التسميات

الموسيقى الصامتة

Our sponsors

24‏/11‏/2014

التصميم الخاص لعناصر الحياة

التصميم الخاص لعناصر الحياة
قال تعالى في محكم تنزيله : (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) (الفرقان:2) .
وقال تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ) (المؤمنون:115) .
وقال تعالى : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذريات:56).
ويقول " جون بولكنغهورن " وهو فيزيائي إنكليزي [1] .
"إنكم إذا تأملتم في النظام الخارق الذي بني به الكون ولاحظتم التصميم غير العادي الذي خلق به،  فلابد أن يوحي لكم ذلك بأن ثمة هدفاً وغاية وراء كل ذلك" .
حتى هذه اللحظة مازلنا نفحص كيف أمكن تصميم كل التوازنات الفيزيائية للكون الذي نحيا فيه كلي نتمكن من الحياة ولقد رأينا أيضاً أن التركيب العام للكون وكذلك موقع الأرض فيه عوامل مثل الهواء والضوء والماء قد صممت بدقة لكي يكون فيها ما تحتاجه مساهماتنا،  بالإضافة لذلك فنحن بحاجة لأن نلقي نظرة على العناصر التي صنعت منها أجسامنا،  تلك العناصر الكيميائية والتي هي القطع البناء التي تشكلت منها أيدينا وأعيننا وشعرنا وأعضاؤنا تماماً مثل بقية الكائنات الحية الأخرى كالنباتات والحيوانات،  والتي هي مصادر غذائية وهي صممت لتخدم الأهداف التي تفعلها بالضبط .
يشير الفيزيائي (روبيرت ـ س ـ د ـ كلارك ) إلى التصميم الراقي والخاص في بناء قطع الحياة عندما قال : " لقد أعطانا الخالق مجموعة أجزاء مسبقة الصنع وجاهزة لأن تساهم في كل ما هو قيد التصنيع "[2] و أكثر تلك القطع البناءة أهمية هي الكربون .

التصميم في الكربون :
وصفنا في الفصول السابقة العملية غير العادية والتي أنتج بها عنصر الكربون في أعماق النجوم الهائلة والتي تدعى العمالقة الحمراء،  حيث يشغل هذا العنصر  الموقع السادس في الجدول الدوري،  كما شاهدنا كيف أمكن اكتشاف تلك العملية المدهشة في تركيب العناصر، وقد تقدم (فريد هويل ) بالقول في هذا الموضوع معلناً " أن قوانين الفيزياء النووية صممت بتأن مع الأخذ بالحسبان مستقبل النواتج لما يصنع داخل النجوم "[3].
عندما فحصنا الكربون عن قرب وجدنا أنه ليس الشكل الفيزيائي لهذا العنصر صمم بتأن فقط بل رتبت خواصه الكيميائية بإتقان أيضاً كي تكون على ما هي عليه فعلاً .
يوجد الكربون الصافي في الطبيعة بشكلين الغرافيت والألماس،  وهو يدخل مع عديد من العناصر الأخرى مشكلاً مواد كثيرة مختلفة الأنواع،  وخاصة في ذلك المجال المتعدد الواسع الذي لا يصدق من المواد العضوية الحية،  ومثل تلك المواد العضوية الحية أغشية الخلايا ولحاء الشجر وعدسة العين وأظلاف الغزال وبياض البيضة وصفارها وسم الأفعى فكلها صنعت من مركبات أصلها كربون .
يتحد الكربون مع الهيدروجين والأوكسجين والنتروجين بكميات مختلفة عديدة وبتركيبات هندسية متنوعة، منتجة أصنافاً واسعة من المواد ذات الخواص المختلفة الواسعة . بحيث تحتوي جزيئات بعض المركبات الكربونية بالضبط عدد قليل من الذرات وبعضها الآخر يحتوي آلاف وربما الملايين من الذرات، والأكثر من ذلك هو أنه لا يوجد عنصر آخر متقلب ومتعدد الجوانب كالكربون في تشكيله جزيئات غاية في المتانة والثبات .
ولنقتبس بعض ما جاء في كتاب ( دافيدبورني ) والذي عنوانه ( الحياة ) ما يلي :
" الكربون هو عنصر غير عادي تماماً،  فبدون وجود الكربون وخواصه غير العادي  لا يحتمل وجود الحياة على الأرض "[4].
وأيضاً فيما يتعلق بالكربون فقد كتب الكيميائي البريطاني ( نيغيل شيدويك ) في كتابه ( العناصر الكيميائية ومركباتها ) ما يلي :
" الكربون هو الوحيد والفريد من كل العناصر في عدد وتنوع المركبات التي يستطيع تركيبها،  ولقد تم إلى حدّ الآن عزل ووصف أكثر من ربع مليون مركب للكربون،  ومع ذلك فإن ذلك لا يعطي فكرة كاملة عن قدراته طالما أنه الأساس في كل أشكال المادة الحية اللامحدودة التعقيد".[5]
 لأسباب فيزيائية وكيميائية ليس بإمكان الحياة أن تبنى على أن عنصر آخر غير عنصر الكربون ن وفي وقت ما اقترح عنصر آخر بديل عنه وهو عنصر السيليكون ولربما كان بإمكان الحياة أن تبنى عليه، لكننا نعلم الآن أن مثل ذلك التخمين غير ممكن إطلاقاً،  وإذا رجعنا للاقتباس من ( شيدويك ) ثانية نجد :
" نحن نعلم الآن ما يكفي لنكون واثقين من استحالة فكرة أن يحل عنصر السيليكون محل عنصر الكربون كأساس للحياة في هذا العالم " [6]

الروابط المشتركة :
تدعى الروابط الكيميائية التي يدخل فيها الكربون عندما يشكل المركبات العضوية بالروابط المشتركة،  ويقال عن تلك الروابط أنها تحدث عندما تتشارك ذرتان بإلكتروناتهما .
