في
الهَدْي والأضحية
- تعريف الهدي
- حكم الهدي وأقسامه.
- أقسام الهدي من حيث الأداء
- شروط الهدي والأضحية
- سنن الهدي
- توقيت ذبح الهدي
- السنة في ذبح الهدي والأضحية
تعريف الهَدْي:
الهَدْي: بإسكان الدال وتخفيف الياء، أو بكسر الدال مع تشديد الياء
لغتان مشهورتان، والواحد: هَدْيَةٌ وهَدِيَّةٌ. تقول فيه:" أهديت
".
قال العلماء: والهدي: ما يُهدي إلى الحرم من حيوان
وغيره.
لكن المراد بالهَدْي هنا ما يُهْدَي إلى الحرم من الإبل والبقر والغنم
والماعز، خاصة بالشروط التي سنذكرها لصحة كونه هدياً.
وأحكام الهدي تلتقي مع الأضحية في الكثير من
الأمور.
للهدي أربعة أقسام :
أ- القسم الأول : هدي التطوع الذي يتقرب به الحاج أو المعتمر إلى الله
دون سبب يلزمه به ويستحب ذلك لكل حاج ومعتمر، اقتداء به صلى الله عليه وسلم. فقد
أهدى النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع مائة بدنة كما هو متفق
عليه.
وهذا الهدي يجوز له أن يأكل منه، بل يستحب له ذلك، كالأضحية، لقوله
تعالى:
{وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ
فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ
جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج:
36].
ولحديث جابر أنه صلى الله عليه وسلم" أمر ببضعة من كل بدنة، فوضعت في
قِدْرٍ، ثم أكلا من لحمها وشربا من مَرَقها ".
ويستحب أن يطعم منها الفقراء أيضاً، ويستحب أن لا ينقص الصدقة عن الثلث
أسوة بالأضحية.
ذهب الحنفية إلى أن أصل التصدق لا يجب حتى لو حبس الكل لنفسه جاز، لأن القربة في
الإراقة، والتصدق باللحم تطوع.
ومثله عند الحنفية هدي التمتع والقران.
وذهب الشافعية إلى أنه يجب التصدق بقدر ما يقع عليه اسم الصدقة على الأصح
عندهم.
وذهب الحنبلية نحومذهب الشافعية وقدروة وقدروه بأوقية.
ب- القسم الثاني: هدي واجب للشكر، وهو الهدي الواجب على المتمتع والقارن:
ذهب الحنفية إلى أنه دم واجب شكراً لله تعالى على أن وفقه لأداء النسكين في سفر
واحد.
وذهب الحنفية والمالكية والحنبلية إلى جواز الأكل منه.
وذهب الشافعية إلى أنه دم جبران على الصحيح في مذهبهم، فلا يجوز له الأكل منه، بل يجب
التصدق بجميعه.
ج- القسم الثالث: هدي واجب للجبران، أي لجبر الخلل الواقع في الحج أو العمرة، من جزاء جناية من الجنايات أو
دم إحصار ...
ذهب الحنفية والشافعية والحنبلية إلى أنَّ هذا الهدي لا يجوز الأكل منه، ولا أن يطعم منه غنياً، بل يجب
التصدق بجميعه، لأنها دماء كفارات.
وذهب مالك إلى أنه يجوز الأكل من كل الهدي الواجب، إلا جزاء الصيد، ونذر
المساكين، ونسك الأذى.
د- القسم الرابع: هي النذر، وهو ما ينذره الحاج للبيت الحرام، ومثله الأضحية المنذورة، وكلاهما واجب
لقوله تعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29].
هذا الهدي والأضحية لا يجوز له الأكل منهما باتفاق الأئمة الأربعة، ولو
كان الناذر فقيراً، بل المنذورة سبيلها التصدق، فلو أكل فعليه قيمة ما
أكل.
