التسميات

الموسيقى الصامتة

Our sponsors

24‏/12‏/2014

ما يفسد الصوم، ويوجب القضاء




ما يفسد الصوم، ويوجب القضاء:

      وذلك يرجع إلى الإخلال بأركانه وشروطه، ويمكن حصره فيما يلي:-
      1- تناول مالا يؤكل في العادة.
      2- قضاء الوطر قاصراً.
      3- شئون المعالجة والمداواة.
      4- التقصير في حفظ الصوم والجهل بأحكامه.
      5- الإفطار بسبب العوارض.
أولاً: تناول مالا يؤكل عادة:
      تناول مالا يؤكل عادة كالتراب والحصى، والدقيق غير المخلوط. -على الصحيح-والحبوب النيئة، كالقمح والشعير والحمص والعدس، والثمار الفجة التي لا تؤكل قبل النضج، كالسفرجل والجوز، وكذا تناول ملح كثير دفعة واحدة يوجب القضاء دون الكفارة.
      أما إذا أكله على دفعات، بتناول دفعة قليلة، في كل مرة، فيجب القضاء والكفارة عند الحنفية.
      أما في أكل نواة أو قطن أو ورق، أو ابتلاع حصاة، أو حديد أو ذهب أو فضة، وكذا شرب مالا يشرب من السوائل كالبترول، فالقضاء دون كفارة لقصور الجناية بسبب الاستقذار والعيافة ومنافاة الطبع، فانعدم معنى الفطر، وهو بإيصال ما فيه نفع البدن إلى الجوف، سواء أكان مما يتغذى به أم يتداوى به. وأن هذه المذكورات ليست غذائية، ولا في معنى الغذاء-ولتحقيق الإفطار في الصورة، وهو الابتلاع.
      وكل مالا يتغذى به، ولا يتداوى به عادة، لا يوجب الكفارة.
ثانيا: قضاء الوطر أو الشهوة على وجه القصور:
وذلك في الصور الآتية:
      أ- تعمد إنزال المني بلا جماع، وذلك كالاستمناء بالكف أو بالتبطين والتفخيذ، أو باللمس والتقبيل ونحوهما.
      ذهب الجمهور -الحنفية والشافعية والحنبلية-: إلى أنه يوجب القضاء دون الكفارة.
      وذهب المالكية إلى أنه يوجب القضاء والكفارة معاً.
      ب- الإنزال بوطء ميتة أو بهيمة، أو صغيرة لا تشتهى:
      وهو يفسد الصوم، لأن فيه قضاء إحدى الشهوتين، وأنه ينافي الصوم، ولا يوجب الكفارة، لتمكن النقصان في قضاء الشهوة، فليس بجماع.
      ذهب الحنابلة إلى خلاف ذلك، فإنه لا فرق عندهم بين كون الموطوءة كبيرة أو صغيرة، ولا بين العمد والسهو، ولا بين الجهل والخطأ، وفي كل ذلك القضاء والكفارة، لإطلاق حديث الأعرابي.
      وذهب المالكية: إلى إيجاب الكفارة، لتعمد إخراج المني.
      ج- المساحقة بين المرأتين إذا أنزلت:
      عمل المرأتين، كعمل الرجال، جماع فيما دون الفرج.
      ذهب الحنفية وهو وجه عند الحنابلة إلى عدم القضاء على واحدة منهما، إلا إذا أنزلت، ولا كفارة مع الإنزال.
      د- الإنزال بالفكر والنظر:
      إنزال المنيِّ بالنظر أو الفكر، فيه التفصيل الآتي:-
      مذهب الحنفية والشافعية أن الإنزال بالفكر -وإن طال- وبالنظر بشهوة، ولو إلى فرج المرأة مراراً، لا يفسد الصوم، وإن علم أنه ينزل به، لأنه إنزال من غير مباشرة، فأشبه الاحتلام.
      ومذهب المالكية أنه إن أمنى بمجرد الفكر أو النظر، من غير استدامة لهما، يفسد صومه ويجب القضاء دون الكفارة. وإن استدامهما حتى أنزل فإن كانت عادته الإنزال بهما عند الاستدامة، فالكفارة قطعاً، وإن كانت عادته عدم الإنزال بهما عند الاستدامة، فخالف عادته وأمنى، فقولان في لزوم الكفارة.
      ولو أمنى في أداء رمضان بتعمد نظرة واحدة يفسد صومه، ويجب القضاء، وفي وجوب الكفارة وعدمه تأويلان، محلهما إذا كانت عادته الإنزال بمجرد النظر، وإلا فلا كفارة اتفاقاً.
      ومذهب الحنابلة، التفرقة بين النظر وبين الفكر، ففي النظر، إذا أمنى يفسد الصوم، لأنه أنزل بفعل يتلذذ به، ويمكن التحرز منه، فأفسد الصوم، كالإنزال باللمس، والفكر لا يمكن التحرز منه، بخلاف النظر.
      ولو أمذى بتكرار النظر، فظاهر كلام أحمد لا يفطر به، لأنه لا نص في الفطر به، ولا يمكن قياسه على إنزال المني، لمخالفته إياه في الأحكام، فيبقى على الأصل.
      وإذا لم يكرر النظر لا يفطر، سواء أمنى أو أمذى، وهو المذهب، لعدم إمكان التحرز، ونص أحمد : يفطر بالمني لا بالمذي.
