أوقات
الصلاة
- وقت الفجر
- وقت الظهر
- وقت العصر
- وقت المغرب
- وقت العشاء
- الوقت الأفضل في صلاة الفرض
- متى تقع الصلاة أداء في وقتها
- الاجتهاد في الوقت
- تأخير الصلاة
- الأوقات المكروهة
وقت الفجر:
يبدأ من طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس. والفجر الصادق: هو البياض
المنتشر ضوءه معترضاً في الأفق. ويقابله الفجر الكاذب: وهو الذي يطلع مستطيلاً
متجهاً إلى الأعلى في وسط السماء، ثم تعقبُه ظُلْمة. والأول: هو الذي تتعلق به
الأحكام الشرعية كلها من بدء الصوم ووقت الصبح وانتهاء وقت العشاء، والثاني: لا
يتعلق به شيء من الأحكام، بدليل قوله عليه السلام: "الفجر فجران: فجر يحرِّم الطعام
وتحل فيه الصلاة، وفجر تحرم فيه الصلاة - أي صلاة الصبح - ويحل فيه الطعام" رواه
ابن خزيمة والحاكم وصححاه.
وفي حديث عبد الله بن عمرو عند مسلم: "ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر،
ما لم تطلع الشمس" وما بعد طلوع الشمس إلى وقت الظهر يعتبر وقتاً مهملاً لا فريضة
فيه.
وقت الظهر:
من زوال الشمس إلى مصير ظل كل شيء مثله، سوى ظل أو فيء الزوال وهذا قول
المالكية والشافعية والحنابلة. وقال أبو حنيفة: إن آخر وقت الظهر أن يصير ظل
كل شيء مِثْليْه.
وزوال الشمس: هو ميلها عن وسط السماء، ويسمى بلوغ الشمس إلى وسط (أو
كبد) السماء: حالة الاستواء، وإذا تحولت الشمس من جهة المشرق إلى جهة المغرب حدث
الزوال.
ويعرف الزوال: بالنظر إلى قامة الشخص، أو إلى شاخص أو عمود منتصب في أرض
مستوية (مسطحة)، فإذا كان الظل ينقص فهو قبل الزوال، وإن وقف لا يزيد ولا ينقص، فهو
وقت الاستواء، وإن أخذ الظل في الزيادة علم أن الشمس زالت.
فإذا زاد ظل الشيء على ظله حالة الاستواء، أو مالت الشمس إلى جهة
المغرب، بدأ وقت الظهر، وينتهي وقته عند الجمهور بصيرورة ظل الشيء مثله في القدر
والطول، مع إضافة مقدار ظل أو فيء الاستواء، أي الظل الموجود عند
الزوال.
ودليل الجمهور: أن جبريل عليه السلام صلى بالنبي صلى الله عليه وسلم في اليوم التالي
حين صار ظل كل شيء مثله، ولا شك أن هذا هو الأقوى. ودليل أبي حنيفة قوله عليه
السلام إذا "اشتد الحر، فأبردوا عن الصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم" رواه
البخاري، وأشد الحر في ديارهم كان في هذا الوقت يعني إذا صار ظل كل شيء مثله. ودليل
الكل على بدء وقت الظهر قوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس} [الإسراء: 78]
أي زوالها.
وقت العصر:
يبدأ من خروج وقت الظهر، على الخلاف بين القولين المتقدمين، وينتهي
بغروب الشمس، أي أنه يبدأ من حين الزيادة على مثل ظل الشيء، أدنى زيادة عند
الجمهور، أو من حين الزيادة على مثلي الظل عند أبي حنيفة وينتهي الوقت
بالاتفاق قبيل غروب الشمس، لحديث: "من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس، فقد
أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس، فقد أدرك العصر" متفق
عليه.
ويرى أكثر الفقهاء أن صلاة العصر تكره في وقت اصفرار الشمس لقوله صلى
الله عليه وسلم: "تلك صلاة المنافق، يجلس يرقُب الشمس، حتى إذا كانت بين قَرْني
الشيطان، قام فنَقَرها أربعاً، لا يذكر الله إلا قليلاً" رواه أبو داود والترمذي،
وقوله عليه السلام أيضاً: "وقت العصر ما لم تصفر الشمس". رواه
مسلم.
وصلاة العصر: هي الصلاة الوسطى عند أكثر العلماء، بدليل ما روت عائشة عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ:
{حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} [البقرة: 238]، والصلاة الوسطى: صلاة العصر، رواه أبو داود والترمذي.
وعن ابن مسعود وسمرة قالا: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الصلاة الوسطى: صلاة
العصر" وسميت وسطى لأنها بين صلاتين من صلاة الليل، وصلاتين من صلاة
النهار.
