط أن يكون السعي بعد طواف ركن أو قدوم، ولا يخل الفصل بينهما ما
لم يتخلل الوقوف بعرفة، فإن تخلل الوقوف بعرفة لم يجزه السعي إلا بعد طواف الإفاضة.
وذهب المالكية مثل ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة لكن قالوا: إذا سعى بعد طوافٍ غير
هذينْ فعليه الدم.
أ- ذهب الجمهور المالكية والشافعية والحنبلية إلى أنَّ القدر
الذي لا يتحقق السعي بدونه سبعة أشواط، لإجماع الأمة على فعله كذلك، ولفعل النبي
صلى الله عليه وسلم، فلو نقص منها خطوة لم يتحلل من إحرامه حتى
يستكملها.
وذهب الحنفية إلى أنه يكفي لإسقاط الواجب أربعة أشواط لأنها أكثر السعي، وللأكثر حكم
الكل، فلو سعى أقل من أربعة أشواط فعليه دم عند الحنفية لأنه لم يؤد
الواجب.
واتفق الفقهاء على أنه يَعُدُّ من الصفا إلى المروة شوطاً ومن المروة إلى الصفا شوطاً
آخر باتفاق المذاهب الأربعة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بينهما سبعاً :
"ابتدأ بالصفا وكان آخر طوافه على المروة"، فدل على أنه احتسب كل مسيرة بينهما
شوطاً، وإلا كان آخر طوافه عند الصفا.
ب- البداية بالصفا، حتى لو بدأ بالمروة لغا هذا الشوط، واحتسب الأشواط
ابتداء من الصفا، على الرواية المشهورة في مذهب الحنفية، وهو مذهب
الجمهور.
أ- ذهب الحنفية والمالكية إلى وجوب المشي بنفسه، إذا كان قادراً
على المشي.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه سنة، بل هو الأفضل عند الشافعية.
ب- إكمال عدده سبعةَ أشواط، فإن ترك أقل هذا العدد وهو إتيان ثلاثة
أشواط صح سعيه وعليه صدقة لكل شوط عند الحنفية.
سنن السعي:
أ- الموالاة بين الطواف والسعي، فلو فصل بينهما طويلاً بغير عذر فقد
أساء، ولا شيء عليه اتفاقاً بين المذاهب الأربعة.
ب- أن يستلم الحجر الأسود قبل الذهاب للسعي إن استطاع، وإلا أشار إليه
بيده.
ج- يستحب أن يسعى على طهارة من النجاسة ومن الحدث الأصغر والأكبر، فلو
خالف صح سعيه عند الأئمة الأربعة.
د- أن يصعد على الصفا والمروة كلما بلغها في سعيه، بحيث يشاهد البيت
العتيق. أما ما يفعله بعض الناس من الصعود حتى يلتصقوا بالجدار فمخالف لطريقة
السنة.
هـ- أن يستقبل القبلة ويكبر ويهلل ويدعو ويصلي على النبي صلى الله عليه
وسلم إذا صعد الصفا أو المروة.
و- السعي الشديد بين العمودين الأخضرين المنصوبين في جدار المسعى في
الأشواط السبعة، ويستحب أن يكون فوق الرمَل ودون العَدْوِ. والسنة أن يمشي فيما سوى
ذلك المكان.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا طاف
بالبيت الطواف الأول خَبَّ ثلاثاً ومشى أربعاً، وكان يسعى بطن المسيل إذا طاف بين
الصفا والمروة". متفق عليه.
وهذا الحكم خاص بالرجال دون النساء ، لأن حالهن مبني على الستر. فالسنة
في حقهن المشي فقط.
ز- الموالاة بين أشواط السعي:
ذهب الجمهور الحنفية والشافعية والحنبلية إلى أن الموالاة بين أشواط السعي سنة.
وقال المالكية: الموالاة بين أشواط السعي شرط لصحة السعي، فلو فصل بينها بفاصل طويل
ابتدأ السعي من جديد. على تفصيل لا نطيل به.
ح- تفرد الشافعية بسنية الاضطباع في السعي، وخالفهم الجمهور،
لعدم ثبوت دليل على سنيته.
الوقوف بالمزدلفة
اسم بقعة من الأرض، مأخوذ من الزُّلْفة بمعنى القُرْبة، لأنها يتقرب
فيها إلى الله.
وتسمى المزدلفة جمعاً : لاجتماع الناس فيها، أو لجمع صلاتي المغرب
والعشاء بها.
وتسمى المَشْعَرَ الحرام : باسم الجبل الموجود فيها وهو جبل
قُزَح.
وتقع المُزْدَلِفَةُ بين مَأْزِمي عرفة وهو المضيق بين الجبلين عند
نهاية عرفة جهة المزدلفة وبين وادي مُحَسِّر الذي يفصل بينها وبين منى، وكلها من
الحرم.
والمزدلفة كلها موقف إلا وادي مُحَسِّرٍ، فليس بموقف، لا خلاف في ذلك
بين العلماء. والدليل النقلي عليه هو حديث جابر، فإن فيه قوله صلى الله عليه وسلم
:
"وكُلُّ المُزْدَلِفَةِ مَوْقِفٌ وارْتَفِعُوا عنْ بَطْنِ
مُحَسِّر".
اتفق أصحاب المذاهب الأربعة على أن الوقوف بالمزدلفة واجب وليس بركن،
واستدلوا على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عروة بن مضرس : "من شهد صلاتنا
هذه، ووقف معنا حتى يدفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى
تفثه".