      أما الفكر، فإن الإنزال به لا يفسد الصوم. استدلوا بحديث أبي هريرة رضى الله عنه: "إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست أو حدثت به أنفسها، ما لم تعمل به أو تكلم" رواه البخاري.
      ولأنه لا نص في الفطر به ولا إجماع، ولا يمكن قياسه على المباشرة ولا تكرار النظر، لأنه دونهما في استدعاء الشهوة، وإفضائه إلى الإنزال.
      ثالثاً: المعالجات ونحوها، وهي أنواع أهمها:
      أ- الاستعاط:
      الاستعاط: افتعال من السَّعوط، دواء يصب في الأنف والاستعاط.
       والإسعاط عند الفقهاء: إيصال الشيء إلى الدماغ من الأنف.
      وإنما يفسد الاستعاط الصوم، بشرط أن يصل الدواء إلى الدماغ، والأنف منفذ إلى الجوف، فلو لم يصل إلى الدماغ لم يضر، بأن لم يجاوز الخيشوم، فلو وضع دواء في أنفه ليلاً، وهبط نهاراً، فلا شيء عليه.
      ولو وضعه في النهار، ووصل إلى دماغه أفطر، لأنه واصل إلى جوف الصائم باختياره فيفطره كالواصل إلى الحلق، والدماغ جوف - كما قرروا - والواصل إليه يغذيه، فيفطره، كجوف البدن.
      والواجب فيه القضاء لا الكفارة، لأن الكفارة موجب الإفطار صورة ومعنى، والصورة هي الابتلاع، وهي منعدمة، والنفع المجرد عنها يوجب القضاء فقط.
      وهذا الحكم لا يخص صب الدواء، بل لو استنشق الماء، فوصل إلى دماغه أفطر عند الحنفية.
      ب- استعمال البخور:
      ويكون بإيصال الدخان إلى الحلق، فيفطر، أما شم رائحة البخور ونحوه بلا وصول دخانه إلى الحلق فلا يفطر ولو جاءته الرائحة واستنشقها، لأن الرائحة لا جسم لها.
      فمن أدخل بصنعه دخاناً في حلقه، بأية صورة كان الإدخال، فسد صومه، سواء أكان دخان عنبر أم عود أم غيرهما، حتى من تبخر بعود، فآواه إلى نفسه، واشتم دخانه، ذاكراً لصومه، أفطر، لإمكان التحرز من إدخال المفطر جوفه ودماغه.
      ج- بخار القدر:
      بخار القدر، متى وصل للحلق باستنشاق أوجب القضاء، لأن دخان البخور وبخار القدر كل منهما جسم يتكيف به الدماغ، ويتقوى به، أي تحصل له قوة كالتي تحصل من الأكل، أما لو وصل واحد منهما للحلق بغير اختياره فلا قضاء عليه.
      هذا بخلاف دخان الحطب، فإنه لا قضاء في وصوله للحلق، ولو تعمد استنشاقه، لأنه لا يحصل للدماغ به قوة كالتي تحصل له من الأكل.
      وقال الشافعية: لو فتح فاه عمداً حتى دخل الغبار في جوفه، لم يفطر على الأصح.
      ومذهب الحنابلة الإفطار بابتلاع غربلة الدقيق وغبار الطريق، إن تعمده.
      د- التدخين:
      اتفق الفقهاء على أن شرب الدخان المعروف أثناء الصوم يفسد الصيام، لأنه من المفطرات.
      هـ- التقطير في الأذن:
      ذهب جمهور الفقهاء، إلى فساد الصوم بتقطير الدواء أو الدهن أو الماء في الأذن.
      فقال المالكية: يجب الإمساك عما يصل إلى الحلق، مما ينماع أو لا ينماع. والمذهب: أن الواصل إلى الحلق مفطر ولو لم يجاوزه، إن وصل إليه، ولو من أنف أو أذن أو عين نهاراً.
      وتوجيهه عندهم: أنه واصل من أحد المنافذ الواسعة في البدن، وهي: الفم والأنف والأذن، وأن كل ما وصل إلى المعدة من منفذ عال، موجب للقضاء، سواء أكان ذلك المنفذ واسعاً أم ضيقاً. وأنه لا تفرقة عندهم، بين المائع وبين غيره في الواصل إلى المعدة من الحلق.
      قال الشافعية: لو صب الماء أو غيره في أذنيه، فوصل دماغه أفطر على الأصح، وقال بعضهم: الإفطار بالتقطير في الأذنين.
      وقال الحنفية: بفساد الصوم بتقطير الدواء والدهن في الأذن، لأن فيه صلاحاً لجزء من البدن، فوجد إفساد الصوم معنى.
      أما إدخال الماء قصداً فيفسده، وأما دخوله دون قصد فلا يفسده.
      و- مداواة الآمة والجائفة والجراح:
      الآمة: جراحة في الرأس.
      والجائفة: جراحة في البطن.
      والمراد بهذا ما يصل إلى الجوف من غير المخارق الأصلية.
      فإذا داوى الصائم الآمة أو الجراح، فمذهب الجمهور فساد الصوم، إذا وصل الدواء إلى الجوف.
      قال الشافعية: لو داوى جرحه فوصل الدواء إلى جوفه أو دماغه أفطر عندنا سواء أكان الدواء رطباً أم يابساً.
      وعلله الحنابلة بأنه أوصل إلى جوفه شيئاً باختياره، فأشبه ما لو أكل.