وعند مالك: إن صلاة الصبح هي الوسطى لما روى النسائي عن ابن عباس قال: "أدلج رسول
الله صلى الله عليه وسلم، ثم عرّس، فلم يستيقظ حتى طلعت الشمس أو بعضها، فلم يصل
حتى ارتفعت الشمس، فصلى وهي صلاة الوسطى".
وقت المغرب:
من غروب الشمس بالإجماع، أي غياب قرصها بكامله، ويمتد عند الجمهور
(الحنفية والحنابلة) إلى مغيب الشَّفَق، لحديث: "وقت المغرب ما لم يغب الشفق". رواه
مسلم.
والشفق عند الحنفية والحنابلة والشافعية: هو الشفق الأحمر، لقول
ابن عمر: "الشفق: الحمرة". رواه الترمذي وابن خزيمة.
وعند المالكية: أن وقت المغرب ينقضي بمقدار وضوء وستر عورة وأذان وإقامة وخمس ركعات،
أي أن وقته مضيق غير ممتد، لأن جبريل عليه السلام صلى بالنبي عليه الصلاة والسلام
في اليومين في وقت واحد، كما بينا في حديث جابر المتقدم، فلو كان للمغرب وقت آخر
لبينه، كما بين وقت بقية الصلوات. ورد بأن جبريل إنما بين الوقت المختار، وهو
المسمى بوقت الفضيلة. وأما الوقت الجائز وهو محل النزاع فليس فيه تعرض
له.
وقت العشاء:
يبدأ من مغيب الشفق الأحمر إلى طلوع الفجر الصادق، أي قبيل طلوعه لقول
ابن عمر المتقدم: "الشفق الحمرة، فإذا غاب الشفق وجبت الصلاة" ولحديث: "ليس في
النوم تفريط، إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى" رواه
مسلم. فإنه ظاهر في امتداد وقت كل صلاة إلى دخول وقت الصلاة الأخرى إلا صلاة الفجر،
فإنها مخصوصة من هذا العموم بالإجماع.
وأما الوقت المختار للعشاء فهو إلى ثلث الليل أو نصفه، لحديث أبي هريرة:
"لولا أن أشق على أمتي لأمرتُهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه" رواه
الترمذي وابن ماجه، وحديث أنس: "أخر النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء إلى نصف
الليل ثم صلى" متفق عليه وحديث ابن عمرو: "وقت صلاة العشاء إلى نصف الليل". رواه
مسلم وأبو داود والنسائي.
الوقت الأفضل:
للفقهاء آراء في بيان أفضل أجزاء وقت كل صلاة أو الوقت المستحب، فقال
الحنفية: يستحب للرجال الإسفار بالفجر، لقوله صلى الله عليه وسلم: "أسفروا بالفجر،
فإنه أعظم للأجر" رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، والإسفار: التأخير للإضاءة.
وحد الإسفار: أن يبدأ بالصلاة بعد انتشار البياض بقراءة مسنونة، أي أن يكون بحيث
يؤديها بترتيل نحو ستين أو أربعين آية، ثم يعيدها بطهارة لو فسدت. ولأن في الإسفار
تكثير الجماعة وفي التغليس تقليلها، وما يؤدي إلى التكثير أفضل، وليسهل تحصيل ما
ورد عن أنس من حديث حسن: "من صلى الفجر في جماعة، ثم قعد يذكر الله تعالى حتى تطلع
الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له: كأجر حجة تامة، وعمرة تامة".
وأما النساء: فالأفضل لهن الغَلَس (الظلمة)، لأنه أستر، وفي غير الفجر
يَنْتَظِرْن فراغ الرجال من الجماعة. وكذلك التغليس أفضل للرجل والمرأة لحاج
بمزدلفة.
ويستحب في البلاد الحارة وغيرها الإبراد بالظهر في الصيف، بحيث يمشي في
الظل، لقوله صلى الله عليه وسلم السابق: "أبردوا بالظهر، فإن شدة الحر من فيح جهنم"
ويستحب تعجيله في الشتاء والربيع والخريف، لحديث أنس عند البخاري: "كان النبي صلى
الله عليه وسلم إذا اشتد البرد بكَّر بالصلاة، وإذا اشتد الحر أبرد
بالصلاة".
ويستحب تأخير العصر مطلقاً، توسعة لأداء النوافل، ما لم تتغير الشمس
بذهاب ضوئها، فلا يتحير فيها البصر، سواء في الشتاء أم الصيف، لما فيه من التمكن من
تكثير النوافل، لكراهتها بعد العصر.
ويستحب تعجيل المغرب مطلقاً، فلا يفصل بين الأذان والإقامة إلا بقدر
ثلاث آيات أو جلسة خفيفة، لأن تأخيرها مكروه لما فيه من التشبه باليهود، ولقوله
عليه السلام: "لا تزال أمتي بخير أو قال: على الفطرة، ما لم يؤخروا المغرب إلى أن
تشتبك النجوم". رواه أبو داود.