أصناف الهدي وما تُجْزيءُ عنه:
لا يصح الهدي ولا الأضحية إلا من أحد الأصناف الأربعة : الشاة والماعز
والبقر والإبل وهذا مجمع عليه، وتختلف هذه الأصناف فيما يجزيء أي يكفي ويصح أن تذبح
عنه من الأشخاص.
فالشاة والماعز: عن واحد فقط باتفاق العلماء.
أما البَدَنَة: وهي من الإبل والبقر:
قال الحنفية والشافعية والحنبلية: تكفي عن سبعة سواء كانوا كلهم أهل بيتٍ واحد، أم متفرقين، لما روى
مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين
بالحج، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترط في الإبل والبقر كل سبعة منا
في بدنة".
وقال المالكية: تجوز عن أهل بيت واحد وإن كانوا أكثر من سبعة، ولا تجوز عن أهل بيتين
وإن كانوا أقل من سبعة، لحديث: "يا أيها الناس: إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية
وعتيرة"(1) أخرجه أصحاب السنن.
_________________
(1) الذبيحة في رجب وهي منسوخة.
هذا، ولابد للمشتركين في الهدي أو الأضحية من الاقتسام بالتساوي
وزناً.
وذهب الحنفية لصحة الاشتراك أن يكون الجميع يريدون القربة لله تعالى، فلو وجد شخص
يريد اللحم لتجارة مثلاً، أو لأمر آخر لا على سبيل القربة لم يجز الذبح عن أحد
منهم.
وذهب الشافعية والحنبلية إلى إجازة أن يشترك معهم من يريد اللحم لا القربة، وفي ذلك توسعة على
الناس، لاسيما في الأضاحي.
أقسام الهدي من حيث الأداء:
الهدي الواجب إما أن يجب نحره بعينه أو يجوز الاعتياض عنه، وقد عُنِيَ
الشافعية ببيان
أقسامه، فقسموه أربعة أقسام:
أ- القسم الأول: الدم الواجب بترك نسك، وأفراده تسعة هي: التمتع، الفوات، القِران، ترك الرمي، ترك المبيت بمنى،
ترك الإحرام من الميقات، ترك المبيت بالمزدلفة، ترك طواف الوداع، وترك المشي في
الطواف أو السعي إن نذره الحاج.
هذا القسم يجب على الترتيب والتقدير عند الشافعية، ومعنى الترتيب
أنه يجب أولاً شاة، فإن لم يستطع فعليه مكانها صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا
رجع إلى أهله، ومعنى التقدير أن الشارع قدره بما لا يزيد ولا
ينقص.
ووافق الحنفية على ذلك في دم التمتع والقران، ولم يوجبوا الهدي على الفائت، أما سائر
الدماء فواجبة على التقدير فقط عند الحنفية، أي لا يجزئ مكانها الصيام، ولا
القيمة.
ب- القسم الثاني : الدم الواجب في الترفه، وأفراده ثمانية هي : دم الحلق، ودم قلم الأظفار، ودم اللبس، ودم الدهن،
ودم التطيب، ودم الجماع الثاني، ودم الجماع بين التحللين، ودم
المباشرة.
هذا القسم: يجب على التخيير والتقدير عند الشافعية، ومعنى التخيير أنه يخير بين ثلاث خصال: شاة، أو صوم ثلاثة أيام، أو
التصدق بثلاثة آصع. على ستة مساكين، سواء في ذلك المعذور وغيره، وكذا عند
المالكية والحنابلة، على تفاصيل سبقت في جنايات الإحرام.
ج- القسم الثالث: دم الإحصار، ودم الوطء المفسد للحج.
وهذا القسم يجب عند الشافعية على الترتيب والتعديل، ومعنى الترتيب بالنسبة للوطء أنه يجب به أولاً
بدنة من الإبل فإن لم يجدها فبقرة، فإن لم يجدها فسبع من الغنم أو الماعز وذلك
بالنسبة للوطء، أما الإحصار ففيه شاة فقط.
وإن لم يجد سبعاً من الغنم يقوِّوم البدنة أو الشاة بسعرها في مكة،
ويشتري بقيمتها طعاماً يتصدق به على مساكين الحرم وفقرائه.