      وعلله الحنفية -مع نصهم على عدم التفرقة بين الدواء الرطب وبين الدواء اليابس- بأن بين جوف الرأس وجوف المعدة منفداً أصلياً، فمتى وصل إلى جوف الرأس، يصل إلى جوف البطن.
      ومذهب المالكية عدم الإفطار بمداواة الجراح، لأنه لا يصل لمحل الطعام والشراب، وإلا لمات من ساعته.
      ز- الاحتقان:
      الاحتقان: صب الدواء أو إدخال نحوه في الدبر.
      وقد يكون بمائع أو بغيره: فالاحتقان بالمائع من الماء -وهو الغالب- أو غير الماء.
      ذهب جمهور الفقهاء والمالكية في قول مشهور إلى فساد الصوم ويوجب القضاء، وهو معلل بأنه يصل به الماء إلى الجوف من منفذ مفتوح، وبأن غير المعتاد كالمعتاد في الواصل، وبأنه أبلغ وأولى بوجوب القضاء من الاستعاط استدراكاً للفريضة الفاسدة.
      ولا تجب الكفارة، لعدم استكمال الجناية على الصوم صورة ومعنى، كما هو سبب الكفارة، بل هو لوجود معنى الفطر، وهو وصول ما فيه صلاح البدن إلى الجوف، دون صورته، وهو الوصول من الفم دون ما سواه.
      قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما: "الفطر مما دخل، وليس مما يخرج" رواه ابن أبي شيبة.
      أما الاحتقان بالجامد، ففيه بعض الخلاف:
      فذهب الشافعية والحنابلة إلى أن ما يدخل إلى الجوف من الدبر بالحقنة يفطر، لأنه واصل إلى الجوف باختياره، فأشبه الأكل.
      كذلك دخول طرف أصبع في المخرج حال الاستنجاء يفطر.
      قال الشافعية: لو أدخل الرجل أصبعه أو غيرها دبره، وبقي البعض خارجاً، بطل الصوم، باتفاق أصحابنا.
      وذهب الحنفية إلى أن تغييب القطن ونحوه من الجوامد الجافة، يفسد الصوم، وعدم التغييب لا يفسده، كما لو بقي طرفه خارجاً، لأن عدم تمام الدخول كعدم دخول شيء بالمرة، كإدخال الأصبع غير المبلولة، أما المبلولة بالماء والدهن فيفسده.
      وخص المالكية الإفطار وإبطال الصوم، بالحقنة المائعة نصاً.
      وسئل مالك عن الفتائل تجعل للحقنة؟ قال مالك: أرى ذلك خفيفاً، ولا أرى عليه فيه شيئاً، قال مالك: وإن احتقن بشيء يصل إلى جوفه، فأرى عليه القضاء. أي: ولا كفارة عليه.
      ح- الحقنة المتخذة في مسالك البول:
      ويعبر عن هذا الشافعية بالتقطير، ولا يسمونه احتقاناً وفيه هذا التفصيل:
      الأول: التقطير في الإحليل، أي الذكر:
      في التقطير أقوال:
       فذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد، وهو وجه عند الشافعية، إلى أنه لا يفطر، سواء أوصل المثانة أم لم يصل، لأنه ليس بين باطن الذكر وبين الجوف منفذ، وإنما يمر البول رشحاً، فالذي يتركه فيه لا يصل إلى الجوف، فلا يفطر، كالذي يتركه في فيه ولا يبتلعه.
      وللشافعية -مع ذلك- في المسألة أقوال:
      أحدها: إذا قطر فيه شيئاً لم يصل إلى المثانة لم يفطر، وهذا أصحها.
      الثاني: لا يفطر.
      الثالث: إن جاوز الحشفة أفطر، وإلا لا.
      الثاني: التقطير في فرج المرأة:
      ذهب جمهور الفقهاء إلى فساد الصوم به.
      رابعاً: التقصير في حفظ الصوم والجهل به:
      الأول: التقصير:
      أ- من صور التقصير ما لو تسحر أو جامع، ظاناً عدم طلوع الفجر، والحال أن الفجر طالع.
      ذهب الحنفية والمالكية في قول مشهور والشافعية في القول الصحيح والحنابلة: إلى أنه يفطر ويجب عليه القضاء دون الكفارة. وذلك للشبهة، لأن الأصل بقاء الليل، والجناية قاصرة، وهي جناية عدم التثبت، لا جناية الإفطار، لأنه لم يقصده، ولهذا صرحوا بعدم الإثم عليه.
      وإذا لم يتبين له شيء، ذهب الحنفية: إلى عدم وجوب القضاء عليه، وقيل: يقضي احتياطاً.
      وكذلك الحكم إذا أفطر بظن الغروب، والحال أن الشمس لم تغرب، عليه القضاء ولا كفارة عليه، لأن الأصل بقاء النهار.
      قال المالكية: من شك في طلوع الفجر، حرم عليه الأكل، وقيل: يكره ... فإن أكل فعليه القضاء وجوباً -على المشهور-، وإن شك في الغروب، لم يأكل اتفاقاً، فإن أكل فعليه القضاء.
      وقيل عند الشافعية: لا يفطر في صورتي الشك في الغروب والفجر، وقيل: يفطر في الأولى، دون الثانية.
