صراع المتناقضات في
الحياة
رائعة هوجو “أحدب نوتردام”
“كل صخرة هي حرف وكل بحيرة هي عبارة وكل مدينة هي وقفة، فوق كل مقطع وفوق كل صفحة لي هناك دائما شيء من ظلال السحب أو زبد البحر”.
فيكتور هوجو (26 فبراير 1802م -22 مايو 1885 ) هو أديب وشاعر ورسام فرنسي، من أبرز أدباء فرنسا في الحقبة الرومانسية، ترجمت أعماله إلى أغلب اللغات المنطوقة.
أثّر فيكتور هوجو في العصر الفرنسي الذي عاش فيه وقال “أنا الذي ألبست الأدب الفرنسي القبعة الحمراء” أي قبعة الجمال.
محيط – سميرة سليمان
وتعتبر روايته الشهيرة “أحدب نوتردام” التي كتبها وهو في التاسعة والعشرين من العمر واحدة من أكثر الروايات شهرة في القرن التاسع عشر وبقيت مؤثرة في الثقافة المعاصرة.
لقد تُرجمت رواية “أحدث نوتردام” إلى جميع لغات العالم ، كما أخرجت على شاشة السينما مرات ومرات، وكذلك مثّلت في مسلسلات تلفزيونية بكل لغات العالم.
استلهم هوجو شخصية أحدب نوتردام من الأحدب الذي كان يوقظه هو وسائر الطلبة كل صباح عندما كان يدرس بإسبانيا.
نوتردام باريس
تتكون رواية “أحدب نوتردام” من ستة و ثلاثين فصلا، و يصور فيها هوجو عدة أدوار بطولي
نوتردام
ة تتراوح بين الشر و الخير، و بين الجمال و القبح و البؤس، بين البرجوازية و الشقاء و الفقر.
إن الرواية تزخر بالأبطال لكن أهمها الأسميرالدا، التي كانت منذ طفولتها فائقة الجمال. وفي يوم ما أتت مجموعة من الغجر إلى المدينة وسرقوا أسميرالدا واستبدلوها بكوازيمودو القبيح.
كبرت الطفلة عندهم وتعلمت عاداتهم وتقاليدهم وطرقهم في المعيشة، أمها اعتقدت أن الغجر قد قتلوا طفلتها، صامت وصلت بقية حياتها كناسكة، وأصبحت توقر فردة الحذاء الذي أضاعته اسميرالدا عندما اختطفت. فردة الحذاء الثانية حملتها اسميرالدا كميدالية صغيرة حول عنقها لاعتقادها أنها ستجد أمها يوما ما. قبل إعدام اسميرالدا بقليل تجتمع الأم بابنتها من جديد.
بابا المجانين، كوازيمودو ذلك الرجل الذي لم يكن سوى كتلة قبحٍ و شقاء، لم يكن يعرف المشاعر الإنسانية إلا بعدما منحته الأسميرالدا جرعةً من ماء و شيئا من عطف و قدرا من نبلْ.
الكاهن كلود فروللو رمز التعنت الكهنوتي و الشر و الخبث و الأنانية و الإجرام و الفساد، الذي لم يتردد في القيام بأية جريمة لإشباع نهمه و أنانيته.
كوازيمودو هو بالنسبة له أداة بدون إرادة تؤدي الأوامر فحسب. قلبه يحترق من من حبه لأسميرالدا، فقد أحبها من النظرة الاولى.
المعلم بطرس جرانجوار الفنان في زمنٍ لا يعبأ بالفن و الثقافة و الإبداع، فكان له الفقر و البؤس قدر لا مفر منه.
و لا ننسى تلك الأم جودول التي فقدت ابنتها الوحيدة )إيناس / الأسميرالدا ) فحبست نفسها في حجرٍ صغير و ظلت تصلي طوال خمسة عشر عقد حتى رأت ابنتها إيناس و عانقتها قبل أن تتلقفها المشنقة.
أيضا القائد الوسيم فوبوس الذي عانى صراعا مريرا بين القلب و بين الاعتبارات الطبقية، لقد أحبته الأسميرالدا حبا صادقا و عنيفا، لكنه لم يعرف من الحب سوى لحظات قليلة.