ومعنى التعديل: أنه إن عجز عن الطعام عدله صوماً، فصام عن كل مُدٍّ
يوماً.
وعند الحنفية دم الإحصار والوطء دم تقدير فقط لا تخيير فيه لا يجزئ عنه صوم ولا صدقة، ولو عجز عن الهدي.
وروي في المذهب الحنفي في المحصر إن لم يجد الهدي يُقَوِّم الهديَ طعاماً فيتصدق به
على كل مسكين نصف صاع، وإن لم يكن عنده طعام ولا ثمنه صام لكل نصف صاع يوماً فيتحلل
به.
وكل دم ذكر في الجنايات لا تخيير فيه فهو من هذا القبيل عند
الحنفية.
وعند المالكية في هَدْي الجماع التخيير بين بدنة أو بقرة أو شاة، فإن لم يجد صام
ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، ولا يجب عندهم دم في
الإحصار.
وعند الحنابلة في الإحصار أن بدل دمه الصوم بنية التحلل عشرة أيام ولا إطعام فيه:
يصوم ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، وفي الوطء بدل دمه
كالتمتع.
د- القسم الرابع: الدم الواجب بقتل الصيد. وهو واجب على التخيير
والتعديل، وقد سبق بيان ذلك مستوفى في الجنايات.
شروط الهدي والأضحية:
ليس كل شيء من النَّعَم يصلح أن يكون هدياً، بل لابد أن يكون مستوفياً
للشروط التي ورد بها الشرع، وهي شروط الضحية نفسها أيضاً. فمن أراد أن يتطوع بهدي
أو وجب عليه الهدي بأن وجب عليه شاة أو وجب عليه بدنة يجب عليه أن يراعي في الهدي
الشروط الآتية:
أولاً - أن يكون الهَدْيُ من "الثَّنِيِّ" فصاعداً، إلا الضأن فإن
الجَذْعَ منه يجزيء:
وذلك موضع اتفاق الفقهاء سلفاً فخلفاً، لما روى جابر أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تذبحوا إلا مُسِنَّةً إلا أن يَعْسُر عليكم،
فتذبحوا جَذْعَة من الضأن" أخرجه مسلم.
ذهب الحنفية والحنابلة إلى أنَّ الثَّنِيُّ من الإبِلِ ما اسْتكمل خمس سنين ودخل في السادسة،
والثَّنِيُّ من البقر والجاموس ما استكمل سنتين ودخل في
الثالثة.
وذهب المالكية إلى أنَّ الثِنّي من البقر بما بلغ ثلاث سنين ودخل في الرابعة، ومن
الإبل بما دخل في السادسة.
لكن الحنفية لم يطلقوا جواز الهدي والتضحية بِجَذْع الضَّأْنِ، بل
قالوا: يجزيء إذا كانت عظيمةً بحيث لو خُلِطَ بالثنيان يشتبه على الناظر من
بعيد".
واختلف في ثَنِي المعز وجَذْع الضأن: فالجذع من الضأن عند الحنفية
والحنابلة وهو وجه عند الشافعية ما تمت له ستة أشهر.
وعند الشافعية على أصح الأوجه ما استكمل سنة أو ما أجذعت، أي أسقطت مقدَّم أسنانها
بعد ستة أشهر.
وثني المعز عند الحنفية ما بلغ سنة ودخل في
الثانية.
وعند الشافعية ما استكمل سنتين على أصح القولين.
وذهب المالكية إلى أن الجذع من الضأن ما بلغ سنة ودخل في الثانية ولو مجرد دخول
وفسَّروا الثَّنِيّ من المَعْزِ بما بلغ سنة ودخل في الثانية دخولاً بَيِّنا،
كمضيِّ شهر بعد السنة.
ثانياً- أن يكون الهدي تام الخِلْقَةِ سليما من عيب ينقص
اللحم.
