التسميات

الموسيقى الصامتة

Our sponsors

‏إظهار الرسائل ذات التسميات آيات عضمة الله في الكائنات الحية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات آيات عضمة الله في الكائنات الحية. إظهار كافة الرسائل

24‏/11‏/2014

الاحتكام إلى العقل

الاحتكام إلى العقل
 قال تعالى (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا    مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (البقرة:164) 
 يقول كارل شتيرن : (جامعة مونتريال )  وهو عالم نفس[1].
"الاعتقاد بأن كوننا المدهش تطور بصدفة عمياء هو جنون، ولا أقصد بكلمة جنون
معناها العامي بل الأغلب هو المعنى التقني المستخدم في التحليل النفسي .
وفي الحقيقة فإن مثل ذلك الاعتقاد مصحوب بمظاهر التفكير الفصامي ".
إن " مبدأ الأنتروبي " أي العشوائية والذي يقول" بأن جميع  الأنظمة في الكون إذا تركت للظروف الطبيعية فإنها مع الزمن سوف تدخل في حالة من الفوضى وعدم الانتظام ."
هذا القانون كسب قبولاً واسعاً في دنيا العلم، وكما أشرنا عندئذ فإن ذلك المبدأ يقتضي بأن يكون خليطاً من المادة المشوشة عشوائياً، وكان ذلك على النقيض في أن الكون أتى من تصميم دقيق متأن كي يخدم الإنسان ويكون مأوى له .
 فالدليل الموضح أن مبدأ الأنتروبية هو صحيح حقيقة حيث يمتد مجال هذا الدليل من السرعة التي كان يتطور بها الكون منذ الانفجار العظيم إلى التوازنات الفيزيائية للذرات، أي من الشدة النسبية للقوى الأربع الأساسية إلى كيمياء النجوم، ومن الأسرار الغامضة لأبعاد الفضاء إلى نموذج النظام الشمسي في نسقه وطريقة ترتيبه، ونحن أينما نظرنا وجدنا أن ترتيباً غير عادي يكمن في تركيب الكون، كما رأينا التركيبية والتوسعية للكون الذي نعيش فيه وكيف ضبطتا بما فيها جوه كي نحيا فيه، وشاهدنا كيف يردنا الضوء من الشمس والماء الذي نشربه والذرات التي تصنع أجسامنا وكذلك الهواء الذي نستنشقه وندخله لرئتينا، وكل هذا يتلاءم بدرجة مذهلة مع الحياة .
باختصار عندما نرى أن أي شيء في الكون فمعنى ذلك أننا نواجه تصميماً غير عادي غرضه تعزيز حياة الإنسان ودعمها، وأن إنكار حقيقة هذا التصميم يكون تجاوزاً وارتداداً عن حدود العقل كما صرح بذلك العالم النفسي (كارل شتيرن ) .
إن مضامين هذا التصميم واضحة جداً، ومع ذلك يختفي هذا التصميم ويحتجب داخل ك لجزء من أجزاء هذا الكون مهما كان دقيقاً، كما أن قدرته وحكمته لا نهائيتان، وكما وضحت نظرية الانفجار العظيم أن هذا الخالق خلق الكون كله من العدم، وهذا الاستنتاج الذي توصل له العلم الحديث هو حقيقة نقلها لنا القرآن ووضحها :
قال تعالى (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (لأعراف:54) .
 دون مفاجأة يتضح أن اكتشاف هذه الحقيقة من قبل العلم أزعج تماماً بعض العلماء ومازال يفعل ذلك، وهؤلاء العلماء هو الذين يوازنون بين العلم والمادية، وهم أناس اقتنعوا أن العلم والدين لا يمكن أن يسيرا معاً، ومعنى أن تكون علمياً فهذا مرادف من وجهة نظرهم لأن تكون ملحداً، فهم تدربوا على الاعتقاد أن الكون وكل الحياة فيها يمكن تفسيره كنتيجة أو محصلة لحوادث تقع بالصدفة، وأنها مجرد كلياً عن أية نية أو قصد في التصميم أوالتخطيط، و عندما يواجه مثل هؤلاء بالحقيقة الواضحة للخلق فيكون ارتباكهم ورعبهم أمراً طبيعياً متوقعاً .
ولكي نفهم ذعر الماديين يجب أن نلقي نظرة مختصرة على مسألة أصل الحياة .

