في فرضية الحج وحكمة مشروعيته
1- تعريف الحج :
الحَجُّ في اللغة : القصد إلى مُعَظَّم.
وفي الشريعة : قصد البيت العتيق لأداء الأفعال المفروضة من الطواف
بالكعبة والوقوف بعرفة محرماً بنية الحج.
2- فرضية الحج وأدلتها:
الحج فريضة محكمة، محتمة، ثبتت فرضيته بالقرآن والسنة
والإجماع.
دليل الكتاب : فقد قال تعالى في سورة آل عمران : {وَلِلَّهِ عَلَى
النَّاسِ حِجُ البَيْتِ مَنِ اَسْتَطَاعَ ِإلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ
اللَّهَ غَنِىٌّ عَنِ العَالَمِينَ} [آل عمران: 97].
فهذه الآية نص في إثبات الفرضية، حيث عبر القرآن بصيغة {وَلِلَّهِ
عَلَى النَّاسِ} وهي صيغة إِلزام وإيجاب، وذلك دليل
الفرضية.
دليل السنة : فمنها حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
"بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام
الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، والحج" متفق عليه.
وعن أبي هريرة قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : "أيها
الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا" فقال رجل : أكل عام يا رسول الله ؟ فسكت حتى
قالها ثلاثاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم
..." رواه مسلم والنسائي.
دليل الإجماع : فقد تمَّ الإجماع منذ الصحابة إلى يومنا هذا، وأجمعوا
على أن الحج فريضة محكمة على كل مستطيع في العمر مرة واحدة.
حكم العلماء على منكر هذه الفريضة وعلى من اعتقد حجاً آخر بدل الحج إلى
الكعبة المشرفة والمناسك أنه مرتد عن الإسلام، كافر بالله ورسوله، والعياذ بالله
تعالى.
3- التعجيل بالحج :
لكن اختلفوا في وجوب الحج هل هو على الفور أو على التراخي
:
ذهب الإمام أبو حنيفة في رواية عنه ومالك وأحمد إلى أنه يجب على الفور، فمن تحقق فرض الحج عليه في عام فأخره يكون
آثماً. واستدلوا بأدلة منها :
1) الحديث "من ملك زاداً وراحلته تبلغه إلى بيت الله الحرام ولم يحج فلا
عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً" اخرجه الترمذي.
وذهب بعض الحنفية والشافعي إلى أنه يجب على التراخي فلا يأثم المستطيع بتأخيره، لكن التأخير إنما
يجوز بشرط العزم على الحج في المستقبل، فلو خشي العجز أو خشي هلاك ماله حرم
التأخير، أما التعجيل بالحج لمن وجب عليه فهو سنة عند الشافعي، ما لم يمت، فإذا مات
تبين أنه كان عاصياً من آخر سنوات الاستطاعة، ودليلهما :
1) أن الأمر بالحج في قوله: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُ
البَيْتِ} مطلق عن تعيين الوقت، فيصح أداؤه في أي وقت، فلا يثبت الالزام بالفور
لأن هذا تقييد للنص، ولا يجوز تقييده إلا بدليل، ولا دليل على
ذلك.
2) أن النبي صلى الله عليه وسلم فتح مكة عام ثمان من الهجرة، ولم يحج إلا
في السنة العاشرة، ولو كان الحج واجباً على الفور لما وقع منه صلى الله عليه وسلم
هذا التأخير.
ومهما الأمر فلا شك أن التعجيل بالأداء أفضل وأحوط، فينبغي على المؤمن
أن يبادر لأداء الحج وهو في صحته وشبابه ويسره، ولا يؤخره حتى يوشك أن يفوته لتقدم
سنة فيؤديه بغاية المشقة ويحرم نفسه المتعة الروحية في الحج بسبب وهنه وشيخوخته،
وإن الفكرة الشائعة بين الناس من تحبيذ تأخير الحج، أو التعجب ممن يعجل بأدائه لهي
من نسج الشيطان وجنوده المنافقين الذي يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، وذلك مما
يجب محاربته والتحذير من أخطاره.
4- حكمة مشروعية الحج :
تشتمل فريضة الحج على حكم جليلة كثيرة تمتد في ثنايا حياة المؤمن
الروحية، ومصالح المسلمين جميعهم في الدين والدنيا، منها :
آ- أن في الحج إظهار التذلل لله تعالى، وذلك لأن الحاج يرفض أسباب الترف
والتزين، ويلبس ثياب الإحرام مظهراً فقره لربه، ويتجرد عن الدنيا وشاغلها التي
تصرفه عن الخلوص لمولاه، فيتعرض بذلك لمغفرته ورحماه، ثم يقف في عَرفَة ضارعاً لربه
حامداً شاكراً نعماءه وفضله مستغفراً لذنوبه وعَثَرَاتِه، وفي الطواف حول الكعبة
البيت الحرام يلوذ بجناب ربه ويلجأ إليه من ذنوبه ومن هوى نفسه ووسواس
الشيطان.
ب- أن أداء فريضة الحج يؤدي شكر نعمة المال، وسلامة البدن، وهما أعظم ما
يتمتع به الإنسان من نعم الدنيا، ففي الحج شكر هاتين النعمتين العظيمتين، حيث يجهد
الإنسان نفسه وينفق ماله في طاعة ربه والتقرب إليه سبحانه، ولا شك أن شكر النعماء
واجب تقرره بداهة العقول، وتفرضه شريعة الدين.
جـ- أن الحج يربي النفس على روح الجندية بكل ما تحتاج إليه من صبر وتحمل
ونظام، وخلق سام يتعاون به المرء مع الناس، ألا ترى الحاج يتكبد مشقات الأسفار حتى
يتجمع الحجاج كلهم في مكة، ثم ينطلقون انطلاقاً واحداً يوم الثامن من ذي الحجة
لأداء المناسك، فيتحركون جميعاً ويقيمون جميعاً، وهم في ذلك مسرورون منقادون، لا
تلفتهم مشقات الزحام، ولا تزعجهم أعباء تلك التنقلات.
د- يجتمع المسلمون من أقطار الأرض في مركز اتجاه أرواحهم، ومهوى
أفئدتهم، فيتعرف بعضهم على بعض، ويألف بعضهم بعضاً، هناك حيث تذوب الفوارق بين
الناس، فوارق الغنى والفقر، فوارق الجنس واللون، فوارق اللسان واللغة، تتحد كلمة
الإنسان في أعظم مؤتمر بشري، مؤتمر كله خير وبر وتشاور، وتناصح وتعاون على البر
وتآزر.
هـ- وفي الحج ذكريات تغرس في النفس روح العبودية الكاملة، والخضوع الذي
لا يتناهي لأوامر الله وشريعته، هناك العبرة تنبثق في ثنايا النفس المؤمنة، توجهها
نحو بارئها بالطاعة والتبتل، فعند هذا البيت حطّ أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام
رَحْلَهُ بزوجه هاجر ووليده إسماعيل.
فضيلة الحج :
قال تعالى : {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا
وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا
مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا
رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ... } [الحج:
27-28].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع
كيوم ولدته أمه" أخرجه الستة إلا أبا داود.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه
عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو(1) ثم يباهي بهم الملائكة .. " أخرجه مسلم
والنسائي.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما
ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكيرُ خَبثَ الحديدِ والذهب والفضة، وليس للحَجَّة
المبرورة ثواب إلا الجنة". أخرجه الترمذي وصححه والنسائي وابن
ماجه.
0 التعليقات:
إرسال تعليق