التحدي القائل بفصل الدين عن الدولة واتهام الإسلام بالنظام
الثيوقراطي، والدعوة إلى إقامة الأحكام على أساس وضعي عقلي مستمد من أصول تشريعية
رومانية وفرنسية وانكلوسكسونية باعتبارها أرقى ما توصل إليه الفكر القانوني
العالمي.
يلاحظ الدكتور مصطفى حلمي أن موضوع الفصل بين السياسة والدين لم يخطر
على بال علماء الإسلام في الماضي قط. ولم يثر إلا حديثاً، خصوصاً بعد إلغاء
الخلافة. فالعلماء المسلمون في السابق ناقشوا مواضيع تتعلق بالخلافة ولم يمس أحد
استبعاد علاقتها بالسياسة أو الدين. ويشير إلى أن أول من دحض مقولة فصل الدين عن
الدولة كان الشيخ مصطفى صبري آخر شيوخ الإسلام في الخلافة العثمانية، في كتابة:
(( النكير على منكري النعمة من الدين والخلافة والأمة )).
لقد توسع الفكر الإسلامي في نفي صفة النظام الثيوقراطي عن الإسلام، حين
تقوم الدولة على أساس النظام الإسلامي فقد بين ( الإخوان المسلون)، أن الدولة في
الإسلامي ليست ثيوقراطية لأن الحاكم في النظام الثيوقراطي سلطته فيه إما من رجال
الدين وإما من الحق الإلهي بوصفه ظِلُّ الله في الأرض، بينما سلطة الحاكم في الدولة
الإسلامية مستمدة من الناس لا من الله، كما ينقل الأستاذ أحمد ربيع عبد الحميد خلف
الله عن فكر الإخوان المسلمين.
أما السيد قطب فيقول: ومملكة الله في الأرض لا تقوم بأن يتولى الحاكمية
في الأرض رجال بأعيانهم -هم رجال الدين كما كان الأمر في سلطان الكنيسة، ولا رجال
ينطقون باسم الألهة، كما كان الحال فيما يعرف باسم (( الثيوقراطية)) والحكم الإلهي المقدس، ولكنها تقوم بأن تكون شريعة الله هي الحاكمة،
وأن يكون مرد الأمر إلى الله وفق ما قرره من شريعة مبينة.
ويقول الدكتور محمود أبو السعود: (( لا إشارة في الإسلام للحكم الثيوقراطي))، بمعنى لا يعطى الإسلام مطلقاً لشخص أو مجموعة أشخاص احتكار تفسير
كلمات الله أو حكم المسلمين ضد إرادتهم الحرة.
ويكتب الدكتور يوسف القرضاوي، والدكتور أحمد العسال: (( الأمة في الإسلام هي الحاكمة، وهي صاحبة السلطة، هي التي تختار حاكمها،
وهي التي تشير عليه، وهي التي تنصح له وتعينه، وهي التي تعزله إذا انحرف أو
جار))... (( والخليفة في الإسلام ليس نائباً عن الله، ولا وكيلاً له في الأرض، إنما
هو وكيل الأمة ونائب عنها)).
وأوضح الشهيد عبد القادر عودة في كتابه)) (( المال والحكم في الإسلام)) أن الحكم في الإسلام يقوم على أساس:
1- القرآن (المصدر الأساسي للتشريع) .
2- مبدأ الشورى.
3- احترام إرادة الأمة، ومن هنا فهو يرى أنا الخليفة ينوب عن الجماعة ولا
ينوب عن الله، (( وما أقامت الجماعة الخلفية إلا ليكون نائباً عنها، وما استمد ولا يستمد
سلطان إلا من نيابته عن الجماعة التي أقامته والتي تملك حق مراقبته ومنعه ممن
الخروج على حدود نيابته، بل للجماعة أن تقيد تصرفاته، وقواعد النيابة تقضي بذلك،
كما أن الإسلام يفرض على الناس حيث أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنع
الحكام من الظلم والتعسف في استعمال حقوقهم ومنعهم من الإهمال في أداء
واجباتهم..)).