تبدأ الرواية بانتخاب كوازيمودو، قارع الأجراس بابا للمجانين، هذا الأحدب الذي قال عنه هوجو في روايته علي لسان
الأحدب
الحشود التي اجتمعت لتنتخبه “لقد كانت التكشيرة هي وجهه، بل شخصه ككل رأس كبير تكاثف فيه شعر أحمر، وبين الكتفين حدبة كبيرة، فخذاه وساقاه تكونت بشكل غريب بحيث لا تتلامس إلا بالركبتين، اللتين تبدوان وكأنهما منجلان تلاقيا عند القبضتين، قدماه كبيرتين، ويداه مخيفتان بشعتان.
عينه اليسري صغيرة يسدها حاجب أشعث وعينه اليمني مختفية اختفاء كاملا وراء ورم شديد وأسنانه منخورة متكسرة ما عدا واحد برز إلي الخارج وكأنه ناب فيل وهو مع هذا التشويه كان يملك حيوية مرعبة وخفة وشجاعة كبيرة”.
عندما ظهر هذا الوحش عرفه الجمهور فورا فصرخ في صوت واحد: “إنه كوازيمودو! إنه قارع الأجراس! إنه كوازيمودوا الأعور!”.
إنه الأحدب الشريد الذي لم يقبل به سوى الكاهن كلود فروللو حيث جعله قارعا للأجراس في أبراج نوتردام باريس، فلم يكن يعرف و يحب سوى تلك الأجراس التي أودت بسمعه فجعلته أصما، كان قبيحا وحشا لم يعرف لنفسه قيمة..
في صباح أحد الأيام وضع طفل حي علي سرير خشبي في كنيسة نوتردام، وقد بعث هذا الكائن الحي الفضول الكبير في العديد من الناس الذين تجمعوا بكثرة حول السرير.
“ماهذا يأختاه؟” سألت إحدي السيدات.
“إنه ليس طفلا،” أجابت أخري، “إنه قرد مسخ ناقص.”
” إن هذا الطفل وحش حقيق، مقيت ويجب أن نرمي به في النار أو في الماء..” علقت امرأة ثالثة.
والواقع أن هذا الوحش الصغير لم يكن طفلا حديث الولادة.كان كتلة صغيرة مشوهة، متحركة، محبوسة في كيس من القماش يظهر منها رأس هذه الكتلة، وقد كان الرأس بالغ التشوه، لم يكن يري فيه غير غابة كثيفة من الشعر الأحمر، وعين واحدة وفم وأسنان.
وكان ثمة كاهن شاب يصغي منذ فترة من الزمن إلي تعليقات النساء، أبعد الجمهور صامتا وتفحص “الساحر الصغير” وقال:
“أنا اتبني هذا الطفل”.
فقالت احدي السيدات:
“لقد سبق وقلت لك يااختاه إن هذا الكاهن الشاب كلود فروللو، هو رجل ساحر”.
ويصف هوجو علاقة الأحدب بكنيسة نوتردام قائلا: “كانت نوتردام بالنسبة إليه البيضة والعش، المنزل والوطن بل العالم بأسره”.
” لقد أحب الأجراس ومع ذلك فقد كانت هذه الأجراس سببا في صممه، ولكن الأمهات يبالغن في الغالب في حب من هو أشد إيذاء لهن من أبنائهن”.
ومع ما سبق ذكره، فإن مخلوقا بشريا واحدا كان كوازيمودو يحبه كما كان يحب كاتدرائيته أو أكثر، إنه كلود فروللو، إنه هو الذي علمه النطق والقراءة والكتابة، والأهم من ذلك كله، هو الذي جعله قارع الأجراس. ليس من سلطان في العالم يضاهي سلطان الكاهن علي قارع الأجراس فإشارة منه كانت كافية لكي يلقي كوازيمودو بنفسه من أعلي أبراج كنيسة نوتردام.
محاكمة هزلية
ذات يوم تعرض للتعذيب بقرارٍ صادر عن المحاكم الكنسية و محاكم التفتيش، تلك المحاكم الهزلية، لقضية أتهم بها، “أحضر كوازيمودو مربوطا إلي مؤخرة عربة مقيدا بالحبال والأحزمة، ووضع فوق العجلة فارتفعت قهقهات الجماهير وتعليقاتهم الساخرة”.
رفع الجلاد يده بسوط به قطع معدنية حادة ثم هوي عاصفا فوق ظهر البائس المسكين وتحرك كوازيمودو كمن يستيقظ من حلم بصورة مفاجئة، لقد بدأ يفهم ما يجري.