اتفقوا على أن المبيت بالمزدلفة الذي هو المكث معظم ليلة النحر فيها
سنة.
واختلفوا في وقت أداء الوقوف الواجب:
فذهب الحنفية إلى أنه ما بين طلوع الفجر يوم النحر وطلوع الشمس، فمن حصل بمزدلفة في
هذا الوقت فترة ما من الزمن فقد أدرك الوقوف سواء بات بها أو لا، ومن لم يحصل بها
فيه فقد فاته الوقوف، قالوا: والسنة أن يبيت ليلة النحر بمزدلفة اقتداء بفعل النبي
صلى الله عليه وسلم فإنه بات بها.
وذهب الأئمة الثلاثة إلى أن زمن الوقوف الواجب هو المكث بالمزدلفة من
الليل.
ثم اختلفوا فقال المالكية: النزول بمزدلفة قدر حط الرحال - أي أحمال الجمال - في ليلة النحر
واجب، والمبيت بها سنة.
وقال الشافعية والحنابلة: يجب الوجود بمزدلفة بعد نصف الليل ولو ساعة لطيفة أي فترة ما من الزمن
ولو قصيرة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم بات بها، وقد قال : "خذوا عني مناسككم"
والمبيت هو المكث بعد نصف الليل، فيكون هو الواجب. ولأنه أبيح الدفع بعد نصف الليل
بما ورد من الرخصة فيه، فدل على أن وقته بعد نصف الليل.
ويتفرع على هذا الخلاف ما يلي:
1) ذهب المالكية إلى أنه من بات بمزدلفة قبل منتصف ليلة النحر قدر (حط الرحال) أجزأه،
إلا إذا عاد إليها قبل الفجر فإنه يسقط عنه الواجب عند الشافعية والحنابلة، ويسقط
عند الحنفية إذا وجد فيها بعد الفجر.
2) ذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه من وُجِدَ بمزدلفة بعد منتصف الليل
أجزأه.
وذهب المالكية إلى أنه لا يجزيه إلا إذا استمر قدر حط الرحال.
وذهب الحنفية إلى أنه لا يجزيه إلا إذا وجد فيها بعد الفجر.
3) ذهب الحنفية إلى أنه من وُجد بمزدلفة بعد الفجر ولم يوجد بها قبل الفجر
أجزأه.
وذهب الجمهور إلى أنه لا يجزيه.
4) من اتبع السنة فبات بالفجر ووقف فيها بعده صح وقوفه
إجماعاً.
1) أن يعجل بصلاة الفجر فور دخول وقتها، ولا يسن ذلك عند الحنفية إلا هنا
اتباعاً للسنة.
2) أن يستمر في المزدلفة واقفاً يدعو ويكبر ويهلل ويلبي عند المشعر الحرام
- وهو جبلَ قُزَح الذي عليه المِيْقَدَةُ المضيئة بالأنوار - يستمرُّ حتى يُسْفِرَ
الفجرُ جداً - أي يستضيء - اتباعاً للسنة. وقد أزيل الجبل في توسعات المناسك، وأقيم
مكانه مسجد عظيم.
3) أن يدفع من المزدلفة إلى منى قبل أن تطلع الشمس.
فعن عمرو بن ميمون قال : شهدتُ عمر رضي الله عنه صلى بجمع الصبح، ثم وقف
فقال: "إنّ المشركينَ كانوا لا يُفِيْضُون حتى تطلعَ الشمس، ويقولون : "أَشْرِقْ
ثَبِيْر"، وإن النبي صلى الله عليه وسلم خالفهم، ثم أفاضَ قبل أنْ تطلعَ الشمس"
أخرجه البخاري.
4) من اتبع السنة فبات بالمزدلفة قبل الفجر ووقف فيها بعده صح وقوفه
إجماعاً.
سنن الوقوف بمزدلفة :
الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة :
أ- ذهب الحنفية إلى وجوب تأخير المغرب إلى المزدلفة، لِتُصَلَّى
مع العشاء جمع تأخير، فمن صلى المغرب في عرفة، أو في الطريق إلى المزدلفة يجب عليه
إعادتها ما لم يطلع الفجر عند أبي حنيفة.
وذهب الشافعية إلى أنَّ هذا الجمع سنة وليس بواجب، لأنه شرع لِعِلَّةِ السفر فلا يكون
واجباً.
ب- وهذا الجمع من مناسك الحج واجب عند الحنفية وحدهم لذلك اشترطوا
فيه، ما يلي:
1) سبق الإحرام بالحج.
2) أن تؤدى الصلاتان في المكان المعين وهو المزدلفة.
3) أن يكون الأداء في الزمان الخاص وهو ليلة عيد النحر، وفي وقت صلاة
العشاء، حتى لو بلغ المزدلفة قبل العشاء يجب عليه تأخير المغرب إلى دخول وقت
العشاء.
لكن لا تشترط الجماعة لهذا الجمع لأن المغرب مؤخرة عن وقتها، بخلاف
الجمع بعرفة لأن العصر مقدم على وقته.
رَمْيِ الجِمَار
أ- الرمي لغة: القذف.
والجِمار: الأحجار الصغيرة، جمع جَمْرَةٍ وهي الحصاة.
وسمي موضع الرمي جمرة أيضاً لاجتماع الحصى فيه، وليست الجمرة هي الشاخصَ
"العمود" الذي تجده هناك في منتصف المرمى، بل الجمرة هي المرمى المحيط بذلك
الشاخص.