تشغل إلكترونات الذرة طبقات مدارية مخصصة متمركزة في مدارات حول النواة،  ويشغل المدار الأقرب للنواة إلكترونات فقط،  بينما يشغل المدار التالي بثمانية إلكترونات كحد أقصى،  أما المدار الثالث الأبعد عن النواة فيمكن أن يصل عدد إلكتروناته إلى ثمانية عشر،  ويستمر زيادة عدد الإلكترونات مع إضافة مدارات أكبر للذرة،  والمظهر العجيب لهذا المخطط هو إرادة تلك الذرات لأن تتمم عدد إلكتروناتها في طبقاتها المدارية السطحية لثمانية إلكترونات،  فمثلاً للأوكسجين في مداره الثاني الأبعد عن النواة ستة إلكترونات،  وهذا يسبب له رغبة في أن يدخل في اتحادات مع ذرات أخرى تقدم له إلكترونين من عندها يحتاجهم كي يوصل عدد إلكتروناته لثمانية .. أما لماذا تسلك الذرات هذا السلوك ؟ فهو سؤال لا جواب له ؟؟
ولكنه عمل جيد، لأنه لو لم يحدث ذلك العمل فلن تكون هناك حياة ممكنة .
تحدث الروابط المشتركة نتيجة لذلك الميل عند الذرات لتتم طبقاتها المدارية الخارجية لثمانية الكترونات،  ومثال جيد على ذلك هو جزيء الماء H2O والذي قطعة البناء هما ذرتا هيدروجين وذرة أوكسجين حيث تشكلان رابطة تشاركية في هذا المركب حيث يتمم الأوكسجين عدد إلكتروناته في مدارها الثاني لثمانية بالمشاركة بإلكترونين ( واحد لكل ذرة هيدروجين )،  وبالطريقة نفسها فإن كلاً من ذرتي الهيدروجين تقترض ألكتروناً من الأوكسجين لتتم طبقاتها الخاصة .
الكربون جيد جداً في تشكيل الروابط المشتركة مع ذرات أخرى بما فيها ذرات الكربون ذاتها،  ومن ذلك يمكن صنع عدد هائل من المركبات المختلفة وأحد أبسط تلك المركبات هي غاز الميتان،  وهو غاز شائع ومألوف ويتشكل بالترابط المشترك لأربع ذرات هيدروجين وذرة كربون واحدة فالكربون يحوي في مداره الأول إلكترونين وأربعة فقط في مداره الثاني فهو يحتاج لأربعة أخرى ليتم ذلك المدار لثمانية لهذا السبب يكفي أربعة ذرات هيدروجين لتلبي هذه الحاجة وتمم مداره الأخير .
تقول أن الكربون هو عنصر متقلب متعدد الوجوه خاصة في تشكيل الروابط مع غيره من الذرات،  وهذا التقلب يمكنه من تركيب أعداد ضخمة من المركبات المختلفة الأشكال والخواص،  ويدعى صنف المركبات التي يشكلها الكربون مع الهيدروجين حصراً بالهيدروكربون،  وهي عائلة ضخمة من المركبات تشمل الغاز الطبيعي والبترول السائل والكيروسين وزيوت التشحيم،  وتعتبر من ضمن هذه العائلة من الهيدروكربون المادتان الأثيلين والبروبلين الأساس الوطيد . الذي تنصب عليه الصناعة البتروكيميائية الحديثة،  ومن أمثلة تلك المواد البتروكيميائية التي أساسها الهيدروكربون البنزين والتولوين والتربنتين،  وتلك المواد مألوفة لأي شخص يعمل في الدهانات،  وكذلك النفتالين الذي يحمي ملابسنا من العث هو أيضاً مركب هيدروكربون آخر،  وبإضافة  الفلورين تعطي الفريون وهو الغاز الذي يستعمل بشكل واسع في التبريد.
يوجد صنف آخر من المركبات العضوية الهامة والتي تتشارك فيها العناصر التالية : الكربون والهيدروجين والأوكسجين بحيث يتشارك كل اثنين معاً بروابط مشتركة،  وفي تلك العائلة نجد الكحوليات مثل الاثانول والبروبانول والكيتونات والحموض الدسمة مع عديد وعديد من المواد الأخرى،  كما توجد مجموعة أخرى من المركبات مكونة من هذه العناصر بالذات لكنها تعطي السكاكر بما فيها الغلوكوز والفراكتوز .
وما السيللوز الذي يتركب منه هيكل الخشب والمادة الخام للورق إلا كربوهيدرات ( أي سكاكر )،  ومثله الخل وشمع العسل ( شمع النحل) وحمض الفورميك،  وكل واحد من تلك المركبات يأتي بحلة رسمية لا تصدق أن أصله مواد ومركبات تحدث طبيعياً في عالمنا وهي ليست أكثر من ترتيب مختلف للكربون والهيدروجين والأوكسجين تترابط مع بعضها بروابط مشتركة .
عندما يشكل الكربون الهيدروجين والأوكسجين والنتروجين (هذه المرة ) رابطة مشتركة فالنتيجة هي صنف آخر من الجزيئات العضوية،  تلك هي الأساس ومادة الحياة بذاتها،  تلك هي الحموض الأمينية التي تصنع البروتينات،  وما النيوكليوئيدات التي تصنع الدنا ( DNA) سوى جزيئات تشكلت من الكربون والهيدروجين والأوكسجين والنتروجين .