واستسلم الأحدب لقدره وسقط منهك القوي، وأغلق عينه الوحيدة ، وأحني رأسه فوق صدره ولم يبد حراكا، ورفع الشرطي يده إشارة لوقف التعذيب، فتوقفت العجلة.. وفتح كوازيمودو عينه ببطء شديد.
كان كوازيمودو موضع كره عام، وكان الجمهور قاسيا دون رحمة أو شفقة، وكان مشهد التعذيب مصدر فرح عام وفرصة لإشباع نقمة الجماهير. ومر الوقت وأمضي كوازيمودو ساعة ونصف الساعة فوق وتد التعذيب.
وفجأة صرخ بقوة..
“إلي بالماء!”
ولم يكن لهذا النداء اليائس من أثر غير مضاعفة فرح الناس وسخرياتهم.
ونقل كوازيمودو نظراته القلقة بين الناس وكرر:
“إلي بالماء! أريد ماء.”
وظل الكل يضحكون ورمي إليه بوسيان بإسفنجة مغموسة بالوحل قائلا: “إشرب هذه، إنها لك!”
ثم أتت سيدة وقذفته بحجر في رأسه ثم كرر كوازيمودو وهو يتهاوي: “إلي بالماء!”.
وفي هذه البرهة بالذات رأي فتاة تقترب، وأبرقت عين كوازيمودو. لقد عرف فيها الفتاة التي حاول بالأمس ان يختطفها، وها هو يعاقب في سبيل ذلك، فلم يشك لحظة في انها آتية لتنتقم لنفسها منه.
واقتربت منه دون أن تنطق بكلمة واحدة، ثم نزعت من حزامها قربة صغيرة ووضعتها برقة فوق شفتي البائس المسكين.
وهنا رؤيت في عينيه الجامدة المحترقة دمعة كبيرة تنسكب، قد تكون هي الدمعة الأولي التي أرسلها البائس منذ ان بلغ مبلغ الرجال.
اغتيال
كان فوبوس الشاب الجميل على موعد مع سيدة الجمال الأسميرالدا/ إيناس، الفتاة التي تبحث عن أمها جودول و تبحث عن موطنٍ لحبها و قائدٍ يمتطي صهوة جوادها نحو أحلامها فكانت تدرك به معنى الحب و صدق المشاعر و صفاء النية، لكن فوبوس لم يكن ليرقى لهذا، و لم يكن يدرك سر الحب العنيف، الحب الجنوني، أو العشق أو التيم، فكيف للمرء أن يعشق تمثالا لإنسان، لا يتحسس الحب و لا يدرك معنى العشق!.
بعدما تسامر الليل كله في حانة من حانات باريس توجه فوبوس نحو قدره، إذ كان الكاهن كلود فروللو في انتظاره، طلب منه مرافقته ( حيث كان ذلك الكاهن الشرير يضمر له الشر لأنه يريد الفتاة له) .. رافقه إلى حيث يرى الأسميرالدا و اختبأ في زاوية من البيت بحيث لا يراه أحد..
اقترب فوبوس ليجلس أقرب إليها مما كان من قبل
” اسمعي يا عزيزتي ”
فوضعت إيناس يدها فوق شفتي فوبوس و قالت :
“لا ! لا ! لا أريد الاستماع إليك. فهل تحبني أريد أن تقول لي ما إذا كنت تحبني”
” ماذا تقولين يا ملاكي الجميل، إنني أحبك بالطبع”
” أوه هذه هي الساعة التي يحلو فيها الموت”
و صرخ الضابط:
” الموت! إنها ساعة الحياة”
عرضت عليه الزواج فأظهر تعجبه و استغرابه، كأنه لا يريدها سوى للحظات قليلة..
وفجأة رأت فوق رأس فوبوس وجها أصفر متشنج العضلات، ذا نظرات ملعونة شيطانية، وإلي جانب هذا الوجه تمتد يد تحمل خنجرا مسنونا، لقد كان الكاهن بوجهه ويده! استطاع أن يكسر الباب ويدخل دون أن يتمكنا من رؤيته.
لقد عجزت الفتاة حتي عن الصراخ، ورأت الخنجر يهبط فوق رأس فوبوس ثم يرتفع وهو ينزف من جراح ضحيته .
“ياللعنة”
صرخ فوبوس ثم سقط علي الأرض.
