الوقوف بعَرَفَةَ:
عَرَفَةُ، وعرفاتٌ: بقعة أرض منبسطة تقع شرقيّ مكة على بعد (25 كيلو
متراً) تقريباً.
والمراد من عبارة : "الوقوف بعرفة" المكث بهما كيفما كان. سمي وقوفاً
لكون الوقوف بها مستحباً للدعاء.
دليل فرضيته : ركنية الوقوف بعرفة ثابتة بالكتاب
والاجماع.
أما الكتاب فقوله تعالى :
{وللهِ على الناسِ حجُّ البيتِ مَنِ اسْتطاعَ إليه سبيلا}.
وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : "الحج عرفة". وهذا تفسير للأمر
القرآني بالحج.
وقال تعالى : {ثُمَّ أَفِيضُوا مِن حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}
[البقرة : 199].
عن عائشة رضي الله عنها قالت : "كانت قريشٌ ومَنْ دان دينها يقفون
بالمزدلفة، وكانوا يُسَمَّوْنَ الحُمْسَ، وسائرُ العربِ يقفون بعرفاتٍ، فلما جاء
الإسلام أمرَ اللهُ نبيهُ أنْ يأتيَ عرفاتٍ ثم يقفَ بها ثم يُفِيْضَ منها. فذلك
قوله : "ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حيثُ أفاضَ النّاس". أخرجه
البخاري.
وأما السنة : فعن عبد الرحمن بن يَعْمَر الدِّيلي أنّ أناساً مِنْ أهلِ
نجدٍ أتوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فسألوه فأمرَ منادياً يُنادي : "الحجُّ
عرفةُ، مَنْ جاءَ ليلة جمْعٍ قبل طلوعِ لفجرِ فقد أدرك الحج. أيامُ مِنَىً ثلاثةٌ،
فمن تعجل في يومين فلا إثْمَ عليه، ومَن تأخّر فلا إثمَ عليه". أخرجه أحمد وأصحاب
السنن والحاكم وابن حبان.
وعن عُرْوَةَ بن مُضَرِّس الطائي قال: "أتيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم بالمُزْدَلِفَة حين خرج إلى الصلاة فقلت: يا رسولَ الله إني جئتُ مِن جبلِ
طّيءٍ أكلَلْتُ راحِلَتي، وأتعبْتُ نفسي، واللهِ ما تركتُ من جبلٍ إلا وقفتُ عليه،
فهل لي من حَجٍّ ؟" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ شَهِدَ صلاتَنا هذه
ووقَفَ معنا حتى يَدْفَعَ، وقد وقَفَ بعرفةَ قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجُّه
وقضى تَفَثَه". أخرجه أحمد وأصحاب السنن وصححه الترمذي
والحاكم.
وأما الإجماع : "فالأمة أجمعت على كون الوقوف ركناً في
الحج".- شروط
الوقوف بعرفة :
أ) مكان الوقوف :
عرفة كلها موقف، يصح أداء الركن في أي موضع منها إلا بطن وادي
عُرَنَة.
وحدود عرفة: من الجبل المشرف على وادي عرنة إلى الجبال المقابلة له، إلى
ما يلي منطقة البساتين المعروفة قديماً ببساتين بني عامر، ومسجد نمرة بعضُه ليس من
عرفة فليتنبه.
وليس وادي عُرَنَة من الموقف، ولا يصح الوقوف فيه باتفاق أئمة
المذاهب.
عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
:
"قد وَقَفْتُ ههنا بِعَرَفَة، وعَرَفَة كلَّها مَوْقِف". أخرجه مسلم وأبو
داود وابن ماجه.
وعنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كُلُّ عَرَفَة موقفٌ
وارْفَعوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَة". أخرجه ابن ماجه ومثله عن ابن عباس صححه الحاكم على
شرط مسلم.
ب- وقت الوقوف :
ذهب الحنفية والشافعية إلى أنه يبدأ وقت الوقوف بعرفة من زوال الشمس يوم عرفة - وهو
تاسع ذي الحجة ويمتد إلى طلوع الفجر الصادق يوم عيد النحر، حتى لو وقف بعرفة في غير
هذا الوقت كان وقوفه وعدم وقوفه سواء.
وذهب مالك إلى أن وقت الوقوف هو الليل، فمن لم يقف جزءاً من الليل لم يجز وقوفه
وعليه الحج من قابل، وأما الوقوف نهاراً فواجب ينجبر بالدم بتركه عمداً لغير
عذر.
وذهب الحنابلة إلى أن وقت الوقوف من طلوع الفجر من يوم عرفة إلى طلوع الفجر من يوم
النحر.
وقد اتفق العلماء على أن آخر الوقت طلوع فجر يوم النحر.
ركن الوقوف:
أ) ركن الوقوف الذي لا يتم إلا به هو الكينونة بعرفة وقتاً يسيراً
جداً.
وقد اتفق الفقهاء على أنه كيفما حصلت كينونته بعرفة في الوقت
المحدد أجزأه، قائماً أو جالساً، راكباً أو ماشياً، وسواء كان عالماً بها أو
جاهلاً، نائماً أو يقظان، وقف بها أو مرّ وهو يمشي، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم
: "وقَد وقَفَ بعرفةَ قبلَ ذلك ليلاً أو نهاراً .. " وغيره من
الأحاديث.