ويستحب تأخير العشاء إلى ما قبل ثلث الليل الأول، في غير وقت الغيم،
فيندب تعجيله فيه، للأحاديث السابقة: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا
العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه".
ويستحب في الوتر لمن يألف صلاة الليل ويثق بالانتباه: أن يؤخر الوتر إلى
آخر الليل، ليكون آخر صلاته فيه، فإن لم يثق من نفسه بالانتباه أوتر قبل النوم،
لقوله صلى الله عليه وسلم: "من خاف ألا يقوم آخر الليل، فليوتر أوله، ومن طمع أن
يقوم آخر الليل، فليوتر آخره، فإن صلاة الليل مشهودة، وذلك أفضل". رواه
مسلم.
وقال المالكية: أفضل الوقت أوله، فهو رضوان الله، لقوله صلى الله عليه وسلم لمن سأله:
أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة لوقتها" رواه البخاري. وعن ابن عمر مرفوعاً:
"الصلاة في أول الوقت: رضوان الله، وفي آخره عفو الله". رواه
الترمذي.
وإذا كان الوقت وقت شدة الحر ندب تأخير الظهر للإبراد، أي الدخول في وقت
البرد.
والخلاصة: أن المبادرة في أول الوقت مطلقاً هو الأفضل، إلا في حال
انتظار الفرد جماعة للظهر وغيره، وفي حال الإبراد بالظهر أي لأجل الدخول في وقت
البرد.
وقال الشافعية: يسن تعجيل الصلاة ولو عشاء لأول الوقت، إلا الظهر، فيسن الإبراد
بالظهر في شدة الحر، للأحاديث السابقة المذكورة في مذهب المالكية، والحنفية،
والأصح: اختصاص التأخير للإبراد ببلد حار، وجماعة مسجد ونحوه كمدرسة، يقصدونه من
مكان بعيد.
ويكره تسمية المغرب عشاء والعشاء عتْمة للنهي عنه، أما النهي عن الأول
ففي خبر البخاري: "لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم المغرب، وتقول الأعراب: هي
العشاء" وأما النهي عن الثاني ففي خبر مسلم: "لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم،
ألا إنها العشاء، وهم يُعتمون بالإبل" وفي رواية " بحلاب الإبل" معناه أنهم يسمونها
العتمة لكونهم يعتمون بحلاب الإبل، أي يؤخرونه إلى شدة الظلام"، ويكره النوم قبل
صلاة العشاء، والحديث بعدها إلا في خير، لما رواه الجماعة عن أبي بَرْزة الأسلمي أن
النبي صلى الله عليه وسلم "كان يستحب أن يؤخر العشاء التي يدعونها العَتْمة، وكان
يكره النوم قبلها، والحديث بعدها".
وقال الحنابلة: الصلاة في أول الوقت أفضل إلا العشاء، والظهر في شدة الحر، والمغرب في
حالة الغيم، أما العشاء فتأخيرها إلى آخر وقتها المختار وهو ثلث الليل أو نصفه
أفضل، ما لم يشق على المأمومين أو على بعضهم، فإنه يكره، عملاً بقول النبي صلى الله
عليه وسلم السابق: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل
أو نصفه" ولأنه صلى الله عليه وسلم "كان يأمر بالتخفيف رفقاً
بهم".
وأما الظهر فيستحب الإبراد به على كل حال في وقت الحر، ويستحب تعجيلها
في وقت العشاء، عملاً بالحديثالسابق: "إذا اشتد الحر فأبردوا، فإن شدة الحر من فيح
جهنم".
وأما حالة الغيم: فيستحب تأخير الظهر والمغرب أثناءه، وتعجيل العصر
والعشاء، لأنه وقت يخاف منه العوارض من المطر والريح والبرد، فيكون في تأخير الصلاة
الأولى من أجل الجمع بين الصلاتين في المطر، وتعجيل الثانية دفع للمشقة التي قد
تحصل بسبب هذه العوارض.
ولا يستحب عند الحنابلة تسمية العشاء العتمة، وكان ابن عمر إذا
سمع رجلاً يقول "العتمة" صاح وغضب، وقال: "إنما هو العشاء".
متى تقع الصلاة أداء في الوقت؟
من المعلوم أن الصلاة إذا أديت كلها في الوقت المخصص لها فهي أداء، وإن
فعلت مرة ثانية في الوقت لخلل غير الفساد فهي إعادة، وإن فعلت بعد الوقت فهي قضاء،
والقضاء: فعل الواجب بعد وقته.
أما إن أدرك المصلي جزءاً من الصلاة في الوقت فهل تقع أداء ؟ للفقهاء
رأيان: الأول للحنفية، والحنابلة، والثاني للمالكية
والشافعية.
