التسميات

الموسيقى الصامتة

Our sponsors

13‏/12‏/2014

في حبّ الدنيا




الفقرة العاشرة: في حبّ الدنيا

      قال تعالى:
      {إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يونس: 7] فحب الدنيا والاطمئنان لها ونسيان الآخرة يترتّب عليه كسب يستحق به صاحبه دخول النار، وبأدنى تأمّل يستطيع الإِنسان أن يعرف كسب أهل الدنيا الذي يستحقّون به النار، إنّ طالب الدنيا لا يهمّه إلاّ قضاء شهواته ولذّاته والوصول إلى أطماعه دون قيود ولا ضوابط فهو وراء المرأة والخمرة والكسب الحرام واللعب واللهو والزينة والفخر والجاه وكل ما يعتبره لذيذاً أو مبهجاً أو نافعاً أو رافعاً.

بيان ذم الدنيا
      الآيات الواردة في ذم الدنيا والتزهيد كثيرة. وأكثر القرآن مشتمل على ذم الدنيا وصرف الخلق عنها ودعوتهم إلى الآخرة. بل هو مقصود الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولم يبعثوا إلا لذلك، لا حاجة إلى الاستشهاد بآيات القرآن لظهورها، وإنما نورد بعض الأخبار الواردة فيها. فقد روي أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرّ على شاة ميتة فقال: "أترون هذه الشاة هينة على أهلها؟" قالوا: من هوانها ألقوها قال: "والذي نفسي بيده الدنيا أهون على الله من هذه الشاة على أهلها ولو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء". [أخرجه ابن ماجه والحاكم وصحح إسناده وآخره عند الترمذي وقال حسن صحيح، ولمسلم نحوه من حديث جابر]. وقال صلى الله عليه وسلم: "الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر" [أخرجه مسلم] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما كان لله منها". [أخرجه الترمذي وحسنه وابن ماجه وزاد "إلا ذكر الله وما والاه وعالم ومتعلم"]. وقال صلى الله عليه وسلم: "ألهاكم التكاثر يقول ابن آدم مالي مالي وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدّقت فأبقيت؟". [أخرجه مسلم].

بيان حقيقة الدنيا وماهيتها في حق العبد
      اعلم أنّ معرفة ذم الدنيا لا تكفيك ما لم تعرف الدنيا المذمومة ما هي؟ وما الذي ينبغي أن يجتنب منها وما الذي لا يجتنب؟ فلا بد وأن نبين الدنيا المذمومة المأمور باجتنابها لكونها عدوة قاطعة لطريقك إلى الله ما هي؟ فنقول: دنياك وآخرتك عبارة عن حالتين، فالقريب الداني منها يسمى دنيا وهو كل ما قبل الموت، والمتراخي المتأخر يسمى آخرة وهو ما بعد الموت، فكل ما لك فيه حظ ونصيب وغرض وشهوة ولذة عاجل الحال قبل الوفاة فهي الدنيا في حقك إلا أنّ جميع ما لك إليه ميل وفيه نصيب وحظ فليس بمذموم بل هو ثلاثة أقسام:
      القسم الأول: ما يصحبك في الآخرة وتبقى معك ثمرته بعد الموت وهو شيئان: العلم والعمل فقط، وأعني بالعلم: العلم بالله وصفاته وأفعاله وملائكته وكتبه ورسله وملكوت أرضه وسمائه والعلم بشريعة نبيه وأعني بالعمل: العبادة الخالصة لوجه الله تعالى، وقد يأنس العالم بالعلم حتى يصير ذلك ألذ الأشياء عنده فيهجر النوم والمطعم والمنكح في لذته لأنه أشهى عنده من جميع ذلك فقد صار حظاً عاجلاً في الدنيا.
      القسم الثاني: وهو المقابل له على الطرف الأقصى كل ما فيه حظ عاجل ولا ثمرة له في الآخرة أصلاً كالتلذذ بالمعاصي كلها والتنعم بالمباحات الزائدة على قدر الحاجات والضرورات الداخلة في جملة الرفاهية والرعونات، كالتنعم بالقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث والغلمان والجواري والخيول والمواشي والقصور والدور ورفيع الثياب ولذائذ الأطعمة، فحظ العبد من هذا كله هي الدنيا المذمومة، وفيما يعدّ فضولاً أو في محل الحاجة نظر طويل.
      القسم الثالث: وهو متوسط بين الطرفين كل حظ في العاجل معين على أعمال الآخرة كقدر القوت من الطعام والقميص الواحد الخشن وكل ما لا بدّ منه ليتأتى للإِنسان البقاء والصحة التي بها يتوصل إلى العلم والعمل.

الفقرة الحادية عشرة: في اتباع الهوى

      إذا تأمّلت أمراض الحياة البشرية كلها الكبر والعجب والحسد وحب الجاه والدنيا والزنا والفواحش والغيبة والنميمة، وكل ما يخطر على بالك من أمراض فأنّك تجد وراءه شيئاً واحداً هو اتبّاع الهوى، فالهوى في الأصل هو ميل النفس الخاطئ ولخطورة اتبّاع الهوى قال تعالى: {وَلَوْ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتْ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ} [المؤمنون: 71].


0 التعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة الموضوع

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More