أما هي فقد أغمي عليها وحين استعادت وعيها وجدت نفسها محاطة بجنود الحراسة وحمل القائد غريقا بدمائه واختفي الكاهن.
وسمعت الرجال من حولها يقولون:
“إنها ساحرة طعنت قائدا من رجال الحرس”.
وفاء للأبد
سيقت إيناس للمحاكمة، أجبرت على الاعتراف تحت تأثير ذلك الكاهن نفسه، كلود الذي انفجر غيظا عندما وجدها تحب ذاك الشاب الوسيم فوبوس.
كانت جسدا هامدا نحيفا أضناه الظلم و الضياع و سياط الجلادين و الأصفاد التي أدمت جسدها الناعم الرقيق، لا ترى سوى الشمس و هي ترسل أشعتها الأخيرة متجهة نحو الغروب، فتنادي: فوبوس أين أنت ؟ هل مات فوبوس؟
ثم يرتد الصوت عليها: لقد مات فوبوس … و ما إن قيل لها أنه مات ، رغم نجاته، حتي باتت تنتظر حبال المشنقة.
“وضعت الاسميرالدا في قبو، لقد كان في الحقيقة كهفا، وكانت الاسميرالدا ضائعة في الظلام، مطمورة، مسجونة، كانت باردة كالليل، بل كالموت، لم تكن قادرة علي التمييز بين اليقظة والنوم، بين الحلم والحقيقة، بين الليل والنهار. لقد فقدت القدرة علي الشعور، فلم تعد تشعر أو تفكر أو تعرف”.
أودعت في ذلك قبو بغيض بعدما صدر عليها حكم بالإعدام شنقا، في ذلك القبو المظلم جاء إليها الكاهن القاتل كلود وفي حواره معها قال:
“أصغي إلي، قبل أن أعرفك كنت أشعر بالسعادة، لقد كنت سعيدا، نعم وكنت طاهرا، لا يرتفع رأس أشد فخرا من رأسي، لقد كان كبار العلماء والأطباء يأتون إلي ليستشيروني. وكان العلم هو كل شيء عندي وفي يوم من الأيام، كنت مستندا إلي نافذة حجرتي وكنت أقرأ، سمعت صوت الدف، فنظرت إلي الساحة، أما ما رأيت، فلم يكن مشهدا مصنوعا لعيون بشرية، هناك وسط الميدان كانت فتاة ترقص، فتاة بلغت من الفتنة درجة تؤهلها لأن تكون مثلا أعلي لكل ما هو جميل”.
وتراجعت السجينة خوفا ورعبا، فقال:
“أوه: أتوسل إليك أن ترحميني. أنت لا تعرفين معني الشقاء، إنه أن تقع في حب امرأة – أن تكون كاهنا، أن تحب بكل جوارحك، أن تشعر أنك علي استعداد لتقديم حياتك لقاء ابتسامة منها، أن تقدم دمك، حياتك، خلاصك، ثم تعرف انها مغرمة برجل آخر، إنه العذاب والألم!، إنها كماشة سخنت في نار جهنم”.
وكانت الفتاة المسكينة تردد في صوت منخفض:
“آه! يا فوبوس العزيز.”
فزحف الكاهن نحوها علي ركبتيه وقال:
“إنني أحبك! وإذا ذهبت إلي الجحيم سأتبعك. لقد فعلت كل ما فعلت لكي أكون معك. فإن قبلت سنكون سعداء جدا، سوف أساعدك علي الهرب. دعينا لا نخسر الوقت. سيكون لك من الوقت ما تشائين لتحبينني بعد أن أنقذك. غدا! غدا! المشنقة! انقذي نفسك وانقذيني.”
“ماذا أصاب فوبوس؟”
“لقد مات!”
“مات! فلم تحدثني عن الحياة إذن؟”.
وقالت:
“إذهب! اغرب عن وجهي أيها الوحش! اغرب عن وجهي أيها القاتل! دعني أموت. لن أكون لك أبدا، أبدا.”
لحظة الإعدام
حانت ساعة الانتظار، و كل شيء أعد بإحكام لإعدام هذه الفتاة الجميلة البائسة، قال لها الكاهن كلود : هل أنت مستعدة للموت، فلم تعره أي اهتمام، ثم قال لها بصوت خافت : هل تكونين لي؟ ما زلتُ قادرا على تخليصك!