أصل الحياة :
الذي تستطيع قوله في مسألة أصل الحياة هو أن نطرح السؤال التالي :
 كيف أتت أول الكائنات التي وجدت على الأرض؟
 لقد كان هذا السؤال أحد أكبر المعضلات الشائكة التي واجهت الماديين في القرن الأخير إلى غاية منتصف القرن العشرين .. لماذا يجب أن يكون الأمر هكذا . السبب هو أن الخلية الحية الواحدة والتي تعتبر أصغر وحدة للحياة على درجة من التعقيد لا يمكن مقارنتها بأعظم الإنجازات البشرية وأكثرها تعقيداً، وقد أوضحت قوانين الاحتمال تلك الحالة وبينت أنه حتى ولا البروتين يمكن أن يكون قد أتى إلى الوجود بالصدفة، وإذا كان يصح هذا بشأن البروتينات وهي القطع البناءة الأكثر للخلايا، فإن التشكل الكامل للخلية بالصدفة هو أمر مستحيل تماماً ولا يمكن أن يخطر على بال . وطبعاً هذا برهان على الخلق .
لقد ناقشنا هذا الموضوع بشيء من التفصيل في كتبنا الأخرى لذلك سنقدم هنا بعض الأمثلة البسيطة .
بيّنا في بداية هذا الكتاب كيف أن التشكل بالصدفة للتوازنات التي سادت الكون ليست ممكنة، وسوف نبين الآن أن الاستحالة تصح أيضاً بشأن التشكل بالصدفة حتى في أبسط أشكال الحياة وهي البكتريا .
إن أول دراسة على  هذا الموضوع قام بها (روبيرت شابيرو) أستاذ الكيمياء والخبير في موضوع الدنا (DNA) في جامعة نيويورك، و(شابيرو) وهو دارويني وتطوري في آن واحد وقد حسب الاحتمال لألفين من نماذج البروتينات والتي تأخذ تلك البروتينات لتشكل حتى بكتيريا بسيطة واحدة، وذلك بفرض أنها أتت كلها بالصدفة، ويجب أن نذكر هنا أن جسم الإنسان يحتوي على حوالي مئتي ألف نموذج منها، وطبقاً لحسابات (شابيرو)كان الاحتمال هو (10 40000)[2].
أي العدد واحد متبوعاً بأربعين ألفاً من الأصفار، وطبعاً لا يوجد لهذا الاحتمال أو الرقم مكافئ في هذا الكون .
وبالتأكيد يبدو واضحاً ماذا يعني رقم (شابيرو) . فتفسير الدراوينية والمادية للحياة أنها تطورت بالصدفة باطل بالتأكيد ولا أساس له من الصحة، وقد علق (شاندرا ويكرامانسيغ ) أستاذ الراياضيات التطبيقية والفلك في جامعة كاردف على نتائج ( شابيرو) وقال :
" احتمال التشكل التلقائي للحياة من مادة ميتة هو واحد إلى عدد (10 40000) وأصفار بعدها، فهذا الرقم كبير بشكل يكفي لدفن الداروينية وكل نظرية التطور وبالتالي لم يكن هناك سائل بدائي لا على هذا الكوكب ولا على غيره، وإذا كانت بدايات الحياة ليست عشوائية فمعنى ذلك أنها نتاج عقل ذكي هادف " [3]
ولقد علق الفلكي (فريد هويل ) على هذه النقطة بطريقة مماثلة لشابيرو فقال : " في الحقيقة كيف لنظرية علمية واضحة جداً تقول أن الحياة جمعها عقل ذكي ومع ذلك فإن الشخص يتعجب ويتساءل، لماذا لا يقبلها بشكل واسع باعتبارها بديهية ‍‍‍لكن أغلب الظن أن الأسباب نفسية أكثر منها علمية .[4].
يعتبر كلا العالمين (ويكرامايسنغ )و (هويل) من الرجال الذين قربوا من خلال أعمالهم الكثيرة العلم من النزعة المادية، ولكن عندما واجهتهم حقيقة خلق الحياة كان لديهم الشجاعة بقبول تلك الحقيقة، واليوم يوجد كثير من علماء الأحياء كان لديهم الشجاعة بقبول تلك الحقيقة، واليوم يوجد كثير من علماء الأحياء والكيمياء الحيوية ممن تخلوا عن القصة الخيالية، وهي أن الحياة انبثقت بالصدفة، أما أولئك الذين ما زالوا موالين للدراوينية ويجادلون بأن الحياة ما هي إلا نتيجة صدفة فهم في الحقيقة في حالة رعب كما قلنا في بداية هذا الفصل، وهذا بالضبط ما كان يقصده عالم الكيمياء الحيوية (ميشيل بيهي ) عندما قال :
" لقد كانت نتيجة التحقق من أن الحياة صممت من قبل عقل ذكي هو صدمة لنا في القرن العشرين، حيث كلنا نظن أن الحياة ما هي إلا نتيجة قوانين طبيعية بسيطة " [5]
والصدمة التي شعر بها هؤلاء هي صدمة الوصول إلى العبارات فيها حقيقة وجود الله الذي خلقهم .
لقد كان سقوط قضية أنصار المادية أمراً محتوماً ذلك بأنهم كانوا يناضلون لينكروا حقيقة لم يكونوا يرونها بوضوح، وفي القرآن الكريم وصف الله حيرة هؤلاء وارتباك الذين يعتقدون بالمادية كما يلي :
(وَالسَّمَاء ذَاتِ الْحُبُكِ {7} إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ {8} يُؤْفَكُ عَنْهُ من أفك {9} قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ {10} الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ {11}يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ {12} يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ {13} ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ {14}) الذاريات .
وواجبنا نحن عند هذه النقطة أن ندعو هؤلاء الذين تأثروا بالفلسفة المادية، وتخطوا حدود العقل أن يعودوا إلى العقل والفطرة السليمة و الحكم على الأشياء بصورة سليمة، كما يجب علينا أن ندعوهم ليدعوا جانباً كل حقد واجحاف وليفكروا في التصميم غير العادي للكون والحياة، وأن يقبلوا هذا البرهان البسيط لحقيقة أن الله هو الخالق .. الخالق المبدع لكل شيء ويدعو البشر الذين خلقهم ليجربوا عقولهم ويتفكروا .
وقال تعال :  (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (يونس:3) .
وفي آية أخرى يخاطب الله الناس بما يلي :
وقال تعالى :(أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (النحل:17) .
 لقد برهن العلم الحديث على حقيقة الخلق، وحان الوقت لكل عالم أن يرى هذه الحقيقة وأن يستنبط منها درساً، وإلى هؤلاء الذين ينكرون أو يتجاهلون وجود الله يجب أن يعرفوا مدى عمق ضلالهم وبعدهم عن الطريق الصحيح، لأنهم الحقيقة ويتظاهرون بأنهم يفعلون ذلك باسم العلم .
من ناحية أخرى . بهذه الحقيقة التي وضحها العلم درسٌ آخر يجب أن نعلمه لهؤلاء الذين قالوا أنهم صاروا يعترفون أن الله خلق هذا الكون، وهذا الدرس هو أنه ربما كان اعتقادهم سطحياً أو ظاهرياً، وأنهم لا يفكرون بعمق وشمولية بالدليل على خلق الله للكون ويتجاهلون ما يترتب على ذلك من نتائج وعواقب .. وتقاعسوا عن تلبية المسؤوليات المترتبة على إيمانهم . ولقد وصف القرآن أمثال هؤلاء الناس كما يلي :
({83} قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {84} سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ {85} قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ {86} سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ {87} قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {88} سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ {89}.( سورة المؤمنون ).
لقد وصلنا إلى حقيقة وهي أن الله موجود وأن كل ما في الوجود هو من خلق الله وأن يبقى المرء لا مبالياً تجاه تلك الحقيقة هو نوع من الضلال والغفلة . هو الله الذي خلق الكون والعالم الذي نعيش فيه بانسجام وتكامل بعد أن أوجدنا من العدم، والواجب الملقى على عاتق كل شخص أن يحترم أعظم حقيقة هامة في حياته .
فالأرض والسماء وكل شيء بينهما خلقت بأمر الله الأسمى، وعلى البشرية معرفة الله حق المعرفة وعبادته كما يستحق باعتباره سيداً مشرفاً أسمى، وهذه الحقيقة وضحها لنا الله في قرآنه الكريم فقال : (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً) (مريم:65)
المصدر : كتاب خلق الكون تأليف الكاتب التركيب هارون يحيى .