ب- مقدار الزمن الذي يستغرقه الوقوف:
ذهب الحنفية والحنبلية إلى أنه نوعان:
1) زمان الركن : الذي تتأدى به فريضة الوقوف بعرفة، وهو أن يوجد في عرفة
خلال المدة التي بيناها، ولو زماناً قليلاً جداً.
2) زمان الواجب: ذهب الجمهور إلى أن زمان الواجب يستمر من وقف بعد
الزوال إلى أن تغرب الشمس، فلا يجاوز حد عرفة إلا بعد الغروب ولو بلحظة. يعني أن
يجمع بين الليل والنهار بعرفة ولو قبل المغرب بقليل إلى ما بعده بلحظة. فلو فارق
عرفة قبل الغروب وجب عليه دم.
وذهب الشافعية في المعتمد عندهم أن الجمع بين الليل والنهار بعرفة سنة وليس بواجب،
ولا يجب على من تركه الفداء، لكنه يستحب له الفداء استحباباً وخروجاً من
الخلاف.
ج- ويتفرع على هذا مسائل منها :
1) ذهب الحنفية إلى أن من دفع من عرفة قبل الغروب أي خرج منها، فجاوز حدودها قبل
الغروب فعليه دم وذهب الشافعية إلى استحباب الدم.
وذهب مالك إلى بطلان الحج.
2) من دفع قبل الغروب ثم عاد قبل الغروب أيضاً واستمر حتى غربت الشمس صح
حجه، وسقط عنه الدم اتفاقاً بين جميع الأئمة.
3) من دفع قبل الغروب ثم عاد بعد الغروب لا يسقط عنه الدم بالعود، عند
الحنفية والحنابلة.
4) ذهب الجمهور إلى أنَّ من تأخر فوقف ليلاً ولم يدرك جزءاً من النهار بعرفة حتى غابت
الشمس فحجه تام ولا شيء عليه.
وذهب المالكية إلى وجوب الدم عليه.
5) يصح الوقوف من المحدث والجنب والحائض والنفساء، فلا يشترط فيه الطهارة
اتفاقاً، لأن أحاديث إجزاء الوقوف مطلقة عن اشتراط الطهارة، فتدل على عدم
اشتراطها.
ففي الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما
حاضت: "افعلي ما يفعلُ غيرَ أنْ لا تطوفي بالبيتِ حتى تَطْهُري" متفق
عليه.
6) ذهب الحنفية والمالكية إلى أن من أُدْخِلَ عرفة وهو مغمىً عليه ولم يُفِقْ حتى خرج منها فقد
أجزَأَه، لأنه لا يشترط له نية ولا طهارة، وقد صح من النائم فينبغي أن يصح من
المغمى عليه. وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه لا يجزئه لأنه ركن من أركان
الحج فلا يصح من المغمى عليه.
سنن الوقوف بعرفة :
أ- ذهب الحنفية والشافعية إلى استحباب الطهارة من الأحداث بأن
يظل على وضوء مدة الوقوف، أما الغُسل من أجل الوقوف بعرفة.
ب- أن يجمع الحاج صلاة الظهر والعصر، تقديماً في وقت الظهر بأذان
وإقامتين مع الإمام بعد خطبة عرفة، وذلك لاتباع السنة.
ذهب الشافعية والحنابلة إلى أن هذا الجمع ليس من سنن الحج ومناسكه، بل من قبيل الجمع في السفر.
ومذهب الحنفية أنه من مناسك الحج المسنونة، ومن هنا اشترطوا لجواز هذا الجمع أن
تؤدي الصلاتان على الهيئة التي وردت بها السنة، وذلك بتوفر شرطي الإمام والإحرام
فيهما، والمراد بالإمام ولي الأمر أو نائبه.
فلو لم يصلهما مع الإمام صلى كل صلاة في وقتها ولو جماعة، ولا يجمع
بينهما.
وفي رواية عند الحنفية يجوز الجمع للمنفرد، ولمن صلوا جماعة بإمام غير ولي الأمر أو نائبه،
لأن الجمع ثبت لأجل امتداد الوقوف إلى المغرب دون أي فاصل، وكل الناس سواء في
الحاجة لذلك، فيسوغ لهم الجمع.
وأما القصر فهو من أحكام السفر، فمن كان مكياً أو قدم مكة للمكث بها مدة
الإقامة الشرعية لا يجوز له قصر الصلاة إطلاقاً.
ج- التعجيل بالوقوف بعد ذلك لأن هذا اليوم من أفضل أيام الدنيا، يتنافس
فيه المتنافسون.
د- أن يقف قرب جبل الرحمة عند الصخرات الكبار السود المفروشة أسفل الجبل، فذلك وصف مكان وقوفه صلى
الله وسلم. أما الصعود على جبل الرحمة فليس بسنة، إنما هو من عمل العوام،
فتنبه.
وصرح الشافعية بأن النساء يقفن في حواشي الموقف، لما فيه من المحافظة عليهن من أخطار
الزحام والضياع.
هـ استقبال القبلة، اقتداء بفعله صلى الله عليه وسلم.
و- الإكثار من الدعاء والاستغفار والتهليل، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والتلبية، بقلب حاضر خاشع غاية
الخشوع لله تعالى، فإن الله يطلع على عباده في الموقف
0 التعليقات:
إرسال تعليق