التسميات

الموسيقى الصامتة

Our sponsors

26‏/11‏/2014

الأبعاد الثلاثة للإصلاح

الأبعاد الثلاثة للإصلاح
 تأليف : آندي هارجريف ودين فنك * ترجمة : عبد الحميد بن حمدي السيد **
الأسئلة الثلاثة التي يثيرها هذا المقال مغرية بالقراءة، وذلك لأهميتها للإصلاح التربوي عموماً. وهي مغرية لنا أكثر لأن بلادنا تعيش منذ سنوات حركة إصلاح تربوي واسعة وطموحة. يناقش هذا المقال واقع الإصلاح في بلاد تبعد عنا كثيراً؛ جغرافياً وثقافياً. ومع ذلك فإن قضايا و مشكلات عمق الإصلاح التربوي وامتداده واتساعه تعنينا نحن أيضاً برغم آلاف الكيلومترات التي تفصل بيننا وبين صاحب المقال. ( المحرر )
جوهرياً هناك ثلاثة أشياء فقط جديرة بالاهتمام عند الحديث عن الإصلاح التربوي:
(1) هل للإصلاح التربوي عمق؟ هل يحسّن الإصلاح التربوي الجوانب المهمة في التعلم الطلابي أكثر من مجرد الجوانب السطحية منه؟
(2) هل للإصلاح التربوي امتداد زمني؟ هل هو باق لمدة طويلة من الزمن؟ هل للإصـلاح التربوي اتساع؟ هل يمكن أن يتوسع إلى ماهو أبعد من بضع مدارس أو شبكات أو عروض أوّلية؟ الإصلاح التربوي الناجح أقرب إلى مدرسة "بيكاسو" منه إلى مدرسة "رامبرانت" . فهو لا يصل إلى الإصلاح من بُعدٍ واحد أو بعدين. ولكنه، كالرسام التكعيبي، يصل إليه من الأبعاد الثلاثة في نفس الوقت. (1)
 ما الذي يؤدي إلى النجاح في الأبعاد الثلاثة للإصلاح التربوي؟
كيف تتفاعل الأبعاد الثلاثة؟
ما هي الإستراتيجيات التي تضمن التقدم؟
العمق : الفهم الاجتماعي والوجداني يوماً بعد يوم، يطمح المصلحون إلى ماهو أكثر من تحسن نتائج التحصيل الطلابي. فهم يريدون تعلماً عميقاً وقوياً وعالي الأداء من أجل فهم يهيئ الصغار للمشاركة في مجتمع اليوم. التعـلم من أجل الفهم ليس مجرد تعلم معرفي أو نفسي. هذا التعلم يشتمل على ماهو أكثر من التعلم الاستنتاجي، والإدراك المتعدد ، وما بعد المعرفة، والتعلم المبني على حل المشكلات. فالتعلم العميق ثقافي ووجداني أيضاً . فعلى الطلاب أن يدمجوا التعلم في سياق ما تعلموه سابقا ، وفيما يدرِّسهم إياه المعلمون الآخرون ، وفي ثقافتهم وحياتهم. وبالإضافة إلى إقامة روابط ثقافية، فإن على المعلمين أن يوجدوا روابط وجدانية مع الطلاب وروابط بين الطلاب أنفسهم . وهذه الروابط هي التعاطف والتحمل والولاء . فالفهم الوجداني -أي القدرة على الفهم اللماح لمدى تعلم الطلاب أو لمشاركتهم في التعلم- أساسي بالنسبة لأولويات معايير التعلم. فبدون الروابط القوية والعلاقات الدائمة مع الطلاب فإن الفهم الوجداني ومعايير التعلم سيختلاّن.(…).