آيات الله في حماية الكائن الحي لنفسه

آيات الله في حماية الكائن الحي لنفسه
قال تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالارْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ) (يوسف:105)
 إن ما يتخذه الجسم داخلياً من طرق الحماية لمما يؤكد على وجود الله سبحانه وتعالى ، يقول الدكتور " والتركانن " العالم الفسيولوجي : أنه لو أنك عرفت كثيراً من أسرار الجسم البشري، لعجبت كيف يمرض أحد من الناس : ففي داخل الجسم دنيا قائمة تتصرف بإلهام واضح في دفع المرض، بل المحافظة على صحة الكائن بما يعجز عنه أي طبيب . ويقرر الأطباء أنهم في علاجهم، إنما يحاولون تقليد ما يجري داخل الإنسان نفسه، وأن العقاقير التي يصفونها إنما لمساعدة داخل فيما يقوم به ... دون أن يكون للإنسان أي فضل فيه بل حتى معرفته !!!
و إذا كان الإنسان يعتبر لذلك أوضح الأمثلة، على ما يقوم به لحماية نفسه خارجياً، بالحرب والسعي والفكر والكر، والعمل والراحة ، وأخذ الدواء ـ وداخلياً حيث لا دخل له ـ بارتفاع الحرارة، وتكوين الأجسام المضادة، وهجوم كريات الدم، فإن الحيوان ليعبر أيضا من أروع الامثلة التي تظهر لنا بوضوح قوة ما تتخذه الحياة في حماية الحيوان ؟
يقول الدكتور " ارشبيولد تلدج " انه بينما كان يمر ومعه أحد الحيوانات الوحشية التي استأنسها، جرح سلك شائك ذلك الحيوان في جنبه جراحاً غائرة، فسارع الدكتور إلى غسل الجرح بمطهر وربطه بالضمادات، وما هي إلا برهة، حتى وجد الحيوان قد نزع الضمادات وألقاها، وجعل يلعق الجرح برفق حتى يبعد الشعر الذي يغطي الجرح، وتركه معرضاً للهواء والشمس . وظل الحيوان يتعهد جرحه، حتى برىء
و يقول هذا الدكتور أيضاً، أن قدماء الهنود الحمر وأسلافنا قد اهتدوا إلى معرفة أصول الطب، بمراقبة الحيوانات وهي تسعى إلى النبات الذي تتداوى به من جرح، أو حمى أو سوء هضم، وبملاحظتهم الدب الذي أصابه المرض وهو ينبش الأرض باحثاً عن جذور نبات السرخس، وبرؤيتهم الذئب الذي لدغته الحية وهو يسرع إلى مضغ جذور اللوف العطري، مضغ الواثق من الشفاء به .
و عرف عن الحيوانات والطيور، أنها تأخذ مكانا ظليلا باردا طلق الهواء قريبا من الماء، إذا أصابته الحمى، بينما تأخذ لها مكانا شرقيا دافئا تسطع فيه الشمس إذا ما أصابتها الحمى، بينما تأخذ لها مكانا شرقيا دافئا تسطع فيه الشمس إذا ما أصابها البرد . كما لوحظ عنها أيضا أنها إذا أصابها شعور بفساد ما أكلته أو إذا أقتضى أمر شفائها إخراج ما بجسدها عمدت إلى نباتات مسهلة تعرفها أو تمكنت من القيء بنفسها
 وكثيراً ما شوهد أن الطيور والحيوانات، إذا ما أصاب أحد قوائمها خلع أو كسر، بترت هذا العضو المكسور بنفسها فورا ًفتشفي حالا .هذا ويعرف أهل الغابات أن دجاج الأرض إذا انكسرت بنفسها ساقه، يتخذ له جبيرة من الطين، وقد يقويها ببعض ما يجده من ألياف .
و كلنا نرى الطيور وهي تنظف منقارها في الحائط أو الأغصان وإذا صادفك نسر بعد أن يكون قد تناول غذاءه، لتعجب حينما تراه يكرر تنقية منقاره وتنظيفه أكثر من مرة .
و تستحم الطيور والحيوانات في مواقيت معينة لا تحيد عنها أبدا، وقد عرف أنها تستحم لا لتنظيف أبدانها فقط، بل لتجدد نشاطها .
و إذا كان هذا هو ما يحاوله الكائن الحي للمحافظة على نفسه، فإن هناك العديد من الأدلة، على أن النوع نفسه يتخذ من ضروب الحيطة والحذر للمحافظة على أفراده، ما يجعل الإنسان يؤمن بوجود قوة علوية ترعى كافة الكائنات على اختلاف أنواعها .
فكل الحيوانات والطيور التي تسير في هيئة جماعات، تتخذ من بعض أفرادها خفراء يحرسونها، وأدلة يكفون الطريق لها . وليس ذلك عن مصادفة بل عن قصد وتدبير، فإن الفيلة في الغابات، لا تسير فرادى إطلاقا إلا الأفراد الذين حكم عليهم بالشرود وجماعة الفيلة يتقدمها دليلها إلى الماء أو الغذاء . وأسراب الطيور في سيرها، يحرسها أكبر ذكورها، ويسير في مؤخرتها ضعافها، بينما الظباء تسير حراسها في الخلف لأن الذئب وهو أخطر الحيوانات عليها لا يهاجم القطيع إلا من خلفه .
و تظهر قافلة الاكتشاف واضحة في الجراد، فإن المقدمة التي تسير لتكتشف الطريق لا تزيد على بضعة أفراد وهذه تكون إنذارا بسرب الجراد الذي قد يغطي مساحة ألفي ميل مربع .
المصدر : كتاب " الله والعلم الحديث "  بقلم عبد الرزاق نوفل ط: دارالناشر العربي الطبعة الثالثة  1393هـ 1973 م .

الأسرار الخفية في أصغر الكائنات الحية

الأسرار الخفية في أصغر الكائنات الحية – معجزة علمية
بقلم الدكتور نظمي خليل أبو العطا
       

ظل هذا الكائن الدقيق والصغير يسرح ويمرح, ويتكاثر داخل خلايا الكائنات الحية دون أن يعرفه أحد أو يراه لآلاف السنين.
        أحدث العديد من الأمراض الفتاكه للإنسان والحيوان والنبات  والبكتيريا, ومع ذلك لم يمكن التعرف عليه, فإذا كان طول الخلية البكتيرية (1.5) ميكرومتر ( الميكرومتر واحد من ألف من الملمتر), فإن حجم هذا الكائن يعادل (60) نانومتر( النانومتر واحد على ألف من الميكرومتر ), فهو في داخل الخلية البكتيرية الدقيقة كالبذرة الصغيرة في داخل الثمرة الكبيرة, أي لو مثلنا حجم البكتيريا بالبرتقالة الكبيرة فإن حجم هذا الكائن بالنسبة لها كالبذرة الواحدة داخل البرتقالة, انه الكائن العجيب الذي ينفذ من مسام أدق المرشحات البكتيرية التي تحتجز البكتيريا من السوائل عند تعقيمها بالترشيح.
        من عجائب هذا الكائن أنه لايعيش إلا في داخل خلايا الكائنات الحية, حيث يحيا ويتكاثر بصورة مهوله ومفزعة, أما خارج خلايا الكائنات الحية فهو كبللورة الملح أو السكرالميتة أو الماسة العجيبة, ولذلك هو ينتشر في الهواء والماء والأجساد بطريقة سريعة ومفزعة , فقد استطاع أحد أنواع هذا الكائن الحي القضاء على عشرين مليون شخص في شهرين فقط .
        وهو الآن يحدث أخطر الأمراض العصرية, واحتار العلماء والباحثون في علاجه , ويعود السبب في ذلك إلى قلة العلم بخصائصه الحيوية , وسرعة تغييره لتركيبه التي تعود إلى بساطة تركيبه إذا ما قورن بالبكتيريا والفطر فخليته تتكون عادة من الجزء الداخلي النووي ,  والجزء الغلافي البروتيني, ولذلك يخرجه الباحثون من دائرة التركيب الخلوي المعهود.
        ومن خصائص هذا الكائن الحي أنه إجباري التطفل, حيث يحتاج إلى الخلايا الحية لاتمام عملياته الحيوية , وذلك لغياب العضيات الخلوية اللازمة لاتمام العمليات الحيوية في الخلايا الحية , لهذا فهو انتهازي استعماري خطير , يحدث عملية تطهير عرقي حيوي للخلايا التي يستعمرها, حيث يسخر كل امكانات هذه الخلية لمنافعه الشخصية فتنشغل الخلية المستعمرة في تلبية طلبات هذا المستعمر الاستيطاني الخطير .
        أحد هذه الكائنات يشبه مركبات الفضاء الحالية و له قاعدة بزوائد مماثلة لتلك الزوائد التي تهبط بها المركبات الفضائية على سطح القمر,  وله وصلة عليا تحمل رأس مسدس الشكل وله مثقاب يثقب به جسم الخلية , التي يتطفل عليها, ويستخدم الزوائد للهبوط والالتصاق بالخلية , وعنده آلية يخترق بها جدر حصون عائله, ثم يصب جام غضبه ويدخل محتوياته الداخلية إلى جسم العائل وهنا تحدث عملية انتشار سريعة ورهيبة أشد من انتشار الغزاه في المستعمرة  الضعيفة المنهارة, وتقوم تلك الجزيئات باستغلال خيرات الخلية ومحتوياتها الحيوية ومراكز صنع القرار فيها , ثم يصدر تعليمات خاطئة ومشددة تؤدي إلى تسخير محتويات الخلية المستعمرة لتكوين وحدات من الكائن الغازي, وهنا تنفذ محتويات الخلية المستعمرة , وبعد أن تصبح الخلية المستعمرة قاعاً صفصفا وتستهلك محتوياتها يفجر هذا  الكائن  جدار الخلية وينتشر في الخارج بالملايين في عملية غزو لمستعمرات خلوية أخرى , وهكذا يعيد هذا الكائن المسمى باللاقم البكتيري (Bacteriophage  ) نفسه, ويعيد انتشاره, ويوسع مستعمراته.