باختصار إن الروابط التشاركية التي تستطيع ذرة الكربون الدخول فيها هي حيوية لوجود الحياة وبقائها فذا لم يكن للهيدروجين والكربون والأوكسجين والنروجين الرغبة في التشارك الألكتروني فيما بينها فستكون الحياة غير ممكنة واقعياً .
إن الشيء الذي يجعل تشكل هذه الروابط ممكنة للكربون هي الخاصية التي يدعوها الكيميائيون بشبه الاسقرار " وهي تعني ان يكون لشيء ما ثبات ضعيف هامشي،  وقد وصف عالم الكيمياء الحيوية (ج. ب. س هالدان ) شبه الاستقرار هكذا :
" يقصد بالجزيء الشبه مستقر بأنه ذلك الجزيء الذي يستطيع أن يحرر طاقة حرة بالتحول،  لكنه مستقر بشكل كافٍ ولمدة طويلة من الزمن ما لم ينشط بالحرارة أو بالإشعاع أو بالاتحاد مع وسيط كيميائي [7]
الذي يقصده هذا التعريف الشبه تقني أن لهذا الكربون تركيباً فريداً يعود له الفضل في تسهيل دخول الكربون في روابط مشتركة تحت شروط نظامية .
وهنا يجب أن نكون أكثر دقة فالوضع بدأ يصبح جدياً ذلك بأن الكربون هو شبه مستقر إطلاقاً عندما ترتفع درجة الحرارة لأعلى من (100س ) .
هذه الحقيقة اعتيادية ومألوفة في حياتنا اليومية بحيث أن معظمنا يأخذ ذلك كمسلمة فمثلاً عندما نطبخ اللحم فالذي نفعله حقيقة هو أننا نغير تركيب مركباته الكربونية لكن توجد نقطة هامة يجب أن نلاحظها وهي أن اللحم المطبوخ صار ميتاً تماماً وهذا يعني أن تركيبه الكيميائي صار يختلف عما كان عليه عندما كان جزءاً من العضوية الحية،  لأنه من المعروف أن معظم المركبات الكربونية تصبح فاسدة عند درجات حرارة فوق (100س ) ومعظم الفيتامينات مثلاً تتفكك عند تلك الدرجة من الحرارة،  وكذلك يتغير تركيب السكر ويفقد بعضاً من قيمته الغذائية ومن حوالي الدرجة (150س) تبدأ المركبات الكربونية في الاحتراق .
وبكلمة أخرى إذا كان على ذرات الكربون أن تدخل في روابط مشتركة مع ذرات أخرى وإذا أريد للمركبات الناتجة أن تبقى مستقرة فيجب ألا ترتفع درجة الحرارة المكتنفة فيها عن ( 100س ) .
وأن أخفض حدود لدرجة الحرارة يجب أن تكون حول درجة الصفر مائوية،  فإذا هبطت درجة الحرارة كثيراً جداً تحت تلك الدرجة فإن النشاط الحيوي العضوي سوف لن يكون ممكناً .
أما في حالة مركبات أخرى فهذه الحالة ليست عامة،  فمعظم المركبات اللاعضوية هي مركبات ليست شبه مستقرة،  أي أن استقرارها لا تتأثر كثيراً بتغيرات درجة الحرارة،  ولنفهم ذلك دعنا نجري التجربة التالية :
لنثبت قطعة من اللحم على طرف قطعة معدن رقيقة وطويلة مثل الحديد ولنسخن الاثنين معاً على النار،  فكلما ازدادت درجة الحرارة سخونة أصبح لون اللحم قاتماً ثم لا يلبث أن يحترق أخيراً وقبل أن يحدث أي شيء للمعدن بزمن طويل . والشيء نفسه سيحدث حقيقة إذا استخدمت الحجر أو الزجاج مع المعدن،  لكنك يجب أن ترفع درجة الحرارة عدة مئات من الدرجات قبل أن يبدأ تركيبها في التغير .
لابد أنك راقبت التشابه بين مجال درجة الحرارة اللازم لكي تتكون مركبات الكربون ذات الرابطة المشتركة وبقائها مستقرة والمجال لدرجات الحرارة السائدة في كوكبنا،  وكما قلنا في مكان من هذا الكتاب أن مجال درجات الحرارة في كل الكون يتراوح بين ملايين الدرجات في أعماق النجوم إلى الصفر المطلق لكن الأرض التي خلقت للبشرية كي تحيا فيها هي الوحيدة التي تملك مجال درجات حرارة ضيق وهو ضروري لتشكل المركبات الكربونية والتي هي القطع البناءة للحياة .
لكن الصدفة العجيبة لا تنتهي هنا،  وهذا المجال لدرجة الحرارة هو الوحيد الذي يبقى فيه الماء سائلاً،  وكما رأينا في فصل سابق أن الماء هو أحد المتطلبات الأساسية للحياة ولكي يبقى سائلاً فإنه يتطلب بالضبط درجات حرارة مركبات الكربون نفسه اللازمة لتشكلها واستقرارها،  ولا يوجد قانون فيزيائي ولا طبيعي بإمكانه أن يأمر بذلك فيكون وتحت الظروف السائدة،  وهذه الحالة هي دليل على أن الخواص الفيزيائية للماء والكربون وكذلك الشروط على كوكب الأرض خلقت جميعاً بهذه الطريقة لتتناسق وتتوافق مع بعضها البعض .

