آداب السفر للحج وغيره، وآداب الحاج العائد
وفيه
مبحثان:
المبحث الأول - آداب السفر للحج وغيره:
1- المشاورة: يستحب أن يشاور من يثق بدينه وخبرته وعلمه في حجه، وعلى
المستشار أن يبذل له النصيحة، فإن المستشار مؤتمن والدين
النصيحة.
2- الاستخارة: ينبغي إذا عزم على الحج أو غيره أن يستخير الله تعالى، فيصلي
ركعتين من غير الفريضة، ثم يقول بعدها:
"اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك، فإنك تقدر
ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن - ذهابي إلى
الحج في هذا العام- خير في ديني ودنياني ومعاشي وعاقبة أمري وعاجله وآجله، فاقدره
لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه. اللهم وإن كنت تعلم أنه شر لي في ديني ودنياي ومعاشي
وعاقبة أمري وعاجله وآجله، فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم
رضني به".
ويستحب أن يقرأ في هذه الصلاة بعد الفاتحة في الركعة الأولى "الكافرون"
وفي الثانية "الإخلاص". ثم ليمض بعد الاستخارة لما ينشرح إليه
صدره.
3- التوبة ورد المظالم والديون: إذا عزم على السفر تاب من جميع المعاصي ورد
المظالم إلى أهلها، وقضى ما أمكنه من ديونه، ورد الودائع، وطلب المسامحة ممن كان
يعامله أو يصاحبه، وكتب وصيته وأشهد عليها، ووكل من يقضي عنه ديونه مالم يتمكن من
وفائها، وترك لأهله ما يحتاجونه من نفقة.
4- إرضاء الوالدين والزوج: يجتهد في إرضاء والديه وكل من يبره، وتسترضي
المرأة زوجها وأقاربها، ويستحب للزوج أن يحج مع امرأته.
5- كون النفقة حلالاً: ليحرص على أن تكون نفقته حلالاً خالصة من
الشبهة.
فقد ذهب الجمهور إلى أنَّ من حجَّ بمالٍ فيه شبهة أو بمال مغصوب صح حجه، لكنه ليس حجاً
مبروراً.
وقال أحمد: لا يجزيه الحج بمال حرام.
6- الاستكثار من الزاد الطيب والنفقة: يستحب الاستكثار منهما ليواسي منه
المحتاجين، ولقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ
طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلا
تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} [البقرة: 267] والمراد بالطيب هنا:
الجيد، وبالخبيث: الرديء.
7- ترك المماحكة في الشراء: يستحب ذلك بسبب الحج وكل ما يتقرب به إلى الله
تعالى.
8- عدم المشاركة في الزاد والراحلة والنفقة: يستحب ذلك إيثاراً للسلامة من
المنازعات.
9- تحصيل مركوب قوي مريح: يستحب ذلك، والركوب في الحج أفضل من المشي وقد
ثبت في الأحاديث الصحيحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حج راكباً، وكانت راحلته
زاملته. والزاملة: البعير الذي يُحمل عليه الطعام والمتاع.
10- تعلم كيفية الحج: لابد إذا أراد الحج أن يتعلم كيفيته، وهذا فرض عين، إذ
لا تصح العبادة ممن لا يعرفها ويستحب أن يستصحب معه كتاباً واضحاً في مناسك الحج،
وأن يديم مطالعته، ويكررها في جميع طريقه لتصير محققة عنده.
11- اصطحاب الرفيق: ينبغي أن يطلب له رفيقاً موافقاً، راغباً في الخير،
كارهاً للشر، إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه. ويحرص على رضا رفيقه في جميع طريقه،
ويتحمل كل واحد صاحبه، ويرى لصاحبه عليه فضلاً وحرمة، ولا يرى ذلك لنفسه، ويصبر على
ما وقع منه أحياناً من جفاء ونحوه. وقد كره الرسول صلى الله عليه وسلم الوحدة في
السفر، وقال: "الراكب شيطان، والراكبان شيطانان والثلاثة ركب" رواه أبو داود
والترمذي وإذا ترافق ثلاثة أو أكثر أمروا على أنفسهم أفضلهم وأجودهم رأياً، لحديث
"إذا كانوا ثلاثة فليؤمروا أحدهم" رواه أبو داود.
12- التفرغ للعبادة والإخلاص: يستحب أن يتفرغ للعبادة، خالياً عن التجارة،
لأنها تشغل القلب، فإن اتجر مع ذلك صح حجه، لقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ
جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198]، ويريد بعمله
وجه الله تعالى، لقوله سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ
مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5]. وقوله عليه السلام: "إنما الأعمال
بالنيات".
13- كون السفر يوم الخميس والتبكير: يستحب أن يكون سفره يوم الخميس، إذ قلما
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر إلا يوم الخميس، فإن فاته فيوم الاثنين،
إذ فيه هاجر الرسول من مكة. ويستحب أن يبكر لحديث صخر الغامدي: "اللهم بارك لأمتي
في بكورها" رواه أبو داود والترمذي.