        ويتكون هذا الكائن بأشكاله المختلفة من غلاف خارجي يسمى الكابسيد Capside))  يحيط بالمحتوي الجيني الداخلي (Nucleic acid ) المكون من DNA  أو RNA والذي يحتوي الجينوم (Genome ) والذي يتكون من المواد الجينية ( الجينات Genes ) المتجمعة في الخيط الجيني RNA أو جزيء DNA في مجموعات قليلة إذا قورنت بالكائنات الحية الأخرى .
        وتتميز هذه الكائنات بأنها متخصصة في طفيلاتها فالذي يتطفل على نبات معين لايعدي غيره  , والذي يتطفل على حيوان معين لايعدوه إلى غيره , وهناك أنواع منها مشتركة بين الانسان والحيوان , والحيوان والحيوان , واخرى خاصة بالنبات أو البكتيريا.
        عندما يُدخل هذا الكائن الوحدات الوراثية الخاصة به إلى داخل الخلية كما قلنا سابقاً فإنها تصنع لها وحدات مشابهة من محتويات الخلية ثم تصنع لها أغطية وأغلفة وتعيد دورة الحياة ,  ويتكاثر الكائن بتضاعف جزيئات DNA  أو RNA والآن بكل تأكيد لقد عرفتم اسم هذا الكائن الخطير انه الفيروس الذي خفي عن البشرية سنين عديدة  وعندما ظهر أربكها , وأحدث هرجاً ومرجاً عظيما في صفوف علمائها وعوامها.
        ومن الفيروسات التي أجهدت الانسان وأرعبته وحيرته وردعته عن الزنا فيروس فقدان المناعة المكتسبة ( HIV ) أي Human immunodeficiency virous  المسبب لمرض الأيدز ( AIDS ) الذي يهدم المناعة الجسدية فتهاجمه البكتيريا والفطريات الانتهازية , أي التي تنتهز فرصة ضعف جهاز المقاومة وتقضي على الجسم .
        وهناك فيروسات الالتهاب الكبدي الوبائي والانفلونزا وجدري الطيور وغيرها.
        وبهذا نكون قد تعرفنا سريعاً على بعض الأسرار الخفية في أصغر الكائنات الحية غير المرئية ( الفيروسات ) ,  تلك الكائنات التي أقسم الله بها وبغيرها من المخلوقات غير المرئية قال تعالى : (فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ {38} وَمَا لَا تُبْصِرُونَ {39} إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) الحاقة (38 -40) والتي فصلنا القول عنها في موضوع ومالاتبصرون بين الدين والعلم الحديث في كتابنا آيات معجزات من القرآن الكريم وعالم النبات .

آيات الله في الذبــاب

آيات الله في الذبــاب
قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) (الحج:73) 
لقد كشف العلم الحديث العديد من الخصائص التي يتمتع بها الذباب عن غيره من الحشرات فمثلاً يمكن أن تسير الذبابة بسهولة على الأسطح المائلة أو تقف ثابتة على السقف لمدة ساعات . فأقدامها مجهزة للوقوف على الزجاج والجدران والسقوف، وإذا لم تكن كلاباتها كافية، فإن الوسائد الماصة الموجودة على أقدامها تؤمن وقوفاً مناسباً على السطح، وتزداد قوة هذه الوسائد بإفراز سائل خاص .تستخدم ذبابة المنزل " الشفة " من الجزء الفموي لتذوق الطعام قبل تناوله .
و الذباب دون الكثير من المخلوقات يهضم خارج جسمه، ويكون ذلك بإفراز سائل هاضم على الطعام، يفكك هذا السائل الطعام ويحوله إلى سائل تستطيع الحشرة امتصاصه، ثم تنتقل الشفة الغذاء الموجود على السائل على جسمها بواسطة الشفة أيضاً التي تحول السائل إلى الخرطوم المتصل بها .
تعتبر ذبابة المنزل ظاهرة على درجة كبيرة من التعقيد في البداية تقوم الذبابة بمعاينة الأعضاء التي ستستخدمها في الطيران، ثم تأخذ وضعية التأهب للطيران وذلك بتعديل وضع أعضاء التوازن في الجهة الأمامية، وأخيراً تقوم بحساب زاوية الإقلاع معتمدة على اتجاه الريح وسرعة الضوء التي تحددها بواسطة حساسات موجودة على قرون الاستشعار ثم تطير . إلا أن هذه العمليات مجتمعة لا تستغرق أكثر من 1/100من الثانية، فهذه الذبابة قادرة على زيادة سرعتها حتى تصل إلى 10كم /سا .
لهذا السبب يطلق على الذبابة "سيدة الطيران البهلواني " كاسم محبب، فيه تسلك أثناء طيرانها مساراً متعرجاً في الهواء بطريقة خارقة، كما يمكنها الإقلاع عمودياً من المكان الذي تقف فيه، وأن تحط بنجاح على أي سطح بغض النظر عن انحداره أو عدم ملائمته . ومن الخصائص الأخرى التي تتمتع بها هذه الحشرة السحرية وقوفها على الأسقف . فحسب قانون الجاذبية يجب أن تقع إلى الأسفل، إلا أنها خلقت بنظام خاص يقلب المستحيل معقولاً . 
يوجد على رؤوس أقدامها وسادات شافطة تفرز هذه الوسادات سائلاً لزجاً عندما تلامس السقف . تقوم الحشرة بمد سيقانها باتجاه السقف عندما تقترب منه، وما إن تشعر بملامسته حتى تستدير وتمسك بسطحه، تحمل ذبابة المنزل جناحين يخرج نصف كل منهما من الجسم ويحملان غشاءً رقيقاً جداً يندمج مع الجناح . يمكن أن يعمل كل من هذين الجناحين بشكل منفصل عن الآخر . مع ذلك فهما يتحركان عند الطيران إلى الأمام والخلف على محور واحد . كما هي الحال في الطائرات ذات الجناح الأوحد . تتقلص العضلات المسؤولة عن حركة الأجنحة .
تتكون عين ذبابة المنزل من 6000بنية عينية سداسية يطلق عليها اسم " العوينات "، تأخذ كل من هذه العوينات منحى مختلفاً: إلى الأمام أو الخلف، في الوسط ،فوق وعلى جميع الجوانب، يمكن أن ترى الذبابة كل ما حولها من جميع الجهات، بتغير آخر، يمكن أن تشعر بكل شيء في حقل رؤيا زاويته 360 درجة، تتصل ثمانية أعصاب مستقبلية للضوء بكل واحدة من هذه العوينات، وبهذا يكون مجموع الخلايا الحساسة في العين حوالي 48000 خلية يمكنها أن تعالج 100صورة في الثانية .
تستمد الذبابة مهارتها الفائقة في الطيران من التصميم المثالي للأجنحة . تغطي النهايات السطحية والأوردة الموجودة على الأجنحة شعيرات حساسة جداً مما يسهل على الحشرة تحديد اتجاه الهواء والضغوط الميكانيكية عند القلاع وتنبسط عند الهبوط، وعلى الرغم من أنها تقع تحت تحكم الأعصاب في بداية الطيران، إلا أن حركات هذه العضلات مع الجناح تصبح أوتوماتيكية بعد فترة وجيزة .
تقوم الحساسات الموجودة تحت الأجنحة والرأس بنقل معلومات الطيران إلى الدماغ، فإذا صادفت الحشرة تياراً هوائياً جديداً أثناء طيرانها، تقوم هذه الحساسات بنقل المعلومات الجديدة في الحال إلى الدماغ، وعلى أساسها تبدأ العضلات بتوجيه الأجنحة بالاتجاه الجديد، بهذه الطريقة تتمكن الذبابة من الكشف عن وجود أي حشرة جديدة بتوليد تيار هوائي إضافي . والهرب إلى مكان آمن في الوقت المناسب . تحرك الذبابة جناحيها مئات المرات في الثانية، وتكون الطاقة المستهلكة في الطيران أكثر مئة مرة من الطاقة المستهلكة أثناء الراحة . من هنا يمكننا أن نعرف أنها مخلوق قوي جداً، لأن الإنسان يمكنه أن يستهلك طاقته القصوى في الأوقات الصعبة ( الطوارئ ) والتي تصل إلى عشرة أضعاف طاقته المستهلكة في أعمال الحياة العادية فقط . أضف إلى ذلك أن الإنسان يمكنه أن يستمر في صرف هذه الطاقة لبضع دقائق فقط كحد أعلى، على عكس الذبابة التي يمكنها أن تستمر على هذه الوتيرة لمدة نصف ساعة، كما يمكنها أن تسافر بهذه الطاقة مسافة ميل وبالسرعة نفسها .
المصدر : كتاب التصميم في الطبيعة       تأليف الكاتب التركي هارون يحيى 