ب- والجمرات التي تُرْمَى ثلاثة:
جمرة العَقَبَةِ: وهي الجمرة الكبرى، وتقع في آخر مِنَى تجاه مكة. وليست من مِنَىً
وتُرمى من جهة واحدة من بطن الوادي وهو الشارع الذي تجاهها الآن بالنسبة للرمي من
الأرض. أما رميها من فوق الجسر فمن جميع الجهات.
والجمرة الوسطى: أول جمرة بعد العقبة تجاه منى، وتُرْمَى من جميع
الجهات.
والجمرة الصغرى: أول جمرة بعد مسجد الخيف بمنى، وتُرْمَى من جميع الجهات
أيضاً.
ج- دليل وجوب الرمي:
وقد اتفقت المذاهب على وجوب رمي الجِمار واستدلوا على ذلك بالسنة
والاجماع.
فمن السنة : فعله صلى الله عليه وسلم.
وأما الإجماع فلأن الأمة أجمعت على وجوبه فيكون
واجباً.
أن يكون هناك قذف ولو خفيفاً.
ذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه لو طرحها طرحاً أجزأه لأن الرمي قد وجد بهذا الطرح، إلا أنه
رمي خفيف، فتثبت الإساءة به.
وذهب المالكية والشافعية إلى أنه لا يجزئه الطرح بتاتاً، أما لو وضعها وضعاً فلا يصح
اتفاقاً.
أ- ذهب الجمهور - المالكية والشافعية والحنابلة - إلى أن يكون
المَرْمِيُّ حجراً، فلا يصح الرمي بالطين والمعادن والتراب، والسنة أن يكون مثل حصى
الخذْف فوق الحمصة ودون البندقة باتفاقهم جميعاً، استدلالاً بفعل النبي صلى الله
عليه وسلم.
وذهب الشافعية إلى إجازة الشافعية الرمي بالحجر الصغير الذي
كالحمصة.
وذهب المالكية إلى عدم إجازة ذلك، بل لا بد أن يكون عندهم أكثر من
ذلك.
وذهب الحنفية إلى أن الشرط أن يكون المرمِيُّ من جنس الأرض، فيصح بالطين والتراب
عندهم، ولا يصح بالمعادن، لأن المقصود فعل الرمي، وذلك يحصل بالطين كما يحصل
بالحجر، بخلاف ما إذا رمى بالذهب أو الفضة، لأنه يسمى نِثاراً لا
رمياً".
ب- أن يرميَ سبع حصيات على كل جمرة، واحدةً فواحدةً، فلو رمى السبع جملة
فهي واحدة، ويلزمه أن يرمي بست سواها. لا خلاف في ذلك بين
الأئمة.
ج- د- أنْ يقصد المَرْمى في رميه وأنْ تتحقق إصابته. فلو ضرب شخصٌ يدَه
فطارت الحصاة إلى الجمرة لم يصح.
ذهب الحنفية إلى أنه إذا رمى الحصاة فوقعت قريباً من الجمرة جاز، ولو وقعت بعيداً
منها يجزيه لأن الرمي لم يُعرف قُرْبَةً إلا في مكان مخصوص.
وقدر الحنفية القرب بقدر ذراع، فلو وقعت الحصاة خارج الدائرة التي يجتمع
فيها الحصى صح عند الحنفية لأن هذا القدر مما لا يمكن الاحتراز
عنه.
وذهب الشافعي المالكية والحنبلية: إلى أنَّ الجمرة مجتمع الحصى لا ما سال من الحصى، فمن أصاب مجتمعه
أَجْزَأه، ومن أصاب سائله لم يُجْزِه".
هـ- الوقت : فكل رَمْيٍ وقتٌ خاص به.
أ- أن يكون بين الرامي وبين الجمرة خمسة أذرع
فأكثر.
ب- الموالاة بين الرميات السبع، فيكره الفصل بينها، لما ورد من فعله صلى
الله عليه وسلم، فإنه رماها في موقف واحد.
ج- ترتيب الجمرات في رمي أيام التشريق: بأن يبدأ بالجمرة الصغرى التي
تلي مسجد الخَيْفِ، ثم الوسطى ثم جمرة العقبة.
ذهب الحنفية في التحقيق أن هذا الترتيب سنة. استدلالاً بفعله صلى الله عليه وسلم
وفسروه بأنه على سبيل السنة لا الوجوب.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "مَنْ قدَّمَ مِن نُسُكِه شيئاً أو
أخّره فلا شيءَ عليه".
وذهب الأئمة الثلاثة إلى أنه شرط لصحة الرمي، فلو عكس الترتيب فبدأ
بالعقبة ثم الوسطى ثم الصغرى وجب عليه إعادة رمي الوسطى والعقبة عندهم، ليتحقق
الترتيب.
واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم رتبها كذلك فيجب الاقتداء
به:
عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه كان يرمي الجمرةَ الدُّنْيا بسَبْعِ
حَصَيَاتٍ يكبِّرُ على إثْرِ كل حصاة، ثم يتقدمُ حتى يُسْهِلَ، فيقومَ مستقبلَ
القبلة، فيقومُ طويلاً، ويدعو ويرفعُ يديه، ثم يرمي الوُسْطى ثم يأخذُ ذاتَ
الشِّمال فَيَسْتَهِلُ(1) ويقومُ مستقبلَ القبلة، فيقومُ طويلاً ويدعو ويرفعُ يديه، ويقومُ
طويلاً، ثم يرمي جمرةَ ذات العقبة من بطنِ الوادي ولا يقفُ عندها، ثم ينصرفُ فيقول:
هكذا رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يفعَلُهُ أخرجه
البخاري.