الامتداد الزمني : إطالة أمد التغيير عبر الزمن يتطلب التغيير التربوي أكثر من مجرد الاستراتيجيات. فهو يحتاج إلى طرائق تساعد على توقع العوائق والتغلب عليها من أجل إطالة أمد التغيير. هناك حالتان لمدرستين ثانويتين تجديديتين ( تعرضان لنا نماذج واقعية لهذه الإشكالية إلى حد كبير): مدرسة لورد بايرون الثانوية عندما تم افتتاح مدرسة لورد بايرون الثانوية في أونتاريو / كندا عام 1970، كانت واحدة من أعظم المدارس الثانوية تجديداً في أميركا الشمالية. فقد كانت تطبق النظام الفصلي ، وتميزت ببيئة معمارية مفتوحة ، وأقسام علمية متداخلة، وأخذت بأسلوب التعليم الجماعي والتعلم الذاتي ، واختير معلموها بالانتقاء الشخصي الدقيق من قبل مدير المدرسة ذي الشخصية الآسرة . استخدم معلمو المدرسة كلمات مثل انتعاش وإثراء وإثارة وتحدي في وصفهم للسنوات السبع الأولى في هذه التجربة الضخمة. كما تحدث المعلمون عن التعاون فيما بينهم، وعن التوهج الفكري للمناقشات التي كانت تجرى في غرفة المعلمين، وعن برنامج التطوير المهني النشط على مستوى المدرسة، وعن رضاهم الشخصي والمهني . يتم تقويم المدارس النموذجية في الغالب بنظرة سريعة في مراحلها المبكرة . و نادراً ما يُتَابع التغيير بعد السنوات الأولى من الإبداع والتجريب . فلقد توسعت مدرسة بايرون أكثر من اللازم في سعيها نحو مزيد من التغيير. ثم اضطرت بعد ذلك إلى التراجع في مواجهة الضغط الخارجي. وبنهاية التسعينات كانت بايرون قد ارتدّت إلى أنظمة تقليدية جعلتها غير متميزة عن المدارس الثانوية المحيطة بها. إن فشل المدرسة في المحافظة على شخصيتها التجديدية يعود إلى مشاكل متنوعة منها :
· تعاقب القيادة: تُنسب التغيرات الجديرة بالاهتمام عادةً إلى قادة مجددين ذوي شخصيات آسرة،· يستطيعون جذب أشخاص ممتازين إليهم ويوجدون تصوراً،· ويرسخون التزاماً وولاءً. وبكلمات مختصرة كما جاء على لسان أحد المعلمين، فقد كان أول مدير للمدرسة "شخصية متعبة لمن يجيء بعدها".
· انتقاء الهيئة التعليمية والمحافظة عليها: تبدأ المدارس الجديدة بنخبة منتقاة من المعلمين. فتكوّن تلك النخبة الرؤية الأولى وتشكل الثقافة التأسيسية وتشعر بخصوصيتها. لقد ترك بعض أحسن المعلمين مدرسة بايرون في الآونة الأخيرة للقيام بأعمال قيادية في أماكن أخرى . ونادراً ما حمل من عُيّن بعدهم من المعلمين نفس الالتزام بفلسفة المدرسة. وانتابت هؤلاء الحيرة بسبب التذكير الدائم بعصر المدرسة الذهبي. ولعل مشكلتهم تكمن في أنهم قد انجذبوا للصورة السطحية عن استقلالية المدرسة عن سلطة إدارة التعليم . فكان من نتيجة ذلك أن أصبحت الهيئة التعليمية الأصلية منفصلة عن القادمين الجدد أو الغرباء. وفي تلك الأثناء،· وبسبب تقدم المعلمين الأصليين في العمر،· بدأت طاقتهم وحماسهم للتغيير يتلاشيان.
· الحجم : عندما ازداد عدد طلاب مدرسة بايرون،· أصبحت المدرسة أكثر بيروقراطية. ونمت الانقسامات بين الأقسام،· كما نمت بين معلمي الصفوف والمعلمين المساعدين،· وبين رؤساء الأقسام ومعلمي الصفوف،· وبين المعلمين والإدارة. أخلى المجتمع المدرسي الخاص والصغير الساحة لصغائر المشاجرات. وأثناء مرحلة تراجع التسجيل الطلابي في المدرسة ،· أُجبر المعلمون الجدد الأقل قوة على مغادرة المدرسة،· وكثر الجدل حول من سيغادر المدرسة ومن سيبقى.