      ومن ظن أو اشتبه في الفطر، كمن أكل ناسياً فظن أنه أفطر، فأكل عامداً، فإنه لا تجب عليه الكفارة، لقيام الشبهة الشرعية.
      والقضاء في كلا الصورتين عند الحنفية.
      أما لو فعل ما لا يظن به الفطر، كالفصد والحجامة والاكتحال واللمس والتقبيل بشهوة ونحو ذلك، فظن أنه أفطر بذلك، فأكل عمداً، فإنه يقضى في تلك الصور ويكفر لأنه ظن في غير محله.
      فلو كان ظنه في محله فلا كفارة، كما لو أفتاه مفت -يعتمد على قوله ويؤخذ بفتواه في البلد- بالإفطار في الحجامة فأكل عامداً، بعدما احتجم لا يكفر.
      والمالكية قسموا الظن في الفطر إلى قسمين:
      أ- تأويل قريب، وهو الذي يستند فيه المفطر إلى أمر موجود، يعذر به شرعاً، فلا كفارة عليه، كما في هذه الصور:
      - لو أفطر ناسياً، فظن لفساد صومه إباحة الفطر، فأفطر ثانياً عامداً، فلا كفارة عليه.
      - أو لزمه الغسل ليلاً لجنابة أو حيض، ولم يغتسل إلا بعد الفجر، فظن الإباحة، فأفطر عمداً.
      - أو تسحر قرب الفجر، فظن بطلان صومه، فأفطر.
      - أو قدم المسافر ليلاً، فظن أنه لا يلزمه صوم صبيحة قدومه، فأفطر مستنداً إلى هذا التأويل، لا تلزمه الكفارة.
      - أو أفطر لحجامة فعلها بغيره، أو فعلت به، فظن الإباحة، فإنه لا يكفر. لاستناده لموجود، وهو قول عليه الصلاة والسلام: "أفطر الحاجم والمحجوم". رواه أبو داود.
      - أو سافر دون مسافة القصر، فظن إباحة الفطر فبيت الفطر، فلا كفارة عليه.
      - أو رأى هلال شوال نهاراً، يوم ثلاثين من رمضان، فاعتقد أنه يوم عيد، فأفطر.
      فهؤلاء إذا ظنوا إباحة الفطر فأفطروا، فعليهم القضاء، ولا كفارة عليهم، وإن علموا الحرمة، أوشكوا فيها فعليهم الكفارة.
      ب- تأويل بعيد، وهو المستند فيه إلى أمر معدوم، أو موجود لكنه لم يعذر به شرعاً، فلا ينفعه.
      - فمن رأى هلال رمضان، فشهد عند حاكم، فَرُدَّ ولم يقبل لمانع، فظن إباحة الفطر، فأفطر، فعلية الكفارة لبعد تأويله.
      - أو بيَّت الفطر وأصبح مفطراً، في يومٍ لحمَّى تأتيه فيه عادة، ثم حُمَّ في ذلك اليوم، وأولى إن لم يحمّ.
      - أو بيتت الفطر امرأة لحيض اعتادته في يومها، ثم حصل الحيض بعد فطرها، واولى إن لم يحصل.
      - أو اغتاب شخصاً في نهار رمضان، فظن إباحة الفطر فأفطر، فعليه الكفارة.
      ونص الشافعية على أن من جامع عامداً، بعد الأكل ناسياً، وظن أنه أفطر به، لا كفارة عليه، وإن كان الأصح بطلان صومه بالجماع، لأنه جامع وهو يعتقد أنه غير صائم، فلم يأثم به، لذلك قيل: لا يبطل صومه، وبطلانه مقيس على من ظن الليل وقت الجماع، فبان خلافه.
      وأما لو قال: علمت تحريمه، وجهلت وجوب الكفارة، لزمته الكفارة بلا خلاف.
      ونص الحنابلة على أنه لو جامع في يوم رأى الهلال في ليلته، وردت شهادته لفسقه أو غيره، فعليه القضاء والكفارة، لأنه أفطر يوماً من رمضان بجماع، فلزمته كما لو قبلت شهادته.
      وإذا لم يعلم برؤية الهلال إلا بعد طلوع الفجر، أو نسي النية، أو أكل عامداً، ثم جامع تجب عليه الكفارة، لهتكه حرمة الزمن به، ولأنها تجب على المستديم للوطء، ولا صوم هناك، فكذا هنا.
      الثاني: الجهل:
      ب- الجهل: عدم العلم بما من شأنه أن يعلم.
      ذهب الجمهور من الحنفية والشافعية، هو مشهور مذهب المالكية، على إعذار حديث العهد بالإسلام، إذا جهل الصوم في رمضان.
      قال الحنفية: يعذر من أسلم بدار الحرب فلم يصم، ولم يصل، ولم يزك بجهله بالشرائع، مدة جهله، لأن الخطاب إنما يلزم بالعلم به أو بدليله، ولم يوجد، إذ لا دليل عنده على فرض الصلاة والصوم.
      وقال الشافعية: لو جهل تحريم الطعام أو الوطء، بأن كان قريب عهد بالإسلام، أو نشأ بعيداً عن العلماء، لم يفطر، كما لو غلب عليه القيء.
      والمعتمد عند المالكية: أن الجاهل بأحكام الصيام لا كفارة عليه، وليس هو كالعامد.
      والجاهل عندهم على ثلاثة أقسام: فجاهل حرمة الوطء، وجاهل رمضان، لا كفارة عليهما، وجاهل وجوب الكفارة -مع علمه بحرمة الفعل- تلزمه الكفارة.