د- أن يقف إثر كل رمي آخر مدةَ ما يقرأ ثلاثة أرباع جزء من القرآن،
وأدناه قدر عشرين آية، فيقف بعد رمي الجمرة الصغرى، وبعد الوسطى لأنه في وسط
العبادة فيأتي بالدعاء فيه، وكل رمي ليس بعده رمي لا يقف لأن العبادة قد انتهت. فلا
يقف بعد جمرة العقبة يوم النحر ولا أيام التشريق أيضاً.
أيام الرمي أربعة: يوم النحر العاشر من ذي الحجة، وثلاثة أيام بعده.
وتسمى "أيام التشريق".
أ- الرمي يوم النحر :
واجب الرمي فيه رمي جمرة العقبة وحدها، يرميها بسبع
حصيات.
ذهب الحنفية والمالكية إلى أن وقت الرمي يبدأ من طلوع فجر يوم النحر. وهذا الوقت
أقسام:
وقت ما بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس من يوم النحر وقت الجواز مع
الإساءة، وما بعد طلوع الشمس إلى الزوال وقت مسنون، وما بعد الزوال إلى الغروب وقت
الجواز بلا إساءة، والليل وقت الجواز مع الإساءة يعني ولا جزاء فيه عند الحنفية
فقط.
وتحديد الوقت المسنون مأخوذ من فعل النبي صلى الله عليه وسلم فإنه رمى
في ذلك الوقت.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن أول وقت جواز الرمي إذا انتصفت ليلة يوم النحر لمن وقف بعرفة
قبله.
وللرمي ثلاثة أوقات عند الشافعية: "وقت فضيلة إلى الزوال، ووقت اختيار
إلى الغروب، ووقت جواز إلى آخر أيام التشريق". أي قبل غروب الشمس يوم الثالث عشر من
ذي الحجة.
وآخر وقت الرمي:
عند الحنفية إلى فجر اليوم التالي.
وعند المالكية إلى المغرب، حتى يجب الدم إن أخره عنه على المشهور
عندهم.
عند الشافعية والحنبلية يمتد إلى آخر أيام التشريق. لأنها كلها أيام
رمي.
استدل أبو حنيفة:
________________
(1) يسير في السهل.
بحديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم سأله رجل قال : "رميتُ بعد ما
أَمْسَيْتُ؟ فقال : "لا حرج". أخرجه البخاري. وهو يدل على جواز الرمي بعد
الزوال.
وحديث ابن عباس أيضاً "أن النبي صلى الله عليه وسلم رخَّصَ للرِّعاءِ أن
يَرْمُوا ليلاً" أخرجه ابن أبي شيبة.
وهو يدل على أن وقت الرمي في الليل جائز، وفائدة الرخصة زوال الإساءة
عنهم تيسيراً عليهم، ولو كان الرمي واجباً قبل المغرب لألزمهم به، لأنهم يستطيعون
إنابة بعضهم على الرعي.
وعلى ذلك فالرمي قبل المغرب يوم النحر ليس فيه كراهة اتفاقاً، وهو قليل
الزحام فراع ذلك، وإن وجدت فيه زحاماً فالمدة متسعة.
ب- الرمي في اليوم الأول والثاني من أيام التشريق : (الحادي عشر والثاني عشر من ذي الحجة) :
يجب فيهما رمي الجمار الثلاث على الترتيب : يرمي أولاً الجمرة الصغرى
التي تلي مسجد الخَيْفِ، ثم الوسطى، ثم يرمي جمرة العقبة، يرمي كل جمرة بسبع
حصيات.
يبدأ وقت الرمي في هذين اليومين من أيام التشريق بعد الزوال، حتى لا
يجوز الرمي فيهما قبل الزوال، باتفاق الأئمة وجماهير العلماء، وهي الرواية المشهورة
الظاهرة عن أبي حنيفة.
ورُوي عن أبي حنيفة أن الأفضل أن يرمي بعد الزوال في اليوم الثاني والثالث من أيام النحر
وهما الأول والثاني من أيام التشريق فإن رمى قبل الزوال جاز. واسْتُدِلَّ له بقياس
أيام التشريق على يوم النحر، لأن الكل أيام رمي.
وعن أبي حنيفة: "إن كان مِنْ قصده أن يتعجل في النفر الأول فلا بأس بأن يرمي في اليوم
الثالث -من أيام النحر - قبل الزوال، وإن رمى بعده فهو أفضل، وإن لم يكن ذلك من
قصده لا يجوز أن يرمي إلا بعد الزوال، وذلك لدفع الحرج لأنه إذا نفر بعد الزوال لا
يصل إلى مكة إلا بالليل، فَيُحْرَجُ في تحصيل موضع النزول". وقوّى بعض متأخري
الحنفية هذا الروابة توفيقاً بين الروايات عن أبي حنيفة.
ونظراً لشدة الزحام في زماننا حتى تجاوز عدد الحجاج ألفي ألف (مليونين)
اتجهت لجان الإفتاء للأخذ بما روي عن أبي حنيفة في الروايتين الأخيرتين، وقد وافقه
بعض أهل العلم منهم عطاء بن أبي رباح الإمام التابعي الجليل.
ج- نهاية وقت الرمي:
ذهب الحنفية إلى أنه ينتهي رمي اليوم الثاني من أيام النحر بطلوع فجر اليوم الثالث،
ورمي اليوم الثالث بطلوع الفجر من اليوم الرابع، فمن أخر الرمي إلى ما بعد وقته
فعليه دم عند أبي حنيفة.