· الإدارة التعليمية واتجاهات سياستها : حصلت مدرسة بايرون في أيامها الأولى على دعم خاص من إدارة التعليم تمثل في نصابها من القيادات وفي السماح لها بتجاوز الأنظمة في إجراءات التوظيف. ومع مرور الوقت ،· أخذت الحكومة المحلية في تضييق متطلبات المناهج والنظم مما أجبر إدارة التعليم ومدرسة لورد بايرون على النزول إلى مستوى المدارس الثانوية الأخرى (في المنطقة). قد تبدأ المدارس التجديدية على هيئة جزر داخل المحيط العام للمنطقة وأولويات سياستها العامة. ولكن المد القادم بالتغييرات السياسية يؤدي الى إغراق تميزها في نهاية الأمر.
· دعم المجتمع : في الأوضاع التجديدية ،· تكون تصورات التربويين عن "المدرسة الجيدة" في تضاد مع فكرة المجتمع عن المدرسة الحقيقية. فقد سعت مدرسة بايرون إلى التغييرات الجديدة قبل أن تتعزز التجديدات الأولى. فعلى سبيل المثال،· أثار وقت الطلاب غير المنظم في جدول في مدرسة تتكون من 900 طالب ،· … أثار القليل من المشاكل. ولكن عندما توسعت المدرسة إلى 2100 طالب ،· أصبح من الصعب مراقبة الوقت ،· وأدت المشاكل السلوكية الناتجة عن ذلك إلى سمعة سلبية،· وإلى ردة فعل عنيفة من المجتمع، وقام كثير من أولياء الأمور بنقل أبنائهم إلى المدارس الأكثر تقليدية في المنطقة. مدرسة بلو ماونتن افتتحت مدرسة بلو ماونتن في نفس المنطقة منذ خمس سنوات . وتأسست على يد مدير ذي شخصية آسرة ، وبهيئة تعليمية تم انتقاؤها بعناية. واختصت بتجديدات تقنية وتنظيمية ومنهجية عظيمة. ليس في المدرسة أقسام منفصلة لكل مادة. وكانت غرف المعلمين مختلطة، وأوضحت وثائقها بأن لا هيمنة لمادة أو نشاط غير صفي على المواد أو النشاطات الأخرى من ناحية الأهمية. وتشكّل فريق القيادة مبدئياً من ثمانية قياديين تنفيذيين في مجالات مثل التقنية والتقويم وتقدير الطلاب، وذلك بدلاً من المجموعات المعتادة لرؤساء الأقسام . وبالإضافة إلى موادهم، فإن جميع المعلمين يتبعون مجموعة تنفيذية تلتقي بانتظام .
من الناحية المعمارية ، يوجد في المدرسة مساحة مريحة للاجتماعات في مدخل المدرسة . ويشبه رواقها الرئيسي سوقاً تجارياً مغلقاً. وتُستخدم ملاعبها المغلقة ومركز اللياقة من قبل الهيئة التعليمية والمجتمع المحيط بالمدرسة كما تستخدم من قبل الطلاب. مدرسة بلو ماونتن متكاملة من الناحية التقنية. فهي -من أكثر من وجه- نموذج لمدرسة المستقبل المليئة بالزوار. ويبرز تميزها بعروض واضحة عن التغييرات التي تجري فيها على أشرطة الفيديو. ومع ذلك فإن هناك مؤشرات، كما هو الحال في مدرسة لورد بايرون ، على أنها في طريقها إلى فقدان مجدها. لنعد إلى التحديات التي واجهتها مدرسة لورد بايرون لنطبقها على مدرسة بلوماونتن:
· تعاقب القيادة : يعمل المدير المؤسس لمدرسة بلو ماونتن في منطقة تأخذ بسياسة التدوير المنتظم للمديرين بين مدارسها. وحدث أن طُلب منه بعد أربع سنوات أن يحل مشكلة في مكان آخر. المديرة التي حلّت مكانه تحظى بالاحترام والكفاءة . وهي كانت وكيلة للمدير نفسه من قبل. لكنها هي أيضاً ،· نموذج يصعب اتباع خطاه. وعلاوة على ذلك كان عليها أن تقود المدرسة في بيئة سريعة التحول،· ومقيدة ، وغير ودية تجاه المعلمين .