      وذهب الحنابلة إلى وجوب الكفارة، وصرحوا بالتسوية بين العامد والجاهل والمكره والساهي والمخطئ.
      خامساً: عوارض الإفطار:
      المراد بالعوارض: ما يبيح عدم الصوم.
      وهي: المرض، والسفر، والحمل، والرضاع، والهرم، وإرهاق الجوع والعطش، والإكراه.
      أولاً: المرض:
      المرض هو: كل ما خرج به الإنسان عن حد الصحة من علة.
      أجمع أهل العلم على إباحة الفطر للمريض في الجملة والأصل فيه قول الله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185].
      وعن سلمة بن الأكوع رضى الله تعالى عنه قال: "لما نزلت هذه الآية:
{وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} كان من أراد أن يفطر، يفطر ويفتدى، حتى أنزلت الآية التي بعدها يعني قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185] فنسختها رواه البخاري.
      فالمريض الذي يخاف زيادة مرضه بالصوم أو إبطاء البرء أو فساد عضو، له أن يفطر، بل يسن فطره، ويكره إتمامه، لأنه قد يفضي إلى الهلاك، فيجب الاحتراز عنه.
      ثم إن شدة المرض تجيز الفطر للمريض. أما الصحيح إذا خاف الشدة أو التعب، فإنه لا يجوز له الفطر، إذا حصل له بالصوم مجرد شدة تعب.
      وقال الحنفية: إذا خاف الصحيح المرض بغلبة الظن فله الفطر، فإن خافه بمجرد الوهم، فليس له الفطر.
      وقال المالكية: إذا خاف حصول أصل المرض بصومه، فإنه لا يجوز له الفطر -على المشهور- إذ لعلَّه لا ينزل به المرض إذا صام.
      فإن خاف كل من المريض والصحيح الهلاك على نفسه بصومه، وجب الفطر. وكذا لو خاف أذى شديداً، كتعطيل منفعة، من سمع أو بصر أو غيرهما، لأن حفظ النفس والمنافع واجب، وهذا بخلاف الجهد الشديد، فإنه يبيح الفطر للمريض.
      وقال الشافعية: إن المريض -وإن تعدى بفعل ما أمرضه- يباح له ترك الصوم، إذا وجد به ضرراً شديداً، لكنهم شرطوا لجواز فطره نية الترخص.
      وفرّقوا بين المرض المطبق، وبين المرض المتقطع: فإن كان المرض مطبقاً، فله ترك النية في الليل.
      وإن كان يحم وينقطع، نظر: فإن كان محموماً وقت الشروع في الصوم، فله ترك النية، وإلا فعليه أن ينوي من الليل، فإن احتاج إلى الإفطار أفطر.
      ومثل ذلك الحصَّاد والبنَّاء والحارس -ولو متبرعاً- فتجب عليهم النية ليلاً، ثم إن لحقتهم مشقة أفطروا.
      ولا يشترط أن ينتهي إلى حالة لا يمكنه فيها الصوم.
      وشرط إباحة الفطر أن يلحقه بالصوم مشقة يشق احتمالها، وأما المرض اليسير الذي لا يلحق به مشقة ظاهرة فلم يجز له الفطر.
      وقال الحنابلة: المعتبر خوف الضرر، أما خوف التلف بسبب الصوم فإنه يجعل الصوم مكروهاً، وجزم جماعة بحرمته، ولا خلاف في الإجزاء، لصدوره من أهله في محله، كما لو أتم المسافر.
      قالوا: ولو تحمل المريض الضرر، وصام معه، فقد فعل مكروهاً، لما يتضمنه من الإضرار بنفسه، وتركه تخفيفاً من الله وقبول رخصته، لكن يصح صومه ويجزئه، لأنه عزيمة أبيح تركها رخصة، فإذا تحمله أجزأه، لصدوره من أهله في محله، كما أتم المسافر، وكالمريض الذي يباح له ترك الجمعة، إذا حضرها.
      وقال المالكية للمريض أحوال:
      الأولى: أن لا يقدر على الصوم أو يخاف الهلاك من المرض أو الضعف إن صام، فالفطر عليه واجب.
      الثانية: أن يقدر على الصوم بمشقة، فالفطر له جائز.
      الثالثة: أن يقدر بمشقة، ويخاف زيادة المرض، ففي وجوب فطره قولان.
      الرابعة: أن لا يشق عليه، ولا يخاف زيادة المرض، فلا يفطر.
      وقال الشافعية على أنه إذا أصبح الصحيح صائماً، ثم مرض، جاز له الفطر بلا خلاف، لأنه أبيح له الفطر للضرورة، والضرورة موجودة، فجاز له الفطر.
      ثانياً: السفر:
      يشترط في السفر المرخص في الفطر ما يلي:
      أ- أن يكون السفر طويلاً مما تقصر فيه الصلاة.
      ب- أن لا يعزم المسافر الإقامة خلال سفره مدة أربعة أيام بلياليها عند المالكية والشافعية، وأكثر من أربعة أيام عند الحنابلة، وهي نصف شهر أو خمسة عشر يوماً عند الحنفية.
      ج- أن لا يكون سفره في معصية، بل في غرض صحيح عند الجمهور، وذلك: لأن الفطر رخصة وتخفيف، فلا يستحقها عاص بسفره، بأن كان مبنى سفره على المعصية، كما لو سافر لقطع طريق مثلاً.