الرأي الأول- للحنفية والحنابلة: تدرك الفريضة أداء كلها بتكبيرة الإحرام في وقتها المخصص لها، سواء
أخرها لعذر كحائض تطهر، ومجنون يفيق، أو لغير عذر، لحديث عائشة: أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: "من أدرك سجدة من العصر قبل أن تغرب الشمس، أو من الصبح قبل أن تطلع
الشمس، فقد أدركها" رواه مسلم، وللبخاري "فليتم صلاته" وكإدراك المسافر صلاة
المقيم، وكإدراك الجماعة، ولأن بقية الصلاة تبع لما وقع في
الوقت.
الرأي الثاني- للمالكية، والشافعية: تعد الصلاة جميعها أداء في الوقت إن وقع ركعة بسجدتيها في الوقت، وإلا
بأن وقع أقل من ركعة فهي قضاء، لخبر الصحيحين: "من أدرك ركعة من الصلاة، فقد أدرك
الصلاة" أي مؤداة.
الاجتهاد في الوقت:
من جهل الوقت بسبب عارض أو حبس في بيت مظلم، وعدم ثقة يخبره به عن علم،
ولم يكن معه ساعة تؤقت له، اجتهد بما يغلب على ظنه دخوله بوِرْد من قرآن ودرس
ومطالعة وصلاة ونحوه كخياطة وصوت ديك مجَّرب، وعمل على الأغلب في
ظنه.
والاجتهاد يكون واجباً إن عجز عن اليقين بالصبر أو غيره كالخروج لرؤية
الفجر أو الشمس مثلاً، وجائزاً إن قدر عليه.
وإن أخبره ثقة من رجل أو امرأة بدخول الوقت عن علم، أي مشاهدة، عمل به،
لأنه خبر ديني يرجع فيه المجتهد إلى قول الثقة كخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، أما
إن أخبره عن اجتهاد فلا يقلده، لأن المجتهد لا يقلد مجتهداً
آخر.
وإذا شك في دخول الوقت، لم يصل حتى يتيقن دخوله، أو يغلب على ظنه ذلك،
وحينئذ تباح له الصلاة، ويستحب تأخيرها قليلاً احتياطاً لتزداد غلبة ظنه، إلا أن
يخشى خروج الوقت.
وإن تيقن أن صلاته وقعت قبل الوقت، ولو بإخبار عدل مقبول الرواية عن
مشاهدة، قضى عند الشافعية وعند أكثر العلماء، وإلا أي إن لم يتيقن وقوعها
قبل الوقت، فلا قضاء عليه. ودليل القضاء: ما روي عن ابن عمر وأبي موسى أنهما أعادا
الفجر، لأنهما صلياها قبل الوقت.
تأخير الصلاة: يجوز تأخير الصلاة إلى آخر الوقت لقوله صلى الله عليه وسلم: "أول الوقت
رضوان الله وآخره عفو الله" ولأنا لو لم نجوز التأخير لضاق على الناس، فسمح لهم
بالتأخير. لكن من أخر الصلاة عمداً، ثم خرج الوقت وهو فيها، أثم
وأجزأته.
الأوقات المكروهة:
ثبت في السنة النبوية النهي عن الصلاة في أوقات خمسة، ثلاثة منها في
حديث، واثنان منها في حديث آخر.
أما الثلاثة ففي حديث مسلم عن عقبة بن عامر الجُهَني: "ثلاث ساعات كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلِّي فيهن، وأن نقبُر فيهن موتانا: حين
تطلعُ الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس، وحين تتضيَّف
الشمس للغروب".
وهذه الأوقات الثلاثة تختص بأمرين: دفن الموتى
والصلاة.
وأما الوقتان الآخران ففي حديث البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا
صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس" ولفظ مسلم: "لا صلاة بعد صلاة الفجر" وهذان الوقتان
يختصان بالنهي عن الصلاة فقط.
فالأوقات الخمسة هي ما يأتي:
1- ما بعد صلاة الصبح حتى ترتفع الشمس كرُمْح في رأي
العين.
2- وقت طلوع الشمس حتى ترتفع قدر رُمح أي بعد طلوعها بمقدار ثلث
ساعة.
3- وقت الاستواء إلى أن تزول الشمس أي يدخل وقت
الظهر.
4- وقت اصفرار الشمس حتى تغرب.
5- بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس.
والحكمة من النهي عن الصلاة في هذه الأوقات وتحريم النوافل فيها هي: أن
الأوقات الثلاثة الأولى ورد تعليل النهي عن الصلاة فيها في حديث عمرو بن عبسة عند
مسلم وأبي داود والنسائي: وهو أن الشمس عند طلوعها تطلع بين قرني شيطان، فيصلي لها
الكفار، وعند قيام قائم الظهيرة تسجر (توقد) جهنم وتفتح أبوابها، وعند الغروب تغرب
بين قرني شيطان، فيصلي لها الكفار. فالحكمة هي إما التشبه بالكفار عبدة الشمس، أو
لكون الزوال وقت غضب.