الروابط الضعيفة :
ليست الروابط المشتركة هي النموذج الوحيد للترابط الكيميائي الذي يحفظ مركبات الحياة مستقرة،  لكنه يوجد صنف آخر مختلف من الروابط يدعى بالروابط الضعيفة ومثل تلك الروابط هي أضعف بحوالي عشرين مرة من الروابط المشتركة ومن هنا أتى اسمها ومع ذلك فهي ليست أقل صرامة وحدية في عمليات الكيمياء العضوية،  فبفضل هذه الروابط الضعيفة تتمكن  البروتينات التي تصنع القطع البناءة لكل ذي حياة من أن تحافظ على تركيبها المعقد النشط الثلاثي الأبعاد .
لتفسير ذلك يجب أن نتناول باختصار تركيب البروتينات،  فالبروتينات عادة تكون بشكل سلسلة من أحماض أمينية،  وكلمة سلسلة هنا هي استعارة مجازية صحيحة أساساً لكنها ليست تامة،  وعدم كمالها سببه أن معظم الناس تثير في عقولهم عبارة سلسلة الأحماض الأمينية التي تصنع البروتينات تركيباً ثلاثي الأبعاد وأكثر شبهاً بشجرة ذات فروع مورقة .
فالروابط المشتركة هي التي تضم ذرات الأحماض الأمينية معاً،  بينما الروابط الضعيفة هي التي تحفظ التركيب الثلاثي الأبعاد الأساسي لتلك الأحماض،  ولا يمكن للبروتين أن يبقى موجوداً بدون تلك الروابط الضعيفة وطبعاً بدون البروتينات لا توجد حياة .
الجزء الممتع الآن في هذا العمل هو أن مجال درجة الحرارة والتي تتمكن فيه الروابط الضعيفة هي التي تحفظ التركيب الثلاثي الأبعاد الأساسي لتلك الأحماض،  ولا يمكن للبروتين أن يبقى موجوداً بدون تلك الروابط الضعيفة وطبعاً بدون البروتينات لا توجد الحياة .
الجزء الممتع الآن في هذا العمل هو أن مجال درجة الحرارة والتي تتمكن فيه الروابط الضعيفة من ممارسة وظيفتها هو ذاته المجال السائد على الأرض ويبدوا ذلك غريباً بسبب أن الطبيعة الفيزيائية والكيميائية للروابط المشتركة قبالة الرابط الضعيفة هي أشياء مختلفة كلياً كما أن كلاً منها مستقل عن الآخر .
وبكلمة أخرى لا يوجد سبب جوهري يدعو لأن يتطلب كلاهما مجال درجة الحرارة نفسه ومع ذلك فهي تفعل ذلك بحيث يستطيع كل من نموذجي الروابط أن يتشكل ويحافظ على الاستقرار ضمن هذا المجال الضيق من درجة الحرارة،  وإذا هما لم يفعلا ذلك أي إذا تطلبت الروابط المشتركة مجال درجات حرارة يختلف بشكل واسع عن ذلك الذي للروابط الضعيفة عندئذ سيكون من المستحيل بناء التركيبات الثلاثية الأبعاد للبروتينات المطلوبة .
يشير كل شيء رأيناه ويتعلق بالخواص الكيميائية غير العادية لذرة الكربون إلى وجود تلاؤم وتناسق ضخم بين هذا العنصر الذي تعتبر القطعة البناءة الأساسية للحياة والماء الذي هو حيوي أيضاً للحياة،  وكذلك الأرض باعتبارها ملاذ الحياة ومأوى لها،  ويؤكد كتاب ( قدرة الطبيعة ) لمؤلفه ( ميشيل دينتون ) هذا التلاؤم بقوله :
" من ضمن المجال الضخم لدرجة الحرارة في الكون يوجد فقط نطاق حرارة ضغير جداً يكون فيه (1) الماء سائلاً . (2) المركبات العضوية الشبه مستقرة وافرة بكثير . (3) روابط ضعيفة لاستقرارية الجزيئات المعقدة ثلاثية الأبعاد "[8].
من بين جميع الأجرام السماوية التي رصد ي أي وقت فإن ذلك النطاق الصغير جداً من درجات الحرارة موجود فقط على الأرض،  وبالإضافة إلى ذلك يوجد عليها قطعتان أساسيتان في بناء الحياة وهما الكربون والماء،  والأرض مصدر كريم لهذين المكونين .
كل ذلك يشير إلى أن ذرة الكربون وخواصها غير العادية تم تصميمها خصيصاً للحياة،  وأن كوكبنا خلق خصيصاً ليكون بيتاً لأشكال الحياة أساسية الكربون .

التصميم في الأوكسجين :
رأينا كيف أن الكربون هو القطعة البناءة الأعظم أهمية للعضوية الحية،  كما رأينا كيف أنه صمم خصيصاً ليلبي تلك الوظيفة . ولكن على كل حال فإن بقاء كل أشكال الحياة ذات الأساسي الكربوني مشروط ومنوط بالحاجة الثانية لها وهي الطاقة . فالطاقة هي متطلب لا مفر منه للحياة .
تأخذ النباتات الخضراء طاقتها من الشمس من خلال عملية التركيب الضوئي،  لكن من أجل بقية الكائنات الحية التي تسكن الأرض بما فيها نحن فالمصدر الوحيد للطاقة هو عملية التأكسد،  وكلمة تأكسد هي الكلمة الفنية لكلمة الاحتراق،  ومصدر طاقة العضويات التي تتنفس الأوكسجين هو من إحتراق الغذاء النباتي والحيواني الذي تتناوله تلك الكائنات الحية .