والوقتُ المسنونُ يمتد من زوال الشمس إلى غروبها، بدليل فعله صلى الله
عليه وسلم.
والدليل على جواز الرمي بعد مغرب نهار الرمي حيث الإذن للرعاء بالرمي
ليلاً.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن آخر الوقت بغروب شمس اليوم الرابع من أيام النحر، وهو آخر أيام
التشريق الثلاثة. فَمَنْ تَرَكَ رميَ يوم أو يومين تداركه فيما يليه من الزمن، وإن
لم يتدارك الرمي حتى غربت شمس اليوم الرابع فقد فاته الرمي وعليه
الجزاء.
وذهب المالكية إلى أنه ينتهي الأداءُ إلى غروبِ كل يوم، وما بعده قضاء له، ويفوت
الرمي بغروب الرابع، ويلزمه دم في ترك حصاة أو في ترك الجميع، وكذا يلزمه الدم إذا
أخر شيئاً منها إلى الليل.
د- النَّفْر الأول :
إذا رمى الحاج الجمار ثاني أيام التشريق أي ثالث أيام النحر يجوز له أن
يَنْفِرَ - أي يرحل - إلى مكة، إنْ أحب التعجيل في الانصراف من منى، ويسمى هذا
اليومَ يومَ النَّفْرِ الأول، وبه يسقط رمي اليوم الثالث من أيام التشريق. وهو قول
عامة العلماء.
ومن أدلتهم :
قوله تعالى: {فَمَنْ تَعَجْلَ في يَوْمَيْنِ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ
ومَنْ تَأخّرَ فَلا إثْمَ عَليْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة:
203].
لكن اختلفوا في وقت جواز النَّفْر الأول:
ذهب الحنفية إلى أن له أن ينفر ما لم يطلع الفجر من اليوم الرابع من أيام النحر،
فإذا طلع الفجر لم يكن له أن ينفر، لدخول وقت الرمي حتى لو أعد نفسه، وسار من
منزله، فطلع الفجر قبل مجاوزة حدود منى - وهي جمرة العقبة جهة مكة - وجب عليه رمي
اليوم الرابع.
وذهب الجمهور - المالكية والشافعية والحنبلية - إلى أن له أن ينفر قبل غروب الشمس، فإن غربت قبل خروجه من حدودها وجب
عليه المبيت ورمي اليوم الرابع، سواء كان ارتحل، أو كان مقيماً في
منزله.
لكن الشافعية ترخصوا وأجازوا النفر لمن تمت أشغاله وسار بالفعل قبل
الغروب وهو في شغل الارتحال فغربت عليه الشمس قبل انفصاله من منى فجوزوا له النفر،
وكذا لو غربت الشمس بعدما رمى وهو في شغل الاتحال له النفر عندهم، لأن في تكليفه
حلَّ الرَّحْلِ والمتاع مشقة عليه.
أما إذا حزم متاعه وسار للرمي، ورحل بعد الرمي مواصلاً سيره كما يفعل
كثيرون فغابت عليه الشمس قبل الرمي أو قبل أن يبدأ بالرمي فهل له أن ينفر بعد هذا
الرمي ؟ ظاهر شروطهم لا يجوز، وتعليلهم برفع المشقة بظاهره الجواز. ومذهب الحنفية
أوسع في هذا.
هـ- الرمي ثالث أيام التشريق : (رابع أيام النحر) :
يجب هذا الرمي على من تأخر ولم ينفر من منى في "النفر الأول" وهذا الرمي
آخر مناسك منى.
واتفق العلماء على أن الرمي في هذا اليوم بعد الزوال رمي في الوقت، كما رمى في
اليومين قبله، اقتداء بفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
فمذهب أبي حنيفة : يجوز أن يقدم الرمي في هذا اليوم قبل الزوال، بعد
طلوع الفجر. ظهر أثر التخفيف في هذا اليوم في حق الترك فلأن يظهر في جوازه - أي
الرمي - في الأوقات كلها أولى.
وذهب الأئمة الثلاثة إلى أنه لا يصح قبل
الزوال.
واتفقوا على أن آخر وقت الرمي في هذا اليوم غروب الشمس،
كما اتفقوا على أن وقت الرمي لهذا اليوم وللأيام الماضية لو أخره أو
شيئاً منه يخرج بغروب شمس اليوم الرابع، فلا قضاء له بعد ذلك، ويجب في تركه
الفداء.
و- النفر الثاني:
إذا رمى الحاج الجمار في اليوم الثالث من أيام التشريق - وهو رابع أيام
النحر انصرف من منى إلى مكة، ولا يقيم بمنى بعد رميه هذا اليوم، ويسمى يوم "النفر
الثاني" وهو آخر أيام التشريق، وبه تنتهي مناسك منى.
أ- المعذور الذي لا يستطيع الرمي بنفسه كالمريض يجب أن يستنيبَ مَنْ
يرمي عنه، وينبغي أن يكونَ النائب قد رمى عن نفسه، فإن لم يكن رمى عن نفسه فليرم عن
نفسه الرمي كله ليومه أولاً، ثم ليرم عمن استنابه، ويجزيء هذا الرمي عن الأصيل عند
الحنفية والشافعية والحنبلية. وذهب الحنفية والمالكية إلى أنه رمى حصاة
لنفسه وأخرى للآخر جاز ويكره.