” ماذا فعلت بالحبيب فوبوس؟”
” حسن جدا، إذن موتي، فلن تكوني لأحد أبدا”
في هذه اللحظات و هي تساق لحبل المشنقة، جاء كوازيمودو لينتشلها من هذا الظلم و يهرب نحو الكاتدرائية
في الكنيسة، وهو يصرخ : الملجأ، الملاذ، بلكمات من ساعديه أخذ الفتاة و هرب نحو الملجأ، وكرر الجمهور معه : الملجأ .. الملاذ .. ثم صفق يحيي هذه الروح العظيمة لبابا المجانين كوازيمودو.
وعندما أفاقت الاسميرالدا سألت الحدب قائلة: “لم أنقذتني؟”
ونظر إليها بقلق محاولا أن يحذر ما تقوله، فرددت سؤالها، فنظر إليها نظرة عميقة الحزن ثم ابتعد.
وبعد قليل عاد إليها يحمل صرة من الثياب احتوت علي رداء أبيض مع برقع أبيض أيضا، وترك الغرفة حتي تتمكن من ارتداء ملابسها. ثم عاد كوازيمودو يحمل سلة وفراشا. وكان في السلة قنينة، وقطع من الخبز وشئ من المؤونة وقال:
“كلي”. ثم ناولها البساط وقال:
“نامي”.
لقد قدم لها قارع الأجراس طعامه الخاص، وفراشه الخاص أيضا.
ورفعت الفتاة عينيها لتشكره، ولكنها لم تستطع أن تنبس ببنت شفة، فقد خفضت رأسها في قشعريرة من الخوف والرهبة. فقال المسكين:
” آه لقد أخفتك. إنني قبيح جدا، أعرف ذلك. لا تنظري إلي فقط استمعي.
إنك ستبقين هنا أثناء النهار، ولكن لا تخرجي منها أبدا فإن فعلت، سيلقون القبض عليك وستموتين، وسيكون ذلك موتي أيضا.”
ورفعت رأسها لتجيب ولكنه كان قد خرج.
كانت الاسميرالدا تكتشف فيه كل لحظة قبحا جديدا، ومع ذلك فقد كان في هذه الكتلة من القبح والبشاعة قدر كبير من الحزن والألم والرقة، بحيث أنها بدأت تعتاد النظر إليها وتألفها.
وحين سألته : لم أنقذتني؟.
أجاب قائلا: “هل نسيت بائسا لم تترددي في نجدته فوق وتد التعذيب، جرعة من الماء، وقليل من الشفقة، هذا دين لا أستطيع أن أوفيه بحياتي كلها، أنظري إلي، إن لنا هنا أبراجا عالية جدا، عندما ترغبين في التخلص مني أخبريني لأرمي بنفسي من قمة البرج”.
ونهض ثم قال:
“يجب أن لا أبقي طويلا هنا، سأبحث عن مكان آخر حيث يكون بوسعي أن أنظر إليك دون أن تريني، خذي هذه، وعندما تحتاجين إلي، أنفخي فيها وسوف أسمع صداها.”
قال ذلك وأخرج من جيبه صافرة معدنية وناولها إياها.
بقت إيناس في ذلك الملجأ حتى استطاع الكاهن كلود أن يجد حيلة أخرى للضغط عليها، فقد أصدر البرلمان تشريعا يخول محكمة الكنيسة بتنفيذ الحكم عليها و إن كانت لاجئة في الكنيسة ذاتها.
خيرها الخيار الأخير، لكنها أبت إلا أن تكون وفيةً لحبها و قلبها و عشقها.. باءت كل محاولاته بالفشل، و انقلب مهزوما منهار القوى، و قال: إما أن تكون لي أو تموت ..
سيقت مرة أخرى للموت، و قارع الأجراس لم يذخر جهدا لإنقاذها، لكنها شنقت و هو ينظر إليها، الحب الأول و الأخير، و العشق الذي طالما أحياه و جعل منه إنسانا حيا بعدما كان مجرد كائن قبيح يعيش بلا حياة..
ماتت الأسميرالدا ، واتكأ كوازيمودو علي الحاجز وراح ينظر إلي ساحة جريف مكان الإعدام نظر إلي الساحة، ونظر إلي الغجرية، ثم نظر إلي المشنقة. كان صامتا لا يتحرك كما لو أصيب بصاعقة، وكانت دموعه تسقط سخية في صمت عميق من تلك العين التي لم تكن بعد قد ذرفت دمعة واحدة.