آيات عظمة الله في غرائز الحيوان

آيات عظمة الله في غرائز الحيوان
إن تقدم الإنسان قد بلغ من الوجهة الطبيعية مبلغاً محموداً، ولا يبدو أن ثمة مجالات لنمو تكوين جسدي جديد . ولكن ينبغي أن تتقدم صحته، وأن يبلغ تقدمه الطبيعي درجة الكمال بفضل التغذية وعجائب الطب والجراحة، وتبعاً لذلك يجب أن ترقى الأذهان بوجه عام . فهناك ـ على الأقل ـ متسع للعقلية الصالحة لكي تعبر عن نفسها، وبذا تتحسن أحوال الإنسان المادية والخلقية والروحية، سواء من حيث الفرد أو المجتمع .
إن المدنية وقبول المقاييس الخلقية تتحركان إلى الأمام وإلى الخلف، ولكن هناك كسباً دائماً، وقد كان تقدم الإنسان أمراً ملحوظاً بلا ريب، ولكن عليه أن يقطع مراحل عدة . ويبدو لحسن الحظ أنه ليس هناك حدّ لما يمكن أن يقع من تقدم جديد في الذهن البشري مع الوقت، أعني الوقت الكافي، بوصفه العامل الغالب . ..
إن الطيور لها غريزة العودة إلى الموطن، فعصفور الهزاز الذي عشش ببابك يهاجر جنوباً في الخريف، ولكنه يعود إلى عشه القديم في الربيع التالي . وفي سبتمبر تطير أسراب معظم طيورنا إلى الجنوب نحو ألف ميل فوق عرض البحار، ولكنها لا تُضل طريقها . والحمام الزاجل إذا تحير من جراء أصوات جديدة عليه في رحلة طويلة داخل قفص يحوم برهة ثم يسير قُدماً إلى موطنه دون أن يضل ... والنحلة تجد خليتها مهما طَمست الريح في هبوبها على الأعشاب والأشجار، كل ذلك دليل يرى . وحاسة العودة إلى الوطن هذه هي ضعيفة في الإنسان، ولكنه يكمل عتاده القليل منها بأدوات الملاحة .
و نحن في حاجة إلى هذه الغريزة، وعقولنا تسد هذه الحاجة ولابد أن للحشرات الدقيقة عيوناً ميكروسكوبية لا ندري مبلغها من الإحكام، وأن للصقور بصراً تلسكوبياً ! وهنا أيضاً يتفوق الإنسان بأدواته الميكانيكية . فهو بتلسكوبه يمكنه أن يبصر سديماًً يبلغ من الضعف أنه يحتاج إلى مضاعفة قوة إبصاره مليوني مرة ليراه، وهو بميكروسكوبه الكهربائي يستطيع أن يرى بكتريا كانت غير مرئية، ( بل كذلك الحشرات الصغيرة التي تعضها ) .
و أنت إذا تركت حصانك العجوز وحده، فإنه يلزم الطرق مهما اشتدت ظلمة الليل . وهو يقدر أن يرى ولو في غير وضوح، ولكنه يلحظ اختلاف درجة الحرارة في الطريق وجانبيه، بعينين تتأثر قليلاً بالأشعة تحت الحمراء التي للطريق . والبومة تستطيع أن تبصر الفأر الدافئ اللطيف وهو يجري على العشب البارد مهما كانت ظلمة الليل . ونحن نقلب الليل نهاراً بإحداث إشعاع نسميه بالضوء .
إن عدسات عينك تتلقى صورة على الشبكية، فتنظم العضلات العدسات بطريقة منفصلة آلية إلى بؤرة محكمة . وتتكون الشبكة من تسع طبقات منفصلة، هي في مجموعها ليست أسمك من ورقة رفيعة . والطبقة التي في أقصى الداخل تتكون من أعواد ومخروطات، ويقال إن عدد الأولى ثلاثون مليون عود، وعدد الثانية ثلاثة ملايين مخروط . وقد نظمت هذه كلها في تناسب محكم، بعضها بالنسبة إلى بعض، وبالنسبة إلى العدسات، فإنك ترى عدوك مقلوب الوضع والجانب الأيمن منه هو الأيسر . وهذا أمر يربكك إذا حاولت أن تدافع عن نفسك .. ولذا أجريت ذلك التصميم قبل أن تقدر العين على الإبصار، ورتبت إعادة تنظيم كاملة عن طريق ملايين من خيوط الأعصاب المؤدية إلى المخ . ثم رفعت مدى إدراكنا الحسي من الحرارة إلى الضوء، وبذا جعلت العين حساسة بالنسبة للضوء . وهكذا نرى صورة ملونة للعالم من الجانب الأيمن إلى فوق، وهو احتياط بصري سليم . وعدسة عينك تختلف في الكثافة، ولذلك تجمع كل الأشعة في بؤرة . ولا يحصل الإنسان على مثل ذلك في أية مادة من جنس واحد كالزجاج مثلاً . وكل هذه التنظيمات العجيبة للعدسات والعيدان والمخروطات والأعصاب وغيرها لابد أنها حدثت في وقت واحد، لأنه قبل أن تكمل كل واحد منها، كان الإبصار مستحيلاً . فكيف استطاع كل عامل أن يعرف احتياجات العوامل الأخرى ويوائم بين نفسه وبينها !!
إن المحار العادي الذي تأكل عضله، له عيون عدة تشبه عيوننا كثيراً، وهي تلمع، لأن كل عين منها لها عاكسات صغيرة لا تحصى، ويقال إنها تساعدها على رؤية الأشياء من اليمين إلى فوق وهذه العاكسات غير موجودة في العين البشرية . فهل رتبت للمحار تلك العاكسات لأنه لا يملك كالإنسان قوة ذهنية ؟ ولما كان عدد العيون في الحيوانات يترواح بين انثنين وعدة آلاف، وكلها مختلفة، فلا ريب إن قوة حكيمة عالمة هي التي خلقت هذه العيون لهذه الحيوانات هي قدرة الله تعالى .
إن نحلة العسل لا تجذبها الأزهار الزاهية كما نراها، ولكنها تراها بالضوء فوق البنفسجي الذي يجعلها أكثر جمالاً في نظرها . وفيما بين أشعة الاهتزازات البطيئة واللوحة الفوتوغرافية وما وراءها، عوالم من الجمال والبهجة والإلهام، بدأنا نقدرها ونسيطر عليها . فلنأمل أن يأتي علينا يوم نستطيع فيه أن نستمتع بعالم الضوء عن طريق النبوغ في الابتكار . وها نحن أولاء قد أصبحنا قادرين على أن نكشف اهتزازات الحرارة في كوكب بعيد، ونقيس طاقتها .
إن العاملات من النحل تصنع حجرات مختلفة الأحجام في المشط الذي يستخدم في التربية . وتعد الحجرات الصغيرات للعمال، والأكبر منها لليعاسيب ( ذكر النحل) ، وتعد غرفة خاصة للملكات الحوامل . والنحلة الملكة تضع بيضاً غير مخصب في الخلايا المخصصة للذكور، وبيضاً مخصباً في الحجرات الصحية المعدة للعاملات الإناث والملكات المنتظرات . والعاملات اللائي هي إناث معدلات بعد أن انتظرن طويلاً مجيء الجيل الجديد، تهيأن أيضاً لإعداد الغذاء للنحل الصغير بمضغ العسل واللقح، ومقدمات هضمه، ثم من تطور الذكور والإناث، ولا يغذين سوى العسل واللقح . والإناث اللائي يعالجن على هذا الشكل يصبحن عاملات .
أما الإناث اللائي في حجرات الملكة، فإن التغذية بالمضغ ومقدمات الهضم تستمر عندهن . وهؤلاء اللائي ينتجن بيضاً مخصباً . وعملية تكرار الإنتاج هذه تتضمن حجرات خاصة، وبيضاً خاصاً، كما تتضمن الأثر العجيب الذي لتغيير الغذاء . وهذا يتطلب الانتظار والتمييز وتطبيق اكتشاف أثر الغذاء . وهذه التغيرات تنطبق بوجه خاص على حياة الجماعة، وتبدو ضرورة لوجودها . ولابد أن المعرفة والمهارة اللازمتين لذلك قد تم اكتسابها بعد ابتداء هذه الحياة الجماعية، وليستا بالضرورة ملازمتين لتكوين النحل ولا لبقائه على الحياة . وعلى ذلك فيبدوا أن النحل قد فاق الإنسان في معرفة تأثير الغذاء تحت ظروف معينة .
و الكلب بما أوتي من أنف حساس، يستطيع أن يحس الحيوان الذي مرَّ . وليس ثمة أداة من اختراع الإنسان لتقوي حاسة الشم الضعيفة لديه، ونحن لا نكاد ندري أين نبدأ لنفحص امتدادها .
و مع هذا فإن حاسة الشم الخاصة بنا هي على ضعفها قد بلغت من الدقة أنها يمكنها أن تتبين الذرات الميكروسكوبية البالغة الدقة . وكيف نعرف أننا نتأثر جميعا نفس التأثير من رائحة بعينها ؟ الواقع أننا لا نتأثر تأثيراً واحداً . كذلك حاسة الذوق تعطي كلا منا شعور الآخر . والعجيب أن اختلافات الإحساس هذه هي وراثية !
و كل الحيوانات تسمع الأصوات التي يكون كثير منها خارج دائرة الاهتزازات الخاصة بنا، وذلك بدقة تفوق كثيراً حاسة السمع المحدودة عندنا . وقد أصبح الإنسان يستطيع بفضل وسائله أن يسمع صوت ذبابة تطير على بعد أمتار كما لو كانت فوق ( طبلة ) أذنه، ويستطيع بمثل تلك الأدوات أن يسجل وقع شعاع شمس .
إن جزءاً من أذن الإنسان هو سلسلة من نحو أربعة آلاف ( قوس ) دقيقة معقدة، متدرجة بنظام بالغ في الحجم والشكل . ويمكن القول بأن هذه الأقواس تشبه آلة موسيقية، ويبدوا أنها معقدة بحيث تلتقط، وتنقل إلى المخ، بشكل ما، كل وقع صوت أو ضجة، من قصف الرعد على خفيف الشجر فضلاً عن المزيج الرائع من أنغام كل أداة موسيقية في الاوركسترا، وحدتها المنسجمة .
لو كان المراد عند تكوين الأذن أن تحسن خلاياها الأداء، كي يعيش الإنسان، فلماذا لم يمتد مداها حتى تصل إلى إرهاف السمع ؟ لعل " القوة " التي وراء نشاط هذه الخلايا قد توقعت حاجة الإنسان في المستقبل إلى الاستماع الذهني أم أن المصادفة قد شاءت تكوين الأذن خيراً من المقصود؟...
 عن إحدى العناكب ( جمع عنكبوت ) المائية تصنع لنفسها عشاً على شكل منطاد ( بالون ) من خيوط بيت العنكبوت وتعلقه بشيء ما تحت الماء . ثم تمسك ببراعة فقاعة هواء في شعر تحت جسمها، وتحملها إلى الماء ثم تطلقها تحت العش ثم تكرر هذه العملية حتى ينتفخ العش، وعندئذ تلد صغارها وتربها، آمنة عليها من هبوب الهواء . فهما هنا نجد طريقة النسج ،بما يشمله من هندية و تركيب وملاحة جوية .
ربما كان ذلك كله مصادفة .. ولكن ذلك لا يفسر لنا عمل العنكبوت ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍.
 المصدر : كتاب العلم يدعو للإيمان أ. كريسي مورسون