· انتقاء الهيئة التعليمية والحفاظ عليها : لا يوجد في مدرسة بلو ماونتن حماية خاصة لتعيينات الهيئة التعليمية من أجل المحافظة على تميزها. فالمعلمون الذين تقل خبرتهم عن ثمان سنوات انتقلوا إلى أماكن أخرى ،· وكان لزاماً على المدرسة قبول معلمين كانت قد رفضتهم في مقابلات شخصية سابقة. هذه المشكلات زادت حدتها بسبب المغادرة المتزايدة للهيئة التعليمية الأصلية وذلك بسبب حوافز التقاعد المبكر، وبسبب عدم تحقق تطلعاتهم . وهكذا أصبحت المحافظة على الرؤية الأصلية للمدرسة مع هذا المعدل العالي لانتقال الهيئة التعليمية أمراً شديد العناء.
· الحجم : عندما زاد عدد الطلاب المسجلين في مدرسة بلو ماونتن إلى الضعف زاد عدد أعضاء الهيئة التعليمية أيضاً متجاوزاً المجموعة الأصلية الأولى التي عملت وأوجدت صورة خاصة بالمدرسة. لم يتفهم أعضاء الهيئة التعليمية الجدد هذه الصورة ولم يشاركوا فيها . ولم يتم انتقاؤهم بعناية كما كان الحال مع المجموعة الأولى لضمان قناعتهم بغايات المدرسة.
· الإدارة التعليمية واتجاهات سياستها : كان للسياسات الحكومية في ترشيد الإنفاق على التربية وتشديد التحكم في المنهج و التقويم الطلابي ،· وتقديم التغيير بسرعة متهورة،· … كان لكل ذلك تبعات مثيرة على مدرسة بلو ماونتن . فلقد تسببت التغييرات التشريعية في شروط عمل المعلمين في تخفيض الوقت المتاح للمعلمين للإعداد والتخطيط ولقاء الطلاب بشكل فردي والاتصال بأولياء الأمور والعمل مع الزملاء. كما تقلص الفريق القيادي إلى نصف حجمه الأساسي. وتم فرض منهج جديد لكل مادة. وخفضت الحكومة عدد المرشدين بنسبة 75% وخفضت أمناء المكتبات إلى النصف. أخذت آثار ذلك كله في الظهور: تزايدت مشاكل عدم الانضباط، و تراجع المعلمون إلى مجموعات موادهم ، وتنازلوا عن التخطيط طويل المدى إلى التنفيذ القصير المدى، وتحرر الكثير منهم من الوهم مبدين إشارات متزايدة من الضغوط النفسية ومستكشفين لخيارات التقاعد المبكر، أو الوظائف البديلة ، أو الانتقال إلى مدارس أخرى.
· دعم المجتمع : بنت مدرسة بلو ماونتن علاقات قوية مع مجتمعها من البداية،· مثلها مثل مدرسة لورد بايرون. ولكن حتى في مدرسة بلو ماونتن يذكر الإداريون بأنه مع الذعر الذي أذكته وسائل الإعلام بين أولياء الأمور حول أزمات تربوية مزعومة، فإن على المدرسة الآن أن تتعامل مع فيض من الانتقادات والشكاوى غير المسبوقة والمبنية على القلق المجرد أكثر من قيامها على الخبرة الحقيقية. نحن نراجع هذه الأمور مع الهيئة التعليمية في بلو ماونتن لنرى ما إذا كانوا يستطيعون إيقاف إنهاك عملية التغيير في مدارسهم. لكنّ من غير الممكن تحسين مدرسة واحدة بمعزل عن نطاق السياسة المحيطة. إن من الممكن استمرار التغيير في مدرسة بعينها فقط إذا كانت سياسة الحكومة لا تضعف تلك التغييرات مباشرة. كما تحتاج التغييرات إلى دعم قوي ومستمر من إدارة التعليم،…دعم تعترف فيه الإدارة باستثنائية المدرسة، ويُسمح لها بالاحتفاظ بقمَّة الكوادر القيادية في المنطقة، وبهيئة تعليمية ملتزمة بنهج المدرسة المتميز. ومع ذلك فإن القياديين و المعلمين الاستثنائيين نادرون بطبيعتهم. فهل من العدل أن تُصرَّ مدرسة واحدة على أن تحصل على أفضل المتميزين؟ ألن يخفض هذا من القدرات والفرص التجديدية للمدارس الأخرى؟ كيف يؤثر التغيير المستمر في مدرسة واحدة على المدارس في أماكن أخرى؟