14- صلاة سنة السفر: يستحب إذا أراد الخروج من منزله أن يصلي ركعتين، يقرأ
في الأولى بعد الفاتحة "الكافرون" وفي الثانية: "الإخلاص"، ثم يدعو بحضور قلب
وإخلاص بما تيسر من أمور الدنيا والآخرة، ويسأل الله تعالى الإعانة والتوفيق في
سفره وغيره من أموره، فإذا نهض من جلوسه، قال ما رواه أنس:
"اللهم إليك توجهت، وبك اعتصمت، اللهم اكفني ما أهمني وما لم أهتم به،
اللهم زودني التقوى، واغفر لي ذنبي".
15- الوداع: يستحب أن يودع أهله وجيرانه وأصدقاءه وأن يودعوه ويستسمحهم،
ويقول كل واحد منهم لصاحبه: "أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك، زودك الله
التقوى، وغفر ذنبك، ويسر لك الخير حيث كنت".
16- الدعاء عند الخروج من البيت: السنة إذا أراد الخروج من بيته أن يقول ما
صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أعوذ بك من أن أَضِلَّ أو أُضَلَّ،
أو أَزِلَّ أو أُزَلَّ، أو أَظلِمَ أو أُظلَمَ، أو أَجْهَلَ أو يُجهَلَ عليَّ" وعن
أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا خرج الرجل من بيته، فقال: بسم الله،
توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، يقال: هديت وكفيت
ووقيت".
ويستحب له أن يتصدق بشيء عند خروجه وكذا بين يدي كل حاجة
يريدها.
17- الدعاء عند الركوب: يستحب إذا أراد الركوب أن يقول: "بسم الله" وإذا
استوى على دابته قال: "الحمد لله، سبحان الذي سخر لنا هذا، وما كنا له مقرنين، وإنا
إلى ربنا لمنقلبون".
ثم يقول: "الحمد لله" ثلاث مرات "الله أكبر" ثلاث
مرات.
ثم يقول: "سبحانك، اللهم إني ظلمت نفسي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب
إلا أنت" للحديث الصحيح في ذلك.
ويستحب أن يضم إليه: "اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن
العمل ما تحب وترضى، اللهم هوَّن علينا سفرنا وأطوعنا بُعْده، اللهم أنت الصاحب في
السفر، والخليفة في الأهل والمال. اللهم إنا نعوذ بك من وَعْثاء السفر وكآبة
المنقلب، وسوء المنظر في الأهل والمال والولد".
18- السفر بالليل والرفق بالدابة: يستحب إكثار السفر في الليل، لحديث أنس:
"عليكم الدُّلْجة، فإن الأرض تطوى بالليل" رواه أبو داود.
19- التقشف والرفق في السفر : أن يتجنب الشبع المفرط والزينة والترفه
والتبسط في ألوان الأطعمة، فإن الحاج أشعث أغبر، عن ابن عمر قال: "قام رجل الى
النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من الحاج ؟ قال: الشَعِث التفِل" رواه الترمذي وابن
ماجه.
وينبغي أن يستعمل الرفق وحسن الخلق مع الناس، ويتجنب المخاصمة والمخاشنة
ومزاحمة الناس في الطريق وموارد الماء إذا أمكنه ذلك.
ويصون لسانه من الشتم والغيبة وجميع الألفاظ القبيحة، للحديث: "من حج
فلم يرفث، ولم يفسق، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه".
20- عدم اصطحاب الكلب أو الجرس: يكره أن يستصحب كلباً أو جرساً، لقوله صلى
الله عليه وسلم: "إن العير التي فيها الجرس لا تصحبها الملائكة"رواه أبو داود
وقوله: "لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب أو جرس" رواه مسلم "الجرس مزمار الشيطان"
رواه أبو داود.
21- التكبير والتسبيح: السنة التكبير عند العلو، والتسبيح عند الهبوط في واد
ونحوه، بدون رفع الصوت.
22- الدعاء عند رؤية بلد: يستحب إذا أشرف على قرية أو منزل يقول: "اللهم إني
أسألك خيرها وخير أهلها وخير ما فيها، وأعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما
فيها".
23- الدعاء عند نزول منزل: السنة إذا نزل منزلاً أن يقول: "أعوذ بكلمات الله
التامات من شر ما خلق" لحديث خولة بنت حكيم فيما رواه مسلم: "من نزل منزلاً ثم قال:
أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء، حتى يرتحل من منزله
ذلك".
ويستحب أن يُسَبِّحَ في حال حطه الرحل، لقول أنس: "كنا إذا نزلنا سبحنا
حتى نحط الرحال".