آيات عظمة الله في طائر البوم

آيات عظمة الله في
طائر البوم Tytonidae

قال تعالى :(وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (الأنعام:38)
نظرة العرب إلى البوم أو الهامة :
ورد في التراث " اتبع البوم يدلك على الخراب " و من أساطير العرب قبل الإسلام إنه ليس من ميت يموت و لا قتيل يقتل إلا و تخرج من رأسه هامة فإن كان قتل و لم يؤخذ بثأره
نادت الهامة على قبره : اسقوني فإني صدية .
و كانت العرب تنظر إلى البوم على أنه طائر الشؤم و تتشائم به ، و هنا قصة مشهورة رويت عن المأمون :
أشرف الخليفة المأمون يوماً من قصره فرأى رجلاً قائماً و بيده فحمة يكتب بها على حائط القصر ، فقال المأمون لبعض خدمه اذهب إلى ذلك الرجل و انظر ما يكتب و ائتني به فبادر الخادم إلى الرجل مسرعاً و قبض عليه و تأمل ما كتبه فإذا هو :
يا قصر جمع فيه الشــوم و اللـوم
                                   متى يعشش في  أركانـك البـــــوم
يوم يعشش فيك البوم من فرحي
                                   أكـون أول ما ينعيـــك مرغــــوم
و لما مثل بين يدي المأمون ن قال له ويلك ما حملك على هذا ؟
قال مررت على هذا القصر العامر و أنا جائع فقلت في نفسي : لو كان خراباً لم أعدم منه رخامة أو خشبة أو مسماراً أبيعه و أتقوت بثمنه ، فأمر له المأمور بألف دينار يأخذها كل عام مادام القصر عامراً بأهله .
و لما بعث النبي صلى الله عليه و سلم وسأل عن الهامة قال : " لا عدوى و لا طيرة و لا هامة ".
و قد اثبت العلم ما ذهبت إليه السنة من نفي الشؤم عن البوم أو الهامة فقد تبن أن البوم في غاية الأهمية للبيئة ،و قد جعلها الله مع غيرها من الحيوانات صمام الأمان الذي ينظم أعداد القوارض في البيئة فهي تأكل الفئران و الجرذان و الأفاعي و الحشرات و العصافير حيث تصيد حوالي 5000 فأر في السنة  الواحدة و طريقة صيد بعض أنواع البوم تعد هادفة متخصصة فهي تختار من الأرانب الأفراد الضعيفة و المريضة فتحدد التكاثر و تمنع انتشار المرض فعندما أنتشر وباء الأرانب في أوربا في أوائل الخمسينات من القرن العشرين سلمت أرانب جنوب أسبانيا من الوباء ، فتبين أن وراء ذلك أنواع من البوم المفترس كانت تكثر في تلك البيئة فإذا تذكرنا أن البوم يصيد 15 فأراً يومياً فكم هي  الفائدة كبيرة  التي تعود على الإنتاج الزراعي .
المرجع : مقالة للدكتور أسعد الفارس عن مجلة التقدم العلمي العدد الأربعون  ديسمبر  2002م  