والأصل في ذلك حديث البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: "أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء بَيِّنٌ عَورُها، والمريضة بَيِّنٌ
مرضها، والعرجاء بَيِّنٌ ظَلعُها، والكسير التي لا تُنْقِي" رواه أبو داود
والترمذي.
والمراد بالمريضة التي يكون مرضها بيناً أي أن يظهر بسببه الهُزال وفساد
اللحم والبَيِّن ظَلَعُها أي الظاهر عَرجُها، والتي لا تُنْقِي أي التي لا نِقْيَ
لها، وهو مخ العظم.
فهذه الأربعة لا تصح أن تكون هدياً، ولا تبرأ الذمة بالاهداء منها، كذلك
لا يجزيء أيضاً مقطوعة كل الأذن أو الذنب، أما إذا قطع جزء قليل أي أقل من الثلث من
الأذن أو الذنب فأقل فإنه لا يضر ذلك عند أبي حنيفة.
وأجاز الحنفية التضحية بالجرباء - مع الكراهية - إذا كان الجرب في الجلد فقط، أما إذا
هزلت بأن وصل الجرب إلى اللحم فلا يجوز.
وقال الشافعية: الجرب يمنع الإحْزاءَ كثيره وقليله. ولا تصح التضحية والهدي بناقصه
جزء مأكول ولو بعض الذنب، أو بعض الأذن ولو قليلاً، ولا يضر شق الأذن أو خرقها، ولا
تصح التضحية والهدي بالحامل على المعتمد في مذهب الشافعي.
أ- صفته المستحبة:
والأصل في ذلك أن يجود المؤمن بماله لله تعالى طيبة به نفسه، قال تعالى
في الحض على العناية بالهدي: {ذَلِكَ ومَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإنها مِنْ تَقْوى
القُلوبِ} [الحج: 32].
لذا قال العلماء: البدنة أفضل من البقرة لأنها أعظم، والبقرة أفضل من
الشاة لأنها بسبع من الغنم، والشاة أفضل من مشاركة سبع في بدنة أو بقرة لأنه ينفرد
بإراقة الدم، والضأن أفضل من الماعز لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي بالضأن،
والسمينة أفضل من غير السمينة حتى أن من الحنفية من قال: الشاة السمينة التي تساوي
البقرة قيمة ولحماً أفضل من البقرة. وحتى أن الشافعية قالوا : التضحية بشاة سمينة
أفضل من شاتين دونها.
ولا خلاف في جواز التضحية بالذَّكَر والأنثى، لكن الذكر أفضل، وخير
الألوان في الهدي والأضحية البياض ثم الصفرة، لما أخرج البخاري ومسلم عن أنس رضي
الله قال : "ضحّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بكبشَيْنِ أمْلَحَيْن أقْرَنَيْن،
ذَبَحَهُمَا بيده، وسمّى وكبَّر، ووضعَ رِجْلَه على
صِفاحِهما".
ب- سُنَّةُ سوق الهدي:
1) يستحب للحاج أن يسوق هديه من بلده، فإن لم يفعل فشراؤه من الطريق أفضل،
ثم من مكة ثم من عرفات، فإن لم يسقه أصلاً بل اشتراه من منى جاز باتفاق جماهير
أهل العلم.
2) واتفقوا على استحباب وضع القلادة للإبل والبقر لما روى ابن عباس أن
النبي صلى الله عليه وسلم "صلّى الظهرَ بذي الحُلَيفَةَ ثم دعا بناقته فأَشْعَرها
في صَفْحَةِ سنامِها الأيْمَن، وسَلَتَ الدمَ، وقلَّدَها نَعْلَيْن" أخرجه
مسلم.
واختلفوا في تقليد الغنم:
فذهب، الحنفية والمالكية إلى عدم سنيته، لأن تقليد الغنم غير متعارف وليس له
بفائدة.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى سنية ذلك عملاً بحديث عائشة قالت: "أهْدَى رسولُ الله صلى الله
عليه وسلم مرةً إلى البيتِ غنماً فقلَّدها" متفق عليه.