ويكره النزول في قارعة الطريق، لحديث أبي هريرة: "لا تعرسوا على الطريق
فإنها مأوى الهوام بالليل".
24- الدعاء عند دخول الليل: السنة إذا جن عليه الليل أن يقول ما رواه أبو
داود عن ابن عمر قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر، فأقبل الليل،
قال: يا أرض، ربي وربك الله، أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك وشر ما خلق فيك، وشر ما
يدب عليك، أعوذ بالله من أسد وأَسْود، والحية والعقرب، ومن ساكن البلد، ومن والد
وما ولد".
25- الدعاء عند الخوف: إذا خاف قوماً أو إنساناً أو غيره، قال ما رواه أبو
موسى الأشعري: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خاف قوماً، قال: اللهم إنا
نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم" رواه أبو داود
والنسائي.
ويستحب أن يكثر من دعاء الكرب هنا وفي كل موطن وهو: "لا إله إلا الله
العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب
الأرض، ورب العرش الكريم" رواه البخاري ومسلم.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا كربه أمر قال: "يا حي يا قيوم برحمتك
أستغيث" رواه الترمذي.
26- الدعاء في السفر: يستحب الإكثار من الدعاء في جميع سفره لنفسه ولوالديه
وأحبائه وولاة المسلمين وسائر المسلمين بمهمات أمور الآخرة والدنيا، لقوله صلى الله
عليه وسلم: "ثلاث دعوات مستجابات، لاشك فيهن: دعوة المظلوم ودعوة المسافر، ودعوة
الوالد على ولده" رواه أبو داود والترمذي.
27- التزام الطهارة والصلاة: يستحب له المداومة على الطهارة والنوم على
الطهارة، والمحافظة على الصلاة في أوقاتها المشروعة، وله عند الشافعية أن يقصر
ويجمع، وله ترك الجمع والقصر، وله عند الشافعية فعل أحدهما وترك الآخر، لكن الأفضل
أن يقصر وألا يجمع خروجاً من الخلاف، لأن أبا حنيفة رحمه الله يوجب القصر ويمنع
الجمع، إلا في عرفات والمزدلفة.
وتسن السنن الراتبة مع الفرائض في السفر، كما تسن في
الحضر.
المبحث الثاني - آداب رجوع الحاج من سفره:
للحاج وكل مسافر عند عودته إلى بلده آداب أهمها ما
يأتي:
1- السنة أن يقول ما ثبت في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله
صلى
الله عليه وسلمكان إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة، وكبر على كل شرف من
الأرض ثلاث تكبيرات، ثم يقول : "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله
الحمد، وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون، عابدون ساجدون، لربنا حامدون، صدق الله
وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده" رواه البخاري.
2- السنة إذا قرب من وطنه أن يبعث قدامه من يخبر أهله، كيلا يقدم عليهم
بغتة.
3- يحسن أن يقول إذا أشرف على بلده : "اللهم إني أسألك خيرها، وخير أهلها،
وخير ما فيها، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها" واستحب بعضهم أن يقول : "اللهم اجعل
لنا بها قراراً أو رزقاً حسناً، اللهم ارزقنا جناها، وأعذنا من وباها، وحببنا إلى
أهلها، وحبب صالحي أهلها إلينا" رواه ابن السني في الأذكار.
4- إذا قدم، فلا يطرق أهله في الليل، بل يدخل البلدة غدوة، وإلا ففي آخر
النهار، روى مسلم عن أنس "أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يطرق أهله ليلاً، وكان
يأتيهم غدوة أو عشية".
5- إذا وصل منزله، فالسنة أن يبتدئ بالمسجد، فيصلي فيه ركعتين، وإذا دخل
منزله صلى أيضاً ركعتين، ودعا وشكر الله تعالى.
6- يستحب لمن يسلم على الحاج أن يقول: "قبل الله حجك، وغفر ذنبك، وأخلف
نفقتك" لقوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اغفر للحاج، ولمن استغفر له
الحاج".
تنبيه هام: هذا وإن قيام العوام بذبح الشاة بين رجلي الحاج يؤدي إلى تحريم أكلها،
إذا إن الذبح بنية تعظيم فلان يحرم أكلها ولو ذكر اسم الله عليها، أما مظاهر
الاستقبال الزائدة فهو رياء ينافي الإخلاص في العبادة.
7- يستحب أن يقول إذا دخل بيته ما كان يقوله النبي صلى الله عليه وسلم فيما
رواه ابن عباس: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رجع من سفره، فدخل على أهله،
قال: توباً توباً، لربنا أوباً، لا يغادر حوباً" توباً: أي نسألك توبة كاملة، ولا
يغادر حوباً أي لا يترك إثماً.
8- ينبغي أن يكون رجوعه خيراً مما كان، فهذا من علامات قبول الحج، وأن يكون
خيره مستمراً في ازدياد.
0 التعليقات:
إرسال تعليق