التصميم المعجز في طيران الحشرات

التصميم المعجز في طيران الحشرات

عندما نأتي على ذكر الطيران تقفز صورة الطائر إلى مخيلتنا على الفور . إلا أن الطيور ليست هي الكائنات الوحيدة القادرة على الطيران . يمتلك العديد من أنواع الحشرات مقدرات طيرانية تتفوق على تلك التي تمتلكها الطيور . إذ يمكن أن تقطع الفراشة الكبيرة المسافة بين أمريكا الشمالية وأواسط القارة الأمريكية، كما يمكن أن يبقى الذباب واليعسوب معلقاً في الهواء مدة من الزمن .
يدعي التطوريون أن الحشرات بدأت تطير منذ 300 مليون سنة، ولكن هذا لم يحدث مصادفة كما يضيفون، فالتصميم المتقن لأجنحة الحشرات لم يدع أي مجال للمصادفة . كتب البيولوجي الإنجليزي روبين ووتون في موضوع تحت عنوان : " التصميم الميكانيكي لأجنحة الحشرات "
كلما كان فهمنا أدق لعمل أجنحة الحشرات، كلما بدا لنا تصميمها أروع .. لقد صممت بنية الأجنحة بإتقان، وصممت الآليات لتحريك أجزاء العضو بطرق تضمن سهولة التنقل . تجمع أجنحة بإتقان وصممت الآليات لتحريك أجزاء العضو بطرق تضمن سهولة التنقل . تجمع أجنحة الحشرة بين هذين الأمرين : استخدام أجزاء الجسم بمرونة فائقة، وتجمعها بشكل أنيق في تشكيل يتجاوب مع القوى المناسبة من أجل استخدام امثل للبقاء في الهواء .
من جهة أخرى، لم يعثر على دليل واحد من المتحجرات للتطور المتخيل عن الحشرات، وهذا ما أشار إليه عالم الحيوان الفرنسي بيير بول غراسية بقوله : " نحن الآن في الظلام فيما يخص أصل الحشرات " . لنقم الآن بدراسة بعض الخصائص المثيرة لهذه الخلوقات والتي ستبقي التطوريين في ظلامهم الدامس .

إلهام الهليكوبتر : اليعسوب

لا يمكن أن يطوي اليعسوب أجنحته إلى داخل جسمه، إضافة إلى أن الطريقة التي تستخدم فيها عضلات الجسم في حركة الأجنحة تختلف عن تلك الموجودة في غيره من الحشرات، وبسبب هذه الخاصية يعتقد التطوريون أن هذه الحشرة هي من " الحشرات البدائية " .
إلا أن الحقيقة هي عكس ذلك، إن نظام الطيران عند هذه الحشرات التي يطلق علهيا " الحشرات البدائية "، ليس إلا معجزة من معجزات التصميم . لقد أنجزت الشركة الرائدة في صناعة طائرات الهيليكوبتر "سيكوريسكي " إحدى طائراتها متخذة اليعسوب نموذجاً لها . كما بدأت شركة IBM التي ساعدت "سيكورسكي" في مشروعها بوضع نموذج اليعسوب على الحاسب (IBM 3081) .
تم تنفيذ ألفي طريقة أداء على الكمبيوتر على ضوء المناورات التي يقوم بها اليعسوب في الهواء . وبذلك تم بناء نموذج سيكورسكي للطائرات الحربية ولطائرات النقل على غرار نموذج اليعسوب .
قام جيلز مارتن مصور الظواهر الطبيعية، بإجراء دراسات على اليعسوب استغرقت سنتين ويقول بأن هذه المخلوقات لها آلية طيران غاية في التعقيد .
يشبه جسم اليعسوب البنية الحلزونية المغلفة بالمعدن حيث، يتصلب جناحاه مع جسمه ويبدوا لونهما متدرجاً من اللون الأزرق الثلجي إلى الأحمر الداكن . وبسبب هذه البنية يتميز هذا المخلوق بقدرة عجيبة على المناورات وبغض النظر عن السرعة أو الاتجاه الذي يتحرك وفقه، يمكن لهذه الحشرة أن تتوقف فجأة ثم تشرع بالطيران في الاتجاه المعاكس، كما يمكنها فضلاً عن ذلك أن تبقى معلقة في الهواء بغرض الصيد في هذا الوضع تستطيع أن تتحرك بمرونة نحو فريستها، كذلك يمكنها أن تزيد من سرعتها التي تعتبر غير عادية بالنسبة لحشرة : 40كم /سا وهي تعادل سرعة الرياضي في سباق 100 متر أولمبي بسرعة 39كم /ساعة يصطدم اليعسوب مع هذه الفريسة، وتكون الصدمة المفاجأة شديدة الوقع، وبسبب أسلحة اليعسوب التي تتميز بمرونة فائقة ومقاومة شديدة فإن البنية المرنة لجسمه تمتص صدمة الارتطام، وهذا بالطبع ما لا يحدث للفريسة التي ما تلبث أن تقع مغمى عليها أو حتى ميتة من شدة الصدمة . بعد الاصطدام تأخذ ساقا اليعسوب دورها كأكثر الأسلحته فتكاً : تمتد الساقان إلى الأمام للإمساك بالفريسة المصدومة التي لا تلبث أن تصبح رهينة الفكين القويين ليتوليا تمزيقها .
يبدو منظر اليعسوب مؤثراً كما هو حال قدرته على القيام بمناوراته المفاجئة بتلك السرعة العالية، أما عيناه فعتبران أفضل نموذج ليعون الحشرات . يحمل اليعسوب عينين تحتوي كل منها على ثلاثين ألف عدسة مختلفة . تزود هاتان العينان الشبه كرويتين ـ والتي يبلغ حجم كل منهما نصف حجم الرأس تقريباً ـ الحشرة بمجال رؤيا واسع جداً . وبفضلهما يمكن أن يبقى اليعسوب على إطلاع بما يجري وراء ظهره .
و هكذا يبدو اليعسوب مجموعة من الأنظمة، كل منها يحتوي على بنية فريدة ومثالية، إلا أن أي تشوه قد يطرأ على أي من هذه الأنظمة يعطل عمل النظام الآخر . ومع ذلك فقد خلقت كل هذه الأنظمة دون أي صدع أو شرخ، وهكذا أمكن لهذه الحشرة أن تستمر في دورتها الحيوية .