التوسع : توسع انتشار النموذج لا تعني الاستمرارية ببساطة أن شيئاً يمكن أن يدوم. فهي تشير أيضاً إلى أن بإمكان مبادرات معينة أن تتطور دون تعريض الآخرين في البيئة المحيطة بها للخطر، في الحاضر والمستقبل. التغيير الراسخ أوسع من مجرد تغيير في مدارس محددة. فهو يمتد إلى مناطق بكاملها، وولايات، وأمم. المدارس والمناطق التعليمية ليست جميعاً على نفس الشاكلة. فالتنوع موجود في صفات الطلاب الاجتماعية والثقافية ، وفي مدى إشراك المدارس للمعلمين في تطوير سياساتها، وفي نوعية القيادة ، وفي الخبرات السابقة مع التغيير. إن من الصعب نقل مبادرة ناجحة في منطقة ما أو في مجموعة مدارس إلى منطقة أخرى. فالمبادرات المنقولة عن بيئتها الأولى تصبح مبادرات مغايرة فوراً- ومبتعدة تماماً عن النوايا الأولى. تُعرف هذه الظاهرة بـ "تحدي الارتقاء". فهو يستلزم تطوير "نماذج طموحة للإصلاح المدرسي" عن طريق "بناء شبكات مسَاعدَة تقنيَّة، ودعم من مدرسة إلى مدرسة، وذلك لأي عدد من المدارس التي تختار تنفيذ تلك النماذج." ويسعى توالد تلك النماذج إلى تغيير التنظيمات والثقافات وظروف التعلم في المدارس باستخدام مدارس ومناطق تعليمية لديها القابلية للمغامرة لتحفيز الارتقاء بالإصلاح عبر تنظيمات أوسع. لقيت عملية ترقية الاستراتيجيات نجاحات متفاوتة. ففي مراجعة لأربعة وعشرين نموذج من نماذج التغيير المدرسي الواسع، ظهر أن ثلاثة منها فقط أظهرت آثاراً إيجابية قوية على التحصيل الطلابي. وكان من اللافت للنظر أن تلك النماذج الثلاثة قد تميزت بتركيز مفروض وضيق ومحافظ إلى حد ما على مهارات القدرة على القراءة والكتابة والحساب أو على التدريس المباشر. لقد وفرت تلك النماذج سعة بلا عمق. إن جهود التغيير الواسع الذي يظهر مؤشرات واعدة بالنجاح ، تتميز بالتركيز المستمر على التدريس، وعلى التطوير المهني المكثف، وعلى الانتقاء الصارم للمعلمين والقياديين، وعلى عوامل التقويم والمحاسبة. ومع ذلك، فإن هذه المبادرات معرضة للتبدلات تبعاً للتوجهات السياسية، وليس لها سجل مثبت بشأن استمراريتها. فلهذه المبادرات بعض السعة، بل وحتى العمق، ولكنها لا تدوم طويلاً. وهذا الاتجاه واضح بشكل أكبر في الأماكن التي تمتد فيها الإصلاحات إلى ما هو أبعد من مجرد منطقة تعليمية واحدة. إن تنسيق التغيير الواسع النطاق، والمحافظة على التركيز الجوهري على التعلم العميق، والمحافظة على الدعم السياسي والاستقرار، وتثبيت القيادات المدرسية وإطالة بقائها في مواقعها… أمور مثيرة للمشاكل بطبيعتها.