وأما حكمة النهي عن النوافل بعد الصبح وبعد العصر فهي ليست لمعنى في
الوقت، وإنما لأن الوقت كالمشغول حكماً بفرض الوقت، وهو أفضل من النفل
الحقيقي.
وأما نوع الحكم المستفاد من النهي: فهو حرمة النافلة عند
الحنابلة في الأوقات الخمسة وعند المالكية في الأوقات الثلاثة، والكراهة
التنزيهية في الوقتين الآخرين.
والحرمة أو الكراهة التحريمية تقتضي عدم انعقاد الصلاة على الخلاف
الآتي.
وأما نوع الصلاة المكروهة ففيها خلاف بين
الفقهاء.
أولاً- الأوقات الثلاثة (الشروق والغروب والاستواء) قال الحنفية: يكره تحريماً فيها كل صلاة
مطلقاً، فرضاً أو نفلاً، أو واجباً، ولو قضاء لشيء واجب في الذمة، أو صلاة جنازة أو
سجدة تلاوة أو سهو، إلا يوم الجمعة على المعتمد المصحح، وإلا فرض عصر اليوم
أداء.
والكراهة تقتضي عدم انعقاد الفرض وما يلحق به من الواجب كالوتر، وينعقد
النفل بالشروع فيه مع كراهة التحريم فإن طرأ الوقت المكروه على صلاة شرع فيها تبطل
إلا صلاة جنازة حضرت فيها، وسجدة تليت آيتها فيها، وعصر يومه، والنفل والنذر المقيد
بها، وقضاء ما شرع به فيها ثم أفسده، فتنعقد هذه الستة بلا كراهة أصلاً، في الأولى
منها، ومع الكراهة التنزيهية في الثانية، والتحريمية في
البواقي.
ودليلهم عموم النهي عن الصلاة في هذه الأوقات، وعدم صحة القضاء، لأن
الفريضة وجبت كاملة فلا تتأدى بالناقص.
ولا يصح أداء فجر اليوم عند الشروق، لوجوبه في وقت كامل فيبطل في وقت
الفساد، إلا العوام فلا يمنعون من ذلك، لأنهم يتركونها، والأداء الجائز عن البعض
أولى من الترك.
ويصح أداء العصر مع الكراهة التحريمية، لحديث أبي هريرة: "من أدرك ركعة
من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر".
ويصح مع الكراهة التنزيهية أداء سجدة التلاوة المقروءة في وقت النهي أو
أداء صلاة منذورة فيه أو نافلة شرع بأدائها فيه، لوجوبها في هذا الوقت. كذلك تصح
صلاة الجنازة إذا حضرت في وقت مكروه لحديث الترمذي: "يا علي ثلاثة لا تؤخرها:
الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيّم إذا وجدت لها
كفؤاً".
ثانياً- الوقتان الآخران (بعد صلاتي الفجر والعصر): يكره تحريماً أيضاً التنفل فيهما، ولو بسنة الصبح أو العصر إذا لم يؤدها
قبل الفريضة أو بتحية مسجد، أو منذور، وركعتي طواف، وسجدتي سهو، أو قضاء نفل أفسده،
وتنعقد الصلاة.
ولا يكره في هذين الوقتين قضاء فريضة فائتة أو وتر أو سجدة تلاوة وصلاة
جنازة، لأن الكراهة كانت لشغل الوقت بصاحب الفريضة الأصلية، فإذا أديت لم تبق كراهة
بشغله بفرض آخر أو واجب لعينه، لكن عدم الكراهة في القضاء بما بعد العصر مقيد بما
قبل تغير الشمس، أما بعده فلا يجوز فيه القضاء أيضاً، وإن كان قبل أن يصلي
العصر.
وقال المالكية: يحرم النفل لا الفرض في الأوقات الثلاثة، ويجوز قضاء الفرائض الفائتة
فيها وفي غيرها، ومن النفل عندهم: صلاة الجنازة، والنفل المنذور، والنفل المفسد،
وسجود السهو البعدي، لأن ذلك كله سنة، عملاً بمقتضى النهي السابق الثابت في
السنة.
ويكره تنزيهاً النفل في الوقتين الآخرين (بعد طلوع الفجر وبعد أداء
العصر) إلى أن ترتفع الشمس بعد طلوعها قدر رمح(1)، وإلى أن تصلى المغرب، إلا صلاة الجنازة وسجود التلاوة بعد صلاة الصبح
قبل إسفار الصبح، وما بعد العصر قبل اصفرار الشمس فلا يكره بل يندب، وإلا ركعتي
الفجر، فلا يكرهان بعد طلوع الفجر، لأنهما رغيبة كما سيأتي.