نظر كوازيمودو إلي الغجرية، ثم إلي الكاهن، وتنهد بحزن عميق ثم قال باكيا:
“لقد فقدت كل ما كنت أحبه”.
في اليوم نفسه الذي مات فيه الكاهن والغجرية، اختفي كوازيمودو من نوتردام، والواقع أن أحدا لم يره أو يعرف عنه شيئا بعد ذلك اليوم.
“أخيرا، وجد بين الهياكل البشعة، هيكلان في مكان واحد، كان أحدهما هيكل امرأة، أما الآخر فهو هيكل رجل، وقد لوحظ أن في عموده الفقري انحناء ظاهرا، وأن جمجمته غائرة بين عظام الكتفين، وأن احدي الساقين أقصر من الأخري.
ولم يكن في عظام العنق أية كسور، مما يثبت أن هذا الرجل لم يشنق، بل إنه قد أتي إلي هنا ومات. وحينما حاول الذين وجدوا تلك الهياكل فصل هيكل الرجل عن الهيكل الآخر الذي كان يضمه إليه، تناثرت عظامه كالغبار المنثور”.
هوجو في سطور
ولد فيكتور هوجو في بيسانسون بمنطقة الدانوب شرقي فرنسا،عاش في المنفى خمسة عشر عاماً، خلال حكم نابليون
هوجو
الثالث،من عام 1855 حتى عام 1870.
أسس ثم أصبح رئيساً فخرياُ لجمعية الأدباء والفنانين العالمية عام 1878م.
توفي في باريس في 22 مايو 1885م.
كان يتحدث عن طفولته كثيرا قائلا “قضيت طفولتي مشدود الوثاق إلي الكتب”.
الحرية هي أيضا من أهم الجوانب في حياة كاتب أحدب نوتردام الشهير فهي الكلمة التي تتكرر كثيرا بالنسبة لهوجو. “إذا حدث واعقت مجري الدم في شريان فستكون النتيجة أن يصاب الإنسان بالمرض. وإذا أعقت مجري الماء في نهر فالنتيجة هي الفيضان، وإذا أعقت الطريق أمام المستقبل فالنتيجة هي الثورة”
كان يري في نفسه صاحب رسالة، كقائد للجماهير، قائد لا بالسيف او المدفع وانما بالكلمة والفكرة. فهو أقرب الى زعيم روحي للنفس البشرية او صاحب رسالة انسانية.
مثّل هوجو الرومانسية الفرنسية بعيونه المفتوحة على التغيرات الاجتماعية مثل نشوء البروليتاريا الجديدة في المدن وظهور قراء من طبقة وسطى والثورة الصناعية والحاجة الى اصلاحات اجتماعية، فدفعته هذه التغيرات إلى التحول من نائب محافظ بالبرلمان الفرنسي مؤيد للملكية الى مفكر اشتراكي ونموذج للسياسي الاشتراكي الذي سيجيء في القرن العشرين، بل أصبح رمزا للتمرد على الأوضاع القائمة.
تم نشر أكثر من خمسون رواية ومسرحيات لفيكتور هوجو خلال حياته وتلتها أيضاً عشرون رواية أخرى من آخر أعماله.
من أقواله:
لا قوة كقوة الضمير ولا مجد كمجد الذكاء
ليس هناك جيش أقوى من فكرة حان وقتها.
أعظم سعادة في الدنيا أن نكون محبين
الحب هو أجمل سوء تقدير .. بين الرجل والمرأة !
في قلبي زهرة .. لايمكن لأحد أن يقطفها
قد يكتب الرجل عن الحب كتاباً . . ومع ذلك لا يستطيع أن يعبر عنه . . ولكن كلمة عن الحب من المرأة تكفي لذلك كله .
عندما تتحدث إلى امرأة . . أنصت الى ما تقوله عينيها .
من الممكن مقاومة غزو الجيوش، ولكن ليس من الممكن مقاومة الأفكار.
إن أجمل فتاة هي التى لا تدرى بجمالها.
وكان يصف الشرق بقوله: “الشرق عالم ساحر مشرق وهو جنة الدنيا، وهو الربيع الدائم مغمورا بوروده، وهو الجنة الضاحكة، وأن الله وهب أرضه زهورا أكثر من سواها، وملأ سماءه نجوما أغزر، وبث في بحاره لآلئ أوفر”
0 التعليقات:
إرسال تعليق