 أجنحة اليعسوب :

تعتبر أجنحة اليعسوب أكثر أقسام جسمه أهمية ولا يمكن بأي حال شرح آلية الطيران لدى اليعسوب، والتي يستخدم فيها جناحيه على ضوء نظرية التطور خطوة خطوة، فمن حيث المبدأ تفتقد نظرية التطور إلى المادة التي تبحث في منشأ الأجنحة التي لا تؤدي عملها على الموجه الأكمل إلا إذا تطورت كوحدة متكاملة .
لنفترض للحظة أن جينات الحشرات قد تعرضت إلى طفرة، وبدا على بعض أجزاء الخلايا الجلدية التي تغطي الجسم تغير غير واضح المعالم . من غير المعقول مطلقاً افتراض حصول طفرة أخرى بطريق المصادفة على هذه الطفرة الحاصلة على الجناح، لأن هذه الطفرات لن تضيف إلى جسم الحشرة جناحاً كاملاً، كما أنها لن تضيف أي ميزة جديدة، بل ستنقص من قدرته على الحركة .
ستضطر الحشرة إلى تحمل حمل زائد، وهو ما ليس في صالحها، لأنه سيضعف موقفها أمام المنافسين، علاوة على ذلك، وحسب المبدأ الرئيسي لنظرية التطور، فإن الاصطفاء الطبيعي سيؤدي إلى انقراض هذه الحشرة العاجزة .
و مع كل هذه الافتراضات تبقى الطفرة أمراً نادراً الحدوث . وعندما تحدث تتسبب في الإضرار بالحشرة وتؤدي في أغلب الحالات، إلى إمراضها مرضاً مميتاً . لهذا السبب من المستحيل أن تؤدي الطفرات البسيطة إلى بعض التشكلات في جسم اليعسوب لتتطور مع الزمن إلى الآلية الطيرانية . ولكن لو سلمنا جدلاً أن الادعاء الذي يقول به التطوريون صحيحاً، فلماذا لم يعثر على المتحجرة التي تصور الشكل "البدائي لليعسوب" في الحقيقة . لم يعثر العلماء على اختلاف واحد بين متحجرات أقدم يعسوب طار في سماء العالم وبين يعسوب اليوم، بمعنى آخر : لم يعثر على بقايا لـ "نصف يعسوب " أو " يعسوب بأجنحة بدائية " يسبق هذه المستحاثات المغرقة في القدم .
لقد خُلق اليعسوب كُلاً متكاملاً . مثله مثل كل الكائنات الحية ولم يتغير حتى يومنا هذا، أي إنه خُلق خلقاً ولم يتطور .
إذا انتقلنا إلى التكورين الهيكلي للحشرات، نجد أن الكيتين هي المادة الأساسية التي تتكون منها هياكل الحشرات، وهي مادة قوية ومرنة بما يكفي لضمان حركة العضلات . عند الطيران يمكن أن تتحرك الأجنحة إلى الأعلى والأسفل والأمام والخلف، وتسهل البنية المفصلية المعقدة هذه الحركة، يمتلك اليعسوب زوجين من الأجنحة أحدها متقدم على الآخر . تعمل الأجنحة بشكل غير متزامن، أي : إنه عندما يرتفع الجناحان الأماميان ينخفض الجناحان الخلفيان . تقوم مجموعات من العضلات المتعاكسة بتحريك الأجنحة، وتتصل هذه العضلات برافعات موجودة داخل الجسم، وفي حين تتقلص مجموعة من العضلات لتعطل عمل زوج الأجنحة، تتمدد مجموعة أخرى لتسمح للزوج الآخر بالانتشار، وعلى المبدأ نفسه ترتفع طائرات الهيليكوبتر وتنخفض، وهذا ما يمكن اليعسوب من المناورة والتقدم والتراجع أو تغيير الاتجاه بسرعة .

طور التحول ( الانسلاخ) في اليعسوب :

لا تتزاوج أنثى اليعسوب مرة أخرى بعد الإخصلاب . إلا أن هذا لا يشكل مشكلة بالنسبة للذكر من نوع كالوبتريكس فيرغوCaloteryx Virgo يمسك الذكر بالأنثى بواسطة الكلابات الموجودة في ذيله من رقبتها . وتلف الأنثى ساقيها حول ذنب الذكر . يقوم الذكر بتنظيف الأنثى من بقايا أي نطف من غيره من الذكور بواسطة امتداد من ذيله يدخله في التجويف التناسلي لدى الأنثى وبما أن هذه العملية تستغرق عدة ساعات . فإنهما يطيران في بعض الأحيان وهما في هذه الوضعية الملتصقة . يضع اليعسوب بيوضه في مياه البحيرات أو البرك الضحلة . وعندما تفقس اليرقات من البيوض تعيش في الماء من ثلاث إلى أربع سنوات . وخلال هذه السنوات تتغذى في الماء . لهذا السبب يكون جسمها في هذا الطور قادراً على السباحة بسرعة تؤهله للإمساك بسمكة، وفكاه قويان بما يكفي لتمزيق الفريسة .
عندما تنمو اليرقة يقسوا الغلاف الذي يحيط بجسمها، فتطرحه في أربعة أوقات متغايرة . وعندما يحين وقت الطرح الأخير تترك الماء وتتسلق نباتاً طويلاً أو صخرة . تستمر في الصعود إلى أن تكل أقدامها . بعد ذلك تؤمن نفسها بوضعية ثابتة بمساعدة الكلابات الموجودة في نهايات أقدامها، لأن زلة واحدة تعني الموت في هذه المرحلة .
يختلف هذا الطور عن الأطوار الأربعة السابقة في أن الله عز وجل يحول هذا المخلوق إلى مخلوق طائر من خلال عملية تحول رائعة .
يتكسر ظهر اليرقة أولاً، ثم يتسع الشق ليصبح شرخاً واسعاً يخرج منه مخلوق جديد مختلف كلياً عن المخلوق الأول . يخرج هذا الجسم الرقيق مؤمناً بأربطة ممتدة من المخلوق السابق .
خُلقت هذه الأربطة ببنية شفافة ومرنة مثالية، ولو لم تكن كذلك لانكسرت ولم تقدر على حملها، مما يعني سقوط اليرقة في الماء وتلاشيها .
علاوة على ذلك، هناك آليات خاصة تساعد اليعسوب في طرح جلده . يتقلص جسم اليعسوب ويصبح ملتفاً داخل الغلاف القديم . ولكي " يفتح " هذا الغلاف يتكون سائل خاص بالجسم ومضخة خاصة تستخدم في إنجاز العملية تنبسط الأجزاء الملتفة من الجسم بعد الخروج من الشق بفضل ضخ السائل الخاص . في هذه الأثناء يتم إفراز مادة كيميائية تتكفل بكسر الأربطة التي تصل السيقان الجديدة بالقديمة دون التسبب بأي أذى .
هنا تكون الأجنحة قد تطورت بشكل تام إلا أنها تبقى في وضع الطي أما السائل الخاص فيتم صخه من الجسم عبر تقلصات شديدة إلى خلايا الأجنحة . تترك الأجنحة لتجف بعد نشرها .
بعد أن يغادر اليعسوب جسمه القديم ويجف تماماً، يقوم بتجربة سيقانه وأجنحته، فيطوي وبمد سيقانه واحدة واحدة ويرفع ويخفض أجنحته في اختيار مدهش .
تنتهي الحشرة أخيراً إلى التصميم الطيراني، من الصعب على المرء أن يصدق أن هذه الحشرة الطائرة هي نفسها ذلك المخلوق الذي كان يُسروعاً يعيش في الماء .يقوم اليعسوب بطرح السائل الزائد للحفاظ على توازن النظام، وهنا تكون مراحل التحول قد انتهت وأصبحت الحشرة قادرة على الطيران .
مرة أخرى نواجه استحالة ادعاءات نظرية التطور عندما نحاول التفكير بعقلانية بأصل أو منشأ هذا التحول المعجز . تقول تلك النظرية : "إن المخلوقات أتت إلى الحياة من خلال تغيرات عشوائية، إلا أن عملية التحول عملية معقدة لا تحتمل أيي خطأ، مهما بلغت ضآلته في طور من الأطوار، فحدوث أي عائق ولو كان يسيطاً في أي طور من الأطولر سيتسبب في أيذاء هذه الحشرة أو هلاكها . التحول " عملية معقدة لا يمكن تجزئتها " وبالتالي برهان واضح على التصميم المعجز .
باختصار : يعتبر التحول في اليعسوب احد الدلائل التي لا حصر لها على خلق الله المعجز والمتقن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه . فعظمة الخالق تتجلى حتى في الحشرات تلك المخلوقات الضئيلة ............
المصدر : كتاب التصميم في الطبيعة تأليف الكاتب التركي هارون يحيى .

مشاركة الموضوع

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More