التحدي الموجه إلى اللغة العربية: تارة من خلال إحلال العامية في الكتابة مكانها، وطوراً من خلال تسكين
أحرفها واقتراح لغة وسطاً بين العامية والفصحى، وأطواراً عبر المطالبة بكتابتها
بالأحرف اللاتينية. فضلاً عن تشجيع حشوها بالضروري وغير الضروري من المصطلحات
العلمية وغير العلمية، سواء أكان لها رديف عربي مناسب أم لم يكن لها. وأحياناً من
خلال تكوّن مثقفين يستخدمون الفرنسية أو الإنكليزية (وربما بعد حين الروسية) لغة
التفكير والكتابة وتحويل العربية إلى لغة من الدرجة ا لثانية، وأحايين من خلال
مقاومة التعريب في دوائر بعض الحكومات والكليات الجامعية والمؤسسات والشركات
والمصارف. وقد كشف الفكر الإِسلامي عن الهدف الحقيقي لمثل هذه التوجهات وهو
الانسلاخ عن لغة القرآن من أجل الانسلاخ عن الإِسلام والتراث الإِسلامي الفكري
والحضاري. مما يجعل التغريب يدخل في آلية عمل العقل (اللغة) وفي التكوّن الروحي
والضميري للأمة من خلال إبعاد الإِسلام والتراث الإِسلامي. ولم تهدأ هذه المعركة
منذ قرن بين المفكرين الإِسلاميين وعدد من المفكرين العلمانيين. وكلما سددوا لبعض
الاتجاهات ضربة برز اتجاه آخر بحلة جديدة وحجج جديدة. وهذا ما حدا بالدكتور صادق
أمين إلى إكمال الطريق بالكشف عن سياسات هدم اللغة العربية كجزء من عملية هدم
الإِسلام والسيطرة على الأمة وغزوها ثقافياً. فتتبع تلك العملية منذ بدأ بعض
المستشرقين بالتشجيع على استخدام العامية فاقتفى أثرهم أحمد لطفي السيد ولويس عوض
أنيس فريحة. وكشف أيضاً عن دور عبد العزيز فهمي وسعيد عقل اللذين طالبا أن تكتب
العربية بالحرف اللاتيني. ثم دور توفيق الحكيم وأمين الخولي في المناداة بلغة وسط
بين العامية والفصحى. كما أشار إلى محاولة طه حسين تهديم النحو العربي. ثم إلى
محاولات تحطيم أسس الشعر العربي.
إن مجموعة الردود الإِسلامية على هذه الموضوعات، وبالرغم مما أبرزه
المفكرون والعلماء الإِسلاميون المعاصرون من نقاط خلافية حول هذه القضية أو تلك،
وما حملته من نقد للفكر الغربي أو فكر العلمانيين، لم تحظ من قبل العلمانيين العرب
بما تستحقه من الاهتمام والرد. فكانوا يكتفون بترديد تلك الانتقادات وتكرارها على
الإِسلام ثم يصمون آذانهم عن الردود التي يجيب بها الإِسلاميون. الأمر الذي لم
يساعد على إغناء الموضوعات في ميدان الصراع الفكري في المجال الشعبي.
ويجب أن يقال هنا أن الجهد الإِسلامي المبذول في الرد على فلسفات الغر الآتية من فكر الغرب ونموذجه الحضاري.
كما أنها تخوض بينها حوارات فكرية تحمل الكثير من نقاط الخلاف. وقد أدى ذلك إلى بروز دراسات إسلامية هامة. ويَعِد بروز دراسات أخرى تؤكدها المطالبات الإِسلامية الراهنة الملحة على ضرورة تقويم فكر المرحلة السابقة وتجربتها العملية، وضرورة تقديم دراسات إسلامية منهجية وعلمية تفصيلية ومعمقة في مختلف مجالات الفكر والثقافة، وتناول مختلف المواضيع تناولاً إيجابياً قائماً بذاته فلا يكون القصد مواجهة تحديات الفكر الغربي أو الفكر العلماني دفاعاً عن الإِسلام فحسب، وإنما أيضاً باعتبارها جزءاً من عملية النهوض بالمشروع الإِسلامي البديل، وإنزاله على أرض التطبيق الواقعي والممارس العملية. ولهذا يمكن القول أن الفكر الإِسلامي لم يستنفذ حتى الآن كل ما عنده، أو كل طاقته وإمكاناته في تناول هذه التحديات الآتية من النموذج الحضاري الغربي، فهو في حالة مخاض واعد، وتدفق لم ينضب. ويعج داخل بالالحاح الشديد من أجل التعميق والتأصيل والتجديد، بل إيجاد سبيل تحقيق الأهداف الإِسلامية.ب
ونظرياته الاقتصادية وفي إيضاح المفاهيم والنظريات الإسلامية حول الإنسان والحياة
والمجتمع والسياسة والاقتصاد والبيئة تحاول أن تتسم بالأصالة والاتساع والعمق وتسعى
إلى الاغتناء يومياً، وإلى امتلاك الأسلحة الأكثر مضاء في الرد على التحديات
0 التعليقات:
إرسال تعليق