وقال الشافعية: إن الإنابة خاصة بمريض لا يرجى شفاؤه قبل انتهاء أيام التشريق، وعند
الشافعية قول إنه يرمي حصيات الجمرة عن نفسه أولاً، ثم يرميها عن نائبه إلى أن
ينتهي من الرمي. وهو مخلص حسن لمن خشي خطر الزحام.
ب- ومَنْ عَجز عن الاستنابة كالصبي، والمغمى عليه، فيرمي عن الصبي وليه
اتفاقاً. وعن المغمى عليه رفاقه عند الحنفية، ولا فدية عليه وإن لم يرم عند
الحنفية.
وقال المالكية: فائدة الاستنابة أن يسقط الإثم عنه إن استناب وقت الأداء. وإلا فالدم
عليه استناب أم لا، إلا الصغير ومَنْ أُلْحِقَ به، وإنما وجب عليه الدم دون الصغير
ومن أُلحِق - كالمُغْمَى عليه - لأنه المخاطب بسائر الأركان.
أ- الحلق: إزالة الشعر بالموسى من الرأس.
والتقصير: أخذ جزء من الشعر بالمقص ونحوه.
كان العرب يطلقون شعرهم لا يحلقونه ولا يقصرونه، فأمر الله الحاج
والمعتمر بحلق شعر الرأس أو تقصيره.
ب- وقد اتفق جماهير العلماء على أن الحلقَ نُسُك يُتَعَبَّد به في الحج
والعمرة، واتفقوا على أنه لا يجزئ أخذ شعر غير الرأس.
ومذهب الحنفية والمالكية والحنابلة أنه واجب من واجبات
الحج.
ومن أدلتهم:
1) قوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ
اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ}
[الفتح: 27].
وجه الاستدلال: أن الآية وإن كانت خبراً ووعداً من الله، فلابد من
إيجابه عليهم ليتحقق وعده تعالى.
2) حديث ابن عباس -رضي الله عنهما ،طوفوا بالبيتِ، وبالصفا والمروة، ثم
يَحِلُّوا ويَحْلِقوا أو يُقَص في المشهور عنه الراجح في المذهب إلى أن
الحلق ركن في الحج، لتوقف التحلل عليه، مع عدم جبره بالدم في مذهبه فصار
كالطواف.
اختلف الأئمة في القدر الذي يجزئ حلقه أو تقصيره من شعر
الرأس:
ذهب الحنفية إلى أنه يكفي في أداء الواجب حلقُ ربع الرأس أو تقصيره، مع
الكراهة لتركه السنة، وهي حلق جميع الرأس أو تقصيره.
ذهب الشافعية إلى أنه: يكفي إزالة ثلاث شعرات أو تقصيرها، لقوله تعالى:
{مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ..} فإنّ معناه شعر رؤوسكم، والشعر يصدق بالثلاث،
لأنه اسم جميع.
وذهب المالكية والحنابلة إلى أنَّ الواجب حلق جميع الرأس أو تقصيره، وذلك إشارة إلى طلب تحليق
الرؤوس أو تقصيرها، ولفعله عليه الصلاة والسلام، فإنه استوعب رأسه
بالحلق.
2) أما التقصير فأقله "أن يأخذ من رؤوس شعره مقدار الأنملة، أي طرفٍ من رأس
الإصبع (نحو ربع سنتمتر) للمساحة التي ذكرناها من الرأس في كل
مذهب.
3) وقد اتفق العلماء على أن الحلق أفضل من التقصير للرجال، لتقديم ذكر المحلِّقين في
الآية.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: "اللهمَّ ارحمِ المحلقين" قالوا: "والمقصِّرينَ يا رسولَ الله" قال: "اللهم
ارحم المحلقين" قالوا: "والمقصرين يا رسول الله". قال: "والمقصرين" متفق
عليه.
4) حكم النساء في الحلق: أجمع الفقهاء أن لا حلق على النساء، إنما
عليهن التقصير، ويكره لهن الحلق، لأنه بدعة في حقهن وفيه
مُثْلَةٌ.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"ليسَ على النساءِ حَلْقٌ إنما على النساءِ التَّقْصِير" أخرجه أبو داود بسند
حسن.
5) الأصلع الذي لا شعر على رأسه:
ذهب الحنفية والمالكية إلى أنه يجب عليه إجراء الموسى على رأسه لأن الواجب شيئان: إجراؤه، مع
الإزالة، فما عجز عنه سقط، دون ما لم يعجز عنه.
وذهب الشافعية والحنابلة وقول لبعض الحنفية إلى أن استحباب ذلك لفوات ما تعلق به الواجب وهو
الشعر.
د- توقيت الحلق والتقصير:
1) زمان الحلق:
ذهب أبو حنيفة ومالك إلى أن زمان الحلق يختص الحلق بأيام النحر (10، 11، 12 من ذي الحجة)،
فلو أخره عنها يجب بتأخيره دم عندهم. وهذا وقت وجوب الأداء، ولا آخر له في حق
التحلل، أي خروجه من إحرامه فيظل محرماً حتى يحلق أو يقصر مهما تأخر عند
الحنفية.
أما عند مالك فالتحلل يكون بالرمي.
وذهب الشافعي وأحمد إلى أنه لا آخر لوقت الحلق، كما أنه لا آخرَ لوقت طواف الزيارة، لأن
الأصل عدم التأقيت فلو أخر الحلق لا يجب عليه دم، إلا أن الشافعي وقَّت ابتداء
الحلق بمنتصف ليلة النحر، قياساً على الرمي.