      والحنفية يجيزون الفطر للمسافر، ولو كان عاصياً بسفره، عملاً بإطلاق النصوص المرخصة، ولأن نفس السفر ليس بمعصية، وإنما المعصية ما يكون بعده أو يجاوره، والرخصة تتعلق بالسفر لا بالمعصية.
      د- أن يجاوز المدينة وما يتصل بها، والبناءات والأفنية والأخبية.
      وذهب أصحاب المذاهب الأربعة، إلى أن من أدرك هلال رمضان وهو مقيم، ثم سافر، جاز له الفطر، لأن الله تعالى جعل مطلق السفر سبب الرخصة، بقوله:
{وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185]، ولما ثبت من "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في غزوة الفتح في رمضان مسافراً، وأفطر" رواه البخاري.
      ولأن السفر إنما كان سبب الرخصة لمكان المشقة.
      وفي وقت جواز الفطر للمسافر ثلاث أحوال:
      الأولى: أن يبدأ السفر قبل الفجر، أو يطلع الفجر وهو مسافر، وينوي الفطر، فيجوز له الفطر إجماعاً، لأنه متصف بالسفر، عند وجود سبب الوجوب.
      الثانية: أن يبدأ السفر بعد الفجر، بأن يطلع الفجر وهو مقيم ببلده، ثم يسافر بعد طلوع الفجر، أو خلال النهار، فإنه لا يحل له الفطر بإنشاء السفر بعدما أصبح صائماً، ويجب عليه إتمام ذلك اليوم، وهذا مذهب الحنفية والمالكية، وهو الصحيح من مذهب الشافعية. وذلك تغليباً لحكم الحضر.
      ومع ذلك لا كفارة عليه في إفطاره عند الحنفية، وفي المشهور من مذهب المالكية، وذلك للشبهة في آخر الوقت. ولأنه لما سافر بعد الفجر صار من أهل الفطر، فسقطت عنه الكفارة.
      والصحيح عند الشافعية أنه يحرم عليه الفطر حتى لو أفطر بالجماع لزمته الكفارة.
      والمذهب عند الحنابلة وهو أصح الروايتين عن أحمد، أن من نوى الصوم في الحضر، ثم سافر في أثناء اليوم، طوعاً أو كرهاً، فله الفطر بعد خروجه ومفارقته بيوت قريته العامرة، وخروجه من بين بنيانها، واستدلوا بما يلي:
      - ظاهر قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185].
      - وحديث جابر -رضي الله تعالى عنه- "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة عام الفتح فصام حتى بلغ كراع الغميم، وصام الناس معه، فقيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإن الناس ينظرون فيما فعلت، فدعا بقدح من ماء بعد العصر، فشرب -والناس ينظرون إليه- فأفطر بعضهم، وصام بعضهم، فبلغه أن ناساً صاموا، فقالوا: أولئك العصاة" رواه الترمذي.
      - وحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح إلى مكة، في شهر رمضان، فصام حتى مر بغدير في الطريق، وذلك في نحر الظهيرة. قال: فعطش الناس، وجعلوا يمدون أعناقهم، وتتوق أنفسهم إليه. قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح فيه ماء، فأمسكه على يده، حتى رآه الناس، ثم شرب، فشرب الناس" رواه أحمد.
      - وقالوا: إن السفر مبيح للفطر، فإباحته في أثناء النهار كالمرض الطاريء ولو كان بفعله.
      وقد نص الحنابلة، المؤيدون لهذا الرأي على أن الأفضل لمن سافر في أثناء يوم نوى صومه إتمام صوم ذلك اليوم، خروجاً من خلاف من لم يبح له الفطر، وهو قول أكثر العلماء، تغليباً لحكم الحضر، كالصلاة.
      الثالثة: أن يفطر قبل مغادرة بلده.
      وقد منع من ذلك الفقهاء، وقالوا: إن رخصة السفر لا تتحقق بدونه، كما لا تبقى بدونه، ولما يتحقق السفر بعد، بل هو مقيم وشاهد، وقد قال تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] ولا يوصف بكونه مسافراً حتى يخرج من البلد، ومهما كان في البلد فله أحكام الحاضرين، ولذلك لا يقصر الصلاة.
      ويتصل بهذه المسائل في إفطار المسافر:
      ما لو نوى في سفره الصوم ليلاً، وأصبح صائماً، من غير أن ينقض عزيمته قبل الفجر، لا يحل فطره في ذلك اليوم عند الحنفية والمالكية، وهو وجه محتمل عند الشافعية، ولو أفطر لا كفارة عليه للشبهة.
      وقال الحنفية: وكذا لا كفارة عليه بالأولى، لو نوى نهاراً.
      وقال المالكية: من كان في سفر، فأصبح على نية الصوم، لم يجز له الفطر إلا بعذر، كالتغذي للقاء العدو، وعلى المشهور: إن أفطر، ففي وجوب الكفارة ثلاثة أقوال: يفرق في الثالث بين أن يفطر بجماع فتجب، أو بغيره فلا تجب.
      وقال الحنابلة: لو أصبح صائماً في السفر، ثم أراد الفطر، جاز من غير عذر، لأن العذر قائم -وهو السفر- أو لدوام العذر.