محكَّات التغيير: (وسائل اختبار التغيير) : كيف يمكن للإصلاح أن يصبح ثلاثي الأبعاد؟ · ركِّز على التعلم العميق وليس على نتائج الأداء السطحي فقط. تقتضي المعركة التربوية ضد الفقر والحرمان والتمييز العرقي إيجاد روابط واسعة مع العائلات،· وتغييرات رئيسية في نظم المدارس ومناهجها – لنشر التعلم بطريقة عميقة ولإيجاد الظروف المهيئة لحدوثه. إلا أن هذه الحملة غالبا ما تنحدر إلى الانشغال أكثر بتعليم القراءة والكتابة والحساب والمعايير المعرفية. من المؤكد أن تعلم القراءة والكتابة والحساب والمعايير أجزاء من برنامج التعلم الأعمق، ولكنها ليست بديلاً عنه. نتائج التحصيل الجيدة لا تعني بالضرورة تعلماً أعمق. · استخدِم المدارس النموذجية لإعادة التثقيف وليس لمجرد إعادة بناء النظام فحسب. يتطلب التعلم العميق تغييرات تحرِّض المدارس عادة على هذا التحول باستخدام استراتيجية الصدمة والتقليد. في مثال مدرسة لورد بايرون،· شعر المربون من المدارس الأخرى بأن الإدارة التعليمية بالمنطقة قد "حشرت نموذج بايرون في حلوقنا." فأصبحوا مرتابين ،· وغاضبين وأصيبوا بالغيرة تجاهها. وبحث الكثير من زوار المدرسة عن عيوبها من أجل أن لا يضطروا إلى محاكاة سياساتها. وبالرغم من أن أجزاء معينة من تراث المدارس التجديدية يمكن تبنيها بشكل واسع -النظام الفصلي في مدرسة بايرون على سبيل المثال أو مجموعات المرشدين الطلابيين في مدرسة بلو ماونتن -إلاّ أن الإصلاح عن طريق استنساخ الأنظمة بالجملة غير مستحسن. وعلى غير ما كان متوقعاً، فإن مدرسة بايرون استطاعت أن تصنع إسهاماً طويل المدى في مجال الإصلاح المنظم ، وذلك من خلال إعادة التثقيف ومن خلال إعادة البناء. لقد نشر القياديون الذين غادروا مدرسة بايرون أنفسهم في طول النظام التربوي وعرضه ، مصدِّرين لنظام مدرسة بايرون وفلسفتها، حتى أنهم أصبحوا شيئاً فشيئاً متغلغلين في ثقافات المدارس الأخرى. لذا فإن باستطاعة المدارس النموذجية أن تعمل بشكل أفضل ، إذا ابتعدت عن أن تكون نماذج للنسخ "الكربوني" القصير المدى. واتجهت بدلاً عن ذلك لتكون أماكن لتنمية ثقافات وقيادات في عمق النظام على المدى الطويل. · عامِل الواقع السياسي الأوسع كمكمّل لجهود إصلاح المدارس والإدارات التعليمية. يجب أن يكون هدف الإصلاح التربوي هو إيجاد تغييرات كبيرة،· وليس مجرد إصلاحات جزئية هنا وهناك. ولكن كثيرا ما تعوق التداعيات السياسية تحقيق هذا الهدف. ومع ذلك فإن الإصلاحيين والباحثين نادراً ما يواجهونها بشكل مباشر. فإذا غيرت حكومات معينة هذه الظروف،· فإن من المحتمل أن تعمل تحولات لاحقة في التوجه السياسي على إبطالها. وفي النهاية،· فإن التربويين سيحسِّنون من أدائهم ليسيطروا على الرأي العام الذي تعتمد عليه الحكومات،· وذلك بجعل ممارساتهم وجهودهم التحسينية شديدة الوضوح، وبمساهمتهم في إيجاد حركة اجتماعية واسعة من أجل تحولات كبيرة وعميقة وراسخة في التعليم العام مما يفيد جميع الطلاب. لا يتحقق الإصلاح العميق والراسخ والراقي بالتعاميم الرسمية، ولا باستراتيجيات الصدمة والتقليد، ولا بالإصلاحات السريعة. إن توقع صنع تقدم كامل في الأبعاد الثلاثة(العمق والامتداد الزمني والسعة) في نفس الوقت أمر غير واقعي. إن الإصلاح الثلاثي الأبعاد عمل متوازن وطموح ومعقد ومثير للجدل في نفس الوقت. ومن الواجب على أولئك الذين يعتقدون خلاف ذلك أن يسألوا أنفسهم: لماذا عانت الاستراتيجيات الأسهل والأقصر مدى من الفشل المستمر حتى الآن؟ (2,3)                                                        

0 التعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة الموضوع

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More