2) مكان الحلق:
ذهب أبو حنيفة إلى أن مكان الحلق مؤقت بالحرم، فإنْ حَلَقَ أو قصر في أيام النحر في
غير الحرم حصل التحلل، وعليه دم سواء في ذلك حلق الحج أو
العمرة.
وذهب الشافعي ومالك إلى أن الحلق غير مختص بالحرم، لكن الأفضل فعله في منى، فلو فعله في
موضع آخر مثل وَطَنِه أو غيرِه جاز، لحج أو لعمرة، ولا شيء عليه، ولا يحل حتى
يحلق.
3) ترتيب الحلق مع أعمال يوم النحر:
يفعل الحاج بمنى يوم النحر ثلاثة على هذا الترتيب : رمي، فنحر،
فحلق.
وترتيب الحلق أن يفعله بعد الرمي والذبح، إنْ كان متمتعاً أو قارنا كما
رتب النبي صلى الله عليه وسلم، أما المفرد فإنه يحلق بعد الرمي فقط لأنه لا ذبح
عليه.
عن أنس رضي الله عنه : "أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى جمرة
العقبة يوم النحر، ثم رجع إلى منزله بمنى، فدعا بِذِبْحٍ فَذَبَحَ، ثم دعا بالحلاق،
فأخذ بشق رأسه الأيمن، فحلقه، فجعل يقسم بين من يليه الشعرة والشعرتين، ثم أخذ بشق
رأسه الأيسر فحلقه". أخرجه مسلم.
واختلف المذاهب في حكم الترتيب:
ذهب الحنفية إلى أنه يجب مراعاة الترتيب، فيجب عندهم الدم فداء عن التأخير، كما إذا
حلق قبل الرمي، أو نحر القارن قبل الرمي، وكالحلق قبل الذبح.
وذهب الشافعي إلى أن الترتيب سنة، لو تركه أساء وليس عليه
فداء.
وذهب المالكية إلى أنَّ الواجب في الترتيب: تقديم الرمي على الحلق وعلى طواف الإفاضة،
ولا يجب غير ذلك من الترتيب، بل هو سنة.
ويتفرع على مذهب المالكية أنه يجب الدم على من أخل بالترتيب في صورتين
:
1) أن يحلق قبل الرمي.
2) أن يطوف للإفاضة قبل الرمي أيضاً.
ولا يجب الدم على من أخلَّ بالترتيب في الصور
الآتية.
1) إذا حلق قبل الذبح.
2) إذا ذبح قبل الرمي.
3) إذا طاف طواف الإفاضة قبل الذبح أو قبل الحلق أو قلبهما
معاً.
يحصل بالحلق التحلُّلُ الأول أن الأصغر، فيصير الحاج حلالاً، تُباحُ له
محرماتُ الإحرام من اللبس، وإزالة التفث والصيد - في غير الحَرَم - والطيب وغير
ذلك، إلا الجماع، فإنه يظل محرماً عليه حتى يطوف طواف الإفاضة. وكذا الجماع فيما
دون الفرج عند الحنفية، لأن فيه قضاء الشهوة وحّرم المالكية الصيد وعقد النكاح
أيضاً وكرهوا الطيب لأنه من دواعي الجماع لكن لا فدية فيه.
والأصل فيه قول عائشة رضي الله عنها : "كنتُ أُطَيِّبُ رسولَ الله صلى
الله عليه وسلم لإحرامه حينَ يُحْرِم، ولِحِله قبل أنْ يطوف بالبيت بطيب فيه مسك"
متفق عليه.
ذهب الحنفية إلى أنَّه التحلل الأول لا يحصل إلا بالحلق، فلو رمى وذبح وطاف ولم
يحلق لم يتحلل عندهم.
استدلوا بأن "التحلل من العبادة هو الخروج منها، ولا يكون ذلك بركنها،
بل إما بمنافيها، أو بما هو محظور فيها، وهو أقل ما يكون".
وذهب الشافعي إلى أنه يحصل التحلل الأول إذا فعل اثنين من الرمي والحلق وطواف
الزيارة، أي المسبوق بالسعي من قبل، وإلا فلا يحل حتى يسعى بعد طواف الزيارة. فجعل
الرمي من أسباب التحلل، وهذا على المشهور عندهم من أن الحلق نسك. والمفرد والمتمتع
والقارن في أسباب التحلل هذه وترتيبها على حد سواء. لأن الذبح لا مدخل له في التحلل
عند الشافعية. استدلوا بحديث عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال : "إذا
رميتم الجمرةَ فقد حلَّ لكم كُّل شيء إلا النساءَ.." أخرجه النسائي وابن ماجه هكذا
موقوفاً. وثبت عن بعض الصحابة نحو ذلك من قوله أيضاً.
وذهب مالك وأحمد إلى أن التحلل الأول برمي جمرة العقبة وحده.
التحلل الثاني :
ويسمى التحلل الأكبر، وتِحل به كل محظورات الإحرام حتى النساء،
إجماعاً.
ذهب الحنفية إلى أنه يحصل هذا التحلل بطواف الإفاضة عند الحنفية، ولا يتوقف الإحلال
على السعي، لأنه من الواجبات عندهم. وقد علمت أن الحنفية علقوا التحلل بالحلق فلو
تقدم الطواف على الحلق لم يحل.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه يحصل عندهم التحلل الأكبر بتكميل فعل الثلاثة : جمرة العقبة،
والحلق والطواف. إذا كان سعى بعد طواف القدوم، أما إذا لم يسع بعد طواف القدوم فلا
بُدَّ من السعي بعد طواف الإفاضة حتى يتحلل التحلل الثاني
(الأكبر).