أما بالنسبة إلى العلاقة بين الدين والدولة في الإسلام فيقول:
(( الدين في الإسلام ضروري للدولة، والدولة ضرورة من ضرورات الدين، فلا
يقام الدين بغير الدولة، ولا تصلح الدولة بغير الدين.
أما من جهة أخرى، فقد توسع المفكرون الإسلاميون من رجال الفقه والقانون
في ردودهم على الموضوعة القائلة: (( بأفضلية القوانين الغربية على الشرع الإسلامي)). وقد رفضوا فكرة فصل الشرع الإسلامي عن الحياة المدنية والدولة.
وناقشوا من منطلقات قانونية بحتة، ومن خلال مقارنات دقيقة، أفضلية الأصول القانونية
في الشرع الإسلامي على نظيراتها في القانون الروماني وغيره من الأصول الوضعية، فعلى
سبيل المثال، يستشهد الدكتور توفيق الشاوي بكتاب عبد الرازق السنهوري (( الخلافة ونظام الحكم الإسلامي)) الذي أثبت فيه أن مبدأ الفصل بين السلطات هو حجر الزاوية في نظام الحكم
الإسلامي، سواء من الناحية النظرية أو من الناحية العلمية ويشير إلى اعتزاز
البروفسور أدوارد لامبير الذي قدم للكتاب بسبب كشفه أن مبدأ الفصل بين السلطات،
والسيادة الشعبية اللذين لم تعرفهما أوروبا إلا في العصر الحديث هما من أصول العلم
الإسلامي في الشريعة الإسلامية قبل أن يعرفهما الفقه الأوروبي بعدة قرون. كما
استشهد بكتاب: "نظرية التعسف في استعمال الحق في الشريعة الإسلامية" للدكتور محمد
فتحي. وقد أثبت فيه أن هذه النظرية التي لم تعرف في القوانين الغربية إلا في العصور
الحديثة وجدت في الشريعة الإسلامية قبل ذلك بعدة قرون أيضا.
وقد أسهم الشهيد عبد القادر عودة في هذا المجال إسهاماً مبدعاً في
مؤلفيه (( الإسلامية وأوضاعنا القانونية)) و (( التشريع الجنائي في الإسلام )) مقارنا بالقانون الوضعي، وشارحاً نظرية الشريعة في الحكم. وللشيخ محمد
أبو زهرة إسهامات كبيرة متعددة في مناقشة هذا الجانب، وللأستاذ جمال البنا في
كتابه: (( سيادة القانون: رؤية لمضمون الحكم بالقرآن )). وكذلك آراء كبار رجال القانون كالسنهوري والدواليبي والزرقا. وهذا ما
سيأتي تفصيله لاحقاً.
أما من زاوية أخرى، فيرى الحاج توفيق الحوري أن الشريعة الإسلامية تمتاز
عن القانون الوضعي بأنها مزجت بين الدين والدنيا، وشرعت للدنيا والآخرة. وهذا هو
السبب الوحيد الذي يحمل المسلمين على طاعتها في السر والعلن والسراء والضراء. لأنهم
يؤمنون طبقاً لأحكام الشريعة بأن الطاعة نوع من العبادة يقربهم من الله، بينما
الحال في القوانين الوضعية عكس ذلك فهي مطاعة بقدر ما تخشى من الوقوع تحت طائلتها
وهي لهذا تخرق كلما أمكن الإفلات من يد القائمين على تنفيذ القانون. الأمر الذي جعل
الجرائم تزداد زيادة مطردة في البلاد التي تطبق القوانين الوضعية بينما حدث العكس
أينما طبقت الشريعة وساد التمسك بالإسلام.
هذا دون إيراد الحجج الإسلامية التي ردت على فساد القوانين الوضعية
الغربية من خلال ما أرسى من قوانين ظالمة في المستعمرات أو من خلال القوانين
الدولية الظالمة كقوانين البحار على سبيل المثال
0 التعليقات:
إرسال تعليق