3) واتفقوا على عدم سنية إشعار الغنم.
لكن وقع الخلاف في إشعار الإبل والبقر أي شق الجلد من جانب السنام
الأيمن:
فذهب الحنفية إلى عدم سنية ذلك، لأن في الإشعار مُثْلة وإيلاماً
للحيوان، وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم.
وذهب المالكية والشافعية والحنبلية إلى سنية الإشعار للإبل والبقر عملاً بحديث ابن
عباس.
وقصد الشارع من التقليد والإشعار إشهار هذه الذبائح لأنها نسك وعبادة،
فيليق بها الاظهار.
لذلك اتفق الفقهاء الحنفيون والشافعيون على أنه لا يسن تقليد
الجنايات والإحصار، لأن سببها الجناية فيليق بها الستر.
4) يُستحب لمن لم يذهب إلى الحج أن يرسل هَدْياً وأن يُشْعِرَه
ويُقَلِّدَه. ولا يحرم عليه بإرساله شيء مما يحرم على المحرم باتفاق
العلماء.
توقيت ذبح الهدي:
نعني بالتوقيت تحديد زمان ومكان ذبح الهدي.
أ- أما الزمان:
فقال الحنفية والمالكية والحنابلة: إنه من بعد صلاة عيد النحر إلى آخر أيام النحر (10، 11، 12 من ذي
الحجة).
وقال الشافعية: إنه ممتد إلى آخر أيام التشريق (13من ذي الحجة)، وهذا الخلاف بينهم في
زمن الأضحية أيضاً.
وقد اتفق الحنفية والشافعية على أن دم الجنايات لا يتقيد بالوقت، لأنها دماء كفارات، فلا تختص
بزمان النحر، بل يجوز تأخيرها إلى أي وقت آخر، إلا أنها لما وجبت لجبر النقصان كان
التعجيل بها أولى، ليحصل ارتفاع النقصان من غير تأخير.
واختلفوا في هدي التطوع:
ذهب الحنفية وهو وجه عند الشافعية إلى أنه يجوز ذبح دم التطوع قبل يوم النحر وذبحه أيام النحر أفضل، لأن
القربة في التطوعات باعتبار أنها هدايا وذلك يتحقق بتبليغها إلى
الحرم.
وذهب الشافعية في الأظهر والحنابلة إلى أنها تختص بالزمان كالأضحية.
واختلفوا أيضاً في دم المتعة والقِران:
فذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه يختص بالزمان المذكور وهو أيام النحر الثلاثة، واستدلوا في ذلك
بقول الله تعالى: {فَكُلُوا منها وأَطْعِمُوا البائِسَ الفَقِير ثمْ ليَقْضُوا تَفَثَهُمْ
وَلْيُوفوا نُذُورَهُم ولْيَطَّوَّفوا بالبيتِ العَتيق}.
وذهب الشافعية إلى أنها لا تختص بزمان بل يجوز أن يذبحها بعد الإحرام بالقران، وبعد
الإحرام بالحج في التمتع، ويجوز قبل الإحرام بالحج بعد التحلل من العمرة في
الأظهر.
وذهب المالكية إلى أن وقت ذبح الهدايا كلها هو أيام النحر، قالوا: ولا تذبح
ليلاً.
ب- وأما المكان: فقد اتفقوا على أن دماء الهدي - عدا الإحصار - يختص
جواز إراقتها بالحرم لا يجوز ذبح شيء منها خارجه، لقوله تعالى في جزاء الصيد:
{هَدْياً بَالغَ الكعبةِ} ، وقوله تعالى: {ثُمَ مَحِلُّها إلى البيتِ العَتِيق}.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: "نَحَرْتُ ههنا ومِنىً كلُّها مَنْحَرٌ
فانْحروا في رِحالِكُمْ".
وقوله: صلى الله عليه وسلم "كلُّ فِجاجِ مكةَ طريقٌ ومَنْحَر" أخرجه
الحاكم.