      وزاد الحنابلة أن له الفطر بما شاء، من جماع وغيره، كأكل وشرب، لأن من أبيح له الأكل أبيح له الجماع، كمن لم ينو، ولا كفارة عليه بالوطء، لحصول الفطر بالنية قبل الجماع، فيقع الجماع بعده.
      صحة الصوم في السفر:
      ذهب الأئمة الأربعة، إلى أن الصوم في السفر جائز صحيح منعقد، وإذا صام وقع صيامه وأجزأه.
      والأئمة الأربعة، الذين ذهبوا إلى صحة الصوم في السفر، اختلفوا بعد ذلك في أيهما أفضل، الصوم أم الفطر، أو هما متساويان؟
      فمذهب الحنفية والمالكية والشافعية، وهو وجه عند الحنابلة: أن الصوم أفضل، إذا لم يجهده الصوم ولم يضعفه.
      وصرح الحنفية والشافعية بأنه مندوب.
      ومذهب الحنابلة: أن الفطر في السفر أفضل، وهذا هو المذهب. قالوا : والمسافر سفر قصر يسن له الفطر.
      ويكره صومه، ولو لم يجد مشقة. وعليه الأصحاب، ونص عليه، سواء وجد مشقة أو لا.
      واستدل هؤلاء بحديث جابر -رضي الله تعالى عنه-: "ليس من البر الصوم في السفر" رواه البخاري وزاد في رواية: "عليكم برخصة الله الذي رخص لكم فاقبلوها" رواه مسلم.
      انقطاع رخصة السفر:
      تسقط رخصة السفر بأمرين اتفاقاً:
      الأول: إذا عاد المسافر إلى بلده، ودخل وطنه، وهو محل إقامته، ولو كان دخوله بشيء نسيه، يجب عليه الصوم، كما لو قدم ليلاً، أو قدم قبل نصف النهار عند الحنفية.
      أما لو قدم نهاراً، ولم ينو الصوم ليلاً، أو قدم بعد نصف النهار -عند الحنفية، ولم يكن نوى الصوم قبلاً- فإنه يمسك بقية النهار، على خلاف وتفصيل في وجوب إمساكه.
      الثاني: إذا نوى المسافر الإقامة مطلقاً، أو مدة الإقامة التي تقدمت في شروط جواز فطر المسافر في مكان واحد، وكان المكان صالحاً للإقامة، لا كالسفينة والمفازة ودار الحرب، فإنه يصير مقيماً بذلك، فيتم الصلاة، ويصوم ولا يفطر في رمضان، لانقطاع حكم السفر.
      وصرحوا بأنه يحرم عليه الفطر -على الصحيح- لزوال العذر، وفي قول يجوز له الفطر، اعتباراً بأول اليوم.
      وقال المالكية: إن السفر لا يبيح قصراً ولا فطراً إلا بالنية والفعل، بخلاف الإقامة، فإنها توجب الصوم والإتمام بالنية دون الفعل.
      وإذا لم ينو الإقامة لكنه أقام لقضاء حاجة له، بلا نية إقامة، ولا يدري متى تنقضي أو كان يتوقع انقضاءها في كل وقت، فإنه يجوز له أن يفطر، كما يقصر الصلاة.
      قال الحنفية: ولو بقى على ذلك سنين.
      فإن ظن أنها لا تنقضي إلا فوق أربعة أيام عند الجمهور، أو خمسة عشر يوماً عند الحنفية، فإنه يعتبر مقيماً، فلا يفطر ولا يقصر، إلا إذا كان الفرض قتالاً، أو دخل المسلمون أرض الحرب أو حاصروا حصناً فيها، أو كانت المحاصرة للمصر على سطح البحر، فإن لسطح البحر حكم دار الحرب.
      ودليل هذا " أنه -صلى الله عليه وسلم- أقام بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة" رواه أبو داود.
      ويلاحظ أن الفطر كالقصر الذي نصوا عليه في صلاة المسافر، من حيث الترخص، فإن المسافر له سائر رخص السفر.
      ثالثاً: الحمل والرضاع:
      اتفق الفقهاء على أن الحامل والمرضع لهما أن تفطرا في رمضان، بشرط أن تخافا على أنفسهما أو على ولدهما المرض أو زيادته، أو الضرر أو الهلاك، فالولد من الحامل بمنزلة عضو منها، فالإشفاق عليه من ذلك كالإشفاق منه على بعض أعضائها.
      لحديث أنس بن مالك الكعبي رضي الله تعالى عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن الحامل أو المرضع الصوم أو الصيام" رواه الترمذي.
      رابعاً: الشيخوخة والهرم:
      وتشمل الشيخوخة والهرم ما يلي:
      - الشيخ الفاني، وهو الذي فنيت قوته، أو أشرف على الفناء، وأصبح كل يوم في نقص إلى أن يموت.
      - المريض الذي لا يرجى برؤه، وتحقق اليأس من صحته.
      - العجوز، وهي المرأة المسنة.
      وقيد الحنفية عجز الشيخوخة والهرم، بأن يكون مستمراً، فلو لم يقدرا على الصوم لشدة الحر مثلاً، كان لهما أن يفطرا، ويقضياه في الشتاء.
      ولا خلاف بين الفقهاء في أنه لا يلزمهما الصوم، ونقل الإجماع عليه، وأن لهما أن يفطرا، إذا كان الصوم يجهدهما ويشق عليهما مشقة شديدة.
      خامساً: إرهاق الجوع والعطش:
      من أرهقه جوع مفرط، أو عطش شديد، فإنه يفطر ويقضي. وقيده الحنفية بأمرين:
      الأول: أن يخاف على نفسه الهلاك، بغلبة الظن، لا بمجرد الوهم، أو يخاف نقصان العقل، أو ذهاب بعض الحواس، كالحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما الهلاك أو على أولادهما.
      الثاني: أن لا يكون ذلك بإتعاب نفسه، إذ لو كان به تلزمه الكفارة، وقيل: لا.
      وقال المالكية: فإن خاف على نفسه حرم عليه الصيام، وذلك لأن حفظ النفس والمنافع واجب.
      وقال الشافعية: ومثل المرض غلبة جوع وعطش، لا نحو صداع، ووجع أذن وسن خفيفة.
      ومثلوا له بأرباب المهن الشاقة، لكن قالوا: عليه أن ينوي الصيام ليلا، ثم إن احتاج إلى الإفطار، ولحقته مشقة، أفطر.
      قال الحنفية: المحترف المحتاج إلى نفقته كالخبَّاز والحصَّاد، إذا علم أنه لو اشتغل بحرفته يلحقه ضرر مبيح للفطر، يحرم عليه الفطر قبل أن تلحقه مشقة.
      وقال الحنابلة: من صنعته شاقة، فإن خاف بالصوم تلفاً، أفطر وقضى، إنْ ضرَّه ترك الصنعة، فإن لم يضره تركها أثم بالفطر وبتركها، وإن لم ينتف الضرر بتركها، فلا إثم عليه بالفطر للعذر.
      وألحقوا بإرهاق الجوع والعطش خوف الضعف عن لقاء العدو المتوقع أو المتيقن كأن كان محيطاً : فالغازي إذا كان يعلم يقيناً أو بغلبة الظن القتال بسبب وجوده بمقابلة العدو، ويخاف الضعف عن القتال بالصوم، وليس مسافراً، له الفطر قبل الحرب.
      قال الحنفية: فإن لم يتفق القتال فلا كفارة عليه، لأن في القتال يحتاج إلى تقديم الإفطار، ليتقوى ولا كذلك المرض.
      ولا خلاف بين الفقهاء، في أن المرهق ومن في حكمه، يفطر، ويقضي-كما ذكرنا-وإنما الخلاف بينهم فيما إذا أفطر المرهق، فهل يمسك بقية يومه، أم يجوز له الأكل؟
سادساً: الإكراه:
      الإكراه: حمل إنسان غيره، على فعل أو ترك مالا يرضاه بالوعيد.
      ومذهب الحنفية والمالكية: أن من أكره على الفطر فأفطر قضى.
      قالوا: إذا أكره الصائم بالقتل على الفطر، بتناول الطعام في شهر رمضان، وهو صحيح مقيم، فمرخص له به، والصوم أفضل، حتى لو امتنع من الإفطار حتى قتل، يثاب عليه، لأن الوجوب ثابت حالة الإكراه، وأثر الرخصة في الإكراه هو سقوط المأثم بالترك، لا في سقوط الوجوب، بل بقي الوجوب ثابتاً، والترك حراماً، وإذا كان الوجوب ثابتاً، والترك حراماً، كان حق الله تعالى قائماً، فهو بالامتناع بذل نفسه لإقامه حق الله تعالى، طلباً لمرضاته، فكان مجاهداً في دينه، فيثاب عليه.
      وأما إذا كان المكرَهُ مريضاً أو مسافراً، فالإكراه-حينئذٍ مبيح مطلق، في حق كل منهما، بل موجب، والأفضل هو الإفطار، بل يجب عليه ذلك، ولا يسعه أن لا يفطر، حتى لو امتنع من ذلك، فقتل، يأثم.
      ووجه الفرق: أن في الصحيح المقيم كان الوجوب ثابتاً قبل الإكراه من غير رخصة الترك أصلاً، فإذا جاء الإكراه -وهو سبب من أسباب الرخصة- كان أثره في إثبات رخصة الترك، لا في إسقاط الوجوب.
      وأما في المريض والمسافر، فالوجوب مع رخصة الترك، كان ثابتاً قبل الإكراه، فلا بد أن يكون للإكراه أثر آخر لم يكن ثابتاً قبله، وليس ذلك إلا إسقاط الوجوب رأساً، وإثبات الإباحة المطلقة، فنزل منزلة الإكراه على أكل الميتة، وهناك يباح له الأكل، بل يجب عليه، فكذا هنا.
      وفرق الشافعية بين الإكراه على الأكل أو الشرب، وبين الإكراه على الوطء:
      فقالوا في الإكراه على الأكل: لو أكره حتى أكل أو شرب لم يفطر، كما لو أوجر في حلقه مكرها، لأن الحكم الذي ينبني على اختياره ساقط لعدم وجود الاختيار.
      أما لو أكره على الوطء زنى، فإنه لا يباح بالإكراه، فيفطر به، بخلاف وطء زوجته.
      ومذهب الحنابلة: فلو أكره على الفعل، أو فعل به ما أكره عليه، بأن صب في حلقه، مكرهاً أو نائماً، كما لو أوجر المغمى عليه معالجة، لا يفطر، ولا يجب عليه القضاء، لحديث:"وما استكرهوا عليه".

      

0 التعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة الموضوع

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More