وذهب المالكية إلى أنه يحصل التحلل الأكبر عندهم بطواف الإفاضة لمن حلق ورمى جمرة
العقبة قبل الإفاضة، أو فات وقتها عليه وذلك بشرط السعي
أيضاً.
وحصول التحلل الأكبر باستيفاء الأربعة : رمي جمرة العقبة، والنحر،
والحلق وطواف الإفاضة بشرط السعي موضع إجماع أئمة المسلمين لا خلاف فيه بينهم. لكن
يجب عليه فعل بقية أعمال الحج، إن كان حلالاً.
طواف الصَّدَرِ
"الوداع"
ويسمى طواف الوداع وطواف آخر العهد:
شُرِعَ طوافُ الوداع لختام مناسك الحج، يفعله الحاج إذا عزم على السفر
من مكة، ذهب الحنفية والشافعية على الأظهر والحنابلة إلى وجوب طواف
الوداع.
استدلوا على وجوبه بأمره صلى الله عليه وسلم كما روى ابن عباس رضي الله
عنهما قال: "أُمِرَ الناسُ أنْ يكونَ آخرُ عهدهم بالبيت، إلا أنهُ خفِّفَ عَنِ
المرأةِ الحائض" متفق عليه.
وذهب المالكية إلى أنه سنة، لأنه جاز للحائض تركه دون فداء، ولو وجب لم يجز للحائض
تركه.
أ- أن يكون الحاج من أهل الآفاق:
ذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه يجب على المكي، لأن الطواف وجب توديعاً للبيت، وهذا المعنى لا يوجد في أهل
مكة، لأنهم في وطنهم.
وقال الحنفية: يلحق بالمكي مَنْ كان مِنْ منطقة المواقيت، لأن حكمهم حكم أهل
مكة.
وقال الحنابلة: لا يسقط إلا عمن كان منزله في الحرم فقط.
وذهب المالكية والشافعية إلى أنه يطلب طواف الوداع في حق كل من قصد السفر من مكة ولو كان مكياً
إذا قصد سفراً تقصر فيه الصلاة.
ب- الطهارة من الحيض والنفاس : فلا يجب على الحائض والنفساء، ولا يسن أيضاً، حتى إنهما لا يجب عليهما
دم بتركه، لما في حديث ابن عباس:" إلا أنه خفف عن الحائض" وكذا حديث عائشة في قصة
صفية لما حاضت، فقد سافر بها النبي صلى الله عليه وسلم دون أن تطوف
للوداع.
فأما الطهارة من الجنابة فليست بشرط لوجوب طواف الوداع، فيكون واجباً
على المحدث والجنب، لأنه يمكنهما إزالة الحدث والجنابة في
الحال.
وإذا طَهُرَتِ الحائض أو النُّفَساء قبل أنْ تفارقَ بنيان مكة يلزمها
طواف الصدر، وإن جاوزت جدران مكة ثم طهرت لم يلزمها طواف الصدر، اتفاقاً بين
الحنفية والشافعية والحنبلية ولا يكون سنة في حقها عند المالكية، لأنها حين خرجت من
العمران صارت مسافرة، بدليل جواز القصر، فلا يلزمها العود ولا
الدم.
جـ- أن يكون قد أدى مناسك الحج مفْرِداً أو متمتعاً أو قارناً. ذهب الحنفية إلى أنه لا يجب على المعتمر، ولو كان
آفاقياً، وكأنهم نظروا إلى المقصود، وهو ختم أعمال الحج، فلا يطلب من
المعتمر.
وذهب الجمهور إلى أنه يطلب طواف الوداع من المعتمر.
وقت طواف الوداع:
وقت طواف الوداع عند الحنفية يمتد من عقب طواف الزيارة إلى أن يسافر،
وكل طواف يفعله الحاج بعد طواف الزيارة يقع عن طواف الصدر.
ذهب الحنفية إلى أنَّ السفر فور الطواف فليس من شرائط جوازه عند الحنفية، حتى لو
طاف للصدر، ثم تشاغل بمكة بعده، لا يجب عليه طواف آخر، لأن المراد أن يكون آخر عهده
بالبيت نسكاً، لا إقامة، والطواف آخر مناسكه بالبيت. إلا أن المستحب أن يؤخر طواف
الصدر إلى الوقت الذي يريد أن يسافر فيه.
ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنَّ وقته بعد فراغه من جميع أموره، وعزمه على السفر، ويغتفر له أن
يشتغل بعده بأسباب السفر، كشراء الزاد، وحمل الأمتعة، ونحو ذلك ولا يعيده، وإن مكث
بعده، مشتغلاً بأمر آخر غير أسباب السفر كشراء متاع، أو زيارة صديق، أو عيادة مريض
احتاج إلى إعادة الطواف.
ويُنصح الحاج أنْ يسرعَ بعد طوافِ الزيارة بطوافٍ آخر بناء على مذهب
الحنيفة احطياطاً للسفر في وقت ضيق عليه. وقرّر الملكية والحنابلة في مذهبهم: أن
طواف الوداع يتأدى بطواف الإفاضة أو طواف العمرة لمن خرج من مكة بعدهما، إن نواه
بهما، ولا يكون سعيه لها (يعني العمرة) طولا حيث لم يُقِمْ عندها إقامة تقطع حكم
التوديع . ويدل لهم قوله "آخر عهده بالبيت"، وقد حصل هنا.
0 التعليقات:
إرسال تعليق