السنة في ذبح الهدي والأضحية:
أ- يستحب أن يذبح الهدي والأضحية بنفسه اقتداء به صلى الله عليه وسلم
حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم: "ضحى بكبشين ووضع رجله على صفاحهما وسمى
وكبر" وفي رواية لمسلم قال: ويقول: "بسم الله والله أكبر" ويجوز أن يستنيب غيره لما
سبق، في آخر حديث جابر عند مسلم أنه صلى الله عليه وسلم "نحر ثلاثاً وستين بَدَنةً
بيده ثم أعطى علياً فنحر ما غَبر منها".
فإذا استناب غيره يستحب له أن يشهد الذبح، لما روى عمران بن حصين رضي
الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يا فاطمةُ قُومِي فاشْهَدِي
أُضْحِيَتَك فإنّه يُغْفَرُ لك بأولِ قطرةٍ نقطرُ مِن دَمِها كلُّ ذنبٍ عَمِلْتِه"
رواه البيهقي والطبراني.
ومن حكمة ذلك المبالغة في السخاء، وتهذيب النفس عن الجبن
والخوف.
ب- والأفضل في الإبل النحر وهو طعن العروق في أسفل العنق حتى
تُفْرَى،وأن ينحرها قياماً. والأفضل في الغنم الذبح وهو قطع العروق في أعلى العنق،
وأن تكون مضطجعة ليوافق السنة المتواترة.
ويستحب أن يوجه الذبيحة إلى القبلة، لأنه قربة لابد فيها منجهة فكانت
القبلة أولى.
ج- وذهب الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أنَّ التسمية عند الذبح
والنحر، فلو تركها عامداً لم تحل ذبيحته، وإن تركها ناسياً حلت استدلالاً بقوله
تعالى: {ولا تَأْكُلُوا مِمّا لم يُذكَرِ اسمُ اللهِ عَلَيْهِ وإنّه
لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121].
وذهب الشافعية إلى أن التسمية سنة، فلو تركها عامداً أو ناسياً حلت ذبيحته عندهم،
استدلالاً بقوله تعالى: {إلا ما ذَكّيْتُم} وقوله: {وطَعَامُ الذينَ أُوتوا الكِتابَ حِلٌّ لَكُم}. ولم يذكر التسمية فلا تكون واجباً. بل سنة.
وصيغة التسمية المستحبة أن يقول : "باسم الله والله
أكبر".
د- ويستحب أن يسأل الله القبول فيقول: "اللهم تقبل مني" أو من فلان إن
ذبح عن غيره، لما أخرج مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم
ذبَح كبْشاً وقال: "بسم الله، اللهم تَقَبَّلْ من محمدٍ ومن آل محمدِ ومن أُمّة
محمد، ثم ضَحى".
وأخرج أبو داود وابن ماجه عن جابر في حديث ذبح الكبشين السابق زيادة:
"فلما وجههما قال: إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض على ملة إبراهيم حنيفاً،
وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له
وبذلك أُمِرْتُ وأنا من المسلمين، اللهم منك ولك، عن محمد وأمته، باسم الله والله
أكبر" ثم ذبح.
هـ- ويتصدق بِجلالها وخِطامها، ولا يجوز أن يعطي أجرة الجزار منها، ولا
يجوز بيع شيء من الهدي والأضحية سواء كان واجباً أو تطوعاً.
وعن علي رضي الله عنه قال: "أمرني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ
أقوم على بُدْنِهِ وأنْ أتصدقَ بِلَحْمِها وجُلودِها وأَجِلَّتها وأنْ لا أعطيَ
الجزّار منها، قال: نحنُ نُعْطِيه مِنْ عندنا" متفق عليه. لأنه جعلها خالصة لوجه
الله تعالى فلا يجوز أن يرجع إليه شيء من منافعها وعينها إلا ما رخص فيه، وهو الأكل
والانتفاع من الجلد بالاستعمال ونحوه.
0 التعليقات:
إرسال تعليق