______________________
(1) المقصود رمح من رماح العرب، وقدره اثنا عشر شبر بشبر
متوسط.
ويقطع المتنفل صلاته وجوباً إن أحرم بوقت تحرم فيه الصلاة، وندباً إن
أحرم بوقت كراهة، ولا قضاء عليه.
وقال الشافعية: تكره الصلاة تحريماً على المعتمد في الأوقات الثلاثة،وتنزيهاً في
الوقتين الآخرين. ولا تنعقد الصلاة في الحالتين.
واستثنى الشافعية حالات كراهة فيها وهي ما يأتي :
1- يوم الجمعة: لا تكره الصلاة عند الاستواء يوم الجمع، لاستثنائه في خبر
البيهقي عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة قالا: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
ينهى عن الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة" وخبر أبي داود عن أبي قتادة نحوه،
ولفظه: "وكره النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة، وقال: إن
جهنم تسجر إلا يوم الجمعة". رواه أبو داود.
والأصح عندهم جواز الصلاة في هذا الوقت، سواء أحضر إلى الجمعة أم
لا.
2- حرم مكة: الصحيح أنه لا تكره الصلاة في هذه الأوقات في حرم مكة لخبر
جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يا بني عبد مناف، لا تمنعوا
أحداً طاف بهذا البيت، وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار" رواه الترمذي، ولما فيه
من زيادة فضل الصلاة فلا تكره بحال، لكنها خلاف الأولى خروجاً من
الخلاف.
3- الصلاة ذات السبب غير المتأخر، كفائتة، وكسوف، وتحية مسجد، وسنة الوضوء
وسجدة شكر، لأن الفائتة وتحية المسجد وركعتي الوضوء لها سبب متقدم، وأما الكسوف
وصلاة الاستسقاء وصلاة الجنازة وركعتا الطواف فلها سبب مقارن. والفائتة فرضاً أو
نفلاً تقضى في أي وقت بنص الحديث: "من نام عن صلاة أو نسيها، فليصلها إذا ذكرها"
متفق عليه وخبر الصحيحين: "أنه صلى الله عليه وسلم صلى بعد العصر ركعتين، وقال:
همااللتان بعد الظهر" والكسوف وتحية المسجد ونحوهما معرضان للفوات، وفي الصحيحين عن
أبي هريرة "أنه صلى الله عليه وسلم قال لبلال: حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام،
فإني سمعت دَفْ نعليك(1) بين يدي في الجنة؟ قال: ما عملت عملاً أرجى عندي من أني لم أتطهر
طهوراً في ساعة من ليل أو نهار، إلا صليت بذلك الطهور ما كتب الله لي أن
أصلي".
__________________
(1) الدَّف : صوت النعل وحركته على الأرض
وفي سجدة الشكر: ورد في الصحيحين أيضاً في توبة كعب بن مالك: "أنه سجد
سجدة للشكر بعد صلاة الصبح قبل طلوع الشمس".
أما ما له سبب متأخر كركعتي الاستخارة والإحرام: فإنه لا ينعقد، كالصلاة
التي لا سبب لها.
وقال الحنابلة: يجوز قضاء الفرائض الفائتة في جميع أوقات النهي وغيرها، لعموم الحديث
السابق: "من نام عن صلاة أو نسيها، فليصلها إذا ذكرها" ولحديث أبي قتادة: "ليس في
النوم تفريط، وإنما التفريط في اليقظة، فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها
إذا ذكرها". رواه أبو داود والترمذي والنسائي.
ولو طلعت الشمس وهو في صلاة الصبح أتمها، خلافاً للحنفية، للحديث
السابق:
"إذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس، فليتم
صلاته".
ويجوز فعل الصلاة المنذور في وقت النهي، ولو كان نذرها فيه، خلافاً
للحنفية، لأنها صلاة واجبة، فأشبهت الفريضة الفائتة وصلاة
الجنازة.
ويجوز فعل ركعتي الطواف، للحديث السابق عند الشافعية: "يا بني عبد مناف،
لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى في أي ساعة شاء من ليل أو
نهار".
وتجوز صلاة الجنازة في الوقتين (بعد الصبح وبعد العصر) وهو رأي جمهور
الفقهاء، ولا تجوز صلاة الجنازة في الأوقات الثلاثة (الشروق والغروب والاستواء) إلا
أن يخاف عليها فتجوز مطلقاً للضرورة، ودليلهم على المنع قول عقبة بن عامر السابق:
"ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن
موتانا".