وحسبما يتراءى لك فإن الأكسدة أي الاحتراق هي تفاعل كيميائي تتأكسد فيه المواد،  أي يحدث لها اتحاد بالأكسجين،  وهذا هو السبب في كون الأوكسجين هاماً حيوياً للحياة مثل الكربون والهيدروجين . والصيغة العامة للاحتراق ( الأكسدة ) تبدو كما يلي :
المركب الكربوني + أوكسجين ماء غاز الكربون + طاقة
وما يعنيه ذاك هو أنه عندما تتحد مركبات الكربون والأوكسجين معاً (في شروط مناسبة طبعاً ) يحدث لها تفاعل ويتولد ماء غاز الكربون وتتحرر كمية لا بأس بها من الطاقة،  ويحدث هذا التفاعل بسهولة في مركبات الهيدروكربون،  وما احتراق الغلوكوز ( وهو أيضاً هيدروكربون ) في جسمك بانتظام إلا ليبقيه مغذى بالطاقة .
وتعتبر عناصر الهيدروجين والكربون التي تتركب منها الهيدروكربون من أعظم العناصر سريعة التأكسد وكذلك اتحاد الهيدروجين بالأوكسجين يعتبر من التفاعلات الأكثر سهولة ويرافقها انتشار طاقة عظيمة،  فإذا احتجت وقوداً لتحرقه بالأوكسجين فلن تجد أفضل من الهيدروجين ليفعل ذلك،  ومن وجهة نظر الطاقة يأتي الكربون في الدرجة الثالثة بعد الهيدروجين والبورون،  ويعلق (لورنس هندرسون ) في كتابه ( التلاؤم في البيئة )(The Fitness of the environment) على التلاؤم الأكثر من عادي بما يلي :
" التغيرات الكيميائية الحقيقية والتي تبدو لأسباب عديدة أخرى أنها أنسب تلاؤماً مع العمليات الفيزيائية هي التي تحول الطاقة إلى مجرى الحياة" [9].

التصميم في النار( لماذا لا نشتعل فجأة ؟) :
من خلال ماسبق نجد أن التفاعل الأساسي الذي يحرر،  طاقة ضرورية لبقاء العضويات الحية هو عملية تأكسد مواد هيدروكربونية،  ولكن تلك الحقيقة البسيطة تثير سؤالاً مربكاً وهو إذا كانت أجسامنا مكونة من مواد هيدروكربونية فلماذا لا نتأكسد نحن ؟ أو بصيغة أخرى لماذا لا نشتعل مثل الثقاب عندما يقدح ؟ وأجسامنا على تماس مستمر بالأكسجين الجوي،  ومع ذلك فهي لا تتأكسد ولا تنطلق فيها النيران ؟ فلم لا ؟
السبب في هذا التناقض الظاهري هو أن لجزيء الأوكسجين تحت الشروط النظامية من الضغط والحرارة درجة عالية من الخمولية،  وما يقصده الكيميائيون بكلمة النبالة هو عدم قدرة مادة على الدخول في تفاعلات كيميائية مع مواد أخرى،  لكن يبرز هنا سؤال آخر وهو إذا كان الأكسجين على هذا القدر من النبالة بحيث يجنبنا الاحتراق وتحويلنا إلى رماد،  فكيف يمكن لهذا الجزئ ذاته أن يقوم بالدخول في تفاعلات كيميائية داخل أجسامنا ؟
والجواب على هذا السؤال حير الكيميائيين منذ بدايات منتصف القرن التاسع عشر ولم يتم الوصول إليه إلا في النصف الثاني من القرن العشرين،  وتم ذلك عندما اكتشف باحثون في الكيمياء الحيوية وجود الأنزيمات في الجسم البشري،  واكتشفوا أن الوظيفة الوحيدة لهذه الأنزيمات هي مواجهة الأوكسجين وإدخاله في تفاعلات كيميائية وكنتيجة لسلسلة من الخطوات المعقدة تستخدم تلك الأنزيمات ذرات الحديد والنحاس في أجسامنا كوسطاء،  والوسيط هو مادة تسهل التفاعل الكيميائي وتسمح له بأن يتقدم ويتطور تحت شروط مختلفة ( مثل درجة الحرارة الأخفض .. الخ ) فهو مثلاً يهدأ من عنف التفاعل الكيميائي ويجعله ممكناً .[10]
بكلمة أخرى يوجد هنا وضع ممتع جداً،  وهو أن الأوكسجين الذي يدعم التأكسد والاحتراق بشكل طبيعي،  فيتوقع الإنسان أن ذلك العنصر سوف يحرقه،  لكنه من ناحية أخرى،  فهو خامل كيميائياً ولا يدخل في التفاعلات بسهولة،  ومع ذلك فأجسامنا تعتمد على خلاصة التأكسد بالأكسجين للحصول على الطاقة اللازمة،  لهذا فإن خلايانا تلاءمت مع نظام الأنزيم المعقد بشدة وحولت ذلك الغاز النبيل الخامل إلى غاز فعّال نشط تماماً .
وطالما أننا بصدد هذا الموضوع فيجب أن نشير إلى أن نظام الأنزيم هذا هو مثال رائع للتصميم المقصود والتلاؤم الجيد بحيث لا تستطيع أية نظرية ثورية أن تتحمل مسؤولية التصريح بأن الحياة تطورت نتيجة الصدفة،  رغم أنها تأمل تفسير ذلك.
ما زال يوجد هنا احتياط آخر يحفظ أجسامنا من الاحتراق،  وهذا ما دعاه الكيميائي البريطاني ( نيغيل شيدويك ) بـ (ميزة الخمولية للكربون )[11].
 وهذا يعني أن الكربون ليست مستعجلاً جداً للدخول في تفاعل مع الأوكسجين تحت ضغوط عادية ودرجات حرارة نظامية،  وقد يبدو ذلك كأنه سر أو لغز لكن في الحقيقة إن ما قيل هنا أي شخص يعرفه،  فلطالما أشعل الإنسان مدفأة أو موقداً وقوده الحطب من جذوع الأشجار،  ولكي لا تسمح للنار بالاشتعال يجب أن تأخذ حذرك وتطبق إجراءات أولية كأن تبعد القادح للنار عن المواد القابلة للاشتعال،  أو أن تمنع الارتفاع المفاجئ لدرجة حرارة الوقود ووصولها لدرجة عالية جداً ( كما يحدث عند استعمال وابور لحام المعادن ) . لكن فور بداية احتراق الوقود فالكربون يدخل في تفاعل مع الأوكسجين بسرعة فجائية تماماً وتتحرر كمية كبيرة من الطاقة لهذا كان من الصعب جعل النار تبدأ بدون منبع آخر للحرارة،  وبعد بداية الاحتراق وتحرر مقدار كبير من الحرارة،  فإنها تسبب للمركبات الكربونية الأخرى المجاورة لأن تمسك بالنار جيداً مما يجعلها تنتشر .
عندما نتمعن في هذا الأمر بدقة كبيرة،  فإننا نرى أن النار ذاتها هي مثال رائع على التصميم والتخطيط الرائعين،  وأن الخواص الكيميائية للأوكسجين والكربون قد تم ترتيبها بحيث يدخل هذان العنصران في تفاعل احتراق حالما يتوفر لهما كمية كبيرة من الحرارة يقدمه لهما قادح ناري مناسب،  والاحتراق عملية مفيدة كثيراً،  لأنه إذا لم تكن تلك الحالة قائمة فإن الحياة على هذا الكوكب ستكون غير مقبولة إن لم تكن غير ممكنة .
لنفرض أنه كان للأوكسجين والكربون رغبة أو ميل ضعيف لأن يتفاعل أحدهما مع الآخر عندئذ يصبح الاحتراق الذاتي او الاشتعال الذاتي للأشجار أو الناس والحيوانات من الحوادث المألوفة كلما صار الجور أدفأ قليلاً عما هو عليه،  وربما يحترق الشخص الذي يسير في الصحراء فجأة عند الظهيرة وعندما تكون الحرارة في شدتها العظمى،  وقد تتعرض النباتات والحيوانات للخطر نفسه في مثل تلك الحالات،  وحتى لو كانت الحياة موجودة في ذلك العالم فبالتأكيد لن تكون تلك سعيدة أبداً .
أما إذا كان هذان العنصران ( الكربون والأوكسجين ) أكثر نبلاً وبالتالي أقل نشاطاً تفاعلياً مما هم عليه،  فسيكون هناك صعوبة وربما استحالة حقيقية في إضرام النار في ذلك العالم . ومن المعلوم أنه بدون النار فلن نكون قادرين على حفظ أنفسنا دافئين ومن المحتمل عندئذ أنه لن يكون هناك تقدم تقني على كوكبنا،  فذلك التقدم يعتمد على القدرة في تصنيع المواد ومنها المعدنية وطبعاً بدون الحرارة الموقدة من النار فلن تكون هناك إمكانية لتنقية المعادن أو تصنيعها .
كل ذلك يشير إلى أن الخواص الكيميائية للكربون والأوكسجين قد تم ترتيبها ليكونا في حالة تلاؤم أعظمي مع حاجات الجنس البشري،  وبالتركيز على تلك النقطة يقول ( ميشيل دينتون ) ما يلي :
" هذه اللاتفاعلية العجيبة لذات الكربون والأوكسجين عند درجات الحرارة المحيطة تسبب لهما عند لهما عند إنجاز اتحاد بينهما أن تتأصل في بنية المادة الناتجة طاقات كبيرة،  وتلك الطاقات على قدر كبير من التكيف المجدي على الأرض،  كما مكّن هذا التفاعل العجيب أشكال الحياة المتقدمة من استخدام الطاقات الواسعة للتأكسد بأسلوب منظم ومنضبط ومكّن الجنس البشري من أن يستعمل النار بشكل منضبط وسخر طاقات الاحتراق الضخمة لصالح التطور التكنولوجي " [12]
وبكلمة أخرى فقد خُلق كل من الكربون والأوكسجين يخواص هي الأكثر ملاءمة لحياة الإنسان،  وتسمح لنا تلك الخواص بأن نستعمل النار بأكثر الطرق راحة وفائدة،  والأكثر من ذلك فإن العالم مملوء بمصادر الكربون ( كالأخشاب ) التي تلائم الاحتراق ، وطبعاً كل ذلك يوضح أن النار والمواد اللازمة لها خلقت خصيصاً لتلائم حياة الإنسان وفي ذلك إشارة في القرآن للجسن البشري نحو هذه الظاهرة .. قال تعالى ( الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً ..
الانحلالية المثالية للأوكسجين :
يعتمد استعمال الأوكسجين من قبل الجسم بشدة على خاصة هذا الغاز في انحلاله بالماء،  فالأوكسجين الذي يدخل رئتينا اثناء استنشاق الهواء ينحل فوراً في الدم،  ويدعى البروتين الذي يأسر جزيئات الأوكسجين ويحملها لخلايا أخرى من الجسم بالهيموغلوبين . ويوجد في تلك الخلايا نظام أنزيم خاص يعود له الفضل في استعمال الأوكسجين في أكسدة مركبات الكربون وتحرير طاقاتها،  ويدعى ذلك الأنزيم بـ (ATP) كل العضويات المعقدة تستخلص طاقاتها بهذه الطريقة،  وعمل هذا النظام يعتمد خصيصاً على انحلالية الأوكسجين،  فإذا كان الأوكسجين غير منحل بشكل كافٍ فلن يدخل ما يكفي منه في مجرى الدم ولن تتمكن الخلايا من توليد الطاقة اللازمة لها،  ومن ناحية أخرى إذا كان الأوكسجين شديد الانحلال فسوف يكون هناك زيادة منه في الدم،  مسبباً ذلك ما يعرف باسم سمية الأوكسجين .
والفرق في الانحلالية في الماء للغازات المختلفة تتغير بعامل مقداره  مليون مرة من أقل الغازات انحلالية،  وبالتالي لا يمكن أن يوجد غازات لها انحلالية متماثلة،  وعلى سبيل المثال فإن انحلالية غاز الكربون في الماء هي أكثر بعشرين مرة من انحلالية غاز الأوكسجين،  ومن ضمن هذا المجال الواسع للانحلاليات الكامنة لمختلف الغازات هي تلك التي يمتلكها الأوكسجين فهي بالضبط ما يلزم ويتلاؤم مع حياة الإنسان .
ما الذي يحدث إذا كانت نسبة انحلالية الماء للأوكسجين مختلفة أي إذا كانت أكثر بقليل أو أقل بقليل عما هي عليه،  ولنأخذ مثالاً على الحالة الأولى . فإذا كان الأوكسجين أقل انحلالية في الماء ( وكذلك في الدم) فسيدخل مجرى الدم كمية أوكسجين أقل وستكون خلايا الجسم جائعة للأوكسجين مما يجعل الحياة أكثر صعوبة للعضويات ذات النشاط الأيضي مثل الكائنات البشرية،  ولا يهم كم هي المشقة التي بذلتها أنت أثناء التنفس وسف تواجه بانتظام خطر الاختناق بسبب عدم كفاية الأوكسجين الواصل إلى خلايا جسمك .
ومن ناحية أخرى إذا كانت انحلالية الماء للأوكسجين أعلى من ذلك فإنك تتحدى وتجابه تهديد السمية الأوكسجينية والتي ذكرناها منذ قليل . حيث يصبح الأوكسجين مادة خطرة،  فإذا حصلت عضوية على كثير منه فالنتيجة مميتة لها،  قد يدخل بعض الأوكسجين في الدم في تفاعلات كيميائية مع ماء الدم ذاته . فإذا صارت كمية الأوكسجين المنحلة عالية يمارس النظام المعقد للأنزيمات وظيفته في الدم ويمنع حدوث ذلك،  لكن إذا أصبحت كمية الأوكسجين المنحلة عالية جداً عندئذ لا تستطيع الأنزيمات ان تمارس عملها،  ونتيجة لذلك فإن كل نفسٍ سنأخذه سوف يسممنا شيئاً فشيئاً ويقودنا ذلك إلى الموت سريعاً،  ولقد علق (إيرين فريدوفيتش ) على ذلك بقوله :
" كل العضويات التي تتنفس واقعة في فخ قاسٍ،  فالأوكسجين بالذات الذي يدعم حياتهم هو سام لهم،  ويبقون أحياء مع وجود الشك،  والفضل في بقائهم أحياء هي آليات دفاع متقنة "[13]
إن ما ينقذنا من هذا الفخ ( وهو التسمم بزيادة الأوكسجين الكثير وتعرضنا للاختناق في حال نقصانه ) هو حقيقة التصميم الدقيقة بين نظام انحلالية الأوكسجين ونظام الأنزيم المعقد في الجسم ) . بحيث خُلق هذا الترتيب ليكون كما يريد هذان النظامان،  فالله سبحانه وتعالى لم يخلق الهواء لكي نتنفسه فقط لكنه خلق أيضاً أنظمة تجعلنا نستعمل هذا الهواء بتوافق تام بين هذين النظامين .

العناصر الأخرى :
طبعاً ليس الكربون والأوكسجين هما العنصران الوحيدان اللذان تم تصميمها بدقة لجعل الحياة ممكنة،  بل هناك عناصر أخرى كالهيدروجين والنتروجين اللذين يشكلان الجزء الأكبر من أجسام كل ذي حياة،  لهما أيضاً مساهماتهما في جعل الحياة ممكنة،  وفي الحقيقة يبدو أن كل عنصر موجود في الجدول الدوري له دور في الوظائف الداعمة للحياة .
يوجد في الجدول الدوري اثنان وتسعون عنصراً تتراوح ما بين الهيدروجين الأخف وزناً على الإطلاق إلى اليورانيوم أثقلها جميعاً،  وطبعاً توجد عناصر أخرى بعد اليورانيوم لكنها لا تتشكل طبيعياً بل يتم توليدها تحت شروط مخبرية،  ليس فيها عنصر مستقر،  ومن الاثنين والتسعين عنصراً يوجد خمس وعشرون منها ضرورية مباشرة للحياة،  ومن بينها أحد عشر عنصراً تشكل 99% من وزن الإنسان وأيضاً للكائنات الحية الأخرى،  وتلك العناصر هي :
(الهيدروجين،  الكربون ـ الأوكسجين ـ الصوديوم ـ المنغنزيوم ـ الفوسفات ـ الكبريت ـ الكلور ـ البوتاسيوم ـ الكالسيوم ) .
أما الأربعة عشر عنصراً الأخرى فهي موجودة في العضويات الحية بكميات صغيرة جداً،  ومع ذلك لها وظائفها الهامة حيوياً وهؤلاء هم :
(الفناديوم ـ الكروم ـ المنغنزيوم ـ الحديد ـ الكوبالات ـ النيكل ـ النحاس ـ التوتياء ـ الموليبدوم ـ البورون ـ السيليكون ـ الفلور ـ اليود ).
كما وجد في بعض العضويات الحية ثلاثة عناصر هي :
( الآسينيك،  القصدير،  التنغستن )
حيث تقوم هذه العناصر الأخيرة بوظائف لم تفهم بعد،  ولقد ثبت وجود ثلاثة عناصر أخرى ( البروم ـ السترونسيوم ـ الباريوم ) في معظم العضويات الحية لكن وظائفها ما زالت غامضة . [14]
يشير هذا الطيف الواسع المتضمن ذرات كل السلاسل المختلفة في الجدول الدوري والتي رتبت عناصره طبعاً لصفحات ذراتها إلى أن كل مجموعات العناصر في الجدول الدوري والتي رتبت عناصره طبعاً لصفحات ذراتها إلى أن كل مجموعات العناصر في الجدول الدوري ضرورية بطريقة أو بأخرى لكي تكون الحياة ممكنة،  وقد علق ذلك الكاتبان ( ج ج فراستودي سيلفا . رج ب وليامز ) في كتابهما ( الكيمياء الحيوية والعناصر ) ( The Biological chemistry of the elements) بما يلي :
" يبدو أن العناصر الحيوية قد تم اختيارها عملياً من كل المجموعات،  والمجموعات الجزئية في الجدول الدوري ... وهذا يعني عملياً أن كل أنواع الخواص الكيميائية مرتبطة بعمليات الحياة وضمن حدود مفروضة من تقييدات البيئة " [15]
حتى العناصر الثقيلة والنشطة إشعاعياً والتي وردت في نهاية الجدول الدوري قد سخرت هي أيضاً لخدمة حياة الإنسان،  ويصف ( ميشيل دينتون ) بالتفصيل في كتابه ( قدر الطبيعة ) الدور الأساسي لتلك العناصر النشطة إشعاعياً مثل اليورانيوم الذي لعب دوراً أساسياً في تشكل التراكيب الجيولوجي للأرض،  أن للنشاط الإشعاعي الذي لعب دوراً أساسياً في تشكل التراكيب الجيولوجي للأرض،  أن للنشاط الإشعاعي الذي لعب دوراً أساسياً في تشكل التراكيب الجيولوجية للأرض،  أن للنشاط الإشعاعي الذي يحدث طبيعياً في بعض العناصر ارتباط وثيق بحقيقة قدرة لب الأرض على الاحتفاظ بحرارته،  وتلك الحرارة هي التي تبقى محتوياته من الحديد والنيكل في  حالة سائلة،  وأن ذلك اللب السائل هو مصدر الحقل المغناطيسي الأرضي والذي كنا رأينا سابقاً أنه يحمي كوكبنا من الإشعاع الخطر والجسيمات الآتية من الفضاء وكذلك له وظائف أخرى لا تقل أهمية عن ذلك .
حتى الغازات الخاملة والعناصر مثل المعادن الترابية النادرة يبدو أنه لا أحد من هذه العناصر يتدخل في دعم الحياة،  لكنها ظاهرياً موجودة بسبب الحاجة لتأمين ذلك المجال من العناصر التي تحدث إشعاعاً طبيعياً قد يمتد ذلك المجال لأبعد من اليورانيوم في الجدول الدوري 100
باختصار : إن كل العناصر الموجودة لها دور وظيفي محدد لخدمة حياة الإنسان،  ولا يوجد من تلك العناصر ما يمثل زيادة أولا هدف منه،  وهذه الحالة هي أقصى دليل على أن الله هو الذي خلق الكون وسخره للإنسان .
استنتاج :
كل خاصة كيميائية أو فيزيائية في هذا الكون أمكننا فحصها أتت في مكانها المناسب ودورها الصحيح بالضبط،  كما أتت طبقاً  لما تحتاجه مساهمتها في نظام الحياة لتحافظ عليها،  ومع كل تلك الدراسة في هذا الكتاب فإننا لم نخط على سطح الدليل الشامل للحقيقة سوى خدش بسيط منها،  ومهما تعمق الإنسان في التنقيب عن معلومات وتفاصيل،  ومهما توسع بالبحث فستبقى تلك النظرة العامة التي ذكرناها حقيقة،  ففي كل تفصيل لدقيقة من دقائق هذا الكون يوجد هدف يخدم حياة الإنسان،  وكل جزء دقيق مهما كان صغيراً في هذا الكون صمم ليكون كاملاً ومتوازناً ومتناسقاً ومضبوطاً لإنجاز الهدف من وجوده .
بالتأكيد هذا برهان على وجود خالق أسمى،  وهذا الخالق هو الذي أتى بهذا الكون وأظهره في هذا الوجود لهذا الغرض،  فكل مادة نفحص خواصها نرى فيها معلومات لا نهاية ولا حدود لها،  وتبدو فيها حكمة الله وقدرته،  فالله خلقها من العدم فأتى كل شيء ينحني لإرادته تعالى،  وهذا هو السبب في أن كل شيء وأي شيء في الكون يتناسق مع كل شيء آخر فيه .
هذا هو الاستنتاج الذي توصل إليه أخيراً علم القرن العشرين،  وما ذاك إلا كشف لحقيقة بينها الله للإنسان في القرآن قبل أربعة عشر قرناً مضى،  وقد خلق الله كل جزء في هذا الكون ووضع كمال خلقه في الآية التالية : قال تعالى (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الملك:1) .
المصدر : كتاب خلق الكون من العدم   هارون يحيى .

0 التعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة الموضوع

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More