الفصل الثاني في الزكاة والإِنفاق
تشكّل الزكوات والإنفاق في سبيل الله الوسيلة الثانية في الأهمية في باب
تزكية النفس، لأن النفس مجبولة على الشح، وهو رذيلة يجب تطهير النفس منها، قال
تعالى: {وَأُحْضِرَتْ الأَنفُسُ الشُّحَّ} [النساء: 128] والإِنفاق في سبيل
الله هو الذي يطهّر النفس من الشح فتزكو بذلك النفس، قال
تعالى:
{وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ
يَتَزَكَّى} [الليل: 17 - 18].
وإنما تؤدي الزكوات والإنفاق دوراً في تزكية النفس إذا لوحظ فيها أدب
الظاهر والباطن، [وها نحن أولاء نقتصر على ذكر ذلك من كلام الغزالي في الآداب
الباطنة أما الآداب الظاهرة فتنظر في قسم الفقه.
أداء الزكاة وشروطه الباطنة والظاهرة
اعلم أنه ينبغي لمؤدي
الزكاة أن يراعي أربع أمور:
(الأول) النية: وهو أن ينوي بقلبه زكاة الفرض ويسنّ له تعيين الأموال. فإن كان
له مال غائب فقال هذا عن مالي الغائب إن كان سالما وإلا فهو نافلة جاز. وإذا وكل
بأداء الزكاة ونوى عند التوكيل أو وكل الوكيل بالنية كفاه لأنّ توكيله بالنية
نية.
(الثاني) المبادرة عقيب الحول وفي زكاة الفطر لا يؤخرها عن يوم الفطر. ويدخل وقت
وجوبها بغروب الشمس من آخر يوم من شهر رمضان. ووقت تعجيلها شهر رمضان كله. وَمَنْ
أَخَّر زكاة ماله مع التمكن عصى.
(الثالث) أن لا يخرج بدلاً باعتبار القيمة بل يخرج المنصوص
عليه.
(الرابع) أن لا ينقل الصدقة إلى بلد آخر فإن أعين المساكين في كل بلدة تمتد إلى
أموالها، وفي النقل تخييب للظنون. فإن فعل ذلك أجزأه في قول ولكن الخروج عن شبهة
الخلاف أولى فليخرج زكاة كل مال في تلك البلدة. ثم لا بأس أن يصرف إلى الغرباء في
تلك البلدة.
(الخامس) أن يقسم ماله بعدد الأصناف الموجودين في بلده.
وعليه يدل ظاهر قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ
لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] الآية وقد عدم من الثمانية
أربع أصناف في أكثر البلاد: وهم المؤلفة قلوبهم والغزاة والمكاتبون والعاملون على
الزكاة. ويوجد في جميع البلاد أربعة أصناف: الفقراء والمساكين والغارمون والمسافرون
- أعني أبناء السبيل.
بيان دقائق الآداب الباطنة في الزكاة
اعلم أن على مريد طريق الآخرة بزكاته وظائف:
الوظيفة الأولى: فهم وجوب الزكاة ومعناها ووجه الامتحان فيها وسبب جعلها من مباني
الإسلام مع أنها تصرفٌ مالي وليست من عبادة الأبدان وفيه ثلاثة
معان:
الأول: أن التلفظ بكلمتي الشهادة التزام للتوحيد وشهادة بإفراد المعبود وشرط
تمام الوفاء به أن لا يبقى للموحد محبوب سوى الواحد الفرد فإن المحبة لا تقبل
الشركة، والتوحيد باللسان قليل الجدوى وإنما يُمتحن درجة المحب بمفارقة المحبوب،
والأموال محبوبة عند الخلائق لأنها آلة تمتعهم بالدنيا وبسببها يأنسون بهذا العالم
وينفرون من الموت مع أن فيه لقاء المحبوب، فامتحنوا بتصديق دعواهم في المحبوب
واستنزلوا عن المال الذي هو مرموقهم ومعشوقهم. ولذلك قال الله تعالى {إِنَّ
اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ
الْجَنَّةَ} وذلك بالجهاد وهو مسامحة بالمهجة شوقاً إلى لقاء الله عز
وجل والمسامحة بالمال أهون. ولما فهم هذا المعنى في بذل الأموال انقسم الناس إلى
ثلاثة أقسام.
قسم صدّقوا التوحيد ووفوا بعهدهم ونزلوا عن جميع أموالهم فلم يدّخروا
ديناراً ولا درهماً فأبوا أن يتعرضوا لوجوب الزكاة عليهم حتى قيل لبعضهم: كم يجب من
الزكاة في مائتي درهم؟ فقال: خمسة دراهم، وأما نحن فيجب علينا بذل
الجميع.
0 التعليقات:
إرسال تعليق