وتجوز إعادة الصلاة جماعة في أي وقت من أوقات النهي بشرط أن تقام وهو في
المسجد، أو يدخل المسجد وهم يصلون، سواء أكان صلى جماعة أم وحده، لما روى يزيد بن
الأسود، قال: "صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر، فلما قضى صلاته، إذا
هو برجلين لم يصليا معه، فقال: ما منعكما أن تصليا معنا ؟ فقالا: يا رسول الله، قد
صلينا في رحالنا، فقال: لا تفعلا، إذا صليتما في رحالكما، ثم أتيتما مسجد جماعة،
فصلِّيا معهم، فإنها لكم نافلة" رواه أبو داود والترمذي، وهذا نص في الفجر، وبقية
الأوقات مثله، ولأنه متى لم يعد لحقته تهمة في حق الإمام.
ويحرم التطوع بغير الصلوات المستثناة السابقة في شيء من الأوقات الخمسة،
للأحاديث المتقدمة، سواء أكان التطوع مما له سبب كسجود تلاوة وشكر وسنة راتبة كسنة
الصبح إذا صلاها بعد صلاة الصبح، أو بعد العصر، وكصلاة الكسوف والاستسقاء وتحية
المسجد وسنة الوضوء، أم ليس له سبب كصلاة الاستخارة، لعموم النهي، وإنما ترجح
عمومها على أحاديث التحية وغيرها، لأنها حاظرة وتلك مبيحة، والحاظر مقدم على
المبيح، وأما الصلاة بعد العصر فمن خصائصه صلى الله عليه وسلم. لكن تجوز فقط تحية
المسجد يوم الجمعة إذا دخل والإمام يخطب فيركعهما، للحديث السابق "أن النبي صلى
الله عليه وسلم نهى عن الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة".
ويجوز في الصحيح قضاء السنن الراتبة بعد العصر، لأن النبي صلى الله عليه
وسلم فعله، فإنه قضى الركعتين اللتين بعد الظهر بعد العصر في حديث أم سلمة. والصحيح
في الركعتين قبل العصر أنها لا تقضى، لما روت عائشة "أن النبي صلى الله عليه وسلم
صلاهما، فقلت له: أتقضيهما إذا فاتتا؟ قال: لا". ويجوز قضاء سنة الفجر بعد صلاة
الفجر، إلا أن أحمد اختار أن يقضيهما من الضحى خروجاً من
الخلاف.
والمشهور في المذهب أنه لا يجوز قضاء السنن في سائر أوقات
النهي.
ولا فرق بين مكة وغيرها في المنع من التطوع في أوقات النهي، لعموم
النهي.
كما لا فرق في وقت الزوال بين الجمعة وغيرها، ولا بين الشتاء والصيف،
لعموم الأحاديث في النهي.
كراهة التنفل في أوقات أخرى:
كره الحنفية والمالكية التنفل في أوقات أخرى هي ما يأتي، علماً بأن الكراهة تحريمية عند
الحنفية في كل ما يذكر هنا:
1- ما بعد طلوع الفجر قبل صلاة الصبح: قال الحنفية: يكره تحريماً
التنفل حينئذ بأكثر من سنة الفجر، ولا كراهة عند الشافعية
والحنابلة.
وقال المالكية: يكره تنزيهاً الصلاة تطوعاً بعد الفجر قبل الصبح، ويجوز فيه قضاء
الفوائت وركعتا الفجر، والوتر، والوِرْد، أي ما وظفه من الصلاة ليلاً على
نفسه.
ودليل الحنفية والمالكية على الكراهة حديث ابن عمر: "لا صلاة بعد
الفجر إلا الركعتين قبل صلاة الفجر". رواه الطبراني.
2- ما قبل صلاة المغرب: يكره التنفل عند الحنفية والمالكية قبل صلاة
المغرب، للعمومات الواردة في تعجيل المغرب، منها حديث سلمة بن الأكوع: "أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي المغرب إذا غَرَبت الشمس وتوارت بالحجاب" رواه
أبو داود والترمذي، وحديث عقبة بن عامر: "لا تزال أمتي بخير أو على الفطرة، ما لم
يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم" رواه أبو داود، والتنفل يؤدي إلى تأخير المغرب،
والمبادرة إلى أداء المغرب مستحبة.
وقال الشافعية: يستحب صلاة ركعتين قبل المغرب، وهي سنة غير مؤكدة، وقال
الحنابلة: إنهما جائزتان وليستا سنة، ودليلهم: ما أخرجه ابن حبان من حديث عبد
الله بن مغفل "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى قبل المغرب ركعتين" وقال أنس: "كنا
نصلي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب"
رواه مسلم، وعن عبد الله بن مُغّفَّل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلوا
قبل المغرب ركعتين، ثم قال: صلوا قبل المغرب ركعتين، ثم قال عند الثالثة: لمن شاء
كراهية أن يتخذها الناس سنة". رواه البخاري وأبو داود.
3- أثناء خطبة الإمام في الجمعة والعيد والحج والنكاح والكسوف والاستسقاء:
يكره لدى الحنفية والمالكية التنفل عند خروج الخطيب حتى يفرغ من الصلاة،
لحديث أبي هريرة: "إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة: أنصت، والإمام يخطب فقد لغوت" متفق
عليه، وأضاف المالكية أنه يكره التنفل بعد صلاة الجمعة أيضاً إلى أن ينصرف الناس من
المسجد.
وكذلك يكره التنفل تنزيهاً أثناء الخطبة عند الشافعية والحنابلة
إلا تحية المسجد إن لم يخش فوات تكبيرة الإحرام، ويجب عليه أن يخففهما بأن يقتصر
على الواجبات، فإن لم يكن صلى سنة الجمعة القبلية نواها مع التحية إذ لا يجوز له
الزيادة على ركعتين، ولا تنعقد صلاة غير التحية عند الشافعية. ودليلهم خبر
الصحيحين: "إذا دخل أحدكم المسجد، فلا يجلس حتى يصلي ركعتين" فهو مخصص لخبر النهي.
وروى جابر، قال: "جاء سُلَيك الغطفاني، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال:
يا سليك قم، فاركع ركعتين، وتجوَّز فيهما" رواه مسلم، أي خفف
فيهما.
4- ما قبل صلاة العيد وبعده: يكره التنفل عند الحنفية والمالكية والحنابلة
قبل صلاة العيد وبعده، لحديث أبي سعيد الخدري قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم
لا يصلي قبل العيد شيئاً، فإذا رجع إلى منزله، صلى ركعتين" رواه ابن ماجه، وأضاف
الحنابلة: لا بأس بالتنفل إذا خرج من المصلى.
والكراهة عند الحنفية والحنابلة سواء للإمام والمأموم، وسواء
أكان في المسجد أم المصلى، أما عند المالكية فالكراهة في حال أدائها في
المصلى لا في المسجد.
وقال الشافعية: يكره التنفل للإمام قبل العيد وبعده، لاشتغاله بغير الأهم، ولمخالفته
فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى ابن عباس رضي الله عنهما: "أن النبي صلى
الله عليه وسلم صلى يوم العيد ركعتين لم يصلّ قبلها ولا بعدها" متفق
عليه.
ولا يكره النفل قبل العيد بعد ارتفاع الشمس لغير الإمام، لانتفاء
الأسباب المقتضية للكراهة، كذلك لا يكره النفل بعد العيد إن كان لا يسمع الخطبة،
فإن كان يسمع الخطبة كره له.
5- عند إقامة الصلاة المكتوبة: قال الحنفية: يكره تحريماً التطوع
عند إقامة الصلاة المفروضة، لحديث: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" رواه
مسلم، إلا سنة الفجر إن لم يخف فوت جماعة الفرض ولو بإدراك تشهده، فإن خاف تركها
أصلاً، فيجوز الإتيان بسنة الفجر عند الإقامة، لشدة تأكدها، والحث عليها، ومواظبة
النبي صلى الله عليه وسلم، قال عليه السلام: "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها"
رواه مسلم، وقالت عائشة: "لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل
أشدَّ تعاهداً منه على ركعتي الفجر" متفق عليه. وروى الطحاوي وغيره عن ابن مسعود:
"أنه دخل المسجد، وأقيمت الصلاة، فصلى ركعتي الفجر في المسجد إلى
أسطوانة".
وكذلك يكره التطوع عند ضيق وقت المكتوبة، لتفويته الفرض عن
وقته.
وقال الشافعي والجمهور: يكره افتتاح نافلة بعد إقامة الصلاة، سواء أكانت راتبة كسنة الصبح
والظهر والعصر، أم غيرها كتحية للمسجد.
ودليل الجمهور على كراهة افتتاح النافلة: قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا
أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" وفي الرواية الأخرى: "أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم مر برجل يصلي، وقد أقيمت صلاة الصبح، فقال: يوشك أن يصلي أحدكم الصبح
أربعاً" ومعناه أنه لا يشرع بعد الإقامة للصبح إلا الفريضة، فإذا صلى ركعتين نافلة
بعد الإقامة، ثم صلى معهم الفريضة، صار في معنى "من صلى الصبح أربعاً" لأنه صلى بعد
الإقامة أربعاً.
والصحيح في الحكمة في النهي عن صلاة النافلة بعد الإقامة: أن يتفرغ
للفريضة من أولها، فيشرع فيها عقب شروع الإمام، وإذا اشتغل بنافلة فاته الإحرام مع
الإمام، وفاته بعض مكملات الفريضة، فالفريضة أولى بالمحافظة على إكمالها. وفيه حكمة
أخرى هو النهي عن الاختلاف على الأئمة.
إلا أن الإمام مالك قال: إن لم يخف فوات الركعة ركعهما خارج
المسجد.
0 التعليقات